الباحث القرآني

(p-٥٠٢)﴿ألَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ولَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا ثُمَّ جَعَلْنا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾ ﴿ثُمَّ قَبَضْناهُ إلَيْنا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباسًا والنَّوْمَ سُباتًا وجَعَلَ النَّهارَ نُشُورًا﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُورًا﴾ ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ونُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أنْعامًا وأناسِيَّ كَثِيرًا﴾ ﴿ولَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهم لِيَذَّكَّرُوا فَأبى أكْثَرُ النّاسِ إلّا كُفُورًا﴾ ﴿ولَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٥١] ﴿فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وجاهِدْهم بِهِ جِهادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢] ﴿وهُوَ الَّذِي مَرَجَ البَحْرَيْنِ هَذا عَذْبٌ فُراتٌ وهَذا مِلْحٌ أُجاجٌ وجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخًا وحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الماءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وصِهْرًا وكانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٤] ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهم ولا يَضُرُّهم وكانَ الكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٥] ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا مُبَشِّرًا ونَذِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٦] ﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إلّا مَن شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٥٧] ﴿وتَوَكَّلْ عَلى الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٨] ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٩] ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ أنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وزادَهم نُفُورًا﴾ [الفرقان: ٦٠] . لَمّا بَيَّنَ تَعالى جَهْلَ المُعْتَرِضِينَ عَلى دَلائِلِ الصّانِعِ وفَسادِ طَرِيقَتِهِمْ، ذَكَرَ أنْواعًا مِنَ الدَّلائِلِ الواضِحَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلى قُدْرَتِهِ التّامَّةِ، لَعَلَّهم يَتَدَبَّرُونَها ويُؤْمِنُونَ بِمَن هَذِهِ قُدْرَتُهُ وتَصَرُّفُهُ في عالَمِهِ، فَبَدَأ بِحالِ الظِّلِّ في زِيادَتِهِ ونُقْصانِهِ وتَغَيُّرِهِ مِن حالٍ إلى حالٍ، وأنَّ ذَلِكَ جارٍ عَلى مَشِيئَتِهِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى (ألَمْ تَرَ) في البَقَرَةِ في قِصَّةِ الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ. والمَعْنى ألَمْ تَرَ إلى صُنْعِ رَبِّكَ وقُدْرَتِهِ. و(كَيْفَ): سُؤالٌ عَنْ حالٍ في مَوْضِعِ نَصْبٍ (p-٥٠٣)بِمَدَّ. والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ مُتَعَلِّقِ (ألَمْ تَرَ)؛ لِأنَّ (تَرَ) مُعَلِّقَةٌ، والجُمْلَةُ الِاسْتِفْهامِيَّةُ الَّتِي هي مُعَلَّقٌ عَنْها فِعْلُ القَلْبِ لَيْسَ باقِيًا عَلى حَقِيقَةِ الِاسْتِفْهامِ. فالمَعْنى ألَمْ تَرَ إلى مَدِّ رَبِّكَ الظِّلَّ. وقالَ الجُمْهُورُ: الظِّلُّ هُنا مِن طُلُوعِ الفَجْرِ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، مِثْلُ ظِلِّ الجَنَّةِ ظِلٌّ مَمْدُودٌ لا شَمْسَ فِيهِ ولا ظُلْمَةَ. واعْتُرِضَ بِأنَّهُ في غَيْرِ النَّهارِ بَلْ في بَقايا اللَّيْلِ، ولا يُسَمّى ظِلًّا. وقِيلَ: الظِّلُّ اللَّيْلُ لا ظِلُّ الأرْضِ، وهو يَغْمُرُ الدُّنْيا كُلَّها. وقِيلَ: مِن غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إلى طُلُوعِها، وهَذا هو القَوْلُ الَّذِي قَبْلَهُ ولَكِنْ أوْرَدَهُ كَذا. وقِيلَ: ظِلالُ الأشْياءِ كُلِّها كَقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ﴾ [النحل: ٤٨] . وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الظِّلُّ بِالغَداةِ والفَيْءُ بِالعَشِيِّ. وقالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ ما نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ والفَيْءُ ما نَسَخَ الشَّمْسَ. وقِيلَ: ما لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ظِلٌّ وما كانَتْ عَلَيْهِ فَزالَتْ فَيْءٌ. ﴿ولَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ وابْنُ زَيْدٍ: كَظِلِّ الجَنَّةِ الَّذِي لا شَمْسَ تُذْهِبُهُ. وقالَ مُجاهِدٌ: لا تُصِيبُهُ الشَّمْسُ ولا تَزُولُ. وقالَ الحَسَنُ: لَوْ شاءَ لَتَرَكَهُ ظِلًّا كَما هو. وقِيلَ: لَأدامَهُ أبَدًا بِمَنعِ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ غَيْبُوبَتِها، فَلَمّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ دَلَّتْ عَلى زَوالِ الظِّلِّ وبَدا فِيهِ النُّقْصانُ، فَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ يَبْدُو النُّقْصانُ في الظِّلِّ، وبِغُرُوبِها تَبْدُو الزِّيادَةُ في الظِّلِّ، فَبِالشَّمْسِ اسْتَدَلَّ أهْلُ الأرْضِ عَلى الظِّلِّ وزِيادَتِهِ ونَقْصِهِ، وكُلَّما عَلَتِ الشَّمْسُ نَقَصَ الظِّلُّ، وكُلَّما دَنَتْ لِلْغُرُوبِ زادَ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ قَبَضْناهُ إلَيْنا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ يَعْنِي في وقْتِ عُلُوِّ الشَّمْسِ بِالنَّهارِ يَنْقُصُ الظِّلُّ نُقْصانًا يَسِيرًا بَعْدَ يَسِيرٍ، وكَذَلِكَ زِيادَتُهُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهارِ يَزِيدُ يَسِيرًا بَعْدَ يَسِيرٍ حَتّى يَعُمَّ الأرْضَ كُلَّها، فَأمّا زَوالُ الظِّلِّ كُلِّهِ فَإنَّما يَكُونُ في البُلْدانِ المُتَوَسِّطَةِ في وقْتٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَعْنى (مَدَّ الظِّلَّ) أنْ جَعَلَهُ يَمْتَدُّ ويَنْبَسِطُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ النّاسُ. ﴿ولَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا﴾، أيْ: لاصِقًا بِأصْلِ كُلِّ مُظِلٍّ مِن جَبَلٍ وبِناءٍ وشَجَرٍ وغَيْرَ مُنْبَسِطٍ فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أحَدٌ، سُمِّيَ انْبِساطُ الظِّلِّ وامْتِدادُهُ تَحَرُّكًا مِنهُ وعَدَمُ ذَلِكَ سُكُونًا، ومَعْنى كَوْنِ الشَّمْسِ دَلِيلًا أنَّ النّاسَ يَسْتَدِلُّونَ بِالشَّمْسِ وبِأحْوالِها في مَسِيرِها عَلى أحْوالِ الظِّلِّ، مِن كَوْنِهِ ثابِتًا في مَكانٍ وزائِلًا ومُتَّسِعًا ومُتَقَلِّصًا، فَيَبْنُونَ حاجَتَهم إلى الظِّلِّ واسْتِغْناءَهم عَنْهُ عَلى حَسَبِ ذَلِكَ. وقَبْضُهُ إلَيْهِ أنْ يَنْسَخَهُ بِظِلِّ الشَّمْسِ (يَسِيرًا)، أيْ: عَلى مَهَلٍ، وفي هَذا القَبْضِ اليَسِيرِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مِنَ المَنافِعِ ما لا يُعَدُّ ولا يُحْصى، ولَوْ قُبِضَ دُفْعَةً لَتَعَطَّلَتْ أكْثَرُ مَرافِقِ النّاسِ بِالظِّلِّ والشَّمْسِ جَمِيعًا (فَإنْ قُلْتَ): ثُمَّ في هَذَيْنِ المَوْضِعَيْنِ كَيْفَ مَوْقِعُها ؟ (قُلْتُ): مَوْقِعُها لِبَيانِ تَفاضُلِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ كَأنَّ الثّانِيَ أعْظَمُ مِنَ الأوَّلِ، والثّالِثَ أعْظَمُ مِنَ الثّانِي؛ تَشْبِيهًا لِتَباعُدِ ما بَيْنَهُما في الفَضْلِ بِتَباعُدِ ما بَيْنَ الحَوادِثِ في الوَقْتِ. ووَجْهٌ آخَرُ وهو أنَّهُ بَنى الظِّلَّ حِينَ بَنى السَّماءَ، كالقُبَّةِ المَضْرُوبَةِ ودَحا الأرْضَ تَحْتَها، فَألْقَتِ القُبَّةُ ظِلَّها عَلى الأرْضِ لِعَدَمِ النَّيِّرِ. ﴿ولَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا﴾ مُسْتَقِرًّا عَلى تِلْكَ الحالَةِ، ثُمَّ خَلَقَ الشَّمْسَ وجَعَلَهُ عَلى ذَلِكَ الظِّلِّ سَلَّطَها عَلَيْهِ وجَعَلَها دَلِيلًا مَتْبُوعًا لَهم كَما يُتْبَعُ الدَّلِيلُ في الطَّرِيقِ، فَهو يَزِيدُ بِها ويَنْقُصُ ويَمْتَدُّ ويَقْلِصُ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِها قَبَضَهُ قَبْضًا سَهْلًا يَسِيرًا غَيْرَ عَسِيرٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ قَبْضَهُ عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ بِقَبْضِ أسْبابِهِ، وهي الأجْرامُ الَّتِي تُلْقِي الظِّلَّ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ إعْدامَهُ بِإعْدامِ أسْبابِهِ، كَما ذَكَرَ إنْشاءَهُ بِإنْشاءِ أسْبابِهِ، وقَوْلُهُ: (قَبَضْناهُ إلَيْنا) يَدُلُّ عَلَيْهِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (يَسِيرًا)، كَما قالَ: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾ [ق: ٤٤]، انْتَهى. وقَوْلُهُ: سَمّى انْبِساطَ الظِّلِّ وامْتِدادَهُ تَحَرُّكًا مِنهُ لَمْ يُسَمِّ اللَّهُ ذَلِكَ إنَّما قالَ: (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ)، وقَوْلُهُ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ قَبْضَهُ عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ فَهَذا يَبْعُدُ احْتِمالُهُ؛ لِأنَّهُ إنَّما ذَكَرَ آثارَ صَنْعَتِهِ وقُدْرَتِهِ لِتُشاهَدَ، ثُمَّ قالَ: (مَدَّ الظِّلَّ) وعَطَفَ عَلَيْهِ ماضِيًا مِثْلَهُ فَيَبْعُدُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ثُمَّ قَبَضَهُ عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ مَعَ ظُهُورِ كَوْنِهِ ماضِيًا مُسْتَدامًا أمْثالُهُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ﴿ولَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِنًا﴾، أيْ: ثابِتًا غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ ولا مَنسُوخٍ، لَكِنَّهُ جَعَلَ الشَّمْسَ ونَسْخَها إيّاهُ (p-٥٠٤)بِطَرْدِها لَهُ مِن مَوْضِعٍ إلى مَوْضِعٍ؛ دَلِيلًا عَلَيْهِ مُبَيِّنًا لِوُجُودِهِ ولِوَجْهِ العِبْرَةِ فِيهِ. وحَكى الطَّبَرِيُّ: أنَّهُ لَوْلا الشَّمْسُ لَمْ يُعْلَمْ أنَّ الظِّلَّ شَيْءٌ إذِ الأشْياءُ إنَّما تُعْرَفُ بِأضْدادِها. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: (يَسِيرًا) مُعَجَّلًا. وقالَ مُجاهِدٌ لَطِيفًا، أيْ: شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ سَهْلًا قَرِيبَ التَّناوُلِ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: أكْثَرَ النّاسُ في تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ ويُرْفَعُ الكَلامُ فِيها إلى وجْهَيْنِ. الأوَّلُ: أنَّ الظِّلَّ لا ضَوْءٌ خالِصٌ ولا ظُلْمَةٌ خالِصَةٌ، وهو ما بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ وطُلُوعِ الشَّمْسِ، وكَذَلِكَ الكَيْفِيّاتُ الحاصِلَةُ داخِلَ السَّقْفِ وأبْنِيَةِ الجِداراتِ، وهي أطْيَبُ الأحْوالِ؛ لِأنَّ الظُّلْمَةَ الخالِصَةَ يَكْرَهُها الطَّبْعُ ويَنْفِرُ عَنْها الحِسُّ، والضَّوْءَ الخالِصَ يُحَيِّرُ الحِسَّ البَصَرِيَّ ويُحْدِثُ السُّخُونَةَ القَوِيَّةَ، وهي مُؤْذِيَةٌ، ولِهَذا قِيلَ في الجَنَّةِ: ﴿وظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ [الواقعة: ٣٠]، والنّاظِرُ إلى الجِسْمِ المُلَوَّنِ كَأنَّهُ يُشاهِدُ بِالظِّلِّ شَيْئًا سِوى الجِسْمِ وسِوى اللَّوْنِ، والظِّلُّ لَيْسَ أمْرًا ثالِثًا ولا مَعْرِفَةَ بِهِ إلّا أنَّهُ إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ ووَقَعَ ضَوْءُها عَلى الجِسْمِ ثُمَّ مالَ، عُرِفَ لِلظِّلِّ وُجُودٌ وماهِيَّةٌ، ولَوْلاها ما عُرِفَ؛ لِأنَّ الأشْياءَ تُدْرَكُ بِأضْدادِها، فَظَهَرَ لِلْعَقْلِ أنَّ الظِّلَّ كَيْفِيَّةٌ زائِدَةٌ عَلى الجِسْمِ واللَّوْنِ؛ ولِذَلِكَ قالَ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾، أيْ: جَعَلْنا الظِّلَّ أوَّلًا بِما فِيهِ مِنَ المَنافِعِ واللَّذّاتِ، ثُمَّ هَدَيْنا العُقُولَ إلى مَعْرِفَةِ وجُودِهِ بِأنْ أطْلَعْنا الشَّمْسَ فَكانَتْ دَلِيلًا عَلى وُجُودِ الظِّلِّ. (ثُمَّ قَبَضْناهُ) أيْ: أزَلْناهُ لا دُفْعَةً بَلْ (يَسِيرًا) يَسِيرًا كُلَّما ازْدادَ ارْتِفاعُ الشَّمْسِ ازْدادَ نُقْصانُ الظِّلِّ مِن جانِبِ المَغْرِبِ، ولَمّا كانَتِ الحَرَكاتُ المَكانِيَّةُ لا تُوجَدُ دُفْعَةً بَلْ يَسِيرًا يَسِيرًا كانَ زَوالُ الأظْلالِ كَذَلِكَ. والثّانِي: أنَّهُ لَمّا خَلَقَ السَّماءَ والأرْضَ وقَعَ ظِلُّ السَّماءِ عَلى الأرْضِ، فَجَعَلَ الشَّمْسَ دَلِيلًا؛ لِأنَّهُ بِحَسَبِ حَرَكاتِ الأضْواءِ تَتَحَرَّكُ الأظْلالُ، فَهُما مُتَعاقِبانِ مُتَلازِمانِ لا واسِطَةَ بَيْنَهُما، فَبِمِقْدارِ ما يَزْدادُ أحَدُهُما يَنْقُصُ الآخَرُ، فَكَما أنَّ المُهْتَدِيَ يَقْتَدِي بِالهادِي والدَّلِيلِ ويُلازِمُهُ فَكَذَلِكَ الأظْلالُ مُلازِمَةٌ لِلْأضْواءِ، ولِذَلِكَ جَعَلَ الشَّمْسَ دَلِيلًا عَلَيْهِ، انْتَهى مُلَخَّصًا. وهو مَأْخُوذٌ مِن كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ، ومُحَسَّنٌ بَعْضَ تَحْسِينٍ. والآيَةُ في غايَةِ الظُّهُورِ ولا تَحْتاجُ إلى هَذا التَّكْثِيرِ. وقالَ أيْضًا: الظِّلُّ لَيْسَ عَدَمًا مَحْضًا، بَلْ هو أضْواءٌ مَخْلُوطَةٌ بِظَلامٍ، فَهو أمْرٌ وُجُودِيٌّ وفي تَحْقِيقِهِ دَقِيقٌ يُرْجَعُ فِيهِ إلى الكُتُبِ العَقْلِيَّةِ، انْتَهى. والآيَةُ في غايَةِ الوُضُوحِ ولا تَحْتاجُ إلى هَذا التَّكْثِيرِ، وقَدْ تَرَكْتُ أشْياءَ مِن كَلامِ المُفَسِّرِينَ مِمّا لا تَمَسُّ إلَيْهِ الحاجَةُ. (جَعَلَ اللَّيْلَ لِباسًا) تَشْبِيهًا بِالثَّوْبِ الَّذِي يُغَطِّي البَدَنَ ويَسْتُرُهُ؛ مِن حَيْثُ اللَّيْلُ يَسْتُرُ الأشْياءَ. والسُّباتُ: ضَرْبٌ مِنَ الإغْماءِ يَعْتَرِي اليَقْظانَ مَرَضًا فَشَبَّهَ النَّوْمَ بِهِ، والسَّبْتُ الإقامَةُ في المَكانِ، فَكانَ السُّباتُ سُكُونًا تامًّا، والنُّشُورُ هُنا الإحْياءُ شَبَّهَ اليَقَظَةَ بِهِ لِيَتَطابَقَ الإحْياءُ مَعَ الإماتَةِ، اللَّذَيْنِ يَتَضَمَّنُهُما النَّوْمُ والسُّباتُ، انْتَهى مِن كَلامِ ابْنِ عَطِيَّةَ، وقالَ غَيْرُهُ: السُّباتُ الرّاحَةُ، جُعِلَ النَّوْمُ سُباتًا أيْ: سَبَبَ راحَةٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: السُّباتُ المَوْتُ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَّيْلِ﴾ [الأنعام: ٦٠]، (فَإنْ قُلْتَ): هَلّا فَسَّرْتَهُ بِالرّاحَةِ ؟ (قُلْتُ): النُّشُورُ في مُقابَلَتِهِ يَأْباهُ، انْتَهى. ولا يَأْباهُ إلّا لَوْ تَعَيَّنَ تَفْسِيرُ النُّشُورِ بِالحَياةِ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: (نُشُورًا) هو بِمَعْنى الِانْتِشارِ والحَرَكَةِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِالنُّشُورِ وقْتَ انْتِشارٍ وتَفَرُّقٍ لِطَلَبِ المَعاشِ وابْتِغاءِ فَضْلِ اللَّهِ. و(النَّهارَ نُشُورًا) وما قَبْلَهُ مِن بابِ: لَيْلٌ نائِمٌ ونَهارٌ صائِمٌ، وهَذِهِ الآيَةُ مَعَ دَلالَتِها عَلى قُدْرَةِ الخالِقِ، فِيها إظْهارٌ لِنِعْمَتِهِ عَلى خَلْقِهِ؛ لِأنَّ الِاحْتِجابَ بِسِتْرِ اللَّيْلِ كَمْ فِيهِ لِكَثِيرٍ مِنَ النّاسِ فَوائِدُ دِينِيَّةٌ ودُنْيَوِيَّةٌ. وقالَ الشّاعِرُ: ؎وكَمْ لِظَلامِ اللَّيْلِ عِنْدِيَ مِن يَدٍ تُخَبِّرُ أنَّ المانَوِيَّةَ تَكْذِبُ والنَّوْمُ واليَقَظَةُ وشَبَّهَهُما بِالمَوْتِ والحَياةِ، أيْ: عِبْرَةٌ فِيهِما لِمَنِ اعْتَبَرَ. وعَنْ لُقْمانَ أنَّهُ قالَ لِابْنِهِ: يا بُنَيَّ كَما (p-٥٠٥)تَنامُ فَتُوقَظُ فَكَذَلِكَ تَمُوتُ فَتُنْشَرُ. وتَقَدَّمَ الخِلافُ في قِراءَةِ الرِّيحِ بِالإفْرادِ والجَمْعِ في البَقَرَةِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقِراءَةُ الجَمْعِ أوْجَهُ؛ لِأنَّ عُرْفَ الرِّيحِ مَتى ورَدَتْ في القُرْآنِ مُفْرَدَةً فَإنَّما هي لِلْعَذابِ، ومَتّى كانَتْ لِلْمَطَرِ والرَّحْمَةِ فَإنَّما هي رِياحٌ؛ لِأنَّ رِيحَ المَطَرِ تَتَشَعَّبُ وتَتَداءَبُ وتَتَفَرَّقُ وتَأْتِي لَيِّنَةً، ومِن هاهُنا وهاهُنا وشَيْئًا إثْرَ شَيْءٍ، ورِيحَ العَذابِ خَرَجَتْ لا تَتَداءَبُ وإنَّما تَأْتِي جَسَدًا واحِدًا؛ ألا تَرى أنَّها تُحَطِّمُ ما تَجِدُ وتَهْدِمُهُ. قالَ الرُّمّانِيُّ: جُمِعَتْ رِياحُ الرَّحْمَةِ؛ لِأنَّها ثَلاثَةُ لَواقِحَ: الجَنُوبُ، والصَّبا، والشَّمالُ. وأُفْرِدَتْ رِيحُ العَذابِ؛ لِأنَّها واحِدَةٌ لا تُلْقِحُ وهي الدَّبُورُ. قالَ - أيِ ابْنُ عَطِيَّةَ -: يَرُدُّ هَذا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ إذا هَبَّتِ الرِّيحُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْها رِياحًا ولا تَجْعَلْها رِيحًا»، انْتَهى. ولا يَسُوغُ أنْ يُقالَ: هَذِهِ القِراءَةُ أوْجَهُ؛ لِأنَّهُ كُلًّا مِنَ القِراءَتَيْنِ مُتَواتِرٌ، والألِفُ واللّامُ في الرِّيحِ لِلْجِنْسِ فَتَعُمُّ، وما ذُكِرَ مِن أنَّ قَوْلَ الرُّمّانِيِّ يَرُدُّهُ الحَدِيثُ فَلا يَظْهَرُ؛ لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ”رِياحًا“ . الثَّلاثَةَ اللَّواقِحَ، وبِقَوْلِهِ ”ولا تَجْعَلْها رِيحًا“ الدَّبُورَ. فَيَكُونُ ما قالَهُ الرُّمّانِيُّ مُطابِقًا لِلْحَدِيثِ عَلى هَذا المَفْهُومِ. وتَقَدَّمَ الخِلافُ في قِراءَةِ (نُشْرًا)، وفي مَدْلُولِهِ في الأعْرافِ ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ اسْتِعارَةٌ حَسَنَةٌ، أيْ: قُدّامَ المَطَرِ؛ لِأنَّهُ يَجِيءُ مُعْلَمًا بِهِ. والطَّهُورُ فَعُولٌ إمّا لِلْمُبالَغَةِ كَنَئُومٍ فَهو مَعْدُولٌ عَنْ طاهِرٍ، وإمّا أنْ يَكُونَ اسْمًا لِما يُتَطَهَّرُ بِهِ كالسَّحُورِ والفَطُورِ، وإمّا مَصْدَرٌ لِتَطَهَّرَ جاءَ عَلى غَيْرِ المَصْدَرِ؛ حَكاهُسِيبَوَيْهِ. والظّاهِرُ في قَوْلِهِ: ﴿ماءً طَهُورًا﴾ أنْ يَكُونَ لِلْمُبالَغَةِ في طَهارَتِهِ وجِهَةُ المُبالَغَةِ كَوْنُهُ لَمْ يَشُبْهُ شَيْءٌ بِخِلافِ ما نَبَعَ مِنَ الأرْضِ ونَحْوِهِ، فَإنَّهُ تَشُوبُهُ أجْزاءٌ أرْضِيَّةٌ مِن مَقَرِّهِ أوْ مَمَرِّهِ أوْ مِمّا يُطْرَحُ فِيهِ، ويَجُوزُ أنْ يُوصَفَ بِالِاسْمِ وبِالمَصْدَرِ. وقالَ ثَعْلَبٌ: هو ما كانَ طاهِرًا في نَفْسِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ، فَإنْ كانَ ما قالَهُ شَرْحًا لِمُبالَغَتِهِ في الطَّهارَةِ كانَ سَدِيدًا، ويُعَضِّدُهُ ﴿ويُنَزِّلُ عَلَيْكم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكم بِهِ﴾ [الأنفال: ١١]، وإلّا فَفَعُولٌ لا يَكُونُ بِمَعْنى مُفَعِّلٍ، ومِنِ اسْتِعْمالِ طَهُورٍ لِلْمُبالَغَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسَقاهم رَبُّهم شَرابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١] . وقالَ الشّاعِرُ: ؎إلى رُجَّحِ الأكْفالِ غِيدٍ مِنَ الظِّبا ∗∗∗ عِذابِ الثَّنايا رِيقُهُنَّ طَهُورُ وقَرَأ عِيسى وأبُو جَعْفَرٍ (مَيِّتًا) بِالتَّشْدِيدِ ووَصَفَ (بَلَدَةً) بِصِفَةِ المُذَكَّرِ؛ لِأنَّ البَلْدَةَ تَكُونُ في مَعْنى البَلَدِ في قَوْلِهِ: ﴿فَسُقْناهُ إلى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ [فاطر: ٩]، ورَجَّحَ الجُمْهُورُ التَّخْفِيفَ؛ لِأنَّهُ يُماثِلُ فَعْلًا مِنَ المَصادِرِ، فَكَما وُصِفَ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ بِالمَصْدَرِ فَكَذَلِكَ بِما أشْبَهَهُ بِخِلافِ المُشَدَّدِ، فَإنَّهُ يُماثِلُ فاعِلًا مِن حَيْثُ قَبُولُهُ لِلثّاءِ إلّا فِيما خَصَّ المُؤَنَّثَ نَحْوَ طامِثٍ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وأبُو حَيْوَةَ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ والأعْمَشُ وعاصِمٌ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُما: (ونَسْقِيَهُ) بِفَتْحِ النُّونِ، ورُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ. وقَرَأ يَحْيى بْنُ الحارِثِ الذِّمارِيُّ: (وأناسِيَ) بِتَخْفِيفِ الياءِ. ورُوِيَتْ عَنِ الكِسائِيِّ: وأناسِيَّ جَمْعُ إنْسانٍ في مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ. وجَمْعُ إنْسِيٍّ في مَذْهَبِ الفَرّاءِ والمُبَرِّدِ والزَّجّاجِ، والقِياسُ أناسِيَةٌ كَما قالُوا في مُهَلَّبِيٍّ مَهالِبَةٌ. وحُكِيَ أناسِينُ في جَمْعِ إنْسانٍ كَسِرْحانٍ وسَراحِينَ، ووَصَفَ الماءَ بِالطَّهارَةِ وعَلَّلَ إنْزالَهُ بِالإحْياءِ والسَّقْيِ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ الأناسِيُّ مِن جُمْلَةِ ما أُنْزِلَ لَهُ الماءُ وُصِفَ بِالطَّهُورِ وإكْرامًا لَهُ وتَتْمِيمًا لِلنِّعْمَةِ عَلَيْهِ، والتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أنَّ الطَّهارَةَ شَرْطٌ في صِحَّةِ ذَلِكَ كَما تَقُولُ: حَمَلَنِي الأمِيرُ عَلى فَرَسٍ جَوادٍ لِأصِيدَ عَلَيْهِ الوَحْشَ. وقَدَّمَ إحْياءَ الأرْضِ وسَقْيَ الأنْعامِ عَلى سَقْيِ الأناسِيِّ؛ لِأنَّ حَياتَهم بِحَياةِ أرْضِهِمْ وحَياةِ أنْعامِهِمْ، فَقَدَّمَ ما هو السَّبَبُ في ذَلِكَ؛ ولِأنَّهم إذا وجَدُوا ما يَسْقِي أرْضَهم ومَواشِيَهم وجَدُوا سُقْياهم. ونُكِّرَ الأنْعامُ والأناسِيُّ ووُصِفا بِالكَثْرَةِ؛ لِأنَّ كَثِيرًا مِنهم لا يُعَيِّشُهم إلّا ما أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ المَطَرِ، وكَذَلِكَ: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ يُرِيدُ بَعْضَ بِلادِ هَؤُلاءِ المُتَباعِدِينَ عَنْ مَظانِّ الماءِ، بِخِلافِ سُكّانِ المُدُنِ فَإنَّهم قَرِيبُونَ مِنَ الأوْدِيَةِ والأنْهارِ والعُيُونِ؛ فَهم غَنِيُّونَ - غالِبًا - عَنْ سَقْيِ ماءِ المَطَرِ، وخَصَّ الأنْعامَ مِن بَيْنِ ما خَلَقَ مِنَ الحَيَوانِ الشّارِبِ؛ لِأنَّ الطُّيُورَ (p-٥٠٦)والوَحْشَ تَبْعُدُ في طَلَبِ الماءِ فَلا يُعْوِزُها الشُّرْبُ بِخِلافِ الأنْعامِ، فَإنَّها قِنْيَةُ الأناسِيِّ، ومَنافِعُهم مُتَعَلِّقَةٌ بِها، فَكانَ الإنْعامُ عَلَيْهِمْ بِسَقْيِ أنْعامِهِمْ كالإنْعامِ بِسِقْيِهِمْ. والضَّمِيرُ في (صَرَّفْناهُ) عائِدٌ عَلى الماءِ المُنَزَّلِ مِنَ السَّماءِ، أيْ: جَعَلْنا إنْزالَ الماءِ تَذْكِرَةً بِأنْ يَصْرِفَهُ عَنْ بَعْضِ المَواضِعِ إلى بَعْضٍ، وهو في كُلِّ عامٍ بِمِقْدارٍ واحِدٍ؛ قالَهُ الجُمْهُورُ مِنهُمُ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ. فَعَلى هَذا التَّأْوِيلِ (إلّا كُفُورًا) هو قَوْلُهم بِالأنْواءِ والكَواكِبِ؛ قالَهُ عِكْرِمَةُ. وقِيلَ: (كُفُورًا) عَلى الإطْلاقِ لَمّا تَرَكُوا التَّذَكُّرَ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: عائِدٌ عَلى القُرْآنِ وإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ؛ لِوُضُوحِ الأمْرِ، ويُعَضِّدُهُ: (وجاهِدْهم بِهِ)؛ لِتَوافُقِ الضَّمائِرِ، وعَلى أنَّهُ لِلْمَطَرِ يَكُونُ بِهِ لِلْقُرْآنِ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: راجِعٌ إلى المَطَرِ والرِّياحِ والسَّحابِ وسائِرِ ما ذُكِرَ فِيهِ مِنَ الأدِلَّةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: صَرَّفْنا هَذا القَوْلَ بَيْنَ النّاسِ في القُرْآنِ وفي سائِرِ الكُتُبِ والصُّحُفِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلى الرُّسُلِ، وهو ذِكْرُ إنْشاءِ السَّحابِ وإنْزالِ المَطَرِ، لِيَتَفَكَّرُوا ويَعْتَبِرُوا ويَعْرِفُوا حَقَّ النِّعْمَةِ فِيهِ ويَشْكُرُوا، فَأبى أكْثَرُهم إلّا كُفْرانَ النِّعْمَةِ وجُحُودَها وقِلَّةَ الِاكْتِراثِ بِها. وقِيلَ: صَرَّفْنا المَطَرَ بَيْنَهم في البُلْدانِ المُخْتَلِفَةِ والأوْقاتِ المُتَغايِرَةِ، وعَلى الصِّفاتِ المُتَفاوِتَةِ مِن وابِلٍ وطَلٍّ وجُودٍ ورَذاذٍ ودِيمَةٍ ورِهامٍ فَأبَوْا إلّا الكُفُورَ. وأنْ يَقُولُوا مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا ولا يَذْكُرُوا رَحْمَتَهُ وصَنْعَتَهُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ما مِن عامٍ أقَلُّ مَطَرًا مِن عامٍ، ولَكِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ ذَلِكَ بَيْنَ عِبادِهِ عَلى ما يَشاءُ، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ. ويُرْوى أنَّ المَلائِكَةَ يَعْرِفُونَ عَدَدَ المَطَرِ ومِقْدارَهُ في كُلِّ عامٍ؛ لِأنَّهُ لا يَخْتَلِفُ، ولَكِنْ يَخْتَلِفُ في البِلادِ، ويُنْتَزَعُ مِن هاهُنا جَوابٌ في تَنْكِيرِ البَلْدَةِ والأنْعامِ والأناسِيِّ، كَأنَّهُ قالَ: لِيُحْيِيَ بِهِ بَعْضَ البِلادِ المَيِّتَةِ، ونُسْقِيَهُ بَعْضَ الأنْعامِ والأناسِيِّ وذَلِكَ البَعْضُ كَثِيرٌ، انْتَهى. وقَرَأ عِكْرِمَةُ (صَرَفْناهُ)، بِتَخْفِيفِ الرّاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب