الباحث القرآني

ولَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ في هَذِهِ السُّورَةِ مِن غَرائِبِ أمْرِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وخِفِيِّ أحْوالِهِ ما بَيَّنَ، وكانَتْ [هَذِهِ] الأخْبارُ لا يَقْدِرُ أهْلُ الكِتابِ عَلى إنْكارِها، نَوْعًا مِنَ الإنْكارِ، وكانَ مِنَ المَشْهُورِ أيَّ اشْتِهارٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَعْرِفْها ولا سِواها مِن غَيْرِ الواحِدِ القَهّارِ، أشارَ إلى ذَلِكَ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ حالًا مِن ضَمِيرِ ﴿آتَيْنا﴾ [القصص: ٤٣] ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِيِّ﴾ أيْ: الوادِي مِنَ الطُّورِ الَّذِي رَأى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهِ النّارَ، [وهُوَ مِمّا يَلِي البَحْرَ مِنهُ مِن جِهَةِ الغَرْبِ عَلى يَمِينِ المُتَوَجِّهِ إلى ناحِيَةِ مَكَّةَ المُشَرَّفَةِ مِن ناحِيَةِ مِصْرَ ]، فَناداهُ مِنهُ العَزِيزُ (p-٣٠٣)الجَبّارُ، وهو ذُو طَوًى ﴿إذْ﴾ أيْ: حِينَ ﴿قَضَيْنا﴾ بِكَلامِنا بِما حَوى مِنَ الجَلالِ، وزادَ العَظَمَةَ في رَفِيعِ دَرَجاتِهِ بِالإشارَةِ بِحَرْفِ الغايَةِ فَقالَ: ﴿إلى مُوسى الأمْرَ﴾ أيْ: أمْرَ إرْسالِهِ إلى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ، وما نُرِيدُ أنْ نَفْعَلَ مِن ذَلِكَ في أوَّلِهِ وأثْنائِهِ [وآخِرِهِ] مُجْمَلًا، فَكانَ كُلُّ ما أخْبَرْنا بِهِ مُطابِقًا تَفْصِيلُهُ لِإجْمالِهِ، فَأنْتَ بِحَيْثُ تَسْمَعُ ذَلِكَ الَّذِي قَضَيْناهُ إلَيْهِ مِنَ الجانِبِ الَّذِي أنْتَ فِيهِ ﴿وما كُنْتَ﴾ أيْ: بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ﴿مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ لِتَفاصِيلِ ذَلِكَ الأمْرِ الَّذِي أجْمَلْناهُ لِمُوسى في ذَلِكَ المَكانِ في أوْقاتِهِ مَعَ مَن شَهِدَهُ مِنهُ مِن أهْلِ ذَلِكَ العَصْرِ مِنَ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتارَهم أوْ غَيْرَهم مِمَّنْ تَبِعَهُ أوْ صَدَّ عَنْهُ حَتّى تُخْبِرَ بِهِ كُلِّهِ عَلى هَذا الوَجْهِ الَّذِي أتَيْناكَ بِهِ في هَذِهِ الأسالِيبِ المُعْجِزَةِ، ولا شَكَّ أنَّ أمْرَ مَعْرِفَتِكَ كَذَلِكَ مُنْحَصِرٌ في شُهُودِكَ إيّاهُ في وقْتِهِ أوْ تَعَلُّمِكَ لَهُ مِنَ الخالِقِ، أوْ مِنَ الخَلائِقِ الَّذِينَ شاهَدُوهُ، أوْ أخْبَرَهم بِهِ مَن شاهَدَهُ، وانْتِفاءُ تَعَلُّمِهِ مِن أحَدٍ مِنَ الخَلائِقِ في الشُّهْرَةِ بِمَنزِلَةِ انْتِفاءِ شُهُودِهِ لَهُ في وقْتِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا تَلَقِّيهُ لَهُ مِنَ الخالِقِ، وهو الحَقُّ الَّذِي لا شُبْهَةَ فِيهِ عِنْدَ مُنْصِفٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب