الباحث القرآني
كذبوا الرسل السابقين، وما أحل الله بهم من العذاب والعقوبة، أراد سبحانه وتعالى أن يبين شيئًا من آياته تدل على قدرته ووحدانيته، فقال: (﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تَنْظُر ﴿إِلَى﴾ فِعْل ﴿رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان ٤٥]) إلى آخره.
أولًا كلمة ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ معناها مفهوم، أن الاستفهام لأي شيء؟ الاستفهام للتقرير، كقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١]، ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ﴾ [المرسلات ١٦]، وما أشبه ذلك من الأمثلة، ويقدر بعض العلماء مثل هذا التركيب بقوله: قد فعلنا ذلك، قد رأيت ذلك. فمثلًا: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يعني أنك رأيت ذلك.
وقول المؤلف: (تنظر) فسر الرؤية بالرؤية البصرية، مع أنه يحتمل أن تكون رؤية بصرية ورؤية بصيرة؛ يعني رؤية علمية؛ يعني: تعلم هذا الأمر الذي سيذكر.
والخطاب في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ هل هو للنبي ﷺ أو لكل ما من شأنه أن يخاطب؟
* طالب: للنبي ولـ..
* الشيخ: الجواب: أنه لكل ما من شأنه أن يخاطب؛ النبي ﷺ وغيره؛ لأنه كما أسلفنا في القاعدة التفسيرية: أنه كلما كانت الآية أدل على العموم كان القول به أولى، وأنه لا ينبغي أن تجعل خطابات القرآن للخصوص إلا بدليل يمنع العموم، يعني ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أيها الإنسان ﴿إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان ٤٥]، المؤلف قدر مضافًا فقال: (إلى فعل ﴿رَبِّكَ﴾ ) نعم؛ لأنه ليس المراد أن ينظر الإنسان إلى الله عز وجل بذاته، إنما المراد أن ينظر إليه من هذه الحيثية، فيكون مصب النظر أي شيء؟ هو الفعل.
قال: (﴿كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان ٤٥] من وقت الإسفار إلى وقت طلوع الشمس)، هذا تفسير للظل وليس تفصيلًا للمد، فالظل من وقت الإسفار إلى وقت طلوع الشمس، وسميَّ ظلًّا؛ لأنه ذو نور ولكن بدون شعاع شمس، فكان ظلًّا، وهذا هو الذي عليه جمهور المفسرين بأن الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لأنه كما قلنا: نور بدون شعاع، ومده يعني تطويله، وأن الفرق بين هذا وهذا معروف.
ولكن أي شيء يكون فيه من آيات الله؟
* طالب: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ [الفرقان ٤٥].
* الشيخ: قوله ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ يعني غير ممدود، بحيث تطلع الشمس مباغتة بدون مد، هذا أحد الأقوال في تفسير الظل.
والقول الثاني في الظل: أن المراد به الليل كله، وأن المراد بمده تطويله.
﴿قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ [الفرقان ٤٦] بمعنى: بعد أن كان طويلًا كان ينقص شيئًا فشيئًا، فيكون في هذا إشارة إلى تغير الفصول؛ لأن الفصول تتغير بتغير الليل والنهار.
والقول الثالث: أن المراد بالظل، ظل كل شاخص إذا طلعت الشمس، فإن الله تعالى يمده ثم يقبضه شيئًا فشيئًا، ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ فتكون الشمس مستقرة ثابتة في مكان لا ترتفع ولا تنخفض.
الآن صار المراد بالظل على الخلاف، ثلاثة آراء: إما أنه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والمؤلف يقول: (من وقت الإسفار) لأجل أن يتحقق الظل.
أو أنه الليل كله ويكون مده تطويله ثم ينقص، في هذا من قدرة الله تعالى تغير الفصول لسبب طول الليل وقصره.
أو أن المراد به ظل كل شاخص، فإنه أول ما تطلع الشمس يكون الظل طويلًا ممدودًا، ثم يقبض شيئًا فشيئًا.
﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ تعالى ﴿لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ [الفرقان ٤٥]، والسكون هنا يختلف معناه بحسب اختلاف معنى الظل، فإذا قلنا: المراد بالظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كان المراد بسكونه أن الشمس تخرج دفعة واحدة بدون أن يكون ظلها كذا شيئًا فشيئًا، وإذا قلنا: إن المراد به الليل، كان المراد بسكونه أن يبقى الليل دائمًا لا يزيد ولا ينقص، وإذا قلنا: إن المراد بالظل ظل الشاخص صار المراد بسكونه أن الشمس لا تتحرك، تبقى في مكان واحد، ويكون الظل ساكنًا لا يزيد ولا ينقص، ففي كون الله قادرًا سبحانه وتعالى على هذا فهذا دليل على كمال قدرته ووحدانيته بالتفرد؛ لأنه لو كان معه إله آخر لم يكن له المشيئة المطلقة في هذا وفي هذا.
ثم فيه أيضًا من نعمه سبحانه وتعالى على العباد اختلاف هذا الظل ما هو معلوم؛ لأننا لو قُدِّر أن الشمس تخرج هكذا بغتة بعد ظلام دامس يكون هذا النور الساطع قد يؤثر على المواشي في إفطارها وعلى بني آدم وعلى الأشجار والنبات، بخلاف ما إذا كان الشيء يأتيها تدريجيًّا، وكذلك أيضًا لو كان الليل والنهار دائمًا لا يزيد أحدهما ولا ينقص، لم يكن في ذلك اختلاف في الفصول، ولم يكن في ذلك اختلاف في الأشجار؛ لأن كثيرًا من الأشجار تختلف ثمارها وإناؤها بحسب اختلاف الفصول.
كذلك أيضًا إذا قلنا بأن الظل ظل كل شاخص فإن في كون الشمس تدور وتختلف الأشياء والأظلة بحسب سيرها هو أيضًا من نعمة الله سبحانه وتعالى ومن تمام قدرته.
فالحاصل أن هذا الأمر الذي قرر الله تعالى بأننا ننظر إليه في كل وقت دال على أمرين: تمام القدرة، وتمام الرحمة؛ لأنه متضمن لهما.
﴿إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان ٤٥]، إذا قال قائل: ما هو الذي تختارونه من هذه الأقوال؟
* طلبة: (...).
* طالب: لو نظرنا إلى اللغة قلنا: إن الظل هو الظل؛ يعني العادي؛ يعني ظل كل شاخص.
* الشيخ: إي.
* طالب: كلام عام.
* الشيخ: وكذلك أيضًا بالحقيقة أن الليل ظل؛ لأن الأرض تحول بين الشمس وبين الناس.
* طالب: قد تُسمى لغة (...).
* الشيخ: سميت.
* الطالب: استخدمها العرب.
* الشيخ: نعم، اللي فسروها من أئمة اللغة، وكذلك ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس أيضًا فسره ابن عباس وغيره.
* الطالب: كلها (...).
* الشيخ: نعم، نقول: ما دام أن هذه المعاني لا تتناسب، فالواجب أن تحمل الآية على الجميع، وهذه قاعدة قررناها سابقًا، وهي قد قررت أيضًا من قبلنا، قررها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بأنه إذا كانت الآية تحتمل المعاني المذكورة فيها فالواجب أن تُحمل على كل هذه المعاني؛ لأن كلام الله سبحانه وتعالى لا يحيط به شيء.
وقوله تعالى: (﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ﴾ أي على الظل ﴿دَلِيلًا﴾ [الفرقان ٤٥])، نعم؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هذا تفسير لقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ [الفرقان ٤٥].
* الطالب: نعم؛ لأنك عندما فسرت (...).
* الشيخ: لا، على القول بأن المراد: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ أن المراد بالظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، لو شاء لجعله ساكنًا فلا ينتهي.
* الطالب: فلا ينتهي.
* الشيخ: فلا ينتهي؛ بمعنى أنه يكون هذا الظل تخرج الشمس مفاجئة.
* طالب: وهنا يقول: (...) موجودة؟
* الشيخ: لا يمكن هذا؛ لأنه يقول: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾، والواقع خلاف ذلك؛ أنه ليس بساكن، بل هو ممتد، وكونه ما يزول بطلوع الشمس، هذا غير موجود.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما يستقيم أبدًا.
* الطالب: لأنه على تفسير (...)؟
* الشيخ: يقول: عندي أنا تفسير لكلام المؤلف: أي بألا تطلع الشمس.
* الطالب: تفسير الجلالين.
* الشيخ: تفسير الجَمل.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: يقول: مقيمًا لا يزول بطلوع الشمس، بمعنى أنه ما تطلع الشمس، ما هو بمعنى تطلع ولا يزول.
* طالب: لا يزول من طلوع الشمس.
* الشيخ: لا يزول؛ وذلك لأن زواله بطلوع الشمس، فليس معناه أنها تطلع ولا يزول؛ لأنها إذا طلعت لا بد أن يزول، المعنى أن النفي مسلط على قوله بطلوع الشمس.
* الطالب: المؤلف (...) إلى وقت طلوع الشمس.
* الشيخ: ما بين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس.
* الطالب: (...) تطلع الشمس.
* الشيخ: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ [الفرقان ٤٥]، ويش معنى ﴿لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾؟
* الطالب: أي أن هذا الظل..
* الشيخ: أي أن الشمس لا تطلع.
* طالب: أن يبقى باستمرار.
* الشيخ: يبقى باستمرار.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني أنه يبقى الأمر لا ليل ولا نهار.
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: إسفار بدون شمس.
* طالب: ما هو بواضح هذا.
* طالب آخر: كلام المؤلف ما هو بواضح.
* الشيخ: لا، كلامه واضح، يقول: أي بألا تطلع الشمس فلا يزول، فالنفي مسلط على مجموع المقيَّد والمقيِّد.
* الطالب: وهو (...).
* الشيخ: أو بأن تطلع مسلوبة الضوء على ما تقدم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أو بأن تطلع، لكن يصلح، كلام الجلالين يصلح أن نجعل النفي مسلطًا على قوله بطلوع الشمس؛ يعني: فلا تطلع الشمس.
على كل حال المعنى مفهوم الآن: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ فلا تطلع الشمس، أو إن صح أن يُقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ فتطلع الشمس غير مضيئة، وهذا خلاف المعهود أنها تطلع غير مضيئة، ولكن الله قادر على أن (...) غير مضيئة كما يُعلم ذلك في الكسوف، فالحاصل أن السكون الآن يُفسَّر بحسب ما يُفسر به الظل.
هنا فرق بين الظل والفيء، وسبق لنا ذلك، سبقت لنا هذه الفائدة. وأيش الفرق بينهما؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، واللي بعده يُسمى فيئًا، يعني: إن نسخته الشمس فهو ظل، وإن نسخ الشمس فهو فيء، فالفيء ما نسخ الشمس، والظل ما نسخته الشمس، مثل قولنا: الظل ما قبل الزوال، والفيء ما بعد الزوال؛ لأن الظل اللي قبل الزوال ويش اللي يزيله وينسخه؟
* طالب: الشمس.
* الشيخ: الشمس، والفيء اللي بعد الزوال ينسخ الشمس؛ لأنه يمتد، وكلما امتد إلى شيء أزال ضوء الشمس عنه، نعم.
* * *
قال تعالى: (﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ﴾ أَي على الظِّلّ ﴿دَلِيلًا﴾ [الفرقان ٤٥]).
قوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا﴾، الجملة الفعلية هذه معطوفة على قوله: ﴿لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ [الفرقان ٤٥] ولّا على قوله: ﴿مَدَّ﴾ ﴿كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ﴾؟ نعم؟
الجواب: على ﴿مَدَّ الظِّلَّ﴾ لأن قوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ لو جُعلت معطوفة على ﴿لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ لكانت الشمس الآن ليست دليلًا عليه، والأمر بخلاف ذلك، فالمعنى يفسد، فهي إذن معطوفة على قوله: ﴿كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾، ﴿مَدَّ الظِّلَّ﴾ يعني: وكيف ﴿جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾.
ولكن فيه التفاتًا من الغيبة إلى التكلم: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا﴾، ولم يقل: ثم جعل.
وقوله: ﴿الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ يعني على الظل.
وكيف كان الدليل على الظل؟
نعم، يقول المؤلف: (لَوْلَا الشَّمْس مَا عُرِفَ الظِّلّ)، هه؟
* طالب: ليس صحيحًا.
* الشيخ: ليس صحيحًا؟ كيف ذلك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الأنوار؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: أي أنوار؟
* الطالب: الأنوار (...).
* الشيخ: لا، المراد بالظل الذي يأتي من الله سبحانه وتعالى دون ظل الأنوار اللي الإنسان يحط الكشاف ويكون ظلالًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأن هذا الظل اللي يكون من مصباحي أنا ومصباحك أنت هذا ظل نسبي.
* الطالب: ظل شاخص (...).
* الشيخ: حتى ظل الشاخص إذا جعلناه أنه (...) الأنوار؛ لأنه ما هو بالمقصود معرفة الظل الذي يكون بمجرد تسلط ضوء على جسم، المراد بالظل العام الذي يعم كل الناس، وهذا لا يمكن إلا بجعل الشمس وحدها هي الدليل عليه.
لكن قد يقول قائل: القمر أيضًا ﴿دَلِيلًا﴾، القمر دليل عليه؟
فنقول: إن نور القمر مستفاد من نور الشمس، فليس مستقلًّا بالإضاءة، فالذي يدل على الظل أصلًا هو الشمس.
* طالب: القمر ما يكون (...).
* الشيخ: هذا (...) عليه الشمس أيضًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، والقمر كذلك؛ لأن المسار واحد.
وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ [الفرقان ٤٥]، إذا قيل: جعل الشمس دليلًا على الظل ما الذي فيه؟ يُقال: في ذلك دليل ليس على مجرد وجود الظل، دليل على ما فيه من المصالح، وهي أيضًا مدلول عليها به، فالشمس الآن يُستدل بها على ما في الظل من المصالح، ويُستدل بالظل على ما فيها من المصالح أيضًا؛ لأن غيوب الشمس عن الأرض قد يؤثر، وبقاؤها دائمًا على وجه الأرض قد يؤثر، مثل قول الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص ٧١، ٧٢]، فكون هذا دليلًا على هذا، وهذا دليلًا على هذا هو أيضًا من رحمة الله؛ لأنه لولا الشمس ما عرفنا فائدة الظل، ولولا الظل ما عرفنا فائدة الشمس، فكل منهما في الحقيقة دال ومدلول.
(﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ﴾ أي الظل الممدود ﴿إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ [الفرقان ٤٦] خفيًّا بطلوع الشمس).
﴿قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾، قوله: ﴿قَبْضًا يَسِيرًا﴾، هل المراد باليسير هنا صفة للفعل؛ يعني أن قَبْضَنَا إياه يسير علينا، كقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق ٤٤]، أو أن المراد ﴿يَسِيرًا﴾ يعني أنه كان القبض شيئًا فشيئًا؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: الأخير أظهر، الأخير هو المتبادر، أن الله تعالى قبض هذا الظل قبضًا ﴿يَسِيرًا﴾ شيئًا فشيئًا، وهو منطبق على كل التفسيرات السابقة، إذا قلنا: الظل ما بين طلوع الفجر أو ما بين وقت الإسفار إلى وقت طلوع الشمس، فإنه يقبض هذا الظل شيئًا فشيئًا، ولّا لا؟ لا يزال النور يسطع حتى تطلع الشمس، هذا واحد، إذا قلنا: المراد به الليل، فهو أيضًا يقبض شيئًا فشيئًا؛ يعني ما يكون الليل اثنتي عشرة ساعة في اليوم هذا، ويكون تسع ساعات في اليوم الذي يليه، وإنما يقبض شيئًا فشيئًا.
كذلك إذا قلنا: المراد بالظل ظل الشاخص فهو نفس الشيء، إنما يتناقص شيئًا فشيئًا.
وليس في الآية إشكال سوى قوله: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ [الفرقان ٤٦]، ﴿إِلَيْنَا﴾، هذه الغاية فيها إشكال؛ لأنه كان من الممكن أن يقتصر على قوله: ثم قبضناه قبضًا يسيرًا، فما هي الحكمة من هذه الغاية: ﴿قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾؟ نعم؟
* طالب: للدلالة على (...).
* الشيخ: إي نعم، فيه أحد يرى (...)؟
* طالب: يعني المعنى أننا إذا قبضناه أي (...).
* الشيخ: ﴿قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا﴾ قبضه إليه، نعم؟
* طالب: نقول الظل يتأثر تحركه وتدريجه بالشمس، (...) الشمس أو تحرك الشمس، والشمس تتحرك إلى الله سبحانه وتعالى تسجد عند العرش، فيكون معناه: قبض هذا الشيء اللي يتسبب عنه (...).
* الشيخ: يعني يكون الضمير في قوله: ﴿قَبَضْنَاهُ﴾ إلى الشمس يعني؟
* الطالب: لا، إلى المؤثر على هذا الشيء وهو الشمس.
* الشيخ: لأنه -نعم- فيه من يرى أن الضمير في قوله: ﴿قَبَضْنَاهُ﴾ أي: الشمس، باعتبارها دليلًا: ﴿جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (٤٥) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ﴾ [الفرقان ٤٥، ٤٦] أي: قبضنا هذا الدليل ﴿إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾.
هو على كل حال فيه الاحتمال الذي ذكر الأخ، أن المراد جعل الغاية إلى الله سبحانه وتعالى إشارة إلى أنه هو المتصرف به، وأنه لا أحد يستطيع أن يتصرف بخلاف ذلك.
وفيه احتمال أنه يجعل ﴿قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا﴾ يعني: الدليل؛ أي: الشمس، ويكون المراد بالقبض إليه ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله في حديث أبي ذر «أنها تذهب وتسجد تحت العرش»[[أخرج البخاري (٣١٩٩) واللفظ له، ومسلم (١٥٩ / ٢٥٠)، بسنديهما من حديث عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ لأبي ذر حين غربت الشمس: «أتدري أين تذهب؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيُؤْذَن لها ويوشك أن تسجد، فلا يُقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها يُقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: ٣٨]».]].
وفيه احتمال ثالث مشى إليه الزمخشري، وقال: إن المراد بالقبض هنا ما ذكره الله بقوله: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ [التكوير ١، ٢]، وأن المراد به قبض هذه النيرات -الشمس وغيرها- يوم القيامة، وجعل اليسير ليس صفة للقبض أنه يكون شيئًا فشيئًا، بل هو صفة للفعل -لفعل الله- يعني أنه يسير عليه، كقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [ق ٤٤].
لكن الأخير بعيد؛ لأن الله تعالى إنما يمتن بذلك على أمر يدرك الناس فائدته في الدنيا وتمام قدرة الله فيه، فيكون على هذا إما أن يُقال إن الغاية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى إشارة إلى أن ذلك من تصرفه وحده، وأن الأمر إليه وحده لا إلى غيره، ويكون دليلًا على عظمة الله سبحانه وتعالى، أو أن المراد بالقبض إليه أن الشمس تُقبض إلى الله، بمعنى أنها تذهب وتسجد تحت العرش كما جاء به الحديث عن النبي ﷺ.
* وفي الآية من الفوائد: أولًا: تقرير الإنسان بالنعم التي يشاهدها؛ لقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ﴾ [الفرقان ٤٥].
* ثانيًا: إثبات ربوبية الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾، والرب هو الخالق المتصرف.
* وثالثًا: بيان كمال قدرة الله ورحمته بمد الظل، وجعل الشمس دليلًا عليه وقبضه قبضًا يسيرًا بهذه الأمور الثلاثة.
* ورابعًا: إثبات الاستدلال بالشيء على الشيء.
* والخامس: الاستدلال بالشيء على ضده، وبضده يعرف الضد، يقول بعضهم:
؎..................... ∗∗∗ وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ
لقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ [الفرقان ٤٥].
* وسادسًا: إثبات مشيئة الله؛ لقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ [الفرقان ٤٥].
* والفائدة السابعة: أنه ينبغي للإنسان أنه لا يجعل النعم أمورًا عادية لا بد منها، بل يقدرها بضدها؛ لقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾، فالآن إذا قال الإنسان مثلًا: خروج الشمس على هذه الأرض وغروبها عنها أمر معتاد، نقول: نعم، هو أمر معتاد ومن أجل كونه معتادًا لا يحس الإنسان بأنه نعمة، لكن قدر هذا الشيء بضده: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾، خروج النفس من جسم الإنسان أمر معتاد، ولهذا لا يحس الإنسان بقدر هذه النعمة، لكن قدر: ولو شاء الله لحبسه، وحينئذ يتبين قدر النعمة، فقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ ينبغي أن يجعل هذا قاعدة لنا في كل النعم المعتادة التي نحن عشنا عليها واعتدناها فإننا لا نحس بكونها نعمًا، لكن علينا أن نقدر ضدها: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ حتى نعرف بذلك قدر نعمة الله سبحانه وتعالى بهذه النعم المعتادة.
* طالب: ما تؤخذ فائدة (...)؟
* الشيخ: لا، هو إثبات رحمة الله بوجود هذه النعم، لكن تنبيه الإنسان على الشكر إنما يكون بذكر ضد هذه النعم؛ لقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾.
وفيه أيضًا فائدة الالتفات، وهي تغيير الأسلوب لتنبيه المخاطب؛ لقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ [الفرقان ٤٥].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، إي نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذه إثبات النعم بضدها، معرفة قدر النعم بمعرفة ضدها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، الاستدلال على الشيء بضده، مرادنا بالنعم أن الإنسان يستدل بضدها على مساغ هذه النعمة.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَیۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَاۤءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنࣰا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَیۡهِ دَلِیلࣰا","ثُمَّ قَبَضۡنَـٰهُ إِلَیۡنَا قَبۡضࣰا یَسِیرࣰا"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَیۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَاۤءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنࣰا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَیۡهِ دَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق