الباحث القرآني
* [فصل: ذِكْرُ قَوْلِ النَّمْلِ]
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها﴾
فَأخْبَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَنِ النَّمْلِ أنَّهُ رَكَّبَ فِيهِ مِثْلَ هَذا الشُّعُورِ والنُّطْقِ ولاسِيَّما هَذِهِ النَّمْلَةُ الَّتِي جَمَعَتْ في هَذا الخِطابِ بَيْنَ النِّداءِ والتَّعْيِينِ والتَّنْبِيهِ والتَّخْصِيصِ والأمْرِ، وإضافَةِ المَساكِنِ إلى أرْبابِها والتِجائِهِمْ إلى مَساكِنِهِمْ فَلا يَدْخُلُونَ عَلى غَيْرِهِمْ مِنَ الحَيَواناتِ مَساكِنَهُمْ، والتَّحْذِيرِ والِاعْتِذارِ بِأوْجَزِ خِطابٍ وأعْذَبِ لَفْظٍ. ولِذَلِكَ حَمَلَ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ التَّعَجُّبُ مِن قَوْلِها عَلى التَّبَسُّمِ وأحْرى بِهَذِهِ النَّمْلَةِ وأخَواتِها مِنَ النَّمْلِ أنْ يَكُونُوا أعْرَفَ بِاللَّهِ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.
وَقَدْ دَلَّ هَذا عَلى ما رَواهُ الطَّبَرانِيُّ في مُعْجَمِهِ قالَ: حَدَّثَنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ خَرَجَ هو وأصْحابُهُ يَسْتَسْقُونَ فَرَأى نَمْلَةً قائِمَةً رافِعَةً أحَدَ قَوائِمِها تَسْتَسْقِي فَقالَ لِأصْحابِهِ: ارْجِعُوا لَقَدْ سُقِيتُمْ إنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ اسْتَسْقَتْ فاسْتُجِيبَ لَها، قالَ الإمامُ أحْمَدُ: حَدَّثَنا وكِيعٌ قالَ: حَدَّثَنا مِسْعَرٌ عَنْ زَيْدٍ العَمِّيِّ عَنْ أبِي الصِّدِّيقِ النّاجِيِّ قالَ: خَرَجَ سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ عَلَيْهِما السَّلامُ
يَسْتَسْقِي بِالنّاسِ فَمَرَّ عَلى نَمْلَةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عَلى قَفاها رافِعَةٍ قَوائِمَها إلى السَّماءِ وهي تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنّا خَلْقٌ مِن خَلْقِكَ لَيْسَ بِنا غِنًى عَنْ رِزْقِكَ فَإمّا أنْ تَسْقِيَنا أوْ تُهْلِكَنا قالَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلنّاسِ ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ، ورَواهُ الطَّحاوِيُّ والطَّبَرانِيُّ أيْضًا مِن حَدِيثِ أبِي الصِّدِّيقِ النّاجِيِّ قالَ:
خَرَجَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَسْتَسْقِي فَمَرَّ بِنَمْلَةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عَلى ظَهْرِها رافِعَةٍ قَوائِمَها إلى السَّماءِ وهي تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنّا خَلْقٌ مِن خَلْقِكَ لَيْسَ بِنا غِنًى عَنْ سُقْياكَ ورِزْقِكَ اللَّهُمَّ فَإمّا أنْ تَسْقِيَنا وإمّا أنْ تُهْلِكَنا، فَقالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ، هَذا لَفْظُ رِوايَةِ الطَّبَرانِيِّ، ولَفْظُ الطَّحاوِيِّ فَإذا هو بِنَمْلَةٍ قائِمَةٍ عَلى رِجْلِها رافِعَةٍ يَدَيْها تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنّا خَلْقٌ مِن خَلْقِكَ لا غِنى بِنا عَنْ رِزْقِكَ فَلا تُهْلِكْنا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ فَقالَ سُلَيْمانُ لِأصْحابِهِ: ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ (بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ)، ورَواهُ الحافِظُ أبُو الحَسَنِ الدّارَقُطْنِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ خَرَجَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ يَسْتَسْقِي فَمَرَّ بِنَمْلَةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عَلى ظَهْرِها رافِعَةٍ يَدَيْها إلى السَّماءِ تَسْتَسْقِي فَقالَ لِأصْحابِهِ: ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ».
وَفِي هَذا البابِ قِصَّةُ حُمُرِ الوَحْشِ المَشْهُورَةِ الَّتِي ذَكَرَها غَيْرُ واحِدٍ أنَّها انْتَهَتْ إلى الماءِ لِتَرِدَهُ فَوَجَدَتِ النّاسَ حَوْلَهُ فَتَأخَّرَتْ عَنْهُ فَلَمّا جَهَدَها العَطَشُ رَفَعَتْ رَأْسَها إلى السَّماءِ وجَأرَتْ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ بِصَوْتٍ واحِدٍ فَأرْسَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَلَيْها السَّماءَ بِالمَطَرِ حَتّى شَرِبَتْ وانْصَرَفَتْ. وذَكَرَ شَيْخُ الإسْلامِ الهَرَوِيُّ بِإسْنادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وهْبٍ قالَ:
أكْرِمُوا البَقَرَ فَإنَّها لَمْ تَرْفَعْ رَأْسَها إلى السَّماءِ مُنْذُ عُبِدَ العِجْلُ حَياءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ وهْبٍ عَنْ يَحْيى بْنِ أيُّوبَ عَنْ أبِي هِنْدٍ عَنْ أنَسٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أكْرِمُوا البَقَرَ فَإنَّها سَيِّدَةُ البَهائِمِ، ما رَفَعَتْ طَرْفَها إلى السَّماءِ حَياءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ مُنْذُ عُبِدَ العِجْلُ»، قُلْتُ: ولا يَثْبُتُ رَفْعُهُ فَإنَّ أبا هِنْدٍ مَجْهُولٌ.
والمَقْصُودُ أنَّ هَذِهِ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها الحَيَوانَ وغَيْرَهُ، حَتّى أبْلَدِ الحَيَواناتِ الَّذِي نَضْرِبُ بِبَلادَتِهِ المَثَلَ وهو البَقَرُ.
* (فصل)
وهذه النمل من أهدى الحيوانات وهدايتها من أعجب شيء فإن النملة الصغيرة تخرج من بيتها وتطلب قوتها وإن بعدت عليها الطريق فإذا ظفرت به حملته وساقته في طرق معوجة بعيدة ذات صعود وهبوط في غاية من التوعر حتى تصل إلى بيوتها فتخزن فيها أقواتها في وقت الإمكان
فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين لئلا ينبت فإن كان ينبت مع فلقه باثنتين فلقته بأربعة فإذا أصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد انتظرت به يوما ذا شمس فخرجت به فنشرته على أبواب بيوتها ثم أعادته إليها ولا تتغذى منها نملة مما جمعه غيرها ويكفي في هداية النمل ما حكاه الله سبحانه في القرآن عن النملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: ﴿يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهم لا يَشْعُرُونَ﴾
فاستفتحت خطابها بالنداء الذي يسمعه من خاطبته ثم أتت بالاسم المبهم ثم أتبعته بما يثبته من اسم الجنس إرادة للعموم ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم فيتحصنون من العسكر ثم أخبرت عن سبب هذا الدخول وهو خشية أن يصيبهم معرة الجيش فيحطمهم سليمان وجنوده ثم اعتذرت عن نبي الله وجنوده بأنهم لا يشعرون بذلك وهذا من أعجب الهداية.
وتأمل كيف عظم الله سبحانه شأن النمل بقوله: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ والطَّيْرِ فَهم يُوزَعُونَ﴾ ثم قال: ﴿حَتّى إذا أتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ﴾ فأخبر أنهم بأجمعهم مروا على ذلك الوادي ودل على أن ذلك الوادي معروفا بالنمل كوادي السباع ونحوه ثم أخبر بما دل على شدة فطنة هذه النملة ودقة معرفتها حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم فقد عرفت هي والنمل أن لكل طائفة منها مسكنا لا يدخل عليهم فيه سواهم ثم قالت ﴿لا يحطمنكم سليمان وجنوده﴾ فجمعت بين اسمه وعينه وعرفته بهما وعرفت جنوده وقائدها ثم قالت ﴿وهم لا يشعرون﴾ فكأنها جمعت بين الاعتذار عن مضرة الجيش بكونهم لا يشعرون وبين لوم أمة النمل حيث لم يأخذوا حذرهم ويدخلوا مساكنهم ولذلك تبسم نبي الله ضاحكا من قولها وإنه لموضع تعجب وتبسم.
وقد روى الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عيينة عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ: "نهى عن قتل النمل والنحلة والهدهد والصرد" وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "نزل بني من الأنبياء تحت شجرة فقرصته نملة فأمر بجهازه فأخرج وأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح فهلا نملة واحدة" وذكر هشام بن حسان: "أن أهل الأحنف بن قيس لقوا من النمل شدة فأمر الأحنف بكرسي فوضع عند تنورين فجلس عليه ثم تشهد ثم قال لتنتهن أو ليحرقن عليكن ونفعل ونفعل قال فذهبن"
وروى عوف بن أبي جميلة عن قسامة بن زهير قال قال أبو موسى الأشعري: "إن لكل شيء سادة حتى للنمل سادة.
ومن عجيب هدايتها أنها تعرف ربها بأنه فوق سماواته على عرشه كما رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث أبي هريرة يرفعه قال: "خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون فأذاهم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها فقال ارجعوا فقد كفيتم أو سقيتم بغيركم" ولهذا الأثر عدة طرق ورواه الطحاوي في التهذيب وغيره وقال الإمام أحمد حدثنا قال: "خرج سليمان بن داؤد يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنا عن سقياك ورزقك فأما أن تسقينا وترزقنا وإما أن تهلكنا فقال ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم" ولقد حدثني أن نملة خرجت من بيتها فصادفت شق جرادة فحاولت أن تحمله فلم تطق فذهبت وجاءت معها بأعوان يحملنه معها قال فرفعت ذلك من الأرض فطافت في مكانه فلم تجده فانصرفوا وتركوها قال فوضعته فعادت تحاول حمله فلم تقدر فذهبت وجاءت بهم فرفعته فطافت فلم تجده فانصرفوا قال فعلت ذلك مرارا فلما كان في المرة الأخرى استدار
النمل حلقة ووضعوها في وسطها وقطعوها عضوا عضوا قال شيخنا وقد حكيت له هذه الحكاية فقال هذه النمل فطرها الله سبحانه على قبح الكذب وعقوبة الكذاب والنمل من أحرص الحيوان ويضرب بحرصه المثل ويذكر أن سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما رأى حرص النملة وشدة ادخارها للغذاء استحضر نملة وسألها كم تأكل النملة من الطعام كل سنة قالت ثلاث حبات من الحنطة فأمر بإلقائها في قارورة وسد فم القارورة وجعل معها ثلاث حبات حنطة وتركها سنة بعد ما قالت ثم أمر بفتح القارورة عند فراغ السنة فوجد حبة ونصف حبة فقال أين زعمك أنت زعمت أن قوتك كل سنة ثلاث حبات فقالت: نعم ولكن لما رأيتك مشغولا بمصالح أبناء جنسك حسبت الذي بقي من عمري فوجدته أكثر من المدة المضروبة فاقتصرت على نصف القوت واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي فعجب سليمان من شدة حرصها وهذا من أعجب الهداية والعطية ومن حرصها أنها تكد طوال الصيف وتجمع للشتاء علما منها بإعواز الطلب في الشتاء وتعذر الكسب فيه وهي على ضعفها شديدة القوى فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها وتجره إلى بيتها.
ومن عجيب أمرها أنك إذا أخذت عضو كزبرة يابس فأدنيته إلى أنفك لم تشم له رائحة فإذا وضعته على الأرض أقبلت النملة من مكان بعيد إليه فإن عجزت عن حمله ذهبت وأتت معها بصف من النمل يحتملونه فكيف وجدت رائحة ذلك من جوف بيتها حتى أقبلت بسرعة إليه فهي تدرك بالشم من البعد ما يدركه غيرها بالبصر أو بالسمع فتأتي من مكان بعيد إلى موضع أكل فيه الإنسان وبقي فيه فتات من الخبز أو غيره فتحلمه وتذهب به وإن كان أكبر منها فإن عجزت عن حمله ذهبت إلى جحرها وجاءت معها بطائفة من أصحابها فجاؤا كخيط أسود يتبع بعضهم بعضا حتى يتساعدوا على حمله ونقله وهي تأتي إلى السنبلة فتشمها فإن وجدتها حنطة قطعتها ومزقتها وحملتها وإن وجدتها شعيرا فلا ولها صدق الشم وبعد الهمة وشدة الحرص والجرأة على محاولة نقل ما هو أضعاف أضعاف وزنها وليس للنمل قائد ورئيس يدبرها كما يكون للنحل إلا أن لها رائدا يطلب الرزق فإذا وقف عليه أخبر أصحابه فيخرجن مجتمعات وكل نملة تجتهد في صلاح العامة منها غير مختلسة من الحب شيئا لنفسها دون صواحباتها.
ومن عجيب أمرها أن الرجل إذا أراد أن يحترز من النمل لا يسقط في عسل أو نحوه فإنه يحفر حفيرة ويجعل حولها ماء أو يتخذ إناء كبيرا ويملأه ماء ثم يضع فيه ذلك الشيء فيأتي الذي يطيف به فلا يقدر عليه فيتسلق في الحائط ويمشي على السقف إلى أن يحاذي ذلك الشيء فتلقي نفسها عليه وجربنا نحن ذلك وأحمى صانع مرة طوقا بالنار ورماه على الأرض ليبرد واتفق أن اشتمل الطوق على نمل فتوجه في الجهات ليخرج فلحقه وهج النار فلزم المركز ووسط الطوق وكان ذلك مركزا له وهو أبعد مكان من المحيط.
* (فصل)
ثمَّ تَأمل هَذِه النملة الضعيفة وما أعطيته من الفطنة أوْ لحيلة في جمع القُوت وادخاره وحفظه ودفع الآفة عَنهُ، فَإنّك ترى في ذَلِك عبرا وآيات فترى جماعَة النَّمْل إذا أرادَت إحْراز القُوت خرجت من أسرابها طالبة لَهُ، فَإذا ظَفرت بِهِ أخذت طَرِيقا من أسرابها إليه وشرعت في نَقله فتراها رفقتين رفْقَة حاملة تحمله إلى بيوتها سربا ذاهِبًا ورفقة خارِجَة من بيوتها إليه لا تخالط تِلْكَ في طريقها بل هما كالخيطين بِمَنزِلَة جماعَة النّاس الذاهبين في طَرِيق والجَماعَة الراجعين من جانبهم، فَإذا ثقل عَلَيْها حمل الشَّيْء من تِلْكَ اجْتمعت عَلَيْهِ جماعَة من النَّمْل وتساعدت على حَملَة بِمَنزِلَة الخَشَبَة والحجر الَّذِي تتساعد الفئة من النّاس عَلَيْهِ، فَإذا كانَ الَّذِي ظفر بِهِ مِنهُنَّ وحدة ساعدها رفقتها عَلَيْهِ إلى بَيتها وخلوا بَينها وبَينه، وإن كانَ الَّذِي صادفه جماعَة تساعدن عَلَيْهِ ثمَّ تقاسمنه على باب البَيْت.
وَلَقَد أخبر بعض العارفين أنه شاهد مِنهُنَّ يَوْمًا عجبا قالَ:
رأيت نملة جاءَت إلى شقّ جَرادَة فزاولته فَلم تطق حمله من الأرض، فَذَهَبت غير بعيد ثمَّ جاءَت مَعها بِجَماعَة من النَّمْل قالَ فَرفعت ذَلِك الشق من الأرض، فَلَمّا وصلت النملة برفقتها إلى مَكانَهُ دارت حوله ودرن مَعها فَلم يجدن شَيْئا فرجعن فَوَضَعته ثمَّ جاءَت فصادفته فزاولته فَلم تطق رَفعه، فَذَهَبت غير بعيد ثمَّ جاءَت بِهن فَرَفَعته فدرن حول مَكانَهُ فَلم يجدن شَيْئا فَذَهَبت فَوَضَعته فَعادَت فَجاءَت بِهن فَرَفَعته فدرن حول المَكان، فَلَمّا لم يجدن شَيْئا تحلقن حَلقَة وجعلن تِلْكَ النملة في وسطها ثمَّ تحاملن عَلَيْها فقطعنها عضوا عضوا، وأنا أنْظُر.
وَمن عَجِيب أمر الفطنة فِيها إذا نقلت الحبّ إلى مساكنها كَسرته، لِئَلّا ينْبت فَإن كانَ مِمّا ينْبت الفلقتان مِنهُ كَسرته أربعا، فَإذا أصابه ندى وبلل وخافت عَلَيْهِ الفساد أخرجته للشمس، ثمَّ ترده إلى بيوتها ولِهَذا ترى في بعض الأحيان حَبّا كثيرا على أبْواب مساكنها مكسرا ثمَّ تعود عَن قريب فَلا ترى مِنهُ واحِدَة.
وَمن فطنتها أنها لا تتَّخذ قريتها إلّا على نشر من الأرض لِئَلّا يفِيض عَلَيْها السَّيْل فيغرقها، فَلا ترى قَرْيَة نمل في بطن واد ولَكِن في أعْلاهُ وما ارْتَفع عَن السَّيْل مِنهُ.
وَيَكْفِي في فطنتها ما نَص الله عز وجل في كِتابه من قَوْلها لجَماعَة النَّمْل وقد رَأتْ سُلَيْمان عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام وجُنُوده ﴿ياأيها النَّمْل ادخُلُوا مَساكِنكم لا يحطمنكم سُلَيْمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾
فتكلمت بِعشْرَة أنواع من الخطاب في هَذِه النَّصِيحَة النداء والتنبيه والتَّسْمِيَة والأمر والنَّص والتحذير والتخصيص والتفهيم والتعميم والاعتذار.
فاشتملت نصيحتها مَعَ الِاخْتِصار على هَذِه الأنواع العشْرَة، ولذَلِك أعجب سليمان قَوْلها وتَبَسم ضاحِكا مِنهُ وسأل الله أن يوزعه شكر نعْمَته عَلَيْهِ لما سمع كَلامها.
وَلا تستبعد هَذِه الفطنة من أمة من الأمم تسبح بِحَمْد رَبها كَما في الصَّحِيح عَن النَّبِي قالَ
"نزل نَبِي من الأنبياء تَحت شَجَرَة فلدغته نملة فَأمر بجهازه فَأخْرجهُ، ثمَّ أحرق قَرْيَة النَّمْل فَأوحى الله إلَيْهِ من أجل أن لدغتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح فَهَلا نملة واحِدَة"
{"ayahs_start":17,"ayahs":["وَحُشِرَ لِسُلَیۡمَـٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّیۡرِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ","حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَوۡا۟ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةࣱ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُوا۟ مَسَـٰكِنَكُمۡ لَا یَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَیۡمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ"],"ayah":"وَحُشِرَ لِسُلَیۡمَـٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّیۡرِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق