مِنْ هَاهُنَا شَرَعَ تَعَالَى فِي بَيَانِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ، وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ عَلَى خَلْقِ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ، فَقَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وابن عمر، وأبو الْعَالِيَةِ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِي، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ: هُوَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. ﴿وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ أَيْ: دَائِمًا لَا يَزُولُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ ، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الْقَصَصِ: ٧١ -٧٢] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا﴾ أَيْ: لَوْلَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ عَلَيْهِ، لَمَا عُرِفَ، فَإِنَّ [[في ف: "وإن".]] الضِّدَّ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِضِدِّهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: دَلِيلًا يَتْلُوهُ وَيَتْبَعُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ كُلِّهِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ أَيِ: الظِّلَّ، وَقِيلَ: الشَّمْسَ. ﴿يَسِيرًا﴾ أَيْ: سَهْلًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَرِيعًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَفِيًّا. وَقَالَ السُّدِّيُّ؛ قَبْضًا خفَياً، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ ظِلٌّ إِلَّا تَحْتَ سَقْفٍ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَقَدْ أَظَلَّتِ الشَّمْسُ مَا فَوْقَهُ.
وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ أَيْ: قَلِيلًا قَلِيلًا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ أَيْ: يَلْبَسُ الْوُجُودَ ويُغَشيه [[في ف: "ويغشاه".]] ، كَمَا قَالَ: [ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [اللَّيْلِ: ١] وَقَالَ] [[زيادة من أ.]] ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [الشَّمْسِ: ٤] .
﴿وَالنَّوْمَ سُبَاتًا﴾ أَيْ: قَطْعَا لِلْحَرَكَةِ لِرَاحَةِ الْأَبْدَانِ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ وَالْجَوَارِحَ تَكِلُّ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَةِ فِي الِانْتِشَارِ بِالنَّهَارِ فِي الْمَعَايِشِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ وَسَكَنَ سَكَنَتِ الْحَرَكَاتُ، فَاسْتَرَاحَتْ فَحَصَلَ النَّوْمُ الَّذِي فِيهِ رَاحَةُ الْبَدَنِ وَالرُّوحِ مَعًا.
﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ أَيْ: يَنْتَشِرُ الناسُ فِيهِ [[في ف: "فيه الناس".]] لِمَعَايِشِهِمْ وَمَكَاسِبِهِمْ وَأَسْبَابِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الْقَصَصِ: ٧٣] .
{"ayahs_start":45,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَیۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَاۤءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنࣰا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَیۡهِ دَلِیلࣰا","ثُمَّ قَبَضۡنَـٰهُ إِلَیۡنَا قَبۡضࣰا یَسِیرࣰا","وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ لِبَاسࣰا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتࣰا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورࣰا"],"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَیۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَاۤءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنࣰا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَیۡهِ دَلِیلࣰا"}