الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [القصص ٣٩]، ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ مِن الكبرياء وهي العظمة، والمعنى: أنه تَرقَّى وتعاظَم هو وجنوده، وزيادة الهمزة والسين والتاء للمبالغة وليست للاستدعاء؛ لأن الغالب أنَّ الهمزة والسين والتاء تكون للاستدعاء مثل: (استغفرَ له) يعني: طلب مغفِرَته، (استرحمه) طلب رحمتَه. لكن تأتي أحيانًا لِلمبالغة مثل: (استكبر) يعني: بالَغ في الكبرياء والعظمة.
﴿هُوَ وَجُنُودُهُ﴾، مَن جُنُودُه؟ الجُنْد في الأصل هم حاشية الإنسان وأنصاره، ويُطلق على كل مَن اتَّبعه فهو مِن جُنْدِه.
وقوله: ﴿فِي الْأَرْضِ﴾، متعلق بـ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾، و(أل) في (الأرض) للعهد الذهني، قال المؤلف: (أرض مصر) ليس الأرض كلها؛ لأنه لا سلطان له على بقية الأراضي، ولكن المراد أرض مصر، فعلى هذا تكون (أل) هنا لأي شيء؟ للعهد الذهني، لا للعموم.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ بيان للواقع؛ لأن الاستكبار كله مُخالفٌ للحق، ولكنه بيان للواقع زيادةً في تقبيحه، فالاستكبار قبيح، فإذا وُصف (...) صار أقبح وأقبح.
ونظير هذا قوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة ٦١]، ويمكن يكون قتل النبيين بحق؟ لا، كلُّ قتلِ النبيين بغير الحق، لكن ذَكَر ذلك للمبالغة في تقبيحه، وإلا في الواقع أنه ليس بحق.
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، والحق في الأصل هو الشيء الثابت، فإذا أُضِيف إلى (...) فالمراد به الصدق، وإذا أضيف إلى الأحكام المراد به العدل؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام ١١٥]. إذن انتفى عن هؤلاء باستكبارهم الحق من وجهين؛ حيث اتخذوا كذبًا وزورًا بما استكبروا به.
﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾.
﴿وَظَنُّوا﴾، هل المراد بالظن هنا الرجحان أو اليقين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: المتيقنين (...)؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما جحدوا (...)، فهل نقول: المراد به الرجحان، يعني ترجح عندهم أنهم راجعون، أو اليقين؟ كلاهما في الواقع يُنافي قولَه تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل ١٤]؛ لأنَّ مَن استيقن الشيء هل يظُن خلافَه؟ أن يستيقن أن ما جاء به موسى حق، هل يستيقِن خلافَه أو يظن خلافَه أيضًا؟ لا؛ لأن من استيقن الشيء فقد آمن به، لكن يبدو لي أنَّ الظن هنا إمَّا بمعنى الدعوة، يعني ادَّعَوْا أنهم إلينا لا يُرْجَعُون، أو أن المُراد به..
وهو فعله هنا فعل الظان.
وقوله: ﴿أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾ [القصص ٣٩] فيها قراءتان: ﴿لَا يَرْجِعُونَ﴾ بالبناء للفاعل وللمفعول، بالبناء للفاعل كيف أنطق؟ ﴿لَا يَرْجِعُونَ﴾ ، وبالبناء للمفعول: ﴿لَا يُرْجَعُونَ﴾، وأركان القراءة (...):
؎وَكُلُّ مَا وَافَقَ وَجْهَ نَحْوِ ∗∗∗ وَكَانَ لِلرَّسْمِ احْتِمَالًا يَحْوِي؎وَصَحَّ نَقْلًا فَهُوَ الْقُرْآنُ ∗∗∗ فَهَذِهِ الثَّــــــــــــــلَاثَةُالْأَرْكَـــــــــــانُ
فهنا ﴿يَرْجِعُونَ﴾ (...) أو لا؟ يعني ما اختلفت إلا بالشكل فقط.
ومعنى ﴿يَرْجِعُونَ﴾ أي: يعودون ويُردون إلى الله سبحانه وتعالى؛ إذ إن الكل سوف يرجع إلى الله، والإنسان راجع إلى الله في محياه ومماته، فهو بعد الموت يرجع إلى الله، وكذلك في الدنيا أمره راجع إلى الله، فهو الذي يدبره.
﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ﴾، الفاء عاطفة والمراد بها أيضًا السببية، أي: فبسبب استكباره هو وجنوده أخذناه ﴿وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ﴾ [القصص ٤٠]. شوف، مقابل الاستكبار ذكر الله تعالى عقوبتهم على وجه الاستهجان والتحقير: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ﴾؛ إذ إن النبذ هو الطرح، الطرح يعني بقوة، والمطروح بقوة هل هو عظيم ولا حقير؟ بل هو حقير؛ لأن العظيم ما يمكن، ما تستطيع أن تنبذه نبذًا، فهو (...) عظيم ما تقدر، إنما ينبذ نبذًا من كان هينًا حقيرًا، ولهذا قال: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ﴾.
(هم) يعود على الجنود ولا على من؟ على فرعون والجنود، ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ﴾، ولم يغنه هؤلاء الجنود شيئًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا شيء يقابله من قوة البشر.
﴿فَنَبَذْنَاهُمْ﴾ (طرحناهم).
﴿فِي الْيَمِّ﴾ [القصص ٤٠]، ﴿الْيَمِّ﴾ قال: (البحر المالح) احترازًا منين؟ من الأنهار؛ لأن الأنهار بحار، لكنها غير مالحة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [فاطر ١٢]، وقال: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ [الرحمن ١٩]، فسمى الله تعالى الأنهار والبحار المالحة سماها بحارًا.
وقوله: (البحر المالح) هذا بيان للواقع الذي وجد فيه فرعون وجنوده؛ لأنهم وجدوا في بحر القلزم أو القلزم، وهو البحر الأحمر الذي بين جُدة ومِصر، هذا الذي غرق فيه فرعون وقومه.
﴿فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾، وانظر إلى الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى أغرقهم إغراقًا في اليم؛ لأن فرعون كان يفتخر بأنهاره ويقول لقومه: ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف ٥١، ٥٢] فافتخر بالماء فأُغرق به.
* طالب: ﴿قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾.
* الشيخ: نعم ﴿قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الزخرف ٥١]، فأخرجه الله من ملك مصر وأهلكه بما كان يفخر به من الأنهار.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأن البحر المالح بعيد عن ملك مصر (...).
قال: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص ٤٠]، ﴿فَانْظُرْ﴾ الخطاب لمن؟ ﴿فَانْظُرْ﴾ يعني: يا محمد، أو: ﴿فَانْظُرْ﴾ أيها القارئ أو السامع؟ فالخطاب لكل من يصح توجيه الخطاب إليه، ماذا تقول؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: الأخير، أي: ﴿فَانْظُرْ﴾ يا من تسمع هذا الخطاب ويوجَّه إليك.
والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار، وهو النظر بالقلب؛ لأن العاقبة ما هي تنظر بالعين، اللهم إلا إذا سار الإنسان في آثارهم، فقد ينظر بعينه وبقلبه.
﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿كَيْفَ﴾ هنا للاستفهام، والمراد به التعظيم، يعني لعظم العاقبة، لكن لا تعظيم الرفعة، بل تعظيم العقوبة والعياذ بالله.
﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ فهو تفخيم لها وتعظيم لعاقبة وخيمة سيئة للغاية، محلها من الإعراب ﴿كَيْفَ﴾؟
* طالب: اسم استفهام.
* الشيخ: اسم استفهام مبني على الفتح في محل؟
* الطالب: نصب.
* الشيخ: نصب نعم.
* الطالب: مفعول (انظر).
* الشيخ: مفعول (انظر)! ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ﴾، ما يصح أن تكون مفعول (انظر)؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، إذا جعلناها مفعول (انظر) ما صار لها صدر الكلام، صارت متأخرة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، (...) بمفعول (انظر)، لكن أنا أريد إعراب ﴿كَيْفَ﴾ فقط.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: خبر.
* الشيخ: خبر؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ما هو بصحيح.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم خبرها مقدر، ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾، فـ﴿كَيْفَ﴾ هنا اسم استفهام (...) خبر مقدم لـ﴿كَانَ﴾.
وتقديم خبرها هنا واجب ولا جائز؟
* طالب: واجب.
* الشيخ: واجب.
﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾، ﴿عَاقِبَةُ﴾ بمعنى عقبى، وهي على صيغة اسم الفاعل، والمراد العقبى.
و﴿الظَّالِمِينَ﴾ هم الذين نقصوا حقوق أنفسهم وحقوق ربهم؛ لأن الظلم في الأصل النقص، قال الله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣]، أي لم تنقص.
وقوله: ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾، المراد بالظالمين هنا الكافرون ولَّا لا؟
* طالب: الكافرون.
* الشيخ: نعم الكافرون؛ لأنه يشير إلى ما جرى لفرعون وقومه، وهم ظالمون ظلم كفر؛ لأن الظلم ينقسم إلى قسمين: ظلم كفر، وظلم معصية دون الكفر. ففي قوله تعالى: ﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة ٢٧٩] (...) ظلم المعصية، المراد ظلم المعصية، وفي قوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤] المراد ظلم الكفر، وفي قوله: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة ٥٧] شامل للأمرين الكفر وما دونه.
(﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ حين صاروا إلى الهلاك).
إلى الهلاك بأتفه الأمور، وهو الماء، وهذه من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يأخذ كل إنسان بذنبه، كما قال الله تعالى في سورة العنكبوت: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت ٤٠] أي: بما يقتضيه ذنبه من العقوبة، عاد استكبروا في الأرض وتحدوا وقالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]، وقوله: ﴿خَلَقَهُمْ﴾ ولم يقل: إن الله (...) بكونه أشد منهم؛ لأن الخالق بلا ريب أقوى من المخلوق. بماذا أخذوا؟ أخذوا بألطف الأشياء، وهي الريح، أرسل الله عليهم الريح ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة ٧]، كل أيام الدهر، أرسلت إليهم في كل أيام الدهر، لو شاء الله لأرسلها عليهم في ليلة واحدة ودمرتهم تدميرًا، لكن لحكمة أراد أن يتعذبوا أكثر، ما أخذتهم جميعًا؛ أخذت مثلًا (...) ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [القمر ٢٠]، وهذا أشد عقوبة؛ لأنها لو جاءتهم مرة واحدة ودمرتهم ما تعذبوا؛ ماتوا وهلكوا وانتهى الأمر، لكن هذا أشد.
طيب إذن هنا أغرقوا باليم؛ لأنهم والعياذ بالله (...).
قال: (﴿وَجَعَلْنَاهُمْ﴾ في الدنيا ﴿أَئِمَّةً﴾ [القصص ٤١] بتحقيق الهمزتين) ﴿أَئِمَّةً﴾، (وإبدال الثانية ياءً)، كيف يقال؟ ﴿أَيِمَّةً﴾ ، والقراءة الثانية هنا سبعية.
قال: (رؤساء في الكفر)؛ لأن الإمام هو القائد الذي يُتبع، فهو والعياذ بالله ذو أثر في الكفر، وليسوا رؤساء فقط؛ رؤساء متبوعون في الكفر.
* طالب: (في الشرك).
* الشيخ: (في الشرك)، نعم، رؤساء في الشرك، يعني متبوعين. الإمام هو المتبوع، المعنى أنهم كانوا قادة والعياذ بالله إلى الكفر والشرك.
لكن هذا، يقول المؤلف: (﴿وَجَعَلْنَاهُمْ﴾ في الدنيا ﴿أَئِمَّةً﴾ ).
لو أنه أخر (في الدنيا) لكان أحسن، وقال: (﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ في الدنيا ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ [القصص ٤١])؛ لأن حقيقة الأمر أن إمامتهم بالكفر متى؟ في الدنيا، إمامتهم كانت في الدنيا، فهم جعلوا في هذه الدنيا أئمة، يعني متبوعين يُقتدى بهم في الكفر، فكل من أتى بعدهم وكان كفره استكبارًا فإنه مقتدٍ بهم.
وقوله: ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾، ليس إلى الإيمان، ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ بالقول أو بالفعل؟
بهما جميعًا، فهم قبل أن يهلكوا يدعون بالقول وبالفعل، وبعد أن هلكوا يدعون بالفعل؛ لأن من اقتدى الناس بفعله فهو في الحقيقة قد دعاهم إليه.
وقوله: ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾، قطعًا ما يدعونهم بأن يقولوا: يا ناس ادخلوا إلى النار، لو كان يقولون: يا ناس ادخلوا النار ما أطاعوهم، لكن ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ يدعون إلى العمل الموصل إليها، وهو الشرك والكفر، وبئس ما كانوا أئمة فيه، وهو الدعوة إلى الكفر بالله تبارك وتعالى والإشراك به.
طيب، وقوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [القصص ٤١].
﴿وَيَوْمَ﴾ هذا ظرف متعلق بـ﴿يُنْصَرُونَ﴾، يعني: وهم لا ينصرون يوم القيامة. في الدنيا أئمة متبوعون، لكن في الآخرة ﴿لَا يُنْصَرُونَ﴾، هم ما يستطيعون أن ينتصروا لأنفسهم، فلا يمكن أن يكونوا أئمة يُقتدى بهم.
وقوله: ﴿لَا يُنْصَرُونَ﴾ أي: لا يجدون من ينصرهم (بدفع العذاب عنهم)، ما أحد يدفع عنهم العذاب، لا هم ولا غيرهم أيضًا، حتى غيرهم ما يمكن أن يدفع عنهم العذاب.
(﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ خزيًا ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص ٤١، ٤٢] المبعدين).
﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾ الضمير يعود على من؟ على فرعون وجنوده، ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾ يعني: جعلناها تتبعهم بعد إهلاكهم. واللعنة في الأصل: الطرد والإبعاد، وفسرها المؤلف بلازمها وهو الخزي، أي أنه كل من ذكرهم يلعنهم ويطردهم ويبتعد عنهم، ولكن لا منافاة بين ما هنا وبين قوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ [القصص ٤١]؛ لأن الذي يأتم بهم هو الموافق لهم على كفرهم، أما من لم يهتم بهم فإنه يلعنهم.
وقوله: ﴿لَعْنَةً﴾ من الله ولا من غيره؟ منه ومن غيره، قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [البقرة ١٥٩]، فمن لعنه الله لعنه المؤمنون بالله، قال ابن مسعود رضي الله عنه في لعن النامصة والمتنمصة، قال: «وما لي لا أَلْعَنُ مَن لَعَنَهُ رسولُ اللهِ ﷺ»[[أخرجه البخاري (٥٩٤٣). ]].
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أيضًا ظرف متعلق؟
* طالب: بالنار.
* الشيخ: بالنار؟! بمحذوف حال من (هم)، يعني: وهم حال كونهم يوم القيامة من المقبوحين، أو متعلق بالمقبوحين (...) ما تقدم لنا من أن (أل) اسم موصول، واسم الموصول لا يعمل ما بعده بما قبله، فإما أن تجرد (أل) من المصدرية، أو يأتي ذلك على سبيل التوسع؛ لأنهم يتوسعون في الجار المجرور والظرف ما لا يتوسعون في غيره.
وقوله: ﴿هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص ٤٢]، أتى بالجملة الاسمية الدالة على أنهم هم في ذلك الوقت لا يمكن أبدًا أن يستحسن ما فعلوه أو يقربوا، بل إنهم في ذلك الوقت من المقبوحين المبعدين الذين يفضحهم كل من ذكرهم، فلا يمكن لأحد أن يقربهم.
إذن، عُوقب هؤلاء والعياذ بالله الذين كانوا يدعون إلى النار، عوقبوا بأمرين؛ بل بثلاثة أمور:
الأمر الأول: أنهم إذا حل بهم العذاب يوم القيامة لن يجدوا من ينصرهم؛ لأنه قال: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [القصص ٤١].
الأمر الثاني: العار الذي لحقهم من اللعنة التي لحقتهم إلى يوم القيامة؛ لقوله: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ [القصص ٤٢].
الأمر الثالث: أنهم يوم القيامة لا يمكن أبدًا أن يكونوا من المحبوبين المقرَّبين، بل هم من المقبوحين المطرودين المبعَدين (...).
* * *
(﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [القصص ٤٣] التوراة)، وهي كتاب بمعنى مكتوب، والجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، وهي: القسم، واللام الواقعة في جوابه، و(قد).
وهنا قد يقول قائل: لماذا تؤكد بهذه المؤكدات الثلاثة مع أنها ليست مخاطبةً لمنكر لها؟
فالجواب: أننا سبق أن قلنا: إن التأكيد ليس سببه إنكار المخاطب فقط، بل قد يكون سببه أهمية المخبَر عنه، فيؤكد بالقسم وباللام و(قد) وغيرها من المؤكدات.
(...)
* يستفاد من هذه الآية: بيان حال فرعون وجنوده، وأنهم قوم مستكبرون عن الحق متعالون عليه.
* ثانيًا: يستفاد منها أيضًا: أن من استكبر عن الحق ففيه شبه من فرعون وجنوده.
* ومنها، أي مِن فوائد الآية: وجوب الرضوخ للحق، فالإنسان يجب عليه أن يرضخ للحق، سواء وافق هواه أم خالفه.
* ومِنها: أن المستكبر ليس له حق في الاستكبار؛ لقوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾.
* ومِنها أيضًا: أن هؤلاء المستكبرين يعملون عمل من لا يظن أنه يرجع إلى الله؛ لأن من ظن أنه يرجع إلى الله فلن يستكبر عنه؛ إذ إنه يخاف منه، لكن من يستكبر هو من ظن أنه لا يرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
* ومنها: إثبات البعث؛ لأن قوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾ [القصص ٣٩] إثبات الظن، فيقتضي أن الرجوع إلى الله أمر ثابت.
* ويستفاد من قوله: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾؛ يستفاد منه: أن الذنوب سبب للعقوبة؛ لأن الفاء (...) تفيد السببية.
* ومنها: بيان عظمة الله سبحانه وتعالى؛ حيث أخذ هؤلاء العتاة بما لهم من القوة ونبذهم نبذًا كما ينبذ الإنسان نواة من (...)، نعم، وليس هذا تشبيهًا، لكن قصدي أنه لم يبال بهم ولم يعجزوا الله سبحانه وتعالى.
* ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى؛ حيث كان إهلاك فرعون وقومه بالماء الذي كان يفتخر به بقوله: ﴿يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الزخرف ٥١]، فإن هذا الذي كان يفتخر به كان محل هلاكه.
* ومنها: أن فرعون قد هلك فيمن هلك؛ لأن قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ [يونس ٩٢] ليس معناه أنه حي باقٍ، وإنما الذي أُنجي وظهر للناس هو بدنه فقط؛ ليكون لمن خلفه آية؛ لأن بني إسرائيل -كما قال أهل العلم- قد أرعبهم فرعون، فلولا أنهم خرجوا حتى شاهدوه ببدنه لكان عندهم نوع من القلق: هل هلك أو ما هلك، فإذا شاهدوه تيقنوا وزال عنهم القلق.
فإذن هو هالك فيمن هلك؛ لقوله: ﴿فَنَبَذْنَاهُمْ﴾.
* ومِنها، أي مِن فوائد الآية: أنه يُطلب من المرء -إما وجوبًا أو استحبابًا- أن يتأمل في عاقبة الظالمين: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾، فيتفرع على هذه الآية أنه ينبغي لنا أن نتعظ بعاقبة هؤلاء فلا نظلم مثلهم؛ لأنه ما دام عاقبة الظالم الهلاك فإن الإنسان يخشى أن يهلك إذا ظلم.
* ومنها: أن الظلم محرم؛ لأنه سبب للعقوبة، وما كان سببًا للعقوبة فإنه محرم، وسواء كان الظلم للنفس أو للغير فإنه محرم بجميع أنواعه، قال الله تعالى في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. ]].
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [القصص ٤١].
* يستفاد من هذه الآية: حكمة الله سبحانه وتعالى في مثل فرعون وقومه، في أن لإيجادهم حكمة؛ لأن الله قادر على أن يجعل المرء على الهدى، لكنه سبحانه وتعالى له الحكمة في أن يوجد مثل هؤلاء القوم الذين يدعون إلى النار.
* ويستفاد مِنها أيضًا: حكمة الله تعالى فيمن خلق من أمر الله، وأنهم بلاء وفتنة.
* ومنها: إثبات الإمامة في الشر كما هي ثابتة في الخير، فانظر إلى هذه في آل فرعون، وانظر إلى هذه في بني إسرائيل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة ٢٤]، ففرق بين من يقود الناس بأمر الله، من يقودونهم بشريعته، وبين من يدعون إلى النار.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الدعاء إلى النار وإلى الخير أيضًا كما يكون بالقول يكون بالفعل، يكون بالقول ويكون بالفعل، وأيهما أقوى؟ قد يكون الدعاء بالقول أقوى وقد يكون الدعاء بالفعل أقوى، نعم، إنما على كل حال الدعاء بهذا وبهذا ثابت، فإن الإنسان يدعو الناس بمقاله وبحاله.
* ومنها: إثبات يوم القيامة في قوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾، وسُمي (يوم القيامة) لأمور ثلاثة:
أنه يقوم الناس فيه من قبورهم إلى رب العالمين، وأنه يُقام فيه العدل كما قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء ٤٧]، وأنه يقوم فيه الأشهاد: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١]. فلهذا سُمي يوم القيامة، لماذا سمي يوم القيامة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ذكرنا الآن ثلاثة أسباب الآن.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما (...)، لا تعتمد على (...) كان ربما يأتي مسائل تشكل عليه.
* ومنها أيضًا، يستفاد من الآية الكريمة: أن آل فرعون لا ناصر لهم في الآخرة، ومثلهم من كان على شاكلتهم من المستكبرين عن الحق، فإنهم لا يجدون من ينصرهم من عذاب الله إذا نزل بهم في ذلك اليوم.
﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص ٤٢].
* يُستفاد مِن هذه الآية: أن عقوبة آل فرعون كانت ممتدة إلى يوم القيامة بالذكرى السيئة لهم، ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾؛ فإن كل من ذكر آل فرعون يذكرهم بالسوء والبغض والكراهية.
* ومنها أيضًا، مِن فوائد الآية: تحقير الدنيا؛ فإن قوله: ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ إشارة للقريب؛ لدنو مرتبته وأنها دنيا، والدُّنيا: مؤنث أدنى، وهي من الدنو الحسي والمعنوي؛ أما الدنو الحسي: فلسبقها على الآخرة، فهي أدنى إلى المخلوقين من الآخرة، وأما الدنو المعنوي: فلما تتضمنه من النقص في جميع كمالاتها، فما من كمال في الدنيا إلا وهو ناقص، والآن لو تأملت جميع المضار والمنافع الدنيوية تجدها مشوبةً بالضرر والخطر، حتى الزمان كما قال الشاعر:
؎فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّْ
لو تأملت هذا لوجدته دائمًا، نعم، وعلى هذا نقول: الدنيا نُسبت لذلك لأمرين: الدنو الحسي والمعنوي، الدنو الحسي: قربها، لسبقها على الآخرة، والدنو المعنوي أنه ما فيها شيء (...) إلا وهو مشوب بنقص.
* ومِن فوائد الآية: أن اللعنة - والعياذ بالله - التي وزعت (...) تكون عليهم في الآخرة؛ لقوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص ٤٢]؛ لأن المقبح معناه المبعد المقبوح، واللعن هو الطرد والإبعاد.
* * *
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [القصص ٤٣].
﴿آتَيْنَا﴾ بمعنى أعطينا
واعلم أن إيتاء الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: إيتاء شرعي وإيتاء قدري، فما تعلق بالكون والخلق فهو إيتاء قدري، وما تعلق بالشرع فهو إيتاء شرعي.
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة ٥٩]، هذا إيتاء شرعي، والمراد به قسم الصدقات أو الفيء.
ومثل ﴿آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ شرعي ولا قدري؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أو قدري، إي؛ لأن الإنزال -إنزال القرآن- من الأمور التي تتعلق بمشيئة الله، لا بشرعه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: العمل بالكتاب شرعي.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما يكون؛ لأن أصل الإنزال قدري يتعلق بمشيئة الله وقدره، لكن العمل به شرعي.
وقوله: ﴿آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾، (موسى) مفعول أول لـ(آتينا)، و(الكتاب) مفعول ثان، وهي من باب (ظن).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: من باب (كسا)؛ لأنه إذا لم يكن الأول مبتدأ والثاني خبرًا، فهو من باب (...)، لو قلت: (موسى الكتابُ) يصلح؟ ما يصلح، فكل مفعولين لا يصح أن يكون أحدهما مبتدأ والثاني خبرًا فهما من باب (كسا)، وما صح أن يكون مبتدأ وخبرًا فهما من باب (ظن).
وقوله: ﴿الْكِتَابَ﴾، يقول: (التوراة)، وهو (فعال) بمعنى (مفعول)؛ لأن التوراة مكتوبة، فإن الله تعالى كتبها بألواح وأعطاها موسى.
وقال: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ [القصص ٤٣]، متعلق بـ﴿آتَيْنَا﴾. يعني: أعطيناه إياه من بعد ما أهلكنا القرون الأولى.
القرون: جمع قرن، والمراد بهم الأمم، وقد يُراد به الفترة من الزمن، ومقدارها مئة سنة. فالقرون تارةً يراد بها الأمم، وتارة يراد بها أحقاب الزمن. وهنا المراد أحقاب الزمن ولا الأمم؟ الأمم؛ لأن أحقاب الزمن ما تهلك، الذي يهلك الأمم.
(﴿أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم).
(قوم نوح).
* طالب: (...).
* الشيخ: عندي هنا (وعاد)، عندكم (وعادًا) ولا لا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما فيها شك (...)، هو الوجه أن يقال: (قوم نوح وعادًا وثمود)، أما (ثمود) فلا تنصرف، لكن الكلام على (عاد) (...) تفسير للقرون.
طيب، هم: (قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم).
هؤلاء هم القرون الأولى، وإنما قال الله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾، إشارةً إلى أن الناس كانوا في حاجة إلى مثل هذا الكتاب الذي نزل على موسى؛ لأن القرون أهلكت وتطاول الزمن، فاحتاج الناس إلى رسالة، فأرسل الله تعالى موسى بهذا الكتاب الذي هو التوراة.
وقيل: إن القرون الأولى تشمل حتى آل فرعون؛ لأن التوراة ما نزلت على موسى إلا بعد أن أهلك الله قرن فرعون وقومه، وأنه يشمل حتى هؤلاء، حتى إن بعض العلماء استنبط منها أنه لم تهلك أمة بعد نزول التوراة، يعني (...) وأن هذا من فوائد قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ [القصص ٤٣]؛ لأن إهلاك الأمم السابقة مضى وانقضى، ولا إهلاك بعد نزول التوراة.
وفي الحقيقة أن من تأمل التاريخ وجد أنه لم تهلك أمة بعد نزول التوراة، ما هلكت أمة، لكن هل قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ يشير إلى هذا؟ هذا هو محل النظر والمناقشة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما حصل هلاك عام، (...)، أما أنه هلاك عام ما حصل، فالمهم هذه (...).
قال: (﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾ [القصص ٤٣] حال من الكتاب).
وين (الكتاب)؟
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ ﴿بَصَائِرَ﴾، و﴿بَصَائِرَ﴾ (جمع بصيرة وهي نور القلب) كما أن (بصر، وأبصار) نور العين، فنور القلب يسمى بصيرة وبصائر، ونور العين يسمى بصر وأبصارَا ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ﴾ [الأحقاف ٢٦].
وقوله: ﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾، (أل) هنا للعهد الذهني، وليست للعموم؛ لأن التوراة لم تنزل إلا لمن؟ لقوم موسى فقط، كما قال النبي ﷺ: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٨) ومسلم (٥٢١/٣) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ]] خذوا بالكم من هذا.
طيب، وقوله: ﴿لِلنَّاسِ﴾، هل يخرج الجن؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، من حيث التكليف والإلزام يخرج الجن، فإنه لم يكلف أحد برسالة أحد من الرسل من الجن، لكن من حيث العمل يمكن أن يستبصر بها الجن، كما قالوا: ﴿يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأحقاف ٣٠]، فإن الظاهر أنهم كانوا انتفعوا بما أنزل على موسى كما انتفعوا بالقرآن.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما يجب عليهم؛ لأنه الرسول يقول: «يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ» » والجن ليسوا منهم.
وقوله: ﴿لِلنَّاسِ﴾، أنا ذكرت أن (أل) هنا للعهد الذهني، طيب.
قال: (جمع بصيرة، وهي نور القلب، أي: أنوارًا للقلوب)، وهكذا جميع الكتب التي ينزلها الله عز وجل تكون أنوارًا للقلوب؛ لأنه يكون بها الاقتداء، ولهذا قال: (﴿وَهُدًى﴾ من الضلالة لمن عمل بها).
تقييد المؤلف (لمن عمل بها) غير وجيه، والأولى إبقاء الآية على ظاهرها، أن التوراة هدًى، لكن هذا الهدى ما ينتفع به إلا من وُفق، فهي هدًى من الضلالة بلا شك، لكن هل ينتفع بها ويهتدي بها كل أحد؟ لا، كما قال الله تعالى في القرآن: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة ١٨٥]، وقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة ٢]، ففي الأول هدى دلالة، وفي الثاني هدى توفيق.
التوراة، إذا قلنا: هدًى لمن عمل بها قيدنا الآية بهدى التوفيق مع أنها مطلقة، ولهذا الأولى أن نقول: هدًى من الضلالة في كل أمر، كما قال: ﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾، نقول: وهدًى أيضًا للناس، ولكن الهدى الذي بمعنى الدلالة عام، والهدى الذي بمعنى الاهتداء -يعني يهتدي بها الإنسان- هذا خاص لمن وُفق له.
(﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن به).
هذه نعم، (...) أن المقام يقتضي التخصيص، أنه رحمة، لكن لا لكل أحد، إلا أن يقال: رحمة أي وسيلة للرحمة، فإذا قلنا: إن (رحمة) أي وسيلة صار عامًّا. نقول: هدًى باعتبار العلم، ورحمة باعتبار العمل؛ لأن من عمل به فهو مرحوم. وأما الهدى فهو باعتبار العلم، كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ [التوبة ٣٣]، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، أي ما تكون رحمة لغيره، هي هدى، الهدى نعم هدًى لكل أحد.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هو بالظاهر، الظاهر أنها لو قُيدت تقييدًا مثلما قال المؤلف؛ لأنه ما يرحم بها إلا من عمل بها، ما يرحم بها إلا من عمل فقط.
﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص ٤٣].
(لعل) هنا معناها التعليل، أما عملها فهي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، وخبرها جملة ﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾، قال: (يتعظون بما فيه من المواعظ)، يعني بما في الكتاب - اللي هو التوراة - من المواعظ.
﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، كلمة ﴿يَتَذَكَّرُونَ﴾ الضمير يعود على من أُنزلت عليهم التوراة، وهم بنو إسرائيل.
قال الله تعالى لنبيه ﷺ: (﴿وَمَا كُنْتَ﴾ يا محمد ﴿بِجَانِبِ﴾ الجبل أو الوادي أو المكان ﴿الْغَرْبِيِّ﴾ [القصص ٤٤] من موسى حين المناجاة).
﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ (جانب) بمعنى جهة، جانب الشيء جهته أو طرفه.
وقوله: ﴿الْغَرْبِيِّ﴾ صفة لموصوف محذوف، ما هذا الموصوف؟ قال المؤلف: (الجبل أو الوادي أو المكان)، و(أو) هنا ليست للتخيير ولكنها للتمييز؛ لأن بعضهم يقول: المراد به الجبل، وبعضهم يقول: المراد به الوادي، وبعضهم يقول: المراد به المكان، وكلمة (المكان) أعم لأنها تشمل أن يكون واديًا أو جبلًا، وموسى كما تعلمون نزل من جانب الطور، وهو في الوادي المقدس، فالآية (...) والذي يضبط الوادي أو المكان أو الجبل هو كلمة (...).الجانب الغربي منه، يعني كأنه قال: بالجانب الغربي من الجبل، فيكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته، مثلما يقال: (مسجد الجامع) أي: المسجد الجامع.
على هذا التقدير الأخير يكون المراد الغربي من نفس الجانب، ﴿بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ أي: بالجانب الغربي من الجبل، أما على رأي المؤلف فهو يقول: ﴿بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ بجانب المكان (الغربي) صفة لـ (جانب) من موسى وهو يكلم الله، وحينئذ نقول: موسى إذا كان وجهه إلى السماء والجانب الغربي منه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: على فرض الغرب، وإذا كان وجهه إلى الشرق، فالجانب الغربي منه يكون وراءه؛ لأن المتجه إلى الشرق يكون الجانب الغربي منه خلفه. وأنا الآن ما أتصور هل كان موسى بجانب الجبل من الشرق أو من الشمال. وعلى كل حال فـ(الغربي) نسبة، قد تكون مثلًا القصيم غربًا بالنسبة لمكان، وشرقًا بالنسبة لمكان آخر، بالنسبة لمكان المدينة تكون غربًا أو جنوبًا، وبالنسبة للكويت تكون غربًا.
المهم أنك ما كنت بذلك الجانب (حين المناجاة ﴿إِذْ قَضَيْنَا﴾ أوحينا إلى موسى الأمر بالرسالة إلى فرعون وقومه).
﴿إِذْ قَضَيْنَا﴾، يقول المؤلف: (أوحينا)، وعلى هذا فالقضاء شرعي ولا كوني؟
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب يتعلق بالمشيئة، لكن المؤلف جعله شرعيًّا؛ لأن قضينا الأمر بالرسالة يعني: أمرناه به، فجعل الأمر هنا واحد الأوامر، وليس واحد الأمور، وإذا جعلناه واحد الأوامر صار هنا المراد بالقضاء: الشرعي.
ويحتمل أن المراد بالأمر هنا واحد الأمور، أي: قضينا إليه ذلك الشأن العظيم وهو الرسالة، كما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى ٥٢]، فهذا الواحد واحد الأمور، وليس واحد الأوامر، وعلى هذا فيكون القضاء كونيًّا.
والقضاء كما تعرفون ينقسم إلى قسمين: قضاء كوني، وقضاء شرعي. فالقضاء الكوني لا بد من وجود المقضي، والقضاء الشرعي قد يوجد وقد لا يوجد. والقضاء الكوني يكون محبوبًا إلى الله ويكون مكروهًا إليه، والقضاء الشرعي لا يكون إلا محبوبًا إليه؛ لأنه بمعنى الأمر.
فمثلًا قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء ٤]، هذا قضاء كوني، يحبه الله ولا يكرهه؟ يكرهه.
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣]، هذا قضاء شرعي؛ لأنه لو كان قضاءً كونيًّا للزم أن الناس كلهم يعبدون الله، وليس الأمر كذلك، وقضينا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هذه الآية (...)، أما الاجتماع ما يمكن إلا في أمر وقع، مثلًا لو قلنا: قضى الله تعالى لأبي بكر أن يسلم، فهذا قضاء قدري شرعي؛ لأنه أمره بالإيمان فآمن، ونقول: قضى الله لأبي لهب أن يؤمن.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، قد يؤمن، هذا قضاء شرعي وليس كونيًّا، وقضى الله لأبي لهب أن يكفر هذا قضاء كوني، إي نعم.
قال: ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص ٤٤]، على رأي المؤلف: واحد الأوامر، ولهذا قال: (﴿الْأَمْرَ﴾ بالرسالة إلى فرعون وقومه)، أو نقول: إن الأمر واحد الأمور، وهو (...) الذي هو الرسالة إلى فرعون وقومه.
وكلام المؤلف في الحقيقة محتمل، فيبقى الأمر بالرسالة (...) مراده: واحد الأمور، فيكون هذا (...) للرسالة.
(﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [القصص ٤٤] لذلك فتعلمه فتخبر به).
﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ [القصص ٤٦] ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾، ما فيها تكرار؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا تأتي من الله تعالى؛ لأن الأصل عدم التكرار.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، نقول: الآية ما فيها تكرار؛ لأن من كان بالجانب قد يرى وقد لا يرى، ولهذا قال: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾.
طيب، إذا قال قائل: لماذا لم يـقتصر على قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾؟
قلنا: أيضًا نفس الشيء؛ لأن الإنسان قد يشاهد من بعد ولا يكون قريبًا، فهنا تضمن أنه قريب وأنه شاهد. ففرق بين أن نقول: (ما كنت شاهدًا) يعني: ما كنت حاضرًا أو مشاهدًا بعينك ولو كنت بعيدًا. ولهذا ليس في الآية الكريمة تكرار، ولكن فيها شيئًا من التوكيد، يعني: لا حضر ولا نظر، كما يقول هنا، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما كان حاضرًا حتى يسمع ولا كان قريبًا حتى يشاهد.
طيب، إذن فيكون ما أخبر به عن ذلك من باب الوحي، لا من باب المشاهدة ولا من باب السماع، ولكنه وحي أُوحي إليه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الوحي بالرسالة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، هذا على خلاف (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: كما سيأتي أيضًا (...).
يقول: (﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا﴾ [القصص ٤٥] أممًا من بعد موسى).
﴿أَنْشَأْنَا﴾ أي: أوجدنا وخلقنا أممًا، ﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ [القصص ٤٥].
(تطاول) أي: زاد في الطول، فالتاء والألف للمبالغة، وقوله: ﴿الْعُمُرُ﴾ المعنى: الزمن؛ لأن الأعمار هي الأزمان، قال: (أي: طالت أعمارهم فنسوا العهود واندرست العلوم وانقطع الوحي، فجئنا بك رسولًا وأوحينا إليك خبر موسى وغيره).
قوله: ﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا﴾، الاستدراك هنا ما يقتضي إبطال ما سبق، يعني ليس المعنى: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا﴾ [القصص ٤٤، ٤٥] فشهدت، ولكن هذا الاستدراك لتفهيمنا، والمعنى أن العهود طالت وأنت لست بشاهد ولا بحاضر، ولما طالت العهود صار الناس محتاجين إلى الرسالة، فأوحينا إليك بما جرى وأرسلناك إلى الناس، والله أعلم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هذا، يقال والله أعلم: إنه لما كان في الأرض الواحدة (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: كذلك (...)، وهؤلاء القوم ما داموا في أرض واحدة (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هذا الإلزام بعض العلماء يقول: إنه للنبي، أنه ما يلزم (...) بدليل قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ﴾ [سبأ ٤٠].
(...) من عند الله؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [القصص ٤٣]، وهي أحد الكتب الثلاثة الباقي أثرها، وهي الإنجيل والقرآن.
* ويستفاد منه: أن إتيان التوراة كان بعد إهلاك الأمم السابقة ومنهم فرعون، واستنبط منها بعض العلماء من قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ [القصص ٤٣] أنه لم تهلك أمة على العموم بعد نزول التوراة؛ لأنه قال: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ﴾، وكأنه بعد نزول التوراة ما أهلك أحد من القرون، وهذا الاستنباط ليس ببعيد؛ لأن الواقع يصدقه.
* طالب: (...) ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾؟
* الشيخ: لا، ما ذكرناها.
* طالب: ذكرنا الفوائد هذه بالشرح.
* الشيخ: إي نعم، ما (...).
* ويستفاد من هذه الآية: أن الكتب النازلة من السماء، أنها أنوار للناس يهتدون بها؛ لقوله: ﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أن التمسك بشرائع الله تكون به الرحمة؛ لقوله: ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الكتب النازلة من السماء هي التي بها الهدى من الضلالة؛ لقوله: ﴿وَهُدًى﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الحكمة من إنزال هذه الكتب تذكر الناس بما فيها من المواعظ؛ لقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.
* ومِن فوائدها أيضًا: إثبات الحكمة في أفعال الله سبحانه وتعالى وكذلك في شرائعه؛ لأن (لعل) معناها التعليل، فيستفاد منها إثبات الحكمة في أفعال الله وشرائعه.
من الذي أنكر الحكمة؟ هم الجهمية، يقولون: إن الله تعالى ليس له حكمة فيما يفعل وفيما يشرع، وإنما هو لمجرد مشيئة.
قال: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [القصص ٤٤].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: تقرير رسالة النبي ﷺ، وذلك بما أخبر به عن هذه الوقائع التي ليس حاضرًا فيها ولا شاهدًا.
* ومنها أيضًا، مِن فوائد الآية: أن الوحي يسمى قضاءً؛ لقوله: ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾.
* ومِن فوائدها أيضًا: أن الوحي ذو شأن عظيم؛ لأن الله سماه الأمر بـ(أل) الدالة على العظمة والكمال. ولا ريب أن أعظم الأمور ما جاءت به الرسل من وحي الله سبحانه وتعالى، لما فيه من مصلحة البلاد والعباد.
* ومنها أيضًا: أن الإنسان لا يقبل خبره إلا إذا كان حاضرًا يسمع أو شاهدًا يرى؛ لقوله: ﴿وَمَا كُنْتَ﴾، وقوله أيضًا: ﴿وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾، فإن الذي يمكن أن يخبر هو من حضر فسمع أو من قرب فشاهد. أما إنسان بيخبر بدون شهادة أو بدون شهود ولا حضور، فإنه لا يقبل خبره. وهذا أمر معلوم من الشرع من جهة أخرى من آيات أخرى وأدلة أخرى: أن الإنسان ما يشهد إلا بما علم برؤية أو سماع أو غيرهما من أسباب العلم.
* * *
﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ [القصص ٤٥].
قال: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا﴾، نخلي الفائدة مع آخر الآية.
(﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا﴾ مقيمًا ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ )، والمراد بأهل مدين القوم الذين أتى إليهم موسى عليه الصلاة والسلام وجرى معه ما ذكر من استئجاره وتزويجه وسيره بأهله. فهل الرسول عليه الصلاة والسلام كان مقيمًا في أهل مدين حتى يخبر عما حصل منه؟ الجواب: لا. إذن فما جاء به من أخبار أهل مدين فإنه عن طريق الوحي.
وقوله: ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾، (﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ خبر ثان)، وين الخبر الثاني؟ جملة ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ﴾، يعني: وما كنت تتلو عليهم آياتنا (فتعرف قصتهم فتخبر بها).
وقوله: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ الضمير ظاهر كلام المؤلف، وهو أيضًا ظاهر سياق الآية، أنه يعود إلى أهل مدين: ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ (فتعرف قصتهم وتخبر بها). وقال بعض العلماء، أي بعض المفسرين: إن الضمير يعود على قريش، يعني: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾، فـ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ﴾ القصة التي قصصتها بـ﴿آيَاتِنَا﴾، وهذا أقرب إلى المعنى، وإن كان الأول أقرب إلى اللفظ؛ لأن الضمير يعود على أقرب مذكور، لكنه ما يعود على أهل مدين إلا بتعسف شديد. فالصواب أنه يعود على قريش، يعني: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ فـ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ﴾ القصة التي جاءت بـ﴿آيَاتِنَا﴾.
إذن فأنت رسول؛ لأنك أتيت بما لم تكن شاهدًا فيه، ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾.
ولهذا قال: (﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [القصص ٤٥] لك وإليك بأخبار المتقدمين).
(﴿مُرْسِلِينَ﴾ لك) إلى الناس، (وإليك) بالوحي، فالرسول عليه الصلاة والسلام مرسل للناس ومرسل إليه.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾.
(كان) فعل ماض، وهي مسلوبة الزمن، والمقصود بها اتصاف اسمها بخبرها.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّا﴾، هذه (نا) للجماعة، و(كنا) للجماعة، و﴿مُرْسِلِينَ﴾ جمع، مع أن الله تعالى واحد أحد، ولكن ذلك للتعظيم؛ لأن (نا) للمتكلم المعظم نفسه، أو للمتكلم ومعه غيره، وهي بجانب الله - بلا شك - للمتكلم المعظم نفسه.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾، ولم يقل: ولكن أرسلناك. كما قال في الآية التي قبلها: ﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا﴾ [القصص ٤٥]؛ لأن الرسالة ما زالت في الخلق منذ اختلفوا إلى آخر الرسل: محمد ﷺ. ومتى اختلفوا؟ اختلفوا بعد آدم، بعد أن مضت قرون إما عشرة أو أقل أو أكثر اختلف الناس، قال الله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢١٣]، فتقول الآية: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فأنزل الله.
* طالب: شيخ، قوله تعالى: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ [الجاثية ١٧]، أيش (...)؟
* الشيخ: اللي بالوحي، لكن المراد بهذا اختلاف بني إسرائيل، ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ هذا لبني إسرائيل، أما الأولى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ﴾، وفيها قراءة لكنها غير سبعية ﴿فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ﴾، وهذه القراءة يدل عليها قوله: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾.
(﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ لك وإليك بأخبار المتقدمين)، والفائدة من ذكر أخبار المتقدمين للرسول ﷺ ليتلوها على الناس، الفائدة: تقرير أنه نبي؛ لأنه ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه، فإذن يكون ما أخبر به عمن سبق، يكون من باب الوحي المجرد.
قال الله تعالى: (﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾ الجبل ﴿إِذْ﴾ حين ﴿نَادَيْنَا﴾ [القصص ٤٦] موسى أن خذ الكتاب بقوة).
﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾، هذا خبر آخر غير الخبر الأول الذي فيه ابتداء الوحي؛ لأن الله تعالى بعدما أهلك القرون الأولى وعد موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، واختار من اختار من قومه ثم ذهب إلى الله سبحانه وتعالى لمناجاته وإنزال التوراة عليه.
يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ﴾، (جانب) أي: جهة الطور، أو قُرب الطور، و الطور هو الجبل المعروف في سيناء.
(﴿إِذْ﴾ حين ﴿نَادَيْنَا﴾ )، أفادنا المؤلف بأن (إذ) هنا ليست تعليلية ولكنها ظرفية، وهي ظرف لما مضى من الزمان، و(إذا) ظرف لما يُستقبل، و(إذن) ظرف للحاضر. فبهذا استكملت الظروف الثلاثة: (إذا) للمستقبل، و(إذ) للماضي، و(إذم) للحاضر.
قال: (﴿إِذْ نَادَيْنَا﴾ موسى أن خذ الكتاب بقوة)، وهل الله قال له: خذ الكتاب بقوة؛ لموسى، ولَّا لبني إسرائيل حين رفع فوقهم الطور، قال: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [الأعراف ١٧١]؟ فالظاهر أن المؤلف توهم في هذا، نعم.
وخلنا نتأمل بعد في قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف ١٤٥]، وأيش اللي قبلها؟ شوف في سورة الأعراف، أيش الآية؟
* طالب: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾.
* الشيخ: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف ١٤٥]، إذن قول المؤلف: (أن خذ الكتاب بقوة) بالمعنى أتى بها، وإلا فالله يقول: ﴿فَخُذْهَا﴾ أي الألواح اللي فيها التوراة ﴿بِقُوَّةٍ﴾، يصير إذن أمر موسى أن يأخذها بقوة أن يأخذ الألواح بقوة.
فعلى كل حال كلام المؤلف إذن صواب، بس إنه أتى به بالمعنى لا باللفظ: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾، أي: خذ هذه الألواح ﴿بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف ١٤٥].
يقول الله عز وجل: (﴿وَلَكِنْ﴾ أرسلناك ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّك﴾ [القصص ٤٦])، أخذنا أن قوله: ﴿رَحْمَةً﴾ مفعول لأجله عاملها محذوف، والتقدير: أرسلناك رحمةً، وقوله: ﴿رَحْمَةً﴾ ليس المعنى أنه هو الرحمة، ولكن المعنى أنه أُرسل للرحمة، ليرحم به، فالرحمة من الله سبحانه وتعالى، وأرسله الله رحمةً؛ كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء ١٠٧]، ليس المعنى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا﴾ حال كونك ﴿رَحْمَةً﴾، ولكن: إلا من أجل الرحمة، فبين المعنيين فرق.
﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّك﴾، أضاف الربوبية إلى الرسول ﷺ على سبيل التخصيص والتشريف، وهذه هي الرحمة الخاصة، وهناك رحمة عامة.
وفيها دليل - أي في قوله: ﴿مِنْ رَبِّك﴾ - على أن إرسال النبي ﷺ إلى الخلق ليرحموا به، أنه من الربوبية الخاصة؛ لأن من نعمة الله على العبد أن يلهمه هدًى ليهدي الناس به، فإن هذا في الحقيقة من أكبر النعم.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أوحي إليه ليرحم الخلق بما أوحي إليه، وهذا من مقتضى الربوبية الخاصة، ولهذا قال: ﴿مِنْ رَبِّك﴾، ولم يقل: (من ربهم)؛ ﴿مِنْ رَبِّك﴾ الذي رباك تربية خاصة.
﴿لِتُنْذِرَ﴾، اللام هنا حرف جر؟
* طالب: لام التعليل.
* الشيخ: إي، ما هي حرف جر؛ لأنها داخلة على (أن) المقدرة، أي: (لأن تنذر)، ثم تحول إلى مصدر فيكون: (لإنذارك قومًا)، ولهذا على مذهب البصريين، تقول: اللام حرف جر، و(تنذر) فعل مضارع منصوب بـ(أن) مضمرةً جوازًا بعد اللام؛ على رأي الكوفيين، يقولون: إن اللام هي الناصبة، فيقولون: اللام لام (كي) وهي ناصبة. لكن البصريين أدق منهم في هذه الناحية، بل حقيقة الأمر أن اللام حرف جر، وأن (أن) هي الناصبة مقدرة.
طيب، أين متعلق ﴿لِتُنْذِرَ﴾؟ متعلقها هذا المحذوف الذي قدره المؤلف: (أرسلناك).
﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾، الإنذار هو الإعلام بما يُخاف، هذا الإنذار: الإعلام بما يخاف، والإعلام بما يُرغب ويش يُسمى؟
* طالب: بشارة.
* الشيخ: بشارة أو تبشير.
وقوله: ﴿قَوْمًا﴾ المراد بهم قريش، ولا يعني ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام مبعوث إليهم خاصة، ولكن لأن أول من أنذرهم كانت قريشًا، وإلا فقد بعث لهم ولغيرهم، قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ﴾ من قريش وغيرهم ﴿نَذِيرًا﴾ [الفرقان ١].
﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾.
﴿مَا﴾ نافية، و﴿أَتَاهُمْ﴾ بمعنى جاءهم، و﴿مِنْ﴾ حرف جر زائد إعرابًا لا معنًى، و﴿نَذِيرٍ﴾ فاعل (أتى)، يعني: ما جاءهم نذير.
وفائدة زيادة (مِن) التنصيص على العموم، في كل الأزمان الماضية ما أتاهم أحد ينذرهم قبل الرسول ﷺ.
وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ﴾، جملة ﴿مَا أَتَاهُمْ﴾ في محل نصب صفة لأيش؟
* طالب: لـ﴿قَوْمًا﴾.
* الشيخ: صفة لـ﴿قَوْمًا﴾.
وقوله: ﴿مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾، قال المؤلف: (وهم أهل مكة) هذا تفسير لـ﴿قَوْمًا﴾.
إذا قال قائل: أليس إسماعيل رسولًا؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: طيب، إذن هو قد أتاهم قبل النبي ﷺ، أو لا؟
* طالب: المراد أولاده، وأولاده ما (...).
* الشيخ: أو يقال: إنه لما طال العهد حتى انمحت صاروا محتاجين إلى نذير ولم يأتهم نذير، فمَا أتاهم من نذير بعد أن انقرضت معالم رسالة إسماعيل، وإلا فلا ريب أن إسماعيل مرسَل إليهم؛ لأنه نبي، ولكنه انقرضت، ولهذا كان من دعاء إسماعيل وإبراهيم أنهما قالا: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة ١٢٩]، وأجمع المفسرون على أن المراد به محمد ﷺ، فمنذ إسماعيل إلى أن بُعث الرسول عليه الصلاة والسلام ما جاءهم نبي، وانقرضت معالم النبوة، وكان أول من غيَّرها عمرو بن لُحَيٍّ الخُزاعي، فإنه هو الذي أدخل عبادة الأصنام وأدخل السوائب على العرب حتى انمحت به الحقيقة[[أخرج ابن حبان (٧٤٩٠) عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: «عرضت علي النار فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، وكان أول من غير عهد إبراهيم وسيب السوائب...».]].
* طالب: ولا لهم علاقة (...)؟
* الشيخ: لا، ما لهم علاقة؛ لأن رسالة موسى وعيسى إلى قومهما، إلى بني إسرائيل.
﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص ٤٦].
(لعل) هذه للتعليل، وهي متعلقة بـ(تنذر)، تنذرهم لأجل أن يتذكروا، أي: (يتعظون) بما جئت به. وهذا التعليل سنذكر في الفوائد إن شاء الله ما هي فائدته.
* طالب: خبر (ما) النافية؟
* الشيخ: ما هي خبر؛ لأنها ما دخلت على اسم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، تُزاد في خبر (ما)، لكن هنا (ما) دخلت على جملة اسمية.
* الطالب: القاعدة في الزيادة؟
* الشيخ: القاعدة لزيادة (من) أنها إذا حُذفت استقام الكلام بدونها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: القاعدة أنك لو حذفتها هنا وقلت: (ما أتاهم نذير) صح، فهو دليل على زيادتها.
{"ayahs_start":39,"ayahs":["وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ إِلَیۡنَا لَا یُرۡجَعُونَ","فَأَخَذۡنَـٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡیَمِّۖ فَٱنظُرۡ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ لَا یُنصَرُونَ","وَأَتۡبَعۡنَـٰهُمۡ فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا لَعۡنَةࣰۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ هُم مِّنَ ٱلۡمَقۡبُوحِینَ","وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَاۤىِٕرَ لِلنَّاسِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ لَّعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ","وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِیِّ إِذۡ قَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ","وَلَـٰكِنَّاۤ أَنشَأۡنَا قُرُونࣰا فَتَطَاوَلَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِیࣰا فِیۤ أَهۡلِ مَدۡیَنَ تَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِنَا وَلَـٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِینَ","وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذۡ نَادَیۡنَا وَلَـٰكِن رَّحۡمَةࣰ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِیرࣲ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ"],"ayah":"وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِیِّ إِذۡ قَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق