الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ﴾ [النمل ١٧].
سليمان عليه الصلاة والسلام آتاه الله تبارك وتعالى ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، «حتى الرسول عليه الصلاة والسلام لما همّ أن يقبض على الشيطان قال: «ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ »[[متفق عليه؛ البخاري (٤٦١) ومسلم (٥٤١ / ٣٩) من حديث أبي هريرة.]]. من جملة ملكه هذا التنظيم العظيم. حُشر: جُمع، ومن الجامع؟
* طالب: الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: لا. الله على كل شيءٍ قدير، لكن الجامع النقباء والعرفاء الذين جعلهم يجمعون هؤلاء الجنود، فهو قد نظّم ملكه غاية التنظيم، وجعل لكل أناسٍ قادة وعرفاء يجمعونهم.
﴿حُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ﴾ وغيرهم؟ الجن واضح، والإنس مكلَّفون، والطير غير مكلفين لكنها تطير. بقينا بالحيوانات الأخرى الماشية والزاحفة، هل تدخل في هذا من باب أولى ونقول: إنه إذا حُشرت الطيور التي لا يمكن السيطرة عليها فغيرها؟
* طالب: من باب أولى.
* الشيخ: من باب أولى. أو نقول: إن سليمان عليه الصلاة والسلام ما كان يستعمل إلا الطيور فقط؛ لأنه يستخدمها لمصالحه.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، من كل شيء ممكن على عموم هذا. يعني: إن جعلنا (مِن) للتبعيض وليست للعموم، وإن جعلنا من كل شيء يثبت به الملك ويقوى به، ما هو بلازم مثل هذا الشيء، فهو محل إشكال عندنا، فالآن نقول: سكت عن بقية الحيوانات، فهل هي داخلة في جنوده أو لا؟
قد تقول: إنها داخلة من باب الأولى، وقد تقول: ليست بداخلة. ما وجه قولنا: من باب الأولى؟ أن نقول: إذا كان الطير، وهو لا يمكن السيطرة عليه في طيرانه يُحشر ويُجمع، فغيره من باب أولى. ولّا لا؟
وقد تقول: إنه ليس بلازم؛ لأنه يمكن أن سليمان ﷺ ما يستخدم من الحيوانات سوى الطير، وإذا لم يستخدم سواها فلا حاجة له في أن يجمع الباقي.
﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ شوف هذا أيضًا ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يقول المؤلف: (يُجمَعون ثم يساقون) وهذا أيضًا من التنظيم. ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ يعني: يساقون. يعني: منظّمين في جمعهم وسيرهم، يُجمعون أولًا وبعد أن يُجمعوا يوزعون، فيساقون على وجهٍ منظَّم.
وهذا لا شك أنه من التنظيم الذي يحفظ على الناس الوقت والعمل؛ لأن أكثر ما يضيّع الإنسان يضيّع وقته وعمله هو عدم التنظيم.
ولهذا أقول: إنه ينبغي لنا أن يكون عندنا تنظيم لأعمالنا اليومية بقدر المستطاع، ولكن ليس معنى ذلك أن نصر على هذه الأعمال، وإن وُجد ما هو أفضل، لا، إنما بس يكون الإنسان مرتّبًا منظّمًا، ما يخلي وقته فوضى، حين يقرأ في كتاب (...) بالثاني (...) لا، أو يعمل ها العمل الضابط ثم يتركه.
لكن ينبغي أن يكون عندك تنظيم، ومن المستحسن أنه كلما كان الشيء أهم يبدأ به أولًا، يبدأ به أولًا، كان بعض الناس يقولون: إنه من جملة تنظيمهم يجعل قراءة الجرائد والصحف إذا تغدى مثلًا، ما يجعل قراءة الكتب الهامة التي تحتاج إلى تعب بعد الغداء؛ لأن قراءة الصحف قراءة سطحية مثل التحدث العادي، ما فيه تعب ولا.
لكن الكتب والتعمُّق يحتاج إلى عمل، وهذا لا يناسب مع وجود الشبع.
* * *
* طالب: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل ٢٣ - ٢٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
أولًا من قوله تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن سليمان عليه الصلاة والسلام قد نظم جنوده ورتبهم، بحيث يُجمعون عند الجمع ويفرقون عند التفريق؛ لقوله: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ﴾.
* وفي الآية دليل على أن الجنود الذي يستصحبهم سليمان ثلاثة أصناف، وهم: الجن والإنس والطير.
أما الإنس فاستصحابه لهم ظاهر؛ لأنه منهم. وأما الجن فلاستخدامهم فيما لا يقدر عليه الإنس. وأما الطيور فقال بعض العلماء: إنها تصحبه لتظله، تكون فوق رأسه ظلة من الشمس، وهذا قد يكون مقصودًا، وقد يكون أيضًا من مقصود استصحاب الطير أنها تأتيه بالأخبار البعيدة كما في قصة الهدهد.
* وفيها أيضًا في قوله: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ دليل على كمال التنظيم أيضًا؛ لأن الوزع إيش معناه؟ الجمع والسوق ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [فصلت ١٩] يُجمعون إليها ويساقون إليها، وهذا دليل أيضًا على كمال التنظيم.
* وفيه دليل على استعمال الساقة، الساقة في الجند والجيش أن يكون لهم سائق كما أن لهم قائدًا دليلًا فلهم أيضًا سائق. وقد كان من هدي الرسول ﷺ أنه يكون في الساقة في أخريات القوم، مع أنه ﷺ رئيسهم وزعيمهم، لكنه يتأخر لأجل أن يرفد مَن قصّر، ويعين من يحتاج، وللفوائد العظيمة التي تحصل بهذا.
ثم ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
* فيه دليل على أن من البلاغة الإيجاز بالحذف؛ لأن قوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا﴾ قبل الشيء المحذوف، ويش التقدير؟ فساروا حتى إذا أتوا. ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ يعني (حتى) للغاية، فلا بد أن يكون هناك شيء مُغَيّا قبله.
* وفيه دليل على إضافة المكان إلى ساكنه؛ لقوله: ﴿وَادِ النَّمْلِ﴾ كما يقال الآن في الأحياء، في أحياء البلد: هذا حي بني فلان، كما هو معروف من قديم الزمان؛ أن الأحياء تضاف إلى ساكنيها. هل نقول: في هذا دليل على أن النمل إذا سكن أرضًا ملكها، بحيث ما يجوز إحياؤها ولا الاستمتاع بها ولّا لا؟
* طالب: الظاهر فيه دليل.
* الشيخ: فيه دليل.
* الطالب: الظاهر.
* الشيخ: خلونا ما نعلم، طيب، الآن اثنان اختلفا، أحدهما يقول: لا، والثاني يقول: نعم. فما هو الذي ترجحون؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا. طيب ﴿وَادِ النَّمْلِ﴾ بيت فلان، هل لك حق في أن تأتي إلى بيت فلان وتسكنه؟ (...).
* طلبة: (...).
* الشيخ: إي، نعم. نقول: صحيح، فهو لو نظرنا إلى مطلق اللفظ لكان وادي النمل لهم؛ للنمل، ولكن الله تعالى يقول: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة ٢٩]، إذا كان النمل لو هو يؤكل أكلناه، فكيف لا نأكل مساكنه، فبنو آدم هم أحق بالأرض من غيرهم، فهم إذا مثلًا احتاج الإنسان إلى عمارة هذه الأرض لو فيها نمل ما فيه بأس أنه يعمرها، ولو لزم من ذلك أن يموت النمل، لو لزم أن يموت النمل؛ لأن هذا الموت غير مقصود، وما كان غير مقصود وإنما جاء ضرورة لتناول المباح فإنه لا يضر. وهذه القاعدة معروفة في الشرع: أن الشيء الذي يأتي ضرورة لفعل مباح وهو غير مقصود فإنه لا بأس به، فانظر مثلًا إلى قتل النساء والذرية في الحرب، يجوز ولّا لا؟
* طالب: ما يجوز.
* الشيخ: ما يجوز، لكن إذا لم نتوصل إلى قتل المقاتلين إلا بالرمي بالمنجنيق والمدافع العامة يجوز ولّا لا؟
* طالب: يجوز.
* الشيخ: ولو لزم من ذلك قتل النساء والذرية، ولو لزم؛ لأن هذا غير مقصود.كذلك أيضًا قطع النخيل؛ نخيل العدو، يجوز ولّا ما يجوز؟
* طلبة: ما يجوز.
* الشيخ: ولكن إذا لم نتوصل إليهم إلا بقطع نخيلهم جاز؛ كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في بني النضير.
والحاصل أن نقول: إن قتل النمل إذا لزم من إحياء الأرض فإنه ليس به بأس؛ لأنه لم يكن مقصودًا، وإنما جاء ضرورة لتناول أمر مباح لنا.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، جاز قتله، كل مؤذ، حتى بني آدم لو آذاك وصال عليك ولم يندفع إلا بالقتل تقتله، وهو أعظم الحيوانات حرمة.
* وفي هذه الآية دليل على أن للحشرات نطقًا؛ لقوله: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾.
* وفيه دليل على أن قولها أيضًا مسموع، يسمعه بنو جنسها؛ لأنه لو لم يكونوا يسمعونه لم يكن فيه فائدة، فهم يسمعون قولها، وقد يُسمعه الله تبارك وتعالى من يشاء.
* وفيه دليل استدل العامة بذلك على أن كل شيء ينطق من قَبل. وهذا ليس بصحيح، ولكن الله تعالى قد يُسمِع الخلقَ نطقَ بعض الحيوانات إما آية، أو كرامة، أو ما أشبه ذلك.
* طالب: ينطق من قبل (...).
* الشيخ: إي، كل شيء يتكلم، بعضهم قال: الجص يتكلم. والظاهر أنه فيه رسالة ممكن للجصة وهو يتكلم والجصة هي مخزن التمر.
* * *
قال الله تبارك وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل ١٨].
قوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا﴾ هذه غاية لما سبق وهو قوله: ﴿وَحُشِرَ﴾ ﴿حَتَّى إِذَا﴾ وعلى هذا فيكون في الكلام حذف تقديره: وساروا حتى إذا أتوا. فبعد أن جمع الجنود ووزعوا فرُد أولهم إلى آخرهم ونظّموا ساروا.
﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ أتوا، أي: سليمان وجنوده، أي: مروا.
قوله: ﴿عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ ظاهر الكلام أن هذا الوادي معروفٌ بهذا اللقب، أنه يسمى وادي النمل. ويحتمل، -لكنه خلاف الظاهر- أن يكون هذا الوادي واديًا فيه نملٌ، يعني: حتى إذا أتوا على وادٍ فيه نمل، وليس معروفًا بهذا اللقب بأنه وادي النمل، ولكن الأولى الأخذ بظاهر اللفظ، وهو أن يكون هذا الوادي معروفًا بكثرة نمله، وأنه يُلقَّب بهذا اللقب لكثرته.
والنمل معروف، وهو من الحيوانات التي نُهي عن قتلها كما في السنن: «أن النبي ﷺ نهى عن قتل أربعٍ من الدوابِّ؛ وذكر منها النملة»[[أخرجه أبو داود ( ٥٢٦٧) وابن ماجه (٣٢٢٤) من حديث ابن عباس.]].
وفي الصحيح أيضًا «في أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه قرصته نملة، فأمر بقرية النمل كلها فأُحرقت، فعاتبه الله على ذلك وقال: هلّا نملة واحدة»[[أخرجه البخاري (٣٣١٩) ومسلم (٢٢٤١ / ١٤٨) من حديث أبي هريرة.]].
هذا النمل من جملة المخلوقات التي تعرف ربها وتعرف ما ينفعها وما يضرّها، على حسب ما رُكِّب فيها من هداية، وقد قال موسى ﷺ لفرعون لما قال: ﴿مَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٤٩، ٥٠] ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ أي: الخلق اللائق به، كل شيء من الحيوان وغيره له خلقٌ يليق به أعطاه الله، ثم هداه، هدى هذا الخلق أيضًا لما تقوم به مصالحه.
فهذه النمل من جملة المخلوقات التي أعطاها الله تبارك وتعالى خلقها وهداها.
(﴿أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ وهو بالطائف أو بالشام)، خلاف، ولا دليل لا على الطائف ولا على الشام، والأقرب أنه في الشام ومع ذلك لا نجزم به؛ لأن مقر سليمان عليه الصلاة والسلام كان في الشام، ومع هذا ما نجزم به. وتعيين المكان هل هو من الأمور التي لا بد منها في القصة؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا؛ لأن المقصود الاعتبار بما جرى في أي مكان كان من الأرض.
وقال: (نمله صغار أو كبار) أيضًا، ما لنا ولهذا، بعضهم يقول: نمله كبار، النملة كبر الذئب. يعني صارت النمل الحمير، هذا ما هو بصحيح، بل النمل هو المعروف في لغة العرب، وكل من فسّر شيئًا من القرآن بخلاف ما تقتضيه اللغة العربية فإنه لا بد له من دليل، وإلا فيرد عليه؛ لأن معنا أصلًا أصيلًا في تفسير القرآن، وهو قوله تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٥] فمن زعم أن شيئًا من القرآن على خلاف هذا اللسان العربي المبين فعليه الدليل.
على هذا نقول: النمل هو النمل المعروف، وأما القول بأنه كبار وأنه كبر الذئاب، فهذا لا دليل عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، النمل المعروف هذا.
﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ هذه جواب ﴿إِذَا﴾، حتى إذا أتوا قالت نملة (ملكة النمل وقد رأت جند سليمان ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ ) إلى آخره.
قال: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ يقول: (ملكة النمل وقد رأت جند سليمان). أما قوله: (وقد رأت جند سليمان) فهذا واضح، الله أعلم أنها رأته أو أحسّته، قد يكون إحساسًا بدون نظر، وقد يكون نظرًا، إنما على كل حال هي أدركت قربه ووصول سليمان بجنوده إليهم.
وقوله تعالى: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ نملة منكّر، وظاهر كلام المفسّر أنها معرّفة؛ لأنه قال: ملكة النمل. وهذا يقتضي أن يكون التعبير: قالت النملة. يعني: النملة المعهودة وهي الملكة، ولما لم يكن التعبير بقوله: قالت النملة؛ دل على أن القائل لا يتعين أن يكون ملكة النمل، وإنما هي نملة من النمل، وهذا ليس بغريب، فإنه كما لو أقبل جندٌ على طائفة من الناس ورآه واحدٌ منهم يصيح بهم ولّا لا؟ يصيح بهم، ولا يلزم أن يكون هذا الصائح هو الأمير أو الملك.
ولهذا الصحيح إبقاء القرآن على ظاهره، وأنها نملة من هذا النمل، ولا يلزم أن تكون الملكة؛ لأن مثل هذه الأحوال أي واحد يشعر من الطائفة الموجودة يشعر بالخوف يصيح بهم وينذر: أنا النذير العريان.
﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ﴾ إذن الصواب أن نقول: قالت نملة من النمل، ولا نعيّنها بأنها الملكة.
طيب (وقد رأت جند سليمان) هل يتعين أيضًا أن يكون رؤيةً أو يجوز أن يكون إحساسًا (...)؟
* طالب: (...) إن رأت (...).
* الشيخ: إي لكن الرؤية هل يتعين الإدراك بالرؤية؟ أو يجوز أيضًا بالإحساس والسمع؟ يمكن هذا، وحينئذ نسأل: هل للنمل أعين؟
* طلبة: إي نعم، لها قرون استشعار.
* الشيخ: هذا يحتاج إلى دراسة علم الأحياء، نعم إنما هي أنا قد رأيت كلامًا يقول: إن النمل إنه بإذن الله إذا مشى فإنه يفرز أشياء تمشي النملات الأخرى على رائحتها، وهذا شيءٌ أنا شاهدته بعيني، كان فيه بساط مثل هذا البساط بس كبير، المهم أنه من هذا النوع، وكان النمل هذا يمشي ويأتي على زاوية ثم يرجع، يعني يمشي مستطيلًا ويأتي على الزاوية ثم يرجع، كل النمل على هذا، يعني: ما يروح عدال يختصر، فأنا تعجبت (...) يعرف الطريق، لكن لو كان على تراب فاللي على التراب يبين أثر النمل ويمشي بعضه مع بعض، لكن هذا ما هو على تراب. ولكن بعد أن قرأت هذا عنه عرفت أنه إذا مشى يكون له رائحة، وتمشي بقية النمل عليها، نعم وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى، هذا معنى قوله: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه ٥٠].
على كل حال نحن الذي يلزمنا من هذه الآية الكريمة أن النملة أدركت ذلك برؤية أو بغيرها.
يقول: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. شوف هذه الجملة تضمنت نداء وأمرًا وإرشادًا وتحذيرًا وتعزيرًا، وغير ذلك مما يمكن أن ندركه إن شاء الله بعد الكلام بالتفصيل.
﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ﴾ هذا نداء، وقد مر علينا مرات أن تصدير الجملة بالنداء الغرض منه التنبيه. يعني: إذا قلت: افعل أو يا فلان افعل الأخيرة أعظم وأبلغ، فهذا لتنبيهه.
ثم قولها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ﴾ نداء بعيد، مصدَّر بتنبيه ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ﴾؛ لأنه لو قالت: يا نملُ فقد يخفى؛ لأنكم كما ترون الإنسان أول ما يكلمك قد يخفى أول الجملة، إذا جاء بشيء ينبِّه قبل الدخول في الموضوع المقصود، صار ما يفوت الإنسان من المقصود شيء، لا يفوت السامع من المقصود شيءٌ، هي قالت: يا أيها النمل ولم تقل: يا نمل.
ثم إن نداء البعيد أيضًا يدل على أنها صوتت بصوتٍ سمعه الكل ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ﴾.
وفي قولها: ﴿ادْخُلُوا﴾ هذا أمر والمراد به الإرشاد، وفي تعيين المساكن وهي الملاجئ، هذه مثل صفارات الإنذار عند الناس، إذا صفّرت صفارة الإنذار أين يذهبون؟ للسطوح؟ لا، للملاجئ، هي أيضًا أرشدتهم إلى ملاجئهم ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾.
ثم فيه أيضًا إشارة إلى أن هذه المساكن كما أنها أكنان يكتن بها الإنسان، فهي أيضًا حصون يحترز بها الإنسان، ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات ٢٥، ٢٦].
وفي قولها: ﴿مَسَاكِنَكُمْ﴾ الإضافة هنا على تقدير اللام ولّا لا؟ ولّا على تقدير (مِن)؟
* طالب: لا، اللام مساكن لكم.
* الشيخ: إي، على تقدير اللام؛ لا (من) ولا (في)؛ لأن الإضافة تكون على تقدير (من( إذا كان المضاف من جنس المضاف إليه؛ كخاتم حديد، وباب خشب، وتكون على تقدير (في) إذا كان المضاف إليه ظرفًا للمضاف، كما في قوله تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ ٣٣] أي: مكرٌ في الليل. وتكون على تقدير اللام، وهي الغالب والأكثر، وهنا على تقدير اللام. واللام المقدَّرة في الإضافة هنا هي للاختصاص ولّا للملك؟
بالنسبة لنا للاختصاص، لكن بالنسبة لهن النمل فيما بينهن الظاهر أنه للملك، أن كل واحدة منهن تعرف بيتها وأنه ما أحد يدخل عليها.
* طالب: (...).
* الشيخ: تملكه، إن كان يعرف أنه عقد بيع ولا يمكن (...) أيضًا تسجله.
﴿مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ هذا التحذير، الشاهد هو التحذير.
(﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ يكسرنكم). والجملة هذه كالتعليل للأمر في قولها: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾، يعني كأن قائلًا يقول: لماذا؟ لا يحطمنكم سليمان، فالجملة تعليل، وهي تحذير، تعليلٌ وتحذير. هذا من بلاغتها أيضًا، ما قالت: ادخلوا مساكنكم بس، عيّنت المحذَّر منه وهو: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ﴾.
ثم أتت بهذه الجملة الشديدة الوقع، ما قالت: لا يطأنكم، قالت: لا يحطمنكم. أيها أشد وقعًا؟
* طلبة: الأخيرة أشد.
* الشيخ: الأخيرة أشد؛ لأن الوطء قد يلزم منه الكسر والإتلاف وقد لا يلزم، ثم هو الوطء هادئ بالنسبة لكلمة التحطيم. واضح؟
وهل المقام يقتضي هكذا أن يأتي بالعبارة الغليظة؟ نعم؛ لأن المقام مقام تحذير وبسرعة، إذا لم يفعلن هذا بسرعة فإنهم يحطّمون، قال: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ وهنا قالت: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ وقالت: ﴿ادْخُلُوا﴾.
والتعبير بـ﴿ادْخُلُوا﴾ و﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ بالميم هذا لا يكون إلا للعاقل؛ لأن غير العاقل يؤنّث: ادخلن مساكنكن، ولا يحطمنكن. ولكنها هي قالت: ﴿ادْخُلُوا﴾ و﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ تنزيلًا لهن منزلة العاقل. أو يقال: هُن بالنسبة لبعضهن عقلاء، مثلما قلنا: إن المساكن بالنسبة لبعضهن ملك وبالنسبة لنا اختصاص.
﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ وكأن هذا التعبير يدل على أن عظمة سليمان متقررة عندهن، وهو كذلك.
وقوله: ﴿سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ ما قالت: وجنده؛ لأن الذي فهمنا من القرآن أن معه ثلاثة أصناف من الجنود، مَنْ؟ الإنس والجن والطير. كما سبق.
وقوله: ﴿وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ هذا اعتذار لمن؟ لسليمان وجنوده، أنهم لم يتقصدوا أن يحطموكم، ولكن بغير شعورٍ منهم؛ لأنكم كما تعرفون الجنود والجيش العظيم الواسع وهذه نمل صغار، نعم يمكن يحطمه وهو ما شعر، ثم إن الغالب أن مثل هذا الجند الكثير ما يستطيع أن ينكف بعضه عن بعض فيما إذا وجدوا جحر نملٍ مثلًا، فهذا معنى قولها: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
يعني لو قال قائل: كيف وهم لا يشعرون؟ هل هم يمشون بغير هدًى؟
نقول: لا، يمشون بهدى، لكن من المعروف أننا إذا قارنا بين هذا الجند العظيم الواسع وبين صغر هذه النمل فإن الغالب أنهم لا يشعرون بها.
فهذه الجمل البليغة العظيمة من هذا المخلوق الذي ليس في أعين الناس شيئًا وهو من أصغر المخلوقات، ماذا يدلنا عليه هذا؟
يدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأن ما هو أعظم من هذه المخلوقات النمل هو أعظم منها أيضًا في مثل هذه الأمور؛ لأن من أعطى الصغير هذا الإعطاء وهداه هذه الهداية فالكبير أحوج إلى الهداية من ذلك، وعنده من العلم ما عنده، يقول: ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ [النمل ١٩]. نُزِّل النمل منزلة العقلاء في الخطاب بخطابهن. وين الخطاب بخطابهن؟
* طالب: في قولها: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا﴾.
* الشيخ: ﴿ادْخُلُوا﴾، و﴿مَسَاكِنَكُمْ﴾، و﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾؛ لأن الميم هذه لجماعة العقلاء، والواو أيضًا لجماعة العقلاء، فلذلك خوطبوا بخطاب العقلاء، مثلما قلنا: إما لأن بعضهم مع بعضٍ عاقل، أو أنه لما كان هذا الخطاب يُفهم ويُعمل به صارت كأنها تخاطب عقلاء.
* طالب: هي عبرت ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ يعني: انكسر، والنمل حيوانات طرية أو حشرات طرية.
* الشيخ: لا، ما المراد بالكسر أنه يكسر عضوًا فقط، المراد بالكسر الإهلاك على سبيل التحطيم. يعني مثلًا النملة إذا وطئتها تقطعت تمزقت، هذه تكسرت، ما معناه أنه تنكسر رجلها وتبقى معلقة مثلًا بها، لا.
* طالب: ﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ لا يهلكنكم؟
* الشيخ: لا، الحطام أبلغ، أشد في الحذر ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ﴾ [الهمزة ٥] هذا التحطيم أبلغ.
قال: (﴿فَتَبَسَّمَ﴾ سليمان ابتداءً ﴿ضَاحِكًا﴾ انتهاءً ﴿مِنْ قَوْلِهَا﴾ ).
يقولون: إن الضحك ثلاثة أنواع: ابتدائي، ووسط، وانتهائي. الابتدائي: التبسم. والوسط: الضحك. والمنتهى: القهقهة.
والقهقهة ما تليق بالإنسان العاقل الرزين، والتبسم هو أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والضحك يكون من الأنبياء أحيانًا، يكون منهم أحيانًا، فهنا تبسم ضاحكًا.
المؤلف رحمه الله يرى أن سليمان ﷺ كان له مرحلتان في هذا الضحك: الأولى التبسّم، والثانية الضحك. فابتدأ بالتبسم وانتهى بالضحك، ويحتمل أن يكون تبسّم ضاحكًا أنه ضحك متبسمًا. ضحك متبسمًا يعني معناه أنه ما ظهر له صوت ولكنه تبسم تبسمًا، والله أعلم.
وعلى هذا التقدير يكون ضاحكًا هذه حال مؤكدة مبينة للنوع، يعني معناه أن ضحكه كان تبسمًا.
على كل حال هذه المسألة لا يضر لو كان ضحك ابتدأ بالتبسم وأنهى بالضحك. هذا الفرق التبسم أنه ينفتح الفم بدون صوت، الضحك يكون صوت لكن بدون قهقهة. والضحك القهقهة يتكرر الصوت، كركر كما يقول العامة.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم يقول: ﴿ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾: (من) بيانية، والبيانية للتعليل، يعني: بسبب قولها تبسّم، هذا التبسّم ويش مصدره؟ تبسّم من قولها، من تحذيرها، من اعتذارها، من إرشادها، منين؟ من فصاحتها.
* طالب: من جميع هذه.
* الشيخ: من كل ما يتضمنه هذا القول؛ لأنه في الحقيقة محل عجب أنها تتكلم بهذا الكلام البليغ، وبهذه السرعة نعم ما راحت (...) وتجيب العناصر وتبين، نعم هذا لا شك أنه محل ضحك، ثم أيضًا محل ضحك ما هو من القول فقط، من مغزى هذا القول، ولهذا جعله من نعمة الله وقال: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ مغزى هذا القول -ربما- سليمان عليه الصلاة والسلام تعترف حتى الحشرات بعظمته وعظمة جنوده، نعم هذا لا شك أنه من نعمة الله عليه، فهذا التبسّم من القول من مضمونه ودلالته، وكذلك من مغزاه وما يتضمنه من نعمة الله تبارك وتعالى على سليمان.
﴿تَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ (وقد سمعه من ثلاثة أميال، حملته إليه الريح، فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا) أي النمل (بيوتهم، وكان جنده ركبانًا ومشاة في هذا السير).
يقول: (وقد سمعه من ثلاثة أميال). منين جاء بهذا؟
* طالب: أخبار إسرائيلية.
* الشيخ: أخبار إسرائيلية، بل إن القرآن ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ ويش يدل عليه؟ على أنهم وصلوا إليه، غاية ما هنالك أنهم على طول لما حُذّر النمل بهذا التحذير دخلن في المساكن. يعني: ما بينهم وبين أن يطئوا هذا النمل إلا دخول النمل مساكنهم، وهذا لا يقتضي أن يكون بينه وبينهم ثلاثة أميال، ولا دليل على ذلك، وإنما يقال: إنه سمعه من قرب، وهل سمعه غيره من جنوده؟
* طالب: ما يعرفه.
* الشيخ: الظاهر أنه ما عرفوه ولا سمعوه؛ لأن قوله: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ يدل على أن هذا التعليم -نطق الحيوانات- خاص بسليمان عليه الصلاة والسلام، وليس كما يزعم بعض العامة، بعض العامة يقولون: إن هو كل شيء يتكلم، يقولون الناس: إن هو كل شيء يتكلم، ويجيبون قصصًا على هذا. إن هذا ما هو بصحيح، ما هناك كلام معلوم إلا في الأمم فيما بينها، وأما أن الإنس مثلًا يعلمون كلام الجن، أو مثلًا يعلمون كلام الحشرات، فهذا لا إلا بدليل. إذا وُجد دليل عن المعصوم فهذا صحيح، مثلما «أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الذئب الذي يتكلم، وأخبر أيضًا عن البقرة التي ركبها صاحبها، وقالت له: إنا لم نُخلق لهذا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٧١)، ومسلم (٢٣٨٨ / ١٣) من حديث أبي هريرة.]].
المهم ما دل عليه الدليل وجب علينا أن نقبله، وإلا فالأصل أن الشيء يتكلم بلغته، وأن كل جنسٍ لا يفهم لغة الآخر..
* طالب: يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص ١٧ - ١٩]. إذا كان الطير الأوّاب له خاضعة.
* الشيخ: ﴿كُلٌّ لَهُ﴾ لمن؟
* طالب: لداود.
* الشيخ: أو لله.
* طالب: أو بالأقرب لداود؟
* الشيخ: لا، المسألة تحتاج إلى قراءته، حتى قراءته ما هي مضبوطة على كلامك على ما قرأت أنت.
* الطالب: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾.
* الشيخ: ما أدري، ما ضبطتُ الآية..
* * *
يقول: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ (ألهمني) ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾
﴿وَقَالَ رَبِّ﴾ هذه منادى، حذفت منه ياء النداء، وأصله: يا ربي. وحُذفت الياء المضاف إليها للتخفيف، وإلا أصلها (ربي) بالياء. ودائمًا يأتي الدعاء بحذف ياء النداء، لماذا؟
* طالب: الياء.
* الشيخ: لماذا يأتي الدعاء دائمًا بحذف حرف النداء؟
* طالب: ابتداء بذكر الله للتبرك.
* الشيخ: ابتداء باسم الله وعناية بالمقصود، وهو الله سبحانه وتعالى، (ربّ) يبتدئ به قبل كل شيء، وكأن الإنسان لشدة شوقه لربه أثناء دعائه ما يبدر منه إلا اسم الله سبحانه وتعالى.
قال: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ أوزعني من حيث الإعراب يقال: فعل أمر، لكن النحويون رحمهم الله تأدبًا مع الله ما يقولون: فعل أمر؛ لأنك ما تأمر الله، يسمونه أيش؟ فعل دعاء، عندما نعرب هذه ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ نقول: أوزع: فعل دعائي، ما نقول: فعل أمر يقصد به الدعاء، هو حقيقة فعل أمر والمقصود به الدعاء، لكن تأدبًا مع الله نقول: فعل دعاء.
(﴿أَوْزِعْنِي﴾ ألهمني ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ﴾ بها ﴿عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ ).
﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ الحامل لسليمان عليه الصلاة والسلام أن يقول هذا: الاعتراف بنعمة الله سبحانه وتعالى وخوف الغرور بالنفس؛ لأنه إذا كانت النملة تقول هكذا وهذا خوفًا منه وجنوده وتعتذر لهم ويفهم كلامها، هذا قد يؤدي بالإنسان أيش؟ إلى الغرور، وأن هذا الشيء لذاته أو من ذاته؛ مثلما قال قارون: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٨] فلهذا سأل الله في هذا المقام الذي ربما يحصل به الغرور للمرء، والإنسان بشر، سأل الله أن يلهمه شكر نعمته التي أنعم عليه وعلى والديه، وأن يعمل صالحًا يرضاه.
وهكذا ينبغي للإنسان إذا حصل له نعمة أن يسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمه شكرها، حتى لا يلحقه الغرور بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه، سواءٌ كانت النعمة مالية أو جسدية، معنوية أم حسيّة.
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ﴾: (أن) هذه مصدرية، أيش محلها من الإعراب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: مفعول ثانٍ لـ(أوزعني)؛ لأن المفعول الأول الياء والمفعول الثاني: ﴿أَنْ أَشْكُرَ﴾. يعني: ألهمني شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ وعلى والديّ.
قوله: ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ النعمة ويش معنى النعمة؟ الإحسان الذي يَنْعَم به المُحسَن إليه، والنعمة -كما تعرفون- تنقسم إلى قسمين: إما حصول مطلوب، وإما نجاة من مرهوب.
والله -تبارك وتعالى- دائمًا نعمه على عبده، والعبد دائرٌ بين هذين الصنفين من النعمة، دائمًا يحصل له مطلوبه وينجو من مرهوبه. وقول المفسّر: (﴿أَنْعَمْتَ﴾ بها ﴿عَلَيَّ﴾ ). لماذا قدّر (بها)؟
* طالب: يعتقد أن (أنعمت) (...).
* الشيخ: لا؛ لأنه من المعروف أن الجملة التي تكون صلة للموصول لا بد فيها من رابط يعود على الموصول، لا بد فيها من عائد يعود على الموصول.
هنا ﴿الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ تحتاج الجملة (أنعمت) أن يكون فيها ضمير يعود على (التي)، قدّرها المؤلف بقوله: (بها). وهل منكم أحد يناقشه في هذا التقدير؟ يعني: تقدير الضمير: لأجل أن يكون عائدًا على الموصول، هذا واضح مسلّم، هذا القاعدة النحوية ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون ٣٣] أي: منه. هذا واضح. وهذا كثير في الكلام العربي؛ في القرآن والسنة وكلام الناس، أنه لا بد من عائد يعود على الموصول ليربط الجملة صلة بموصولها. ولكن هل لكم مناقشة مع المؤلف في تقدير العائد على هذا الوجه؟
* طالب: (...) بعد الضمير المنفصل (...).
* الشيخ: لأن الضمير المنفصل: إياه وإياي وإياك، هذا ضمير منفصل، فالضمير هنا متصل بلا شك.
* طالب: (...) لكن (...) الباء بها.
* الشيخ: إي ولو هو متصل ولو (...) هو متصل، ولو مع وجود الباء، وكان يقول: أنعمتها عليّ، هذا صحيح، لكن ما هو بالعلة، التقدير اللي قدّرت صحيح لكن العلة ما هي العِلَّة.
يقولون: إن العائد ما يُحذف إذا كان مجرورًا إلا إذا جُرّ الموصول بحرف مشابه للمحذوف لفظًا ومعنًى وتقديرًا. عرفتم؟ هذا مر علينا، كنا نقرأ في النحو في القطر، وأنه إذا كان مجرورًا يشترط أن يكون مجرورًا بالحرف الذي جر الموصول، وأنه يكون موافقًا له في اللفظ ومتعلقه واحدًا موافقًا في اللفظ والتقدير والمعنى.
المؤلف الآن قدّر (بها) مع أنها ما هي موجودة في القرآن: (﴿نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ﴾ بها). وعلى هذا فالتقدير السليم أن يقول: أنعمتها عليَّ وعلى والديَّ؛ لأنه ما يمكن يحذف العائد المجرور إلا إذا كان الموصول مجرورًا بحرف الجر الذي جُر به ذلك العائد.
وقوله: ﴿عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ أما ﴿عَلَيَّ﴾ فظاهر أن نعمة الله عليك تحتاج إلى شكرٍ منك، لكن نعمة الله على والديك ما وجه كونها تحتاج إلى شكرٍ منك؟
لأن نعمة الله على الوالدين نعمة على الولد، لا سيما نعمته هذه اللي حصلت وهو أنه ورث من داود النبوة وخلفه فيها، فهذه النعمة نعمة الله على والديه هي في الحقيقة نعمة عليه، ولهذا قال: ﴿عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾.
وقوله: ﴿وَالِدَيَّ﴾ هذه جمع ولا مثنى؟
* طلبة: مثنى.
* الشيخ: ﴿وَالِدَيَّ﴾ مثنى مضاف، ولذلك حُذفت النون منه، وأصله: والدين لي، لكن حُذفت النون من أجل الإضافة.
طيب ﴿وَالِدَيَّ﴾ من المراد بالوالد؟
* طالب: الوالد الأب بصيغة الجمع.
* الشيخ: أي هل هو الوالد الذي أنت ولده لصلبه، أو حتى الجد ومن علا.
نقول: الحقيقة أن كلمة والد أحيانًا يدخل فيها الجد وإن علا، وأحيانًا تتعين بالوالد الأب. والذي يعيِّن ذلك هو القرائن؛ القرائن اللفظية أو القرائن الحالية. فمثلًا: لا يجوز لواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الوالد فيما يعطي ولده. من المراد بالوالد؟
* طالب: الأب.
الشيخ المباشر. الوالد الأدنى، والجد لا يُلحق به. الوالد في تحريم النكاح؟ يشمل الأدنى والأعلى.
الوالد في الميراث؟
* طالب: على الصحيح يشمل.
* الشيخ: يشمل الأدنى والأعلى إن فُقد الأب، المراد الذكور والإناث. يعني: لا تحسبون على القول الصحيح أنا نريد الجد الوالد اللي هو الذكر، حتى الأنثى مثلًا الأم الوالدة في الميراث يشمل الأب الأعلى إن فُقد الأدنى. ولّا لا؟
فصار في الحقيقة أن كلمة (والد) تارة يراد بها الأدنى، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى مجتمعين أو منفردين، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى، لا، ويش لا؟
* طالب: لا مجتمعين.
* الشيخ: لا مجتمعين. والذي يعيّن ذلك هو القرائن. القرائن اللفظية أو الحالية.
* طالب: (...) تشمل (...)؟
* الشيخ: لا، كلمة والد.
* الطالب: ما فيه فرق بين والدَيّ ووالدِيّ.
* الشيخ: إي، ما بينهما فرق، إذا قلنا: والدَيَّ يعني: الوالد والوالدة، إذا قيل: والِدِيَّ ولا هو بيعبر بوالدِيَّ.
* الطالب: (...) والدي.
* الشيخ: ما فيه تعبير بوالِدِيَّ، يعني لو عبّر الإنسان نقول: هذا التعبير غير سليم، لكن والدِينا إذا صرنا جماعة واضح؛ لأن إذا قلت: والدينا وكنا اثنين كم يصيرون الوالدين؟ أربعة، إذا صرنا ثلاثة يكون ستة.. وهكذا.
ولذلك بعض الإخوان اللي يقرءون في رمضان: اللهم اغفر لنا ولوالدَينا. هذا ما هو بصحيح، إلا على سبيل التجوّز؛ لأن والدينا، نحن لسنا عيال رجلٍ واحد، نعم لو كنا عيال رجلٍ واحد ستة نقول: والدَينا؛ لأن نحن أبونا واحد وأمنا واحدة، لكن لو صار في المسجد ألف نفر، هو والد كل واحد منا والد للثاني؟ ما إحنا إخوة.
* طالب: اختصار اللفظ.
* الشيخ: ولهذا ما تيجي والدَينا إلا على سبيل التجوّز، أي: والديّ كل واحدٍ منا. ولهذا التعبير السليم في مثل هذا أن تقول: اغفر لنا ولوالدِينا.
* طالب: (...) خطأ.
* الشيخ: لا. هذا هو الصواب.
* الطالب: (...).
* طالب: لكن كل اللي يحكون إلا نادرًا.
* الشيخ: المهم على كل حال ما نقدر نقول: كلهم كذا ولا كلهم كذا، لكن نحن الآن نحللها من جهة اللغة العربية. الصواب في هذا إذا كنا جماعة والدِينا؛ لأن والدَينا ما تكون إلا على سبيل التجوّز.
طيب ﴿وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾.
* طالب: أباه وأمه؟
* الشيخ: إي نعم أباه وأمه.
قال: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا﴾. ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ﴾ معطوفة على قوله: ﴿أَنْ أَشْكُرَ﴾ يعني: وألهمني أن أعمل صالحًا ترضاه.
وهنا قوله: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا﴾ أي: أعمل عملًا صالحًا، والعمل الصالح ما يكون إلا إذا تضمن شرطين أساسيين هما؟ أحيانًا نسأل، ما فيه مانع أن نسأل.
* طالب: الإخلاص والمتابعة.
* الشيخ: الإخلاص والمتابعة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة ٥] كل العام. الإخلاص واضح في الأنبياء وغيرهم، والمتابعة في غير الأنبياء واضح عندكم أيضًا، وفي الأنبياء غير واضح عندكم ولكنه واضح؛ لأن النبي يتبع شريعة توحى إليه، أليس كذلك؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: هو قد لا يتبع هذه الشريعة، قد لا يتبع، لكن كما مر علينا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون منين؟ من الإقرار على المعاصي مطلقًا، فإذن المتابعة موجودة في الأنبياء أيضًا؛ لأن المتابعة من الشرع الذي أوحي إليهم.
فإذن هذا العمل الصالح: ما جمع بين أمرين الإخلاص والمتابعة، ففي فقد الإخلاص يكون الشرك، وفي فقد المتابعة يكون الابتداع.
فالعمل الذي فيه شرك مردود؛ قال الله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم ( ٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]].
حتى الرياء، الرياء نوع من الشرك، إذا عمل الإنسان العبادة وهو مراءٍ فيها فهو مع الإثم مردودٌ عليه عمله.
كذلك أيضًا في الابتداع، قال النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[أخرجه مسلم ( ١٧١٨ / ١٨) من حديث عائشة.]]، وهذا أعم من اللفظ الثاني: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ »[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧) ومسلم (١٧١٨ / ١٧) من حديث عائشة. ]].
إلا إذا قلنا: من أحدث في ذاته وصفاته، فإذا قلنا: من أحدث في أمرنا ما ليس منه، سواء في نفس العمل أو في وصف العمل، صار موافقًا للفظ الآخر. على كل حال العمل إذا لم يكن خالصًا فليس مقبولًا، وإذا لم يكن صوابًا يعني: على السنة فليس مقبولًا، وليس بصالح أيضًا، وليس بصالح بل هو فاسد.
قوله: ﴿تَرْضَاهُ﴾ ﴿أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ الرضا بمعنى القبول، وكلمة ﴿تَرْضَاهُ﴾ بعد قوله: ﴿صَالِحًا﴾ هل لها معنى؟ لأن كل صالح فهو مرضي، فهل تكون الجملة حينئذ صفة كاشفة مبيِّنة، أو صفة مقيِّدة، يعني: مبينة ولا مقيدة؟
* طالب: مبينة.
* الشيخ: الظاهر أنها مبينة، يعني أن العمل الصالح مرضي. قد يقول قائل: إن العمل قد يكون صالحًا بظاهره ولكنه غير مرضي في مآله أو فيما صحبه. قد يعمل الإنسان مخلصًا لله متّبعًا لرسول الله ﷺ، لكن يحصل منه إعجابٌ في عمله، هذا الإعجاب يمنع من رضا الله به ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات ١٧]، قد يكون عملًا صالحًا في أوله وفي نهايته لا يرضاه الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ [البقرة ٢٦٤]، فالرجل يتصدق بالصدقة مخلصًا لله تعالى متّبعًا لرسول الله ﷺ فيها، لكنه يتبعها بمنّ وأذى، وحينئذ تبطل الصدقة، إي على هذا التقدير يكون قوله: ﴿تَرْضَاهُ﴾ صفة مقيدة، يكون صفةً مقيدةً.
أيُّ الأمرين يحسن بنا أن نسلكه في هذا وغيره، فيما إذا جاءت صفة، هل الأولى أن نجعل الصفة مبيِّنة يعني مفسِّرة فقط أو أن نجعلها مقيِّدة؟
* طالب: مقيدة.
* الشيخ: الأولى أن تكون مقيدة؛ لأن بالتقييد زيادة معنى. والتفسير ما يعدو شيئًا خارجًا عما سبق، فكل صفة تأتي في كلام في هذا وغيره فالأصل أن تكون أيش؟
* طالب: مقيدة.
* الشيخ: أن تكون مقيدة، ولا يمكن أن نلجأ إلى كونها مفسّرة لمجرد بيان الأمر إلا متى؟ إلا عند الضرورة، إذا تعذّر أن تكون مقيّدة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ٢١].
﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ هذه؟
* طالب: مبينة.
* الشيخ: مبينة ومفسّرة وليست مقيّدة؛ لأننا لو جعلناها مقيِّدة ﴿رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾..
الشيخ: أيش؟
* طالب: أن تقيد.
* الشيخ: أن تكون مقيدة، ولا يمكن أن نلجأ إلى كونها مفسرة بمجرد بيان الأمر إلا متى؟ إلا عند الضرورة إذا تعذّر أن تكون مقيدة.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ٢١]، ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ﴾ هذه مُبيّنة ومفسّرة وليست مقيدة؛ لأننا لو جعلناها مقيدة؟
* طالب: ما هي؟
* الشيخ: ﴿رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ (...).
إي، كل شيء يتكلم؛ لأن بعضهم يقول: الجسد يتكلم، والظاهر أنه في السارق ممكن بالجصة ويتكلم، والجصة هي مخزن التمر.
وفيه رد لكلام المؤلف في قوله: إن النملة (ملكة النمل)؛ لقوله: ﴿نَمْلَةٌ﴾ مُنكَّر. وليس بغريب أن تكون نملة من النملات هي التي قالت هذا.
* وفي الآية هذه دليل على فصاحة هذه النملة ونصحها وذكائها؛ لأن الكلام اللي قالته يتضمن هذا كله، فهي من بلاغتها استعملت في كل مكان ما يناسبه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ﴾ [النمل ١٨] أتت بياء المناداة للبعيد؛ لأن النمل ليس قريبًا منها كله، بعضه بعيد وبعضه قريب.
ومن كمال أيضًا نصحها: إرشادها إلى المخابئ والملاجئ في قولها: ﴿ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾.
ومن كمال ذكائها: أنها استعملت العبارات المثيرة المزعجة في قولها: ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾.
وفيها أيضًا من عدلها؛ أنها قالت: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾، فتضمن هذا الكلام أنواعًا كثيرة من البلاغة والفصاحة والنصح والتحذير والتعذير وغير ذلك من ما مر في الشرح.
الآن انتهت الفوائد التي عندي، عندكم فوائد أنتم؟
* طالب: عظمة ملك سليمان إذا (...).
* الشيخ: إي نعم، في هذا أيضًا: عظمة ملك سليمان وجنوده؛ لأن النملة عرفت ذلك وحذّرت منه.
* طالب: هل فيها أن الإنسان يتقي وقع الأقدام (...)؟
* الشيخ: إي، معلوم يتقيه، والنملة -في الحقيقة- بيوتها الآن تكون عميقة في الأرض، ثم هي أيضًا من عادتها النملة أنها ما تبني البيوت إلا في مكان مرتفع، وغالبًا أن الجند يعني (...) أنهم ما دام يجدون السهل ما يروحون لها.
* طالب: تكون صلبة يا شيخ، أحيانًا تكون صلبة يعني تحفر من البلاط و(...).
* الشيخ: لا، ما تحفر البلاط.
* طالب: هذا.
* الشيخ: إي، فوق لا بأس، أما الحفر ما تقدر.
قال: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل ١٩].
في هذا جواز التبسم عند وجود سببه، وجواز الضحك أيضًا؛ لقوله: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا﴾، وهذا من فعل نبي، وفعل الأنبياء حُجّة، حتى وإن كانوا غير نبينا ﷺ إلا ما ورد شرعنا بنصه فهذا لا يعتبر.
الدليل على أن فعل الأنبياء حُجّة قوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام ٩٠]، وقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١].
* وفيه دليل على ما كان عليه سليمان عليه الصلاة والسلام من التواضع لله سبحانه وتعالى، حيث لم يأخذه الغرور بهذا الملك العظيم حتى قال: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾.
* وفيه دليل على الاعتراف بالنعمة؛ بنعمة الله، وأنه ليس من الافتخار؛ لأن سليمان ذكر نعمة الله عليه، لكنه لا يقصد بذلك الافتخار والعلو على غيره، وقد قال الله تعالى للرسول ﷺ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى ١١]، لكن لا على سبيل الافتخار والعلو؛ لأنه حينئذٍ تنقلب إلى نقمة.
* وفيه دليل على أن نعمة الله على الوالدين نعمة على الولد؛ لقوله: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾، ولا سيما نعمة الإسلام، فإنها من أكبر النعم على الولد، لو مات طفل وأبواه كافران لكان هذا الطفل في الدنيا في حكم الكافرين، وفي الآخرة الله أعلم بحاله، ولو مات طفل بين أبوين مسلمين لكان هذا الطفل؟
* طالب: في الجنة.
* الشيخ: مسلمًا في الدنيا والآخرة، وعلى هذا فنعمة الله على الوالدين ولا سيما في الدين نعمة على الولد، وهذا هو وجه قوله: ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾.
* وفي هذا دليل على أن من العقل والعدل والشرع إضافة المنة إلى المانّ بها؛ لقوله: ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾، وهذا اعتراف، وأبلغ من أن يقول الإنسان: أوزعني أن أشكر النعمة وبس؛ لأن قوله: ﴿نِعْمَتَكَ﴾ واضح جدًّا في خضوع هذا الإنسان لهذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها عليه، فهذه فيها دليل أنه من العقل والعدل والشرع إضافة المنة إلى المان بها ولو كان آبيًا.
؎إِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ مِنَ النَّاسِ ذَوُوهْ ∗∗∗ .............................
ومن الأشعار المعروفة عندهم:
ويش معنى ذووه؟ أصحاب الفضل، ما يعرف الفضل إلا أصحاب الفضل، أما من ليس بأهل فضل فإنهم ينكرون الفضل، بل إنك لو تفضلت عليهم لرأوا أن هذا حق واجبٌ عليك (...)، وأعظم شيء في هذا من يمن على الله سبحانه وتعالى بما أنعم الله به عليه، كما في قصة الأعراب: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات ١٧].
* وفيه دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كغيرهم مفتقرون إلى توفيق الله، وأنهم بدون توفيق الله سبحانه وتعالى ما يسيرون سيرًا يرضي الله؛ لقوله: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾.
* وفيه دليل على أن العمل غير الصالح ليس فيه فائدة، بل وبين أمرين، العمل غير الصالح هو دائر بين أمرين: إما الإثم، وإما السلامة فقط، فإن صدر عن علم فهو إثم، وإن صدر عن جهل فالإنسان سالم، ولكن لا فائدة له فيه، كما لو صلّى الإنسان مثلًا صلاة باطلة في حدث، صلاة بحدث؛ فإنه إن تعمّد ذلك كان آثمًا، وإن كان جاهلًا لم تُفده في إبراء الذمة، ويطالب بإعادتها، أما الأجر فقد يُؤجر عليها من أجل النية والعمل الذي حصل المشقة، ولكن الكلام على الفائدة ما يستفيد منها في إبراء ذمته، ولا تسقط عنه.
* وفيه دليل على أن الغاية التي يسير إليها الأنبياء ومن تبعهم هو رضا الله؛ لقوله: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾؛ لأن المقصود من عمل الإنسان الوصول إلى رضا الله سبحانه وتعالى، بل إن رضا الله غاية فوق كل شيء، قال الله تعالى في صفات المؤمنين: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة ٧١] ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة ٧٢]؛ يعني: أكبر من كل شيء، وإذا حل على الإنسان رضا الله فهذا غاية ما يريد.
* وفي الآية دليل أيضًا على أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يتوسّلون إلى الله؛ يعني يسألون الله تعالى بالوسيلة؛ لقوله: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾، قال الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ [الإسراء ٥٧]؛ يعني أولئك الذي يدعوهم هؤلاء المشركون، أولئك ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾، فكل الناس، كل الخلق يسألون الله تعالى ويتوسلون إليه بما هو جائز.
* وفيه دليل على جواز التوسل بصفات الله.
* طالب: (...).
* الشيخ: نفس الآية؟ برحمته.
* وفيه دليل أيضًا، بل فيه إشكال: ﴿فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾، إذا قال قائل: مقام النبوة أعلى من مقام الصلاح، ﴿أُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء ٦٩]، فكيف دعا الله أن يُدخله في عباده الصالحين مع أنه نبي أعلى مرتبة من مرتبة الصلاح؟
* طالب: (...) دخل فيه (...) الأنبياء والشهداء إذا كان (...).
* الشيخ: وعند التفصيل تأتي المراتب.
* طالب: نعم.
* الشيخ: كذا؟ هذا هو الأقرب، الأقرب أن المراد بالصلاح هنا الصلاح المطلق، والصلاح المطلق هذا أعلى مرتبة، وقد قال يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف ١٠١]، وقال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت ٢٧]، فالمراد هنا الصلاح المطلق لا الصلاح الذي يُذكر مع المراتب، فإن مقام الصلاح مع المراتب دون مقام النبوة، ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.
* وفي هذا دليل أيضًا على أن العبادة مرتبة شريفة عظيمة، يسألها حتى الأنبياء؛ لقوله: ﴿فِي عِبَادِكَ﴾، ولهذا يذكر الله تعالى نبيه محمدًا ﷺ بوصف العبودية في أعلى مقاماته عند إنزال القرآن وعند الدفاع عنه، وما أشبه ذلك، وقد قال الشاعر يخاطب:
؎لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَـــــــــاعَبْدَهَــــــــــــا ∗∗∗ فَـــــإِنَّـــــهُ أَشْــــرَفُأَسْمَــــائِـــــــــــــــــي
هذا -أعوذ بالله- عاشق! لنفرض أن اسمه مثلًا بكر، يقول: لا تقول لي يا بكر، قل: يا عبد ليلى؛ فإنه أشرف أسمائي، فالعبودية لله سبحانه وتعالى، لا شك أنها أشرف أوصاف الإنسان أن يكون عبدًا لله، والإنسان لا بد أن يكون عبدًا، ولا بد أن يتخذ إلهًا حتى الشيوعيين والملحدين لا بد أن يكونوا عبيدًا ولهم آلهة، ولَّا لا؟ صحيح، هل توافقون على هذا؟
* طالب: لا بد..
* الشيخ: إي نعم، لا بد، لو لم يكن لهم آلهة إلا أهواؤهم، ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ﴾ [الجاثية ٢٣]، وقال رسول الله ﷺ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ»[[أخرجه البخاري (٦٤٣٥)، والطبراني في الأوسط (٢٥٩٥) من حديث أبي هريرة واللفظ للطبراني.]]، وهؤلاء بلا شك يعبدون الدينار والدرهم، بل إنهم لا يسعون إلا لذلك، هؤلاء الملحدون ما يسعون إلا لذلك.
إذن لا بد لكل إنسان أن يكون عبدًا، فإن كان عبدًا لله فقد تحرر من العبودية حقيقة؛ لأن عبد الله حر، ما يرى شيئًا في الدنيا أو في المخلوقات أنه عبد له، لكن يرى خالقه هو سيده وإلهه وأنه عبد لهذا الخالق. ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ انتهى اللي عندي، فيه شيء عندكم أو كفاية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يمكن يُؤخذ منه، ولا شك أن شكر النعم من النعم، وقد قال الشاعر:
؎إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَـــةً ∗∗∗ عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْــــرُ؎فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ∗∗∗ وَإِنْ طَالَتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَالْعُمْرُ
وهذا صحيح، إذا وفقك الله للشكر فهو نعمة، يجب عليك أنك تشكر الله على هذه النعمة، فإذا شكرته صارت نعمة ثانية توجب الشكر؛ لأن الله يقول: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ ١٣]، فإذا رأيت (...).
* طالب: الرد على القدرية.
* الشيخ: في؟
* طالب: قوله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
* الشيخ: طيب، أحسنت. صحيح. فيه رد على القدرية؛ لأن القدرية يرون أن الإنسان مستقل بعمله، ما يحتاج إلى معونة من الله ولا شيء، ولا شك أن هذا قول باطل، لكن هذه الآية ترد عليهم.
وفيه أيضًا رد على الجبرية؛ لأنه أضاف العمل إليه، فقال: ﴿أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾، وقوله: ﴿أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا﴾ معناه: يمكن أعمل غير صالح، فهو مختار، ففيه رد على الطائفتين جميعًا؛ القدرية والجبرية. ويش الفرق بينهما؟
* طالب: القدرية أن الإنسان (...)، والجبرية أن الإنسان مجبور على الأعمال.
* الشيخ: ما له اختيار ولا شيء.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف ذلك؟
* طالب: (...).
* الشيخ: قلنا هذه قلنا: الاستدلال به على هذا، الاستدلال ما هو بقوي؛ لأن لله على الكافر نعمة، ولَّا لا؟ الله له نعمة على الكافر، لكن النعمة المطلقة ما تكون إلا بالإسلام، من هذه الناحية نقول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: على كل حال هي قريبة من أنها مسلمة، ولكن لو حصل أصح من هذا يكون طيبًا.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ [النمل ٢٠]..
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما يمكن نقول، (...) نقول اللي يقوله (...)؛ لأن الرسول يقول عليه الصلاة والسلام: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ للبخاري.]].
* طالب: شيخ، (...).
* الشيخ: إن الإنسان ما يصل إلى غايته إلا برحمة الله؟
* طالب: (...) الغاية (...).
* الشيخ: إي، لا، هنا قال: ﴿فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾؛ يعني ما يصل إلى مقصوده إلا إذا رحمه الله، كل شيء الجنة وغير الجنة؛ يعني إذا لم يرحمك الله ما (...) أبدًا.
* طالب: شيخ، بيت الشعر (...).
* الشيخ:
؎إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَــةً ∗∗∗ عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْــــرُ؎فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ∗∗∗ وَإِنْ طَالَتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَالْعُمْرُ
* طالب: البيت الثاني.
* الشيخ:
؎فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ∗∗∗ وَإِنْ طَالَتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَالْعُمْرُ
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) فأحسنتم.
* طالب: (...).
* الشيخ: صحيح، هو عند الله مولود على الفطرة، لكن الظاهر غير مسألة الباطن؛ ولذلك أولاد الكفار ما يدفنون في مقابر المسلمين.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، ظاهرًا، فالكفر في أحكام الدنيا.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["وَحُشِرَ لِسُلَیۡمَـٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّیۡرِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ","حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَوۡا۟ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةࣱ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُوا۟ مَسَـٰكِنَكُمۡ لَا یَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَیۡمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ","فَتَبَسَّمَ ضَاحِكࣰا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِی بِرَحۡمَتِكَ فِی عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"],"ayah":"وَحُشِرَ لِسُلَیۡمَـٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّیۡرِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق