الباحث القرآني
(p-٢١٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِيِّ إذْ قَضَيْنا إلى مُوسى الأمْرَ وما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ ﴿ولَكِنّا أنْشَأْنا قُرُونًا فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ وما كُنْتَ ثاوِيًا في أهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِنا ولَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ﴾ ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إذْ نادَيْنا ولَكِنْ رَحْمَةً مِن رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿ولَوْلا أنْ تُصِيبَهم مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أرْسَلْتَ إلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ ونَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ اعْلَمْ أنَّ في الآيَةِ سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: الجانِبُ مَوْصُوفٌ، والغَرْبِيُّ صِفَةٌ، فَكَيْفَ أضافَ المَوْصُوفَ إلى الصِّفَةِ ؟ الجَوابُ: هَذِهِ مَسْألَةٌ خِلافِيَّةٌ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ، فَعِنْدَ البَصْرِيِّينَ لا يَجُوزُ إضافَةُ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ إلّا بِشَرْطٍ خاصٍّ سَنَذْكُرُهُ، وعِنْدَ الكُوفِيِّينَ يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا. حُجَّةُ البَصْرِيِّينَ، أنَّ إضافَةَ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ تَقْتَضِي إضافَةَ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ، وهَذا غَيْرُ جائِزٍ فَذاكَ أيْضًا غَيْرُ جائِزٍ، بَيانُ المُلازَمَةِ أنَّكَ إذا قُلْتَ: جاءَنِي زَيْدٌ الظَّرِيفُ، فَلَفْظُ الظَّرِيفِ يَدُلُّ عَلى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ في نَفْسِهِ مَجْهُولٌ بِحَسْبَ هَذا اللَّفْظِ حَصَلَتْ لَهُ الظَّرافَةُ، فَإذا نَصَصْتَ عَلى زَيْدٍ عَرَفْنا أنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي حَصَلَتْ لَهُ الظَّرافَةُ هو زَيْدٌ، إذا ثَبَتَ هَذا، فَلَوْ أضَفْتَ زَيْدًا إلى الظَّرِيفِ، كُنْتَ قَدْ أضَفْتَ زَيْدًا إلى زَيْدٍ، وإضافَةُ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ غَيْرُ جائِزَةٍ، فَإضافَةُ المَوْصُوفِ إلى صِفَتِهِ وجَبَ أنْ لا تَجُوزَ، إلّا أنَّهُ جاءَ عَلى خِلافِ هَذِهِ القاعِدَةِ ألْفاظٌ، وهي قَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِيِّ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ﴾ [البينة: ٥] وقَوْلُهُ: ﴿لَحَقُّ اليَقِينِ﴾ [ الحاقَّةِ: ٥١] ﴿ولَدارُ الآخِرَةِ﴾ [يوسف: ١٠٩] ويُقالُ: صَلاةُ الأُولى ومَسْجِدُ الجامِعِ وبَقْلَةُ الحَمْقاءِ، فَقالُوا التَّأْوِيلُ فِيهِ: جانِبُ المَكانِ الغَرْبِيِّ، ودِينُ المِلَّةِ القَيِّمَةِ، وحَقُّ الشَّيْءِ اليَقِينِ، ودارُ السّاعَةِ الآخِرَةِ، وصَلاةُ السّاعَةِ الأُولى، ومَسْجِدُ المَكانِ الجامِعِ، وبَقْلَةُ الحَبَّةِ الحَمْقاءِ، ثُمَّ قالُوا في هَذِهِ المَواضِعِ: المُضافُ إلَيْهِ لَيْسَ هو النَّعْتَ، بَلِ المَنعُوتُ، إلّا أنَّهُ حُذِفَ المَنعُوتُ وأُقِيمَ النَّعْتُ مَقامَهُ، فَهَهُنا يُنْظَرُ إنْ كانَ ذَلِكَ النَّعْتُ كالمُتَعَيِّنِ لِذَلِكَ المَنعُوتِ، حَسُنَ ذَلِكَ وإلّا فَلا، ألا تَرى أنَّهُ لَيْسَ لَكَ أنْ تَقُولَ: عِنْدِي جَيِّدٌ عَلى مَعْنى عِنْدِي دِرْهَمٌ جَيِّدٌ، ويَجُوزُ مَرَرْتُ بِالفَقِيهِ عَلى مَعْنى مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ الفَقِيهِ، لِأنَّ الفَقِيهَ يُعْلَمُ أنَّهُ لا يَكُونُ إلّا مِنَ النّاسِ، والجَيِّدُ قَدْ يَكُونُ دِرْهَمًا، وقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ، وإذا كانَ كَذَلِكَ، حَسُنَ قَوْلُهُ: جانِبُ الغَرْبِيِّ، لِأنَّ الشَّيْءَ المَوْصُوفَ بِالغَرْبِيِّ الَّذِي يُضافُ إلَيْهِ الجانِبُ لا يَكُونُ إلّا مَكانًا أوْ ما يُشْبِهُهُ، فَلا جَرَمَ حَسُنَتْ هَذِهِ الإضافَةُ، وكَذا القَوْلُ في البَواقِي، واللَّهُ أعْلَمُ.
السُّؤالُ الثّانِي: ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إذْ قَضَيْنا إلى مُوسى الأمْرَ﴾ ؟، الجَوابُ: الجانِبُ الغَرْبِيُّ هو المَكانُ الواقِعُ في شِقِّ الغَرْبِ، وهو المَكانُ الَّذِي وقَعَ فِيهِ مِيقاتُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الطُّورِ، وكَتَبَ اللَّهُ في الألْواحِ، والأمْرُ المَقْضِيُّ إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ الوَحْيُ الَّذِي أُوحِيَ إلَيْهِ، والخِطابُ لِلرَّسُولِ ﷺ يَقُولُ: وما كُنْتَ حاضِرَ المَكانِ الَّذِي أوْحَيْنا فِيهِ إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، ولا كُنْتَ مِن جُمْلَةِ الشّاهِدِينَ لِلْوَحْيِ إلَيْهِ أوْ عَلى المُوحى إلَيْهِ، وهي لِأنَّ الشّاهِدَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ حاضِرًا، وهم نُقَباؤُهُ الَّذِينَ اخْتارَهم لِلْمِيقاتِ.
السُّؤالُ الثّالِثُ: لَمّا قالَ ﴿وما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِيِّ﴾ ثَبَتَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ شاهِدًا، لِأنَّ الشّاهِدَ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ حاضِرًا، فَما الفائِدَةُ في إعادَةِ قَوْلِهِ: ﴿وما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ ؟ الجَوابُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: التَّقْدِيرُ لَمْ تَحْضُرْ ذَلِكَ المَوْضِعَ، ولَوْ حَضَرْتَ فَما شاهَدْتَ تِلْكَ الوَقائِعَ، فَإنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هُناكَ، ولا يَشْهَدُ ولا يَرى.
(p-٢٢٠)السُّؤالُ الرّابِعُ: كَيْفَ يَتَّصِلُ قَوْلُهُ: ﴿ولَكِنّا أنْشَأْنا قُرُونًا﴾ بِهَذا الكَلامِ ومِن أيِّ وجْهٍ يَكُونُ اسْتِدْراكًا لَهُ ؟ الجَوابُ: مَعْنى الآيَةِ: ولَكِنّا أنْشَأْنا بَعْدَ عَهْدِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ إلى عَهْدِكَ قُرُونًا كَثِيرَةً، فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ وهو القَرْنُ الَّذِي أنْتَ فِيهِ، فانْدَرَسَتِ العُلُومُ فَوَجَبَ إرْسالُكَ إلَيْهِمْ، فَأرْسَلْناكَ وعَرَّفْناكَ أحْوالَ الأنْبِياءِ وأحْوالَ مُوسى، فالحاصِلُ كَأنَّهُ قالَ: وما كُنْتَ شاهِدًا لِمُوسى وما جَرى عَلَيْهِ، ولَكِنّا أوْحَيْناهُ إلَيْكَ فَذَكَرَ سَبَبَ الوَحْيِ الَّذِي هو إطالَةُ الفَتْرَةِ ودَلَّ بِهِ عَلى المُسَبَّبِ، فَإذَنْ هَذا الِاسْتِدْراكُ شَبِيهُ الِاسْتِدْراكَيْنِ بَعْدَهُ. واعْلَمْ أنَّ هَذا تَنْبِيهٌ عَلى المُعْجِزِ، كَأنَّهُ قالَ: إنَّ في إخْبارِكَ عَنْ هَذِهِ الأشْياءِ مِن غَيْرِ حُضُورٍ ولا مُشاهَدَةٍ ولا تَعَلُّمٍ مِن أهْلِهِ، دَلالَةٌ ظاهِرَةٌ عَلى نُبُوَّتِكَ كَما قالَ: ﴿أوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما في الصُّحُفِ الأُولى﴾ [طه: ١٣٣] .
{"ayah":"وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلۡغَرۡبِیِّ إِذۡ قَضَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَى ٱلۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق