الباحث القرآني
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾ [الفرقان ٣٥].
هذه الجملة ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ فيها مؤكدات، عددها؟
* طالب: اللام و(قد) والواو.
* الشيخ: لا، الواو حرف عطف.
* الطالب: اللام و(قد).
* طالب: والقسم؟
* الشيخ: والقسم؛ لأن اللام موطئة للقسم، والتقدير: والله لقد.
والتأكيد في القرآن سببه أحد أمرين: إما أن يكون في مقابلة إنكار المنكر، وإما أن يكون لأهمية الموضوع، وإما للأمرين جميعًا. يكون الأمر مهمًّا، ويكون هناك منكر له، فيؤكد الله سبحانه وتعالى ذلك الأمر.
فهنا إيتاء موسى الكتاب؛ هذا أمر واقع ولا ينكر، لكن لأهمية الموضوع أكده الله سبحانه وتعالى ليعرض للرسول عليه الصلاة والسلام صورًا من تكذيب السابقين، حتى يكون ذلك أبلغ في تسليته. ففيما سبق يقول الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان ٣١]، وهذا قول مجمل، ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان ٣١]، ثم شرع هنا لتفصيل ذلك وبيان ما وقع على سبيل التعيين.
(﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [الفرقان ٣٥] التوراة)، و(آتيناه) بمعنى: أعطيناه إياه، أنزلها الله تعالى عليه مكتوبة بألواح، هذا معنى الإيتاء.
(﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾ [الفرقان ٣٥] معينًا).
* طالب: يا شيخ، (...)؟
* الشيخ: إي نعم، ألواح مكتوب فيها التوراة.
* الطالب: يعني على شكل ألواح (...).
* الشيخ: جاء بها موسى من الله، ما هي تنزل من السماء.
* الطالب: لا، هو (...).
* الشيخ: أنزلها الله على موسى فجاء بها إلى قومه (...) بالأعراف مبسوطة.
﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا﴾.
﴿أَخَاهُ﴾ من أبيه وأمه ولَّا من أمه؟
* طالب: من أمة بس.
* الشيخ: كم أبيه وأمه، وأما قوله: ﴿يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي﴾ [طه ٩٤]، فهذا من باب التلطف والتعطف؛ لأن الأم أشد حنانًا من الأب، وإلا فهو أخوه من أبيه وأمه.
(﴿هَارُونَ وَزِيرًا﴾ [الفرقان ٣٥] معينًا) من الأزر، وهو القوة (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: مسألة أيش؟
* الطالب: القرابة.
* الشيخ: القرابة؟
* الطالب: إي.
* الشيخ: أنه شقيقه؟
* الطالب: إي.
* الشيخ: إي نعم، شيء ثابت.
وقوله: ﴿وَزِيرًا﴾ من الأزر، وهو العون، يعني أنه كان وزيرًا، أي: معينًا له؛ وذلك بطلب من موسى، كما قال الله تعالى: ﴿هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه ٣٠ - ٣٢]. ويقال: إنه لا يوجد أحد من الإخوة أشد منة وفضلًا من موسى على هارون؛ لأنه طلب أن يكون رسولًا، والرسالة أعلى المقامات التي يتوصل إليها البشر.
(﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أي: القِبْط فرعون وقومه، فذَهَبَا إليهم بالرسالة فكذبوهما ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ [الفرقان ٣٦] أهلكناهم إهلاكًا).
﴿اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾، في كلمة ﴿كَذَّبُوا﴾ إشكال، وهي أنه يقتضي أن التكذيب سابق للرسالة: ﴿اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾، فكيف يكونون مكذبين مع أنهم لم يصل إليهم رسول؟
والجواب: أن الفعل الماضي هنا بمعنى المستقبل، بمعنى: الذين يكذبون بآياتنا؛ لأن الآيات ما بعد وصلت إليهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لحظة يا أخي.
فالمعنى: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أي: يكذبون بها في المستقبل. أو يقال: كذبوا بآياتنا بحسب علم الله تبارك وتعالى، يعني: قدرنا أنهم يكذبون.
ويحتمل وجهًا ثالثًا، لكنه احتمال ما فيه ما يؤيده: أنهم قد أرسل إليهم رسول فكذبوه، وهذا يؤيده قول المؤمن من آل فرعون: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ [غافر ٣٤]، فإذا قيل: إن يوسف سابق جدًّا على موسى ولم ندر هل أدركه فرعون أم لم يدركه؟ فيقال: لعل آثار رسالته قد بقيت؛ ولهذا خاطبهم (...) ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ﴾ ولم ينكروا، ما قالوا: ما جاءنا، ﴿فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ﴾ يعني: إلى الآن.
فصارت عندنا الوجوه كم؟ الوجوه ثلاثة: إما أن الماضي هنا بمعنى المضارع.
* طالب: (...) استعماله بمعنى المضارع.
* الشيخ: هذا كثير في اللغة العربية ما يحضرني الآن وربما يأتي.
وإما أن يكون: كذبوا في علم الله، حسب علم الله سبحانه وتعالى وتقديره. وإما أن يكون بحسب الرسالة السابقة اللي هي رسالة يوسف.
﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [الفرقان ٣٦].
وقوله: ﴿بِآيَاتِنَا﴾، المراد بالآيات هنا الكونية ولَّا الشرعية؟
* طالب: الشرعية.
* طالب آخر: كلاهما.
* الشيخ: الظاهر أنه ممكن يشمل؛ لأن آيات الله سبحانه وتعالى كما تعرفون آيات شرعية وآيات كونية، فما تعلق بالخلق والتقدير فهو آيات كونية؛ لأن في انتظامه ودقته وصنعه ما يدل على حكمة صانعه وقدرته. وما يتعلق بالوحي فهو آيات شرعية؛ لأن إصلاح هذا الوحي بمن نزل إليه على حسب ما شرع، هذا من الآيات العظيمة الدالة على أنه من عند الله: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، نعم؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، طيب، زين.
﴿اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ [الفرقان ٣٦]، اذهبا إليهم فدمرناهم. كلنا يعرف أن في الآية تقديرًا، ويش التقدير؟ فذهبا إليهما فكذبوهما فدمرناهم تدميرًا. وإنما يتعين هذا التقدير لأنه لا يمكن التدمير بمجرد ذهاب الرسول إليهم، لا بد من تكذيب، فإن الله تعالى لن يهلك أحدًا إلا بذنب.
وقوله: ﴿تَدْمِيرًا﴾ مصدر يراد به التعظيم، يعني تدميرًا عظيمًا. ولا شك أن التدمير الذي وقع لفرعون وقومه أنه من أعظم التدمير؛ لأن الله يقول: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾ [الدخان ٢٥ - ٢٧]. هذا النعيم العظيم الذي كان فيه قوم فرعون إذا جاء من بعده الهلاك ماذا يكون وقع الهلاك فيهم؟ يكون شديدًا؛ لأن الهلاك إذا وقع للبائس فهو أهون مما إذا وقع للناعم، أهون بكثير؛ ولهذا وصف الله هذا التدمير بقوله: ﴿تَدْمِيرًا﴾، يعني عظيمًا بالغًا.
وهذا التدمير لا ينافي ما أشار إليه الأخ من أن الله تعالى أنجى فرعون ببدنه، يعني لا بروحه؛ فإن روحه هلكت مع من هلك، لكنه أنجاه ببدنه ليكون آية لبني إسرائيل علامة على أنه هلك؛ لأن الرجل قد أرعبهم وأرهبهم، فلا يطمئنون تمام الطمأنينة حتى يشاهدوا جثته ميتة، وبذلك يكون آية علامة على أنه ما بقي له بقية.
طيب، هل في هذا تأييد لما يتسلى به الرسول عليه الصلاة والسلام؟
الجواب: نعم فيه؛ لأن فرعون من أعظم الناس عتوًّا وتكبرًا، ومع ذلك أهلكه الله تعالى إهلاكًا بالغًا هو وقومه، فهكذا أيضًا تكون العاقبة للرسول ﷺ مثلما كانت العاقبة لموسى وقومه.
هذه قصة، ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ [الفرقان ٣٧].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، يعرفونها إما من قبل نزول القرآن أو من بعده؛ لأنهم يعرفون أن القرآن في أنفسهم حق.
طيب، بدأ بذكر موسى (...) مع أنه متأخر بالنسبة إلى قوم نوح، ما هي الحكمة من ذلك؟
* طالب: أقرب عهدًا (...).
* الشيخ: لأنه أقرب عهدًا من قوم نوح.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني أقرب عهدًا وأشد عتوًّا.
﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ﴾ إلى آخره [الفرقان: ٣٧].
* طالب: (...).
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: مراعاة (...).
* الشيخ: لا، الإشكال لماذا بدأ بموسى قبل نوح وهو بعده؟
طيب، ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ فيه إشكال من حيث الإعراب، وهو أنه نصب ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾، ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ﴾، مع أنها لم يسبقها عامل يقتضي النصب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: واذكر قوم نوح؟ إي، ذكره الشارح. لكن أنا بالحقيقة ذهب وهمي إلى شيء آخر غير تقدير الشارح، وإلا لو كنت رأيته ما سألتكم.
في الحقيقة أن الناصب لها موجود، ما هو مقدر، وهو قوله: ﴿أَغْرَقْنَاهُمْ﴾، فهو من باب الاشتغال. ولكن لماذا نصب مع أن الراجح في ظاهر القول الرفع؟
نقول: لأنه عطف على جملة فعلية، وإذا كان معطوفًا على جملة فعلية فتقدير الفعل أولى من المبتدأ؛ لأجل أن تتناسب الجملتان: يعطف فعلًا على فعل، يعني: فدمرناهم تدميرًا وأغرقنا قوم نوح لما كذبوا الرسل، وأغرقنا قوم نوح، (...) فدمرناهم وأغرقنا قوم نوح.
المهم الآن على رأي المؤلف منصوب بتقدير (﴿وَ﴾ اذْكُرْ ﴿قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ [الفرقان ٣٧])، ولكننا نقول: لا نحتاج إلى تقدير، والمسألة من باب الاشتغال، والاشتغال معروف عندكم أظن؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: هذا الاشتغال مثل (...) تجري فيه الأحكام الخمسة، والاشتغال أيضًا تجري فيه الأحكام الخمسة، أحيانًا يجب الرفع، وأحيانًا يجب النصب، وأحيانًا يترجح النصب، وأحيانًا يترجح الرفع، وأحيانًا يتساوى الأمران، تجري فيه الأحكام الخمسة. أحكام النحو ما هي أقسام (...) في الشرع.
في مثل هذا التركيب ويش يترجح؟ يترجح النصب؛ لأنه معطوف على جملة فعلية، وإذا عطف على جملة فعلية فالأرجح النصب؛ لأجل أن يقدر الفعل ليكون مناسبًا لما عطف عليه.
(﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ [الفرقان ٣٧] بتكذيبهم نوحًا لطول لبثه فيهم، فكأنه رسل، أو لأن تكذيبه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد).
المؤلف خلى الآية الكريمة على وجه جواب لإشكال.
﴿لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾، ومعلوم أن نوحًا عليه الصلاة والسلام هو أول الرسل: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣]، وكذلك أيضًا من حيث الشفاعة «كُنْت أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ»[[أخرج البخاري (٧٤١٠) ومسلم -واللفظ له- (١٩٣/٣٢٢) عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: «يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك - وقال ابن عبيد: فيلهمون لذلك - فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم ﷺ، فيقولون: أنت آدم، أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحيي ربه منها، ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله...» الحديث. ]].
فإذا كان أول الرسل فكيف الجواب عن قوله تعالى: ﴿كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾، مع أنه ما سبقه رسول ولا جاء معه رسول؟
أجاب المؤلف بواحد من أمرين: إما أنه لطول مكثه في قومه صار كأنه رسل كثيرون؛ لأنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وهذه المدة تستوعب رسلًا كثيرين، فكأنه لطول المكث صار متعددًا. هذا واحد.
الجواب الثاني: (أو لأن تكذيبه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد)، فيكون هذا من باب الجنس؛ لأن من كذب رسولًا فكأنما كذب جميع الرسل؛ لأنه -كما أسلفنا- أعداء الرسل لا يعادونهم لشخصهم، وإنما يعادونهم لما يدعون إليه وما جاءوا به، وهذا جنس، فيكون تكذيبهم لرسول تكذيبًا لجميع الرسل، وهذا أقرب، ولذلك من كذب رسولًا واحدًا فهو مكذب لجميع الرسل، وبهذا نعرف أن اليهود الآن مكذبون لموسى، وأن النصارى الذين يزعمون أنهم متبعون لعيسى مكذبون لعيسى، لماذا؟ لأنهم مكذبون للرسول ﷺ، فهم مكذبون حتى لأنبيائهم. وبهذا نعرف أيضًا أن ما اشتهر بين الناس الآن من تسمية النصارى بالمسيحيين أنه خطأ، وأنه لا ينبغي أن نسميهم بالمسيحيين؛ لأن المسيح منهم بريء، ولا يجوز أن ينسبوا إليه ولا إلى دينهم، وإنما يقال لهم ما قاله الله فيهم وهو النصارى، وما زال المسلمون في كتبهم يسمونهم بهذا الاسم؛ بالنصارى، إلى أن استعمروا البلاد الإسلامية فأدخلوا على المسلمين هذا التعبير تلطيفًا وتنويهًا لتصطبغ ملتهم بالوصف الشرعي وهو المسيحية.
ونحن نقول: نشهد الله على أن المسيح عليه الصلاة والسلام منهم بريء، وأنهم كافرون به كما هم كافرون بمحمد ﷺ، بل إنهم في الحقيقة كافرون به، لا من حيث العموم والجنس، بل من حيث التعيين؛ لأن الله تعالى يقول عن عيسى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف ٦]، يخاطب من؟ بني إسرائيل، ويبشرهم بهذا الرسول، وهل يمكن أن يبشر أحد بما لا يتصل به؟ لا يمكن. إذا كان يبشرهم برسول يأتي للعرب ويحاربهم ويقاتلهم، هل هذه بشارة؟ أبدًا، البشارة ﴿بِرَسُولٍ يَأْتِي﴾ إليهم لينقذهم من الضلال، ومحمد ﷺ لما جاء إلى هذه الأمة هل صار يحارب النصارى ولَّا لا؟ نعم يحاربهم، وأوجب الله عليه محاربتهم ومحاربة اليهود ومحاربة جميع الكفار. هل يمكن أن يكون عيسى مبشرًا للنصارى ﴿بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ ليقاتلهم؟ لا يمكن. وبهذا نعرف أنهم كذبوا عيسى على التعيين، لا على جنس الرسالة كما أسلفنا أولًا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما يعلمون بهذا؟
* الطالب: إي (...).
* الشيخ: إي نعم، لكن هذه البشارة موجودة في أصل الكتاب، ولا أظنها تحرف، لا بد أن تكون باقية؛ لأنه مبشر لهم، ولا يبشر إلا من تتصل إليه البشارة، فالظاهر أنه ما جرى عليه التحريف لأنها باقية.
* الطالب: (...) من المعنى يعني؟
* الشيخ: المعنى أو بعض الأمور، كتموها أو ما أشبه ذلك، ولهذا اليهود لما أنهم أرادوا ألا يطبقوا الحد في التوراة ما راحوا يزيلونها من التوراة، هي باقية لكن يحاولون أن يكتموها عن الناس كما هو معروف.
* طالب: موجودة يا شيخ هذه.
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: البشارة (...) على التعيين، هذه موجودة.
* الشيخ: موجودة الآن (...).
* الطالب: إي، (...) أثبت وجودها وذكرها بنصها (...).
* الشيخ: بالسريانية.
* الطالب: إي نعم، بالسريانية باسم (...).
* الشيخ: وأظن (...) عنده شيء من هذا.
* طالب: نعم.
* الشيخ: أنا عندي أن ذلك لا بد أن يكون؛ لأنه قال: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ﴾ [الصف ٦]، لا بد أن يكون هذا موجودًا، لم يجر عليه التحريف؛ لأنه إنما يبشر بالرسول من كان في وقت الرسول، وهذا معناه أنه سيبقى، وكما قال الأخ..
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، هذا مما يؤيد ما قلنا، لكن نفس البشارة تدل عليه؛ لأن ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ [البقرة ١٢١] يؤيد وليس نصًّا في الموضوع، قد يكون المراد أوائلهم قبل التحريف، لكن الظاهر أن المراد الأوائل والأواخر.
* طالب: (...) للعقل يا شيخ، ما هم قالوا: والله هذا النبي الذي أرسل (...)؟
* الشيخ: إي نعم، أظنه (...) في وفد نجران.
* الطالب: إي، في وفد نجران.
* الشيخ: نعم.
طيب، على كل حال الآن، يعني (...)، والكلام ويش على؟ على ﴿لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ [الفرقان ٣٧]، فهو جمع مع أنهم ما كذبوا إلا نوحًا؟ والجواب على ذلك من أحد وجهين: إما أنه لطول مكثه كأنه رسل، وإما أنه لما كذبوا هذا الرسول من أجل الرسالة صاروا مكذبين لجميع الرسل.
الذي حصل ﴿أَغْرَقْنَاهُمْ﴾ جواب ﴿لَمَّا﴾، ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ﴾ [الفرقان ٣٧]، وقصتهم معروفة، حتى إن الله تعالى أغرق من قوم نوح ابنه: ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ [هود ٤٥]، فقال الله له: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود ٤٦]؛ لأنه كافر وأنت مؤمن.
(﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ﴾ بعدهم ﴿آيَةً﴾ عِبرة ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾ في الآخرة ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ الكافرين ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفرقان ٣٧]).
يقول: (﴿أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ﴾ بعدهم ﴿آيَةً﴾ عبرة).
كيف كانوا عبرة؛ لأن الآية لا بد أن تكون معلومة، فكيف كان ذلك؟
* طالب: لأن الله سبحانه وتعالى أنزل ذلك في كتب الرسل.
* الشيخ: أيش لون؟
* الطالب: أنزلها للرسل الذين أتوا بعد نوح.
* الشيخ: إي، يعني عن طريق الإخبار؟
* الطالب: الإخبار إي.
* الشيخ: عن طريق الإخبار، زين.
* طالب: وإما أن نوحًا عليه السلام لم (...).
* الشيخ: إي، رجعت إلى ما قال الأخ، يعني عن طريق الخبر. ما فيه شيء عن طريق حسي معلوم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب، عن طريق الخبر، سواء كان عن طريق الوحي ولَّا عن طريق النقل بين الناس.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، الظاهر أنه مثلما قال إبراهيم.
* الطالب: أو مثلًا (...) الفلك.
* الشيخ: إي، الفلك، لما قال: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر ١٣ - ١٥]، فالفلك أول من صنعها نوح فبقيت آية إلى يومنا هذا ولكنها تطورت بحسب الزمن.
(﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾ بعدهم ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾ في الآخرة ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ الكافرين ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفرقان ٣٧]).
﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ هذا إظهار في موضع الإضمار؛ لأن مقتضى السياق أن يقول: وأعتدنا لهم، كما قال الله تعالى: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح ٢٥]. ولكن الإظهار هنا له فائدة، بل فوائد، نعم، نعدها؟
* طالب: (...) فيدور الحكم على دوران الـ...
* الشيخ: (...) العموم؟
* الطالب: لأنه قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ (...) ولكن لما قال: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾ [الفرقان ٣٧] ما شابههم من الظالمين فلهم هذا العذاب.
* الشيخ: يعم كل ظالم.
* الطالب: كل ظالم.
* الشيخ: زين، تمام. ثانيًا؟
* الطالب: ثانيًا (...) بوصف زائد وهو وصف الظلم.
* الشيخ: نعم، هم ينطبق عليهم هذا الوصف، إي نعم.
* طالب: التنبيه على (...).
* الشيخ: كيف التنبيه؟
* الطالب: لأن السياق كان يتكلم على الماضي ثم يعني تكلم على الحاضر، فهذا يدل على الأهمية.
* الشيخ: أي أهمية؟ تغيير السياق تقصد؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: تغيير السياق يبدو للمخاطب، يعني مثل الكتاب: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ﴾ [المائدة ١٢]، ولم يقل: وبعث. ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٢ - ٤].
* طالب: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
* الشيخ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة ٥]، ما قال: إياه نعبد، قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾. كذا؟
طيب، هذه فائدة جديدة ما كنا نذكرها.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يعني التعليل، يعني كأنه أعد لهم عذابًا أليمًا لأنهم ظالمون.
* الطالب: ظالمون.
* الشيخ: كذا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، تعليل الحكم. فصارت الفوائد الآن ثلاثة؛ أولًا: إرادة الشمول والعموم؛ ليشملهم هم وغيرهم، حتى الظالمون من قريش يدخلون في هذا. والثاني: وصف هؤلاء بالظلم. والثالث: التعليل، يعني أعد لهم العذاب الأليم لأنهم ظالمون. والرابع: التنبيه، تنبيه المخاطب؛ لأن تغير السياق يوجب انتباه المخاطب.
﴿وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفرقان ٣٧]، فعيل بمعنى مُفعِل، يعني: مؤلم. وهذا الألم الذي في عذاب جهنم والعياذ بالله أو في عذاب الآخرة يشمل الألم البدني والألم القلبي، فالألم البدني يحصل بنوع العذاب، والألم القلبي يحصل بما يقارب عذابهم من التوبيخ؛ لأنهم يوبخون ويقرعون بإتيان الرسل، وهذا من أشد ما يكون من العذاب القلبي.
(﴿وَ﴾ اذكر ﴿عَادًا﴾ قوم هود ﴿وَثَمُودًا﴾ [الفرقان: ٣٨] قوم صالح).
عندكم بالتنوين؟ أنا عندي بالتنوين: (﴿وَعَادًا وَثَمُودًا﴾ ).
* طالب: لا، (﴿وَعَادًا وَثَمُودَ﴾ ).
* الشيخ: بدون تنوين؟ أنا عندي بالتنوين.
* طالب: ثمود؟
* الشيخ: إي.
* الطالب: لا.
* الشيخ: (﴿وَعَادًا وَثَمُودًا﴾ قوم صالح ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ اسم بئر، ونبيهم قيل: شعيب، وقيل غيره، كانوا قعودًا حولها فانهارت بهم وبمنازلهم، ﴿وَقُرُونًا﴾ أقوامًا ﴿بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ [الفرقان ٣٨] أي: بين عاد وأصحاب الرَّسِّ).
﴿وَعَادًا وَثَمُودَ﴾، يقول المؤلف: إنها على تقدير: اذكر؛ لأنه ما ذُكر فعل بحيث يحال العمل عليه.
﴿وَعَادًا﴾ قوم هود، وكانوا بالأحقاف في جنوب الجزيرة العربية، وكانوا ذوي قوة وشدة، حتى إنهم قالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾، فقال الله تعالى مجيبًا لهم: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ شوف ﴿الَّذِي خَلَقَهُمْ﴾ لها فائدة؛ لأنهم مخلوقون ضعفاء: ﴿أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]. وبماذا أهلكوا؟ أهلكوا بألطف الأشياء وهي الريح، ريح دمرتهم: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ الأحقاف: ٢٥].
﴿وَثَمُودَ﴾ الفرقان: ٣٨]، وفيها قراءتان: ﴿وَثَمُودًا﴾ كالتي عندي، ﴿وَثَمُودَ﴾ بدون تنوين.
فعلى قراءة التنوين يكون غير ملاحظ فيها اسم القبيلة، يعني ما فيها التأنيث. وعلى قراءة عدم التنوين ﴿وَثَمُودَ﴾ منعت من الصرف للعلمية والتأنيث؛ لأن مثل هذه، أسماء القبائل كلها (...)، يعني يجوز أن تمنعها من الصرف باعتبار اسم القبيلة، ويجوز ألا تمنعها إذا لم يكن فيها مسوغ (...).
طيب، ﴿وَثَمُودًا﴾ قوم صالح، كذبوا صالحًا وعقروا الناقة التي جعلها الله تعالى آية، وأخيرًا أهلكوا بماذا؟
* طالب: بالصاعقة.
* الشيخ: لا، بصيحة ورجفة، صيح بهم مع الرجفة فماتوا والعياذ بالله، كانوا كهشيم المحتظر: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾ [القمر ٣١]، وفي آية أخرى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [الأعراف ٧٨]. وأصحاب الرس وإن شاء الله يأتي الكلام عليها..
* طالب: شيخ، صالح عربي؟
* الشيخ: إي نعم، الظاهر أنه عربي.
* الطالب: وهود؟
* الشيخ: وهود أيضًا، لكنه ما هو من العرب المستعربة اللي هم بنو إسماعيل؛ من العرب العاربة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: والله ما أعرفه، لكنه حتى (...) تدل على أنها عربية.
* الطالب: يعني (...)؟
* الشيخ: أنا (...) شعيب ما أدري عنهم إلا من هذا الحديث.
* الطالب: ذكر (...).
* الشيخ: ما أدري عنهم الحقيقة، أما هود (...) عرب عاربة.
* طالب: أصل الأسماء (...) الأنبياء، يعني هل ما أحد (...)؟
* الشيخ: بإعرابها؟
* الطالب: يعني بتعريبها (...)؟
* الشيخ: إي. وأنت تعرف أن الأعلام قد تكون أسماء جامدة ما لها اشتقاق، نعم، ربما تكون ما لها اشتقاق.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، ولكن فيما يبدو لي والله أعلم أن أسماء الأنبياء في الغالب لها معان، لكن ما أعرف عنها شيئًا.
* طالب: بس هي أفضل من عبد الله وعبد الرحمن يعني؟
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: أسماء الأنبياء.
* الشيخ: لا، أفضل الأسماء (...) لا، وإلا «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن»[[أخرجه مسلم (٢١٣٢/٢) وأبو داود –واللفظ له- (٤٩٤٩) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ]]. (...)
أنه جعل لكل نبي عدوًّا من المجرمين تسلية للنبي ﷺ وإنذارًا لقومه، وأنه بين أقوامًا على التعيين ليكون ذلك أبلغ؛ لأن التعيين كضرب المثل. وممن عين؟
* طالب: شعيب.
* الشيخ: قبل؟
* طالب: قوم لوط.
* الشيخ: قبل؟ أول من بدأ الله به قوم موسى، ثم بعد ذلك نوح، وبعد ذلك عاد وثمود. هذا كله ذكرناه، وذكرنا أن الله سبحانه وتعالى أهلك فرعون المكذب للرسول عليه الصلاة والسلام بالغرق بأي مكان؟ في البحر الأحمر أغرق، وأن الحكمة من إغراقه بالماء أنه افتخر بالماء هو حيث قال لقومه: ﴿وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف ٥١]، فافتخر بالماء فأهلكه الله تعالى بما افتخر به.
وقوم نوح أهلكوا بالغرق العام الذي هو من آيات الله، حيث فجر الله الأرض عيونًا وفتح أبواب السماء بماء منهمر.
وأما عاد فأهلكوا بأي شيء؟ بالريح، والحكمة من ذلك هي أنهم كانوا يفتخرون بالقوة، يقولون: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]، فأهلكهم الله تعالى بالأشياء اللطيفة التي ليست بشيء؛ ليتبين للناس أن الإنسان مهما كان من القوة فإنه ضعيف أمام قدرة الله عز وجل.
ثمود أهلكوا بأي شيء؟
* طالب: بالرجفة مع الصيحة.
* الشيخ: بالرجفة مع الصيحة، فإن الله رجف بهم وصاح بهم جبريل حتى تقطعت قلوبهم في أجوافهم وكانوا كهشيم المحتظر. ثم الصيحة أيضًا ليست كصفارات الإنذار تتكرر ولعل أحدًا يدخل في الملاجئ، بل هي صيحة واحدة فقط: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾ [القمر ٣١]، يعني مثل هشيم الإحظار، ومعروف هشيم الإحظار أنه متفتت بالٍ.
كل هذا الحكمة منه أمران، هما الحكمة من ذكر هؤلاء الرسل وما جرى لقومهم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، غيره؟
* الطالب: وإنذار للكفار.
* الشيخ: وإنذار لكفار قريش. التسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، والإنذار لهؤلاء المكذبين له أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم، نعم، ولهذا قال شعيب لقومه: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هود ٨٩].
ثم قال: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ [الفرقان ٣٨]. الرس: اسم للبئر، وقيل: للبئر غير المطوية؛ إما للبئر مطلقًا أو لبئر غير مطوية. ولم يبين الله سبحانه وتعالى من أصحاب الرس؛ ولذلك اختلف المفسرون فيهم اختلافًا كثيرًا، فقيل: إنهم – كما قال المؤلف – قوم شعيب، ولكن هذا ليس بصحيح. وقيل: إنهم من قوم ثمود، وليسوا قوم ثمود. وعلى هذا فيكون عطفهم على ثمود من باب عطف البعض على الكل، نعم. وليسوا هم ثمود أصحاب البئر، يعني بئر الناقة؛ لأن ثمود معروفة، يعني: مستقلون، وهلاكهم معروف، وجوابهم لرسولهم معروف، والأصل في العطف أي شيء؟ التغاير.
وقيل: إن أصحاب الرس -ورجحه ابن جرير- هم أصحاب الأخدود الذين ذكر الله تعالى في سورة البروج.
ولكن الأولى التوقف في تعيينهم؛ لأن الله تعالى لم يعينهم، ولكننا نعلم أن هؤلاء القوم كانوا معلومين للعرب حين نزول القرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليضرب لهم المثل في قوم لا يعرفون ما جرى عليهم. وإنما..
لأن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليضرب لهم المثل في قوم لا يعرفون ما جرى عليهم، وإنما نسبوا إلى الرَّس، الآن نحن نتكلم عن تعيينهم بأشخاصهم أو بقبائلهم، نقول: الأولى التوقف. لكن لماذا سموا أصحاب الرَّس؟ قيل: إنهم دفنوا نبيهم في هذه الرس؛ يعني في البئر، فسمُّوا بأصحاب الرَّس، من باب إضافة الشيء إلى العمل الشنيع المنكر.
وقيل: إنهم كانوا حول هذه البئر، وإن الله تعالى خسَفَ بهم وببئرهم، انهارت البئر بمن حولها، فذهبوا عن آخرهم. وهذا، يعني كيفية العقوبة التي جرت عليهم أو كيفية العمل اللي عملوه فعلقوا به، على الأول تكون الإضافة إشارة إلى أي شيء؟ إلى الفعلة القبيحة التي فعلوها، فصارت سببًا في إهلاكهم، وعلى الثاني يكون إشارة إلى نوع العقوبة التي عوقبوا بها.
طيب، ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ [الفرقان ٣٨]، ﴿وَقُرُونًا﴾ ويش هي معطوفة عليه؟ نقرأ كلام المؤلف: (﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ اسْم بِئْرٍ. ونبيُّهم قيل: شُعَيْب، وقيل: غيره، كانوا قُعودًا حولها، فانهارت بهم وبمنازلهم).
المؤلف اقتصر على أي شيء؟ على ذكر كيفية إهلاكهم، فهم أضيفوا إلى البئر لأن إهلاكهم كان بما حولها.
قال: ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾، (﴿وَقُرُونًا﴾ أقوامًا، ﴿بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾؛ أي: بين عادٍ وأصحابِ الرَّس)، إي نعم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ﴾، هذا ما ذهب إليه المؤلف. ويحتمل أن الإشارة تعود إلى ما سبق من قوم نوح؛ يعني: من قوم نوح إلى أصحاب الرس قرونًا كثيرة أهلكهم الله سبحانه وتعالى.
وقول المؤلف: (﴿وَقُرُونًا﴾ أقوامًا)، كأنه يقول: إن المراد بالقرنِ القومُ والأمَّةُ التي كانت في عصر واحد، وهذا أحد الأقوال في القرن؛ أن المراد به الأمة والطائفة اللي كانوا في عصر واحد وعلى طريق واحدة، واستدلوا بقول النبي ﷺ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣/ ٢١٢) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.]].
وقيل: إن القرن الزمن، واختلفوا في مقداره؛ فمنهم من قال: إنه مئة، وهذا هو المشهور، ومنهم من قال: مئة وعشرون، ومنهم من قال: ثمانون سنة.
وهذه الأقوال التي تُقَدِّر بالزمن هي مقاربة للأقوال التي تقدر بالأمة؛ لأن الغالب أن مثل هذا الزمن يفنى به الأولون ويأتي بعدهم قوم آخرون، ولهذا قال النبي ﷺ في آخر حياته: «إِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِئَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ»[[أخرج البخاري (٦٠١)، ومسلم (٢٥٣٧/ ٢١٧) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله ﷺ ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد».]]، «عَلَى رَأْسِ مِئَةِ سَنَةٍ»، » فهذا مما يشير إلى أن القرْنَ مئة سنة.
ولكن السياق هنا يدل على أن المراد بالقرون الأُمم؛ لأن الإهلاك للقرون إنما يكون للأزمان ولَّا لأهل الزمان؟
* طالب: لأهل الزمان.
* الشيخ: لأهل الأزمان، فالآية هنا سياقها يدل على أن المراد بالقرون الكثيرة الأمم، وما أكثر القرون التي أهلكها الله سبحانه وتعالى بين نوح وأصحاب الرس، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو ذرٍّ وهو حسن وصححه الحاكم: أن عدد الرسل ثلاث مئة وبضعة عشر رجلًا، الرسل، وأما الأنبياء فكثيرون مئة وأربعة وعشرون ألفًا[[أخرج أحمد (٢٢٢٨٨) بسنده عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كم وفى عدة الأنبياء؟ قال: «مئة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، الرسل من ذلك ثلاث مئة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا».]]. هذا عدد كبير، فإذا كان غالب الرسل مُكَذَّبةً فمعنى ذلك أن القرون التي أهلكت كانت كثيرة، والنبي عليه الصلاة والسلام رأى رؤيا ورأى الأنبياء، فرأى النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد[[أخرج البخاري (٥٧٠٥) ومسلم (٢٢٠/ ٣٧٤) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «عرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ﷺ ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد...» الحديث.]]، مما يدل على أن غالب الأنبياء كُذِّبَ فيما سبق ولم يتبعه إلا القليل.
وهذا نوح -كما عرفتم- لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود ٤٠]، هذه المدة العظيمة وهو يكابدهم ويناظرهم ويجادلهم، ويقولون: ﴿يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [هود ٣٢]، ما إحنا مطاوعينك، اللي عندك هاته، والعياذ بالله، وهذا الذي حصل من هذه المدة.
نحن الآن إذا كابدنا واحدًا في الدعوة إلى الله لمدة دقيقة واحدة تطاولناه، نعم: لماذا لم يُسْتَجَبْ من أول مرة؟ قلنا له: والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين وعدهم الله بالنصر ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١]، يُكابِدون أقوامهم، ثم لا يؤمن إلا القليل منهم.
فالحاصل أننا نقول: هؤلاء القرون العظيمة الكثيرة كلها أهلكها الله عز وجل بتكذيبها لرسلهم، أفلا يكون قادرًا على أن يهلك المكذبين للرسول؟ بلى، هو قادر عليه، وهذا هو الذي حصل، لكن الله تعالى جعل إهلاك أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام على يد الرسول ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة ١٤، ١٥]، هذه المصالح العظيمة لو أهلكت قريش بعذاب من عند الله تحصل ولَّا لا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، ولهذا إذا هلك عدوك على يديك كان أشفى لك، أليس كذلك؟ وأشد سرورًا وفرحًا أن الله يهلكه على يدك. أما إذا هلك بعذاب من الله، فهذا لا شك أن الله كفاك شره، ولكن كونه على يدك أبلغ وأشد فرحًا وسرورًا.
﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ [الفرقان ٣٩] ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾، سنسأل: لماذا نصبت ﴿وَكُلًّا﴾ والاسم إذا ابتدئ به يكون مبتدأ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: مفعول.
* الشيخ: ويش هو اللي مفعول؟
* الطالب: ﴿ضَرَبْنَا﴾.
* الشيخ: لا، ﴿ضَرَبْنَا لَهُ﴾، كان يقول: (وكلٍّ)؛ لأن ﴿لَهُ﴾ جار ومجرور.
* طالب: على ﴿نُوحٍ﴾.
* الشيخ: لا، يعني ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ [الفرقان ٣٧] ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا﴾، ما يصح.
* الطالب: بعد ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: مفعول لفعل متأخِّر ﴿تَبَّرْنَا﴾.
* الشيخ: لا؛ لأن ﴿تَبَّرْنَا﴾ فيها مفعول.
هذا يسمونه باب الاشتغال، وباب الاشتغال يكون الفعل منصوبًا بالعامل بعده، أو بعامل مقدَّرٍ مناسب. هنا ما يصلح بالعامل بعده؛ لأن العامل بعده متعدٍّ بحرف الجر، إذن لا بد أن نُقدِّر فعلًا مناسبًا، والتقدير: وأنذرنا كلًّا ﴿ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾، فهو مفعول لفعل محذوف، وهو من باب الاشتغال.
وإنما ترجح النصب هنا؛ لأنه معطوف على جملة فعلية، وباب الاشتغال من مرجحات النصب فيه أن يُعْطَفَ على جملة فعلية.
(﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾ في إقامة الحجة) ﴿ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾ يعني: بيَّنا له الأمثال؛ يعني الوقائع التي أوقعها الله تعالى بمن قبلهم، كل أمة تُنْذَرُ بمن قبلها ويُضْرَبُ لها المثل، يقال: هذا مثل المكذِّبين، حصل عليهم كيت وكيت. فكل أمة أنذرها الله تمام الإنذار بحيث لا يبقى لها حجة، لا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولا غيرهم.
(﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾ في إقامة الحُجَّة عليهم، فلا نهلكهم إلا بعد الإنذار)، وهذا من عدْلِ الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله قادر على أن يُهْلِك عباده بمجرد معصيتهم؛ إذ إنه قد أخذ عليهم العهد والميثاق الفطري أو الحسي -على الخلاف في ذلك- بأنه ربهم وأنهم عابدون له، ولكن مع ذلك ما يهلك أحدًا إلا بعد بعث الرسل ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء ١٦٥]، فلم يَكِلِ اللهُ العباد إلى فطرهم ولا إلى العهد الذي أخذه عليهم، وإنما بعث إليهم رسلًا مبشرين ومنذرين.
بعد هذا البعث هل يبقى لأحد حُجة؟ ما يبقى، حتى المحتجون بالقدر لا يستطيعون أن يحتجوا به مع إقامة الحجة عليهم بالرسل، ولهذا لو كان القدرُ حُجَّة لم تنتفِ بإرسال الرسل؛ إذ القدر قائم مع وجود الرسل، فلو كان القدر حُجة للعاصين ما كان إرسال الرسل حُجة على الخلق؛ لأنهم يقولون: يا ربنا، القدر موجود حتى مع إرسال الرسل، فهو لنا حُجة. ولكن ما دام أن الناس قد أُنْذِروا وأُوتوا بالآيات، ما من رسول إلا أوتي ما على مثله يؤمن البشر، كل الرسل أيضًا ما أتوا بس للناس يقولون: أنا رسول، افعل كذا، حتى لو جاء إنسان وقال: أنا رسول، افعل كذا، ولم يأت بآيات، فللناس الحجة في أن يردوا قوله، يقولون: أبدًا، هات بينة أنك رسول وإلا ما نقبل.
لكن مع ذلك ما من رسول إلا أتى بآية يؤمن على مثلها البشر، ثم مع ذلك أنذروا؛ فشعيب كما أشرنا سابقًا قال لقومه: ﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ﴾ [هود ٨٩]، وهود قال لقومه: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف ٦٩]، وصالح قال لقومه: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ﴾ [الأعراف ٧٤]، فكل رسول يضرب المثل لقومه بمن سبقهم، إذن فالحُجة قائمة.
(﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ أهلكنا إهلاكًا بتكذيبهم أنبياءهم). هذه ﴿وَكُلًّا﴾ نريد من يعربها لنا؟ أعربها لنا: ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾؟
* طالب: فذكرنا كلًّا.
* الشيخ: لا.
* الطالب: معطوفة.
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، هذان رأيان؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: جيب الرأي الثالث ونشوف، إذا كان لك انتقل الأمر إلى غيرك. من يعرف إعرابه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من باب الاشتغال؟
* طالب: مفعول مقدم.
* الشيخ: نعم، مفعول مقدم لـ﴿تَبَّرْنَا﴾، ترى باب الاشتغال على اسمه، يكون العامل مشتغلًا بضميره؛ بضمير ما سبقه، هذا باب الاشتغال، يعني إذا قلت: زيدًا ضربتُ، لا يصير من باب الاشتغال؛ لأن العامل الآن ما اشتغل بضميره، يكون هذا من باب المفعول المقدم؛ زيدًا ضربتُ. لكن إذا قلت: زيدٌ ضربتُه، صار الآن من باب الاشتغال، إن شئت فارفعه على أنه مبتدأ، والجملة بعده خبر، وإن شئت فانصبه؛ زيدًا ضربتُه.
لكن مثلما قلت لكم أمس أو قبل أمس: إن الاشتغال تجري فيه الأحكام الخمسة؛ تارة يجب النصب، وتارة يجب الرفع، وتارة يترجح الرفع، وتارة يترجح النصب، وتارة يتساوى الأمران. وهو الأصل فيه الرفع، هذا أصله، لكن إذا كان الفعل لم يشتغل بالضمير صار السابق مفعولًا، ما يصير من باب الاشتغال.
فهنا لو قال الله عز وجل: وكلًّا تبرناه تتبيرًا، لصارت من باب الاشتغال؛ لأن العامل اشتغل بضميره، لكن قال: ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾، فيكون من باب تقدم المفعول لا من باب الاشتغال.
* طالب: والأول؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا﴾؟
* الشيخ: ﴿لَهُ﴾، الضمير ﴿لَهُ﴾، تعود إلى (كل) فقد اشتغل بضمير لكن بواسطة حرف الجر.
(﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ أهلكنا إهلاكًا)، وإعادة المصدر هنا يعني الإتيان بالمصدر للتوكيد؛ كقوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء ١٦٤]، ﴿تَكْلِيمًا﴾ فضلة في هذا السياق، لو قال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ﴾ فهمنا الموضوع، لكن ﴿تَكْلِيمًا﴾ من باب التوكيد. وأما التنكير فهو للتعظيم، يعني تتبيرًا لا بقاء معه؛ هلاكًا لا بقاء معه، كامل، وهو كذلك.
(﴿وَلَقَدْ أَتَوْا﴾ [الفرقان ٤٠] أي: مَرَّ كُفَّار مكة، ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ مصدر (سَاءَ)؛ أي: بالحجارة وهي عُظْمَى قُرَى قوم لُوط، فأهلك اللهُ أهلهَا لفعلهم الفاحشة).
يقول المؤلف: (مرَّ كفَّار مكة)، (مرَّ) تفسير لـ(أتى)، (كفَّار مكة) تفسير للضمير؛ للواو، يعني أن كفار مكة مروا على القرية التي أمطرت مطر السوء، وهي قرية قوم لوط.
وقول المؤلف: (وهي عُظْمَى قُرى قوم لوط)، (عُظْمى قُرى) يستفاد منه: أن القرى أكثر من واحدة، وقد قيل: إنها سبع قُرى، ولكن ظاهر القرآن أنها قرية واحدة، مثلما قال الله تعالى في الرسل: ﴿قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (٣١) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾ إلى آخره [العنكبوت: ٣١، ٣٢]، فكون القرآن يأتي باسم قرية واحدة، لا ينبغي لنا أن نقول: إنها أكثر من واحدة إلا بدليل ثابت عن الرسول ﷺ. وما جاء عن بني إسرائيل في ذلك -أي في أنها سبع قرى- فهو مقبول ولَّا مرفوض؟ هذا مرفوض؛ لأن دلالة كتاب الله عز وجل تدل على -ظاهرُه- أنها قرية واحدة، فعلينا أن نتمسك بهذا الظاهر ما لم يوجد دليل ينفي هذا الظاهر، إن وجد دليل فنعم، أما مجرد أخبار بني إسرائيل فليست مقبولة في هذا الموضع.
قال: ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ﴾، و(القرية) اسم للبلد سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، بل لو كان أُمًّا للقرى فهو قرية: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد ١٣].
نحن مثلًا نزعل إذا قيل: عنيزة قرية، وبريدة قرية، والرياض قرية، لكن هذا الزعل بالحقيقة بناء على اللغة العرفية؛ أن القريةَ اسم للبلد الصغير والمدينةَ اسم للبلد الكبيرة؛ ولذلك بعضهم يحترز، يقول: بلدية مدينة عُنيزة، بلدية مدينة بريدة، بلدية مدينة الرس، ما حاجة تجيب (...) إضافات، بلدية الرس، بلدية عنيزة، بلدية بريدة، بلدية الرياض، ما حاجة، لكن كل خوفًا من أن يكون عيبًا عليهم أن تُسَمى قرية، ولكنا نحن نقول: أم القرى، سماها الله تعالى قرية، وكفى بذلك أسوة. وإنما سُمِّيَ البلد قرية لأنه من: القَرْي؛ يعني الجمع؛ إذ إنه يجمع أناسًا، فالناس يجتمعون فيه، فلذلك سُمِّي قرية.
* طالب: بالنسبة للقرية التي وردت في القرآن (...)؟
* الشيخ: لا، نحن نجيب دليل على أن قُرى قوم لوط سبعٌ، ما هو معناه أننا نجيب دليلًا على أن البلد تُسَمَّى قرية.
* الطالب: أنا فاهم الكلام هذا، لكن..
* الشيخ: إذا فهمت صار ما فيه إشكال.
* الطالب: لا، إذا (...)؟
* الشيخ: لا، أقول: إن المؤلف وكثيرًا من المفسرين يقولون: إن قوم لوط ليست قرية واحدة، قرى متعددة، فنحن نقول: لا، هي قرية واحدة ما لم يوجد دليل.
* الطالب: لأنه -يا شيخ- مشكل علي (...)، كيف نجيب دليلًا على القرآن؟
* الشيخ: لا، نجيب دليلًا على تعددها؛ لأن ظاهر القرآن أنها قرية واحدة، فإذا قال قائل: إنها سبعُ قُرى، نقول له: هات الدليل. إذا جاء بدليل، لو فُرِضَ أن المسألة فيها دليل صريح صحيح، فإنه يمكن أن يقال كما قال المؤلف، يُذْهَب إلى ما ذهب إليه المؤلف، فيقال: المُراد بالقرية هنا (عُظْمى القُرى)، ولكن نحن نقول: ما حاجة إلى أن نقول: (عُظْمى القُرى)، بل نقول: هي قرية واحدة، ولا مانع من أن الله يرسل رسولًا إلى قرية واحدة، بل كان فيما سبق يوجد رسولان في أمة واحدة؛ موسى وهارون كانا في أمة واحدة، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى، وهكذا كثير.
وقوله: ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ المطر نوعان: مطر سوء؛ يعني عذاب يسوء الممطَرين، ومطر رحمة يسرُّهم، فالغيث الذي ينزل من السماء بالماء، هذا مطر رحمة، وإذا كان يضر صار مطر سوء.
وقرية قوم لوط أُمْطِرَت بمطر سوء. ما هو المطر الذي أمطرت به؟ ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود ٨٢] والعياذ بالله، ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ﴾ معلمة ﴿لِلْمُسْرِفِينَ﴾ [الذاريات ٣٤] الذين جاوزوا حدَّهم. وهذا المطر -والعياذ بالله- جعَلَ عاليها سافلها (...) هذا المطر جعل عاليها سافلها، ويش لون؟
* طالب: قُلِبَت.
* الشيخ: ما في القرآن أنها قُلِبَت، يعني ليس في القرآن ولا آية واحدة تدل على أنها قُلِبَت.
* طالب: الحديث الذي (...) رفعها جبريل عليه السلام حتى سمع (...).
* الشيخ: إي، هذا أنَّى له الصحة! لو صح لكان الأمر واضحًا، لكن جعل عاليها سافلها؛ لأن الحجارة هذه لما ضربتها صارت المباني تتهدَّم، فصار أعلاها أسفلها. هذه الحجارة -والعياذ بالله- التي دمرتها بهذا التدمير يقول الله تعالى فيها: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود ٨٣]؛ يعني: من الذين يفعلون هذا الفعل ليست ببعيد منهم.
ولهذا ذهب بعض الصحابة رضي الله عنهم أن فاعل الفاحشة هذه يُفْعَل به هكذا؛ يُلْقَى من شاهقٍ ويُرْمَى بالحجارة، بناءً على أنها رُفِعَت، ثم قُلِبَت، ثم أُتْبِعَت بالحجارة.
وقال بعض العلماء: بل إنهم يرجمون رجمًا بالحجارة بدون أن يلقوا من الشاهق، بناءً على أنه لم يثبت أنها رُفِعَت وقُلِبَت.
وعلى كل حال فهذه الفاحشة المنكَرةُ التي عبَّر الله عنها بـ﴿الْفَاحِشَةَ﴾ [الأعراف ٨٠]، الزنا قال: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإسراء ٣٢]، شوف: ﴿كَانَ فَاحِشَةً﴾، يعني: فاحشة من الفواحش.
وأما هذا فقال لهم نبيهم: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ [الأعراف ٨٠] (أل)، ودخول (أل) عليها يدل على أنها قد بلغت في الفحش غايته، وهو كذلك، وهذا لأن الفِطَرَ تنفر منها: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ [الشعراء ١٦٥، ١٦٦]، شوف يعني تقريع وتوبيخ -والعياذ بالله- تترك ما خُلِقَ لك إلى ما لم يُخْلَقْ لك، فتأتي -والعياذ بالله- الذكَر؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على أن فاعل هذه الفاحشة يُقْتَل فاعلًا كان أو مفعولًا إذا كان قد بلَغَ.
لكنهم اختلفوا في قتله؛ فمنهم من قال: يُحْرَق، ومنهم من قال: يُرْجَم بالحجارة، ومنهم من قال: يُلْقَى من على شاهق، وذلك لقول النبي ﷺ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»[[أخرجه أبو داود (٤٤٦٢) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. ]].
ولا يُشْتَرَط أن يكون مُحْصَنًا، الزِّنا ما يُرْجَم ويُعْدَم إلا المحصَن، أما هذا فإنه لا يُشْتَرَط فيه الإحصان، متى كان بالغًا عاقلًا وجَبَ إعدامُه.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم؛ وذلك لأن هذا الفعل المنكَر ما يمكن التحرُّز منه في الحقيقة، الزنا يمكن التحرز منه، ويمكن مراقبة من حاول الزنا، فإنك لو رأيت رجلًا مع امرأة تقول: ما هذه المرأة؟ لكن لو رأيت رجلًا مع ولد، ما يمكن تقول، ما هو مستغرب.
فلذلك من أجل أن فساده خفيٌّ لا يمكن التحرُّز منه صار لا يمكن إصلاح الخلق إلا بإعدامه، وهو مصلحة له ومصلحة لغيره؛ أما كونه مصلحة له، فإن الحد كفارة، ولأنه إذا بقي في الدنيا متماديًا في هذه الفاحشة صار يزداد إثمًا، فنحن في الحقيقة قد قطعنا الطريق على الشيطان بالنسبة لهذا الرجل، ثم هو أيضًا إصلاح لغيره.
وهذا القول الذي ذكره شيخ الإسلام وأجمعت عليه الصحابة رضي الله عنهم هو القول المتعين، لا سيما إذا كثر هذا الأمر؛ لأنه كلما كثرت الفاحشة وجب أن تقابل بعقوبة أشد، إلا ما حدده الشرع فيجب الوقوف عليه. وتجدون أن عمر رضي الله عنه لما أكثر الناس من شرب الخمر ماذا صنع؟ زاد الضعف إلى ثمانين[[أخرج مالك (٢٤٤٢) عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى. أو كما قال: فجلد عمر في الخمر ثمانين.]]، ولما كثر الطلاق الثلاث في عهده عاقب المطلقين بتنفيذ قولهم[[أخرج مسلم (١٤٧٢/ ١٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.]].
* طالب: أمضاه.
* الشيخ: أمضاه عليهم.
فعلى هذا نقول: إنه إذا كثرت هذه الفاحشة وجب على ولاة الأمور أن يكونوا أشدَّاءَ على فاعليها، وأن يقتلوهم إعدامًا بدون أي توقف؛ لأن ذلك هو الذي يُصْلِح الخلق، وإلا انتشارها مثلما قلنا: إنه ما يمكن التحرُّز منها، وانتشارها عظيم، كل واحد مثلًا -والعياذ بالله- مُبْتَلًى بهذا الأمر يمسك أي صبي ويعاشره ويفعل به الفاحشة، ليس مثل النساء. هذا هو القول الصحيح المتعين.
فيه قول آخر كما أشرنا إلى أن حكم اللواط حكم الزنا، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو ضعيف. فعلى هذا إن كان الفاعل محصنًا والمفعول به محصنًا ويش وجب؟ وجب القتل؛ الرجم، وإلا فالجلد والتغريب.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يُعزَّر تعزيرًا بدون حدٍّ، قال: لأن هذا لم يثبت عنده الحديث: «فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»[[أخرجه أبو داود (٤٤٦٢) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.]]، وليس فيه حدٌّ ثابت، فيُرْجَع فيه إلى التعزير. والتعزير إذا قلنا بأن ولي الأمر له أن يعزر بالقتل فما دونه صار قتل اللائط والملوط به عائدًا إلى اجتهاد الإمام.
وذهب بعض العلماء إلى أنه ليس فيه حدٌّ ولا تعزير، لكنه حرام.
* طالب: حُجَّته؟
* الشيخ: حُجَّته يقول: إنه يكتفى بالنفور الفطري عن العقوبة الرادعة؛ يعني أن هذا أمْرٌ فطري النفور منه، فلا يحتاج إلى عقوبة رادعة، ولهذا جعل الشرع في شرب الخمر عقوبة؛ لأن النفوس تميل إليه، ولم يجعل في شرب البول عقوبة؛ لأن النفوس تنفر منه بالطبيعة، فهذا مثله.
فيقال: هذا رجُلٌ -الحقيقةَ- سليمٌ ولا يعرف الواقع، فإذا كانت فطرته سليمة تنفر من هذا الأمر، فإن هناك فطرًا مقلوبة تهوى هذا الأمر وتميل إليه، فماذا نصنع بهذه الفطر؟
ثم إن قوله: إن شرب البول لا تعزير فيه لأن النفوس تنفر منه، غير مُسلَّمٍ، فلو أن رجلًا ابتلي بشرب البول نخليه يشرب من بول الناس ولَّا نُعزِّره؟ نعزره ونمنعه من ذلك، وإن كانت الفطرة تأبى هذا الأمر، إي نعم.
فالحاصل أن الأقوال هذه الأربعة أصحها القول الأول.
* طالب: إذا كان في إجماع صحابة، أجمعوا على القتل؟
* الشيخ: إي نعم، هم الحقيقة الإجماع ما هو إجماع قطعي، يعني فيه سكوت، سكوتي، والإجماع السكوتي ليس إجماعًا قطعيًّا.
واعلم أن الزنا كما قسَّمه الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك اللواط أنواع: زنا الفرج، ولواط الفرج، وفيه أيضًا زنا العين ولواط العين، وفيه أيضًا زنا الأذن ولواط الأذن، وزنا اليد ولواط اليد، وزنا الرِّجل ولواط الرِّجل.
يعني لا تظن أن اللواط خاص بالفعل؛ بالفرج، بل حتى العين، لو أن أحدًا تلذَّذ بالنظر إلى أمردٍ، قلنا: هذا الرجل تلوط به، لكن تلوط به فعلًا ولَّا نظرًا؟ نظرًا. ولذلك يجب الحذر من هذا الأمر، حتى إن النووي وجماعة من أهل العلم قالوا: إنه لا يجوز النظر مطلقًا إلى الأمرد الحسن؛ إلحاقًا له بالمرأة. ولكن الصواب أنه يجوز، إلا مع التلذذ بذلك فهذا حرام.
* طالب: قوله (...) فيه دليل؟
* الشيخ: وين؟
* الطالب: يعني أن (...).
* الشيخ: نحن ما بدأنا بالاستنباطات، لكن ما يخالف.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، من أُكْرِهَ على فعل الفاحشة فلا شيء عليه، لا في هذا ولا في غيره؛ لأنه من شروط إقامة الحد أن يكون غير مكره، حتى المرأة لو أكرهت على الزنا ما يُقام الحد عليها.
وهذا هو الذي أوجب لبعض أهل العلم أن المرأة إذا حملت لا تُحَدُّ، قال: لأنه يحتمل أن تكون مُكرهةً (...)، وهذا الاحتمال يدرأ الحد.
ولكن الصحيح أن المرأة إذا حملت وليس لها زوج ولا سيِّد يُقام عليها الحد؛ لأن خطبة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وقوله: إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف[[أخرج البخاري -واللفظ له- (٦٨٢٩)، ومسلم اللفظ له (١٦٩١/ ١٥) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف. ]]، أمام الناس ولا أحد أنكر عليه. فهي يُقام عليها الحد، لكن إن ادَّعت شُبهةً، يعني تؤخذ الآن ويقال: يلَّا أقيموا الحد عليها، لكن إن ادَّعت شُبهةً ممكنة ارتفع عنها الحدُّ؛ لأن الأمر محتمل، وكثير من النساء تُغْلب على نفسها ويُفْعَل بها الفاحشة.
* طالب: (...) قوم لوط عليه السلام فيه فاحشة اللواط، هل هي مشتقة من (...)؟
* الشيخ: إي نعم، يعني كونه يقال: لوطي أو لواط، نسبة إلى قوم لوط.
لكن فيه إشكال هنا؛ أن النسبة صارت إلى المضاف إليه وهو نبيُّهم، فيقال -والله أعلم-: إن السبب في ذلك أن هذه الفاحشة اختُصَّت بها هذه الأمة، ولهذا قال لهم نبيهم: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف ٨٠]، ما أحد سبق عليها، يعني أول من سنَّ هذه الفاحشة -والعياذ بالله- هم قوم لوط، وعلى هذا فعليهم وزْرُها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة، نسأل الله السلامة.
* طالب: طيب، منشأ اللغة العربية (...)، أول ما نشأت اللغة العربية، إذا قلنا: إن لغة آدم سريانية؟
* الشيخ: أول ما نشأت من العرب العاربة حينما جاؤوا إلى مكة القحطانيون واتصلوا بإسماعيل ونشأ بينهم صار عربيًّا، ولهذا بنو إسماعيل هم العرب المستعرِبة.
وقطعًا اللغة العربية مثل غيرها يدخل عليها تطورات وتحسينات، مثلما أن بعد الفتوح دخل عليها تغييرات (...)، كذلك فيما سبق دخل عليها تطورات وتحسينات حتى وصلت إلى الكمال في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
* طالب: في الآية السابقة، آية (...)؟
* الشيخ: يعني ما ذكرنا فوائد الآيات؟
* الطالب: إلا ذكرت.
* الشيخ: إي.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفرقان ٣٧]، قوله: ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾.
* الطالب: إي.
* الشيخ: هذا إظهار في موضع الإضمار، ما قال: أعتدنا لهم، وذكرنا أن فيه فوائد. كأن الأخ يعرفها؟
* طالب: ما كتبتها.
* الشيخ: ما كتبتها ولَّا في رأسك؟ الذي ينبغي لطالب العلم أنه يكتب؛ إمَّا في ورقته، أو في رأسه. ويش تقول؟
* طالب: فائدة الإظهار.
* الشيخ: فائدة الإظهار في مقام الإضمار؟
* الطالب: للعموم.
* الشيخ: طيب، إرادة العموم.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لانطباق الوصف على هؤلاء؛ يعني: تسجيل هذا الوصف أو ما دلَّ عليه على هؤلاء، طيب.
* طالب: بيان عدْلِ الله عز وجل؛ أنه لم يعذبهم إلا أنهم ظالمون.
* الشيخ: إي، إظهار العلة يعني؟
* الطالب: العلة يعني.
* الشيخ: زين.
* الطالب: وتنبيه المخاطب (...).
* الشيخ: تنبيه المخاطب، زين. هذه فوائدها.
فمثلًا في الأول قلنا: إرادة العموم؛ لأنه إذا قال: وأعتدنا لهم عذابًا أليمًا، صار العذاب الأليم لهم فقط، لكن ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ لهم ولغيرهم. هذه واحدة.
والثاني: تسجيل هذا الوصف عليهم؛ لأنه وصفهم بأنهم ظالمون.
والثالث: إظهار الحكمة من هذه العقوبة، وهي أنهم كانوا ظالمين.
والرابع: تنبيه المخاطب، لكن ترى المراد بالمخاطَب اللي يكون قلبه فيه حياة، وإلا اللي يمر القرآن سَدَا ترى ما ينتبه، إظهار في موضع الإضمار، التفات، تنبيه، كله واحد عنده، لكن كلامنا الذي يقرأ بتدبر لا بد أن ينتبه؛ كيف تغيَّر السياق؟ كيف عُدِلَ عن الضمير إلى الظاهر.
* طالب: ما نقول: إنه ما ينبغي أن يُسْمَّى لواطًا (...)، وإنما نقول ما ورد في الحديث: عمل قومِ لوطٍ.
* الشيخ: هذا طيب الحقيقة، لكن أنا أشوف العلماء الكبار يقولون هذا؛ كابن القيم وشيخ الإسلام ومن قبلهم ومن بعدهم.
* الطالب: (...)، أو أنه مشتق؟
* الشيخ: لا، أبدًا، إلا قوم لوط.
* الطالب: قوله تعالى عن سليمان: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [النمل ١٦].
* الشيخ: سليمان؟
* الطالب: إي، (...)، ﴿مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ هل للطير منطِقٌ؟ ثم قال بعد بآيات: ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل ١٨].
* الشيخ: إي.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إلى الآن هي تنطق، ولهذا قال: ﴿عُلِّمْنَا﴾ [النمل ١٦]، (...).
مَن هم أصحاب الرَّس؟
* طالب: هم القوم الذين أهلكهم الله عز وجل (...).
* الشيخ: أحسنت. وما الصحيح في هذه المسألة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، لكن ماذا نقول يعني؟ إذا قلنا: ليسوا قوم شعيب، هل هم غيرهم؟
* الطالب: نعم، هم القوم الذين قتلوا نبيهم.
* الشيخ: إي، لكن ماذا نقول؟ هل يعني نمسك عن التعيين ونقول: إن هؤلاء ما عيَّنهم الله، فلسنا بحاجة إلى التعيين؟
* الطالب: تقصد (...)؟
* الشيخ: لا، يعني لو قال لنا قائل: هل هم معروفون -مثلًا- لديكم أو لا؟
* طالب: لا، المعروفون هم المسلمون الأوائل (...).
* الشيخ: إنما الآن معروفون ولَّا لا؟
* الطالب: لا، (...) أنهم أصحاب بئر.
* الشيخ: أصحاب الرس هذا معلوم من القرآن، لكن هل -مثلًا- معيَّنون قال: من هم؟ وأين مكانهم وكذا؟ يعني هل نعرف قبيلتهم ونعرف مكانهم ونعرف رسولهم؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: لا؛ لأن الله ما عيَّنهم، فالأَولى السكوت.
قوله: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾، هذه الإضافة شو المراد بها؟
* طالب: يعني أصحاب البئر.
* الشيخ: أصحاب البئر، لكن ويش المقصود بالإضافة؟
* الطالب: قيل: لأن البئر انهار عليهم.
* الشيخ: أو بهم؟
* الطالب: انْهَارَ بهم، وقيل: إنهم كانوا يقطنون حوله، فأضيفوا إليه؛ أضيفوا إلى هذا البئر الذي (...).
* الشيخ: نعم؛ لأنه (...).
* طالب: (...)، إما إضافته للعقوبة، وإما إلى مكانه.
* الشيخ: إي.
* الطالب: فإذا قيل: إنهم هم من حول البئر ساكنون، فهم نسبوا إليه (...).
* الشيخ: إي، وخسَفَ الله بهم وببئرهم؟
* الطالب: وببئرهم، (...).
* الشيخ: هذه من باب الإضافة للعقوبة.
* الطالب: للعقوبة.
* الشيخ: طيب.
* الطالب: (...)؛ لأنهم يقطنون حولها.
* الشيخ: المعنى الثاني ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾، مُضافة إلى فعلهم وأنهم رسُّوا نبيهم؛ يعني دفنوه فيها. نحن قلنا: إن الإضافة هنا إما لكذا وإما لكذا؛ لأن العلماء افترقوا في هذا (...)، منهم من قال: سموا أصحاب الرس؛ لأنهم كانوا حول هذه البئر، فخسف الله بهم وببئرهم، وقيل: إنهم أصحاب الرس؛ لأنهم رسُّوا نبيهم؛ يعني دفنوه. وذهب ابن جرير إلى أن المراد بهم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في البروج.
قوله: ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ﴾، ما المراد بالقَرن؟
* طالب: قيل: إنه الزمن.
* الشيخ: يُطلَق على الزَّمن، ما هو قِيلَ. ويُطْلَق؟
* الطالب: ويُطْلَق على الدهر.
* الشيخ: الدهر والزمن معناهما واحد.
* الطالب: ويُطْلَق على (...).
* الشيخ: لا، على الزمن عاد على الخلاف في تقدير هذا الزمن، يُطْلَق على الجيل؛ يعني على الأمة التي تكون في عصر واحد وعلى مصر واحد. أيهما أنسب بالنسبة للآية الكريمة؟
* طالب: على الجيل.
* الشيخ: على الجيل؛ لأن المراد إهلاكهم، والإهلاك يكون للأُمَّة لا للزمن.
ما معنى قول الله تعالى: ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾؟
* طالب: يعني: أنذرنا.
* الشيخ: إي، أنذرنا كلًّا، لكن وأيش معنى: ﴿ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾؟
* طالب: ﴿ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾؛ أي: أنذرناه بما (...).
* الشيخ: المكذِّبين.
* الطالب: المكذبين.
* الشيخ: أحسنت، تمام. ضرب الأمثال معناه ذكر (...) في حالهم، بمعنى أننا أنذرناهم بذكر ما جرى للأمم السابقين الذين هم مثلهم في التكليف، فهلكوا.
ما المراد بـ﴿الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾؟
* طالب: المراد قوم لوطٍ.
* الشيخ: قوم لوطٍ. ما نوع هذا المطر الذي سمَّاه الله مطر سوء؟
* الطالب: حجارة من سجيل.
* الشيخ: حجارة من سجيل، نعم.
اشتهر عند أهل العلم أن القرى كانت سبعًا، فما رأيك؟ هل هي سبع؟
* طالب: (...) القرآن قرية واحدة.
* الشيخ: وأنها واحدة. طيب، إذا قلنا بما قاله الكثير من أهل العلم، فكيف نفسر قوله: ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ﴾؟
* طالب: أي: عُظْمى القرى.
* الشيخ: إي، عُظْمى القرى؛ لأن ما دونها تابع لها.
﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾، هذه الجملة مؤكدة ولَّا غير مؤكدة؟
* طالب: نعم، مؤكدة.
* الشيخ: مؤكدَة بكم مؤكِّدٍ؟
* الطالب: بثلاثة مؤكدات؛ اللام، وقد، والقسَم.
* الشيخ: والقسم المقدَّر. طيب، وهذا المقصود بالتوكيد تقرير الأمر الواقع، يعني أنه ليس الخبر كالمعاينة، فهم الآن يعاينون ما حلَّ بهذه القرية من عذاب الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم يمضون عليها ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الصافات ١٣٧، ١٣٨].
يقول الله عز وجل: (﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ في سفرهم إلى الشام، فيعتبرون، والاستفهام للتقرير).
عندنا ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾، هذه تأتي في القرآن كثيرًا: (أَفَلَمْ) (أَوَلَمْ)، يعني: يأتي حرف الاستفهام الهمزة، وبعده حرف عطف، فاختلف النحويون في ذلك؛ فمنهم من يقول: إن حرف الاستفهام داخل على جملة مقدَّرة مفهومة من السياق، تقدَّر حسب ما يليها. ومنهم من قال: إن حرف الاستفهام داخل على الجملة المذكورة، لكن محله بعد حرف العطف، فمثلًا: ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ يقولون: أصلها (فألم يكونوا يرونها)، فقُدِّمت أداة الاستفهام؛ لأن لها الصدارة.
فالآن أمامنا رأيان فيما إذا وُجِدَ حرف استفهام بعده حرف عطف، هل يكون داخلًا على الجملة المذكورة مُقدَّمًا على حرف العطف؟ أو يكون داخلًا على جملة مُقدَّرة تُسْتَفاد من السياق؟
كيف نُقدِّر ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ على الرأي الثاني الذين يقولون: إنه داخل على جملة مُقدَّرة مفهومة من السياق؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف نقدر؟
* طالب: (...) فلم يكونوا.
* الشيخ: إي، أَعَموا، فلم يكونوا يرونها؛ لأن انتفاء الرؤية معناها العمى.
وعلى الرأي الثاني ما يحتاج إلى تقدير، نقول التقدير: فألم يكونوا يرونها. والأول رأي سيبويه، والثاني رأي الكسائي. وأيهما أهون وأسلم؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: الثاني أهونُ وأسلمُ.
* طالب: تدخل الفاء عليها (...).
* الشيخ: لأنه في الحقيقة في بعض الأحيان تأتيك أمثلة ما تستطيع أن تقدر هذا المحذوف ولا كيف تقدره. ثم إن الأصل عدم التقدير والحذف، هذا هو الأصل. ونحن إذا ذهبنا إلى الرأي الثاني لم نرتكب إلا شيئًا واحدًا فقط، وهو تقديم الهمزة عن مكانها، وهذا شيء بسيط، فالذي ينبغي سلوكه أن نقول: إن همزة الاستفهام هنا داخلة على الجملة الموجودة بدون تقدير، لكنها مُقدَّرة بعد حرف العطف، إلا أنها قُدِّمَت لأجل الصدارة.
وهنا ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾، إذا دخلت همزة الاستفهام على (لم) فالمراد به التقرير، ومعنى التقرير: حمل المخاطب على الإقرار. مثلًا: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١]، أيش نقول بالهمزة؟ الاستفهام التقريري أو للاستفهام المراد به التقرير، المهم أن هذه ليست للاستفهام الاستخبار، ما هو بالله يسأل، ولكنه يقرر أنه شرح له صدره، فنقول: الاستفهام هنا للتقرير. وما معنى التقرير؟
* طالب: الإثبات.
* الشيخ: لا، ما هو بس الإثبات وفقط، حمل المخاطب على الإقرار؛ يعني إن كان هذا الشيء متقررًا، فيجِبُ عليك أن تُقِرَّ به.
* طالب: إذا تلاها (...)؟
* الشيخ: إي نعم، طيب.
نقول: هي للاستفهام التقريري؛ أي: حمل المخاطب على الإقرار، وكأن هذا أمْرٌ لا يمكن إنكاره؛ لأنه معلوم له.
في الآية الكريمة: ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾، نقول: الاستفهام للتقرير؛ يعني أنهم قد رأوها، إذا كان بمعنى التقرير فإنه يُقدَّرُ بفعل ماضٍ مقرونٍ بـ(قد)، يعني مثلًا: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَك﴾ [الشرح ١] معناه: قد شرحنا لك، لكنها أبلغ ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَك﴾.
﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ معناه؟
* طالب: قد رأوها.
* الشيخ: قد رأوها، لكن الإتيان بالاستفهام أبلغ؛ لأنه يحمل المخاطب على أن يقر، وهذا أبلغ من أن أُخْبِرَه بأمْرٍ على سبيل التحقيق بـ(قد).
﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾، يعني معناه: أنهم قد رأوها وهم يُقرُّون بذلك، ولا يمكنهم إنكاره، ويرونها، يقول المؤلف في وقت الرؤية: (في سفرهم إلى الشام، فيعتبرون) وهذا صحيح أن الإنسان إذا عاين آثار العذاب يكون أشد في يقينه وتصديقه؛ لأنه ليس الخبر كالمعاينة.
وإبراهيم ﷺ لا يشك أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى، ومع ذلك قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [البقرة ٢٦٠]، وقال النبي ﷺ: «نَحْنُ أَوْلَى بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٧٢)، ومسلم (١٥١/ ٢٣٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وجئت بهذا الحديث لأجل أن نفهم معناه حقيقة، ويش معنى «نَحْنُ أَوْلَى بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ»؟
لو أخذنا بظاهره لقلنا: إن إبراهيم قد شكَّ ونحن قد شككنا ونحن أولى بالشك منه، ولكن ليس المراد بذلك، ويش المراد؟
* طالب: مؤكدٌ أنه لم يشكَّ إبراهيم، لكن لو كان.. يعني هذا تأكيد على أنه لم يشك؛ لأننا يعني بمعنى أنه لو حصل منه شك فنحن أولى بذلك، لكنه ما حصل منه شكٌّ.
* الشيخ: يعني كما أننا نتيقَّن أن الله يحيي الموتى وقادر عليها، فإبراهيم أولى باليقين، ولو كان ثمة شكٌّ لكنا أَوْلى به من ذلك، إي نعم.
﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾، بيَّن لنا عن القرية هذه، موجودة الآن؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذه مدائن صالح، لكن قرية لوط البحر الميت، البحر الميت هذا يقولون: إنه هو مكان قُرى قوم لوط، إنه صار بحيرة مالحة.
* طالب: فيها قولان.
* الشيخ: ما أدري واللهِ إن كان فيها قولان، إنما الآن عندي قول واحد.
* طالب: صحة القول هذا؟
* الشيخ: أقول: هذا مشهور، مشهور أن هذا البحر الميت أنه هو محل قرية قوم لوط.
يقول: (﴿بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ﴾ لا يخافون ﴿نُشُورًا﴾ ) (بل) للإضراب، وكأنه إضراب عن توبيخ إلى أشد منه.
﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ قلنا: الاستفهام للتقرير، والإنسان الذي يرى الشيء ثم لا يعتبر به مستحقٌّ للتوبيخ.
انتقل إلى ما هو أعظم؛ إلى حال يستحقون التوبيخ عليها أشد، فالإضراب هنا للانتقال منين؟ من سيءٍ إلى أسوأ، ومن خفيف إلى أغلظ منه، يعني معناه: أن هؤلاء ليسوا تاركين للاعتبار بما شاهدوا، بل إنهم أبلغ من ذلك ﴿لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾، وفسَّر المؤلف الرجاء بالخوف؛ لأن الرجاء يأتي بمعنى الخوف، مثل قول الله تعالى عن نوح: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح ١٣].
ولكن إتيان الرجاء في موضع الخوف لا يكون إلا حيث تعذر أن يُفَسَّر بمعناه الحقيقي، وهنا لا يتعذَّر؛ لأن معنى ﴿لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ يعني: لا يؤملونه، ما يؤملون ولا يقرون به؛ لأن مَن لا يؤمل شيئًا لا يُقِرُّ به. وكأن المؤلف رحمه الله حمله على معنى الخوف؛ لأن حاله تقتضي أنهم لا يخافون؛ إذ لو خافوا لأقرُّوا وآمنوا.
ولكن يقال أيضًا: الرجاء، لو كان يرجون هذا النشور ويؤملونه لعملوا له؛ لأنهم قيل لهم: إن صدقتم الرسل فلكم كذا، وإن كذبتم الرسل فعليكم كذا، فهم مَوْعُودون ومُتَوعَّدون، فلا يتعيَّن أن نحمل الرجاء على الخوف، بل لا ينبغي ما دام للرجاء بمعناه الحقيقي، ما دام له محل فإنه يجب أن يُحْمَلَ على معناه الأصلي.
فنقول: ﴿لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾؛ أي: لا يؤملون النشور الذي فيه ما وعدتهم به الرسل من كرامة الله سبحانه وتعالى وإدخال الجنة. وهذا أشد من عدم اعتبارهم بما رأوا من إهلاك المكذبين، حيث ينكرون البعث الذي دلَّ عليه العقل، فالعقل يدل على أن للناس بعثًا، ولهذا يقرِّرُ الله تبارك وتعالى هذا المعنى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة ٣٦]؛ يعني: لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهَى ولا يُجَازى، هذا سفهٌ، لو كانت هذه الخليقة التي خلقها الله، وأرسل إليها الرسل، وأباح دماء بعضهم لبعض وأموالهم ونساءهم لأجل الدين الذي بعث به الرسل، وهذا القتال العظيم بينهم والعداوة والبغضاء، لو كانت لا لشيء إلا أن الإنسان يحيى ويموت، ماذا يكون هذا الفعل؟
* طالب: سفهًا.
* الشيخ: يكون سفهًا يُنَرَّه الله عنه، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص ٨٥]، ما أنزل الله هذا القرآن إلا لمعادٍ يكون الناس يوم القيامة يرجعون إليه، ثم يُجازون بأعمالهم، فالعقل دلَّ على أنه لا بُدَّ من بعثٍ، ولا بُدَّ من جزاء، ومع ذلك هؤلاء ينكرونه.
و﴿لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ بحُججٍ واهيةٍ باطلةٍ؛ مثل: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس ٧٨]، هذه حجة ولَّا ما هي حجة؟ هي شُبهةٌ في الواقع، شُبهةٌ باطلةٌ، ولذلك أبطلها الله في الآيات التي بعدها من نحو عشرة أوجه، هذا الإنكار المبني على استبعاد عقله، لذلك أبطله الله تعالى كما يظهر من القصة من نحو عشرة أوجه؛ أولها: ﴿يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس ٧٩]، هذا يكفي العاقل، هي ما كانت هذه العظام ماء مهينًا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ماء مهينًا، بل قبل ذلك لم تكن شيئًا مذكورًا، ثم خلقها الله إلى عظام، فالذي أحياها أول مرَّة قادر على إعادتها، وهو عقلًا أهون من الابتداء ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧].
على كل حال لسنا بصدد الإثبات لهذا الشيء، لكن أقول: إن هؤلاء الذين لا يرجون نشورًا مع قيام الأدلة على وجوده لا شك في سفههم، وأنهم ليسوا على صواب.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ﴾ [الفرقان ٤١]، منتقلًا إلى حالة أخرى يقابل بها هؤلاء المشركون رسول الله ﷺ.
(﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ مهزوءًا به) ﴿يَتَّخِذُونَكَ﴾ يُصيِّرونك ويجعلونك مهزوءًا به، وتجدون الآن أن الآية فيها حصرٌ طريقه النفي والإثبات؛ يعني: ما يجعلون لك أي حال من الأحوال إلا الهزء، و﴿هُزُوًا﴾ مصدر، لكنه يقول المؤلف: (مهزوءًا به) يعني أنه بمعنى اسم المفعول. والمصدر بمعنى اسم المفعول كثير ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ٤]، ويش وجه الاستدلال بهذه الآية اللي استدللت بها الآن ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، ويش وجه الاستدلال بالآية التي ذكرت؟
* الطالب: يعني أن (...).
* الشيخ: إي، وجه الاستدلال السؤال أحيانًا يُرَادُ به التنبيه والاستخبار، فهنا نقول: وجه الاستدلال أن قوله: ﴿أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾، (حمل) مصدر بمعنى محمول، فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، وفي الحديث عن النبي ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري بنحوه (٢٦٩٧)، ومسلم واللفظ له (١٧١٨/ ١٨) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]؛ يعني: مردودٌ.
هنا ﴿هُزُوًا﴾ مصدر، لكنه بمعنى اسم المفعول على رأي المؤلف. ويمكن أن يقال: إنه على بابه؛ مصدر، ويكون من باب المبالغة، كأنه ما جعل الرسول محلًّا للهزء؛ يعني مهزوءًا به، به جعلوه نفسه هو نفس الهزء، وهذا من باب المبالغة، كما تقول: فلان عدل، وفلان رضا، يعني من باب المبالغة، كأنه هو العدل لا أنه محل العدل، وكأنه الرضا لا محل الرضا، وكذلك: فلان ثقة؛ لأن (ثقة) مصدر بمعنى موثوق به لكنه من باب المبالغة.
المعنى: أن هؤلاء ما يرون الرسول عليه الصلاة والسلام إلا محل استهزاء -والعياذ بالله- كأنه لعبة عندهم، يقولون: (﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ في دعواه محتقرِين له عن الرسالة).
﴿أَهَذَا﴾ الاستفهام هنا للتحقيق، وهو متضمِّنٌ للنفي؛ يعني ما يمكن أن يبعث مثل هذا الرجل. وهذا كقولهم: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف ٣١]، ولا شك أن هذا من جملة الشبه التي يحتجون بها، وهي لا تنطلي على أحد؛ لأننا نعلم أن محمدًا ﷺ أعظم الخلق وأحقهم بالرسالة، فإن الله تعالى يقول: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، فللرسالة محلٌّ، فهذا النبي ﷺ نؤمن بأنه أعظم الخلق وأحقهم بالرسالة، ولهذا جعلها الله فيه، جعل فيه أعظم الرسالات، فهو أعظم من كل ما يقترفونه، لكن تعرفون أن المكابر والمكذب يأتي بكل شُبهةٍ سواء كانت حقيقة أم غير حقيقة.
وقوله: ﴿أَهَذَا الَّذِي﴾ (هذا) اسمُ إشارةٍ للقريب ولَّا للبعيد؟
* طالب: للقريب.
* الشيخ: للقريب، احتقارًا أيضًا؛ لأن اسم الإشارة يأتي للقريب أحيانًا للاحتقار، وأحيانًا للتعظيم والمودة، وكذلك اسم الإشارة في البعيد يأتي لما هو قريب من باب التعظيم، مثل: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ البقرة: ٢]، ويش يعني بـ﴿الْكِتَابُ﴾؟
* طالب: القرآن.
* الشيخ: لكنه أتى بـ﴿ذَلِكَ﴾ اسم إشارة للبعيد تنبيهًا لعلوِّ مرتبته.
هم أتوا بـ(هذا) للتحقير؛ يعني: أهذا القريب الذي لدينا ونتصوره ونشاهده، أهذا يُبْعَثُ رسولًا؟! هكذا يقولون.
وأردفوا ذلك: (﴿إِنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف؛ أي إنه ﴿كَادَ لَيُضِلُّنَا﴾ يصرفنا ﴿عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾ [الفرقان ٤٢]) بئس الصبرُ هذا!
﴿إِنْ كَادَ﴾ يعني: قَرُبَ، و﴿إِنْ﴾ يقول المؤلف: (إنها مُخَفَّفة من الثقيلة)؛ لأن (إنْ) -كما تعرفون- لها معانٍ كثيرة، والذي يُعَيِّنها السياق؛ تأتي نافية، وتأتي شرطية، وتأتي زائدة.
* طالب: وناصبة.
* الشيخ: لا، ما تأتي ناصبة، اللي تأتي ناصبة (أنْ). لكن هنا مخففة من الثقيلة؛ لأن أصلها (إنَّ) فخُفِّفَت، وإذا خُفِّفَت من الثقيلة لزم أن يكون اسمها محذوفًا، ما نقول: مستتر؛ لأن الاستتار يكون بالفعل أو بما هو بمعناه، لكن نقول: محذوف، والتقدير: إنه ﴿كَادَ لَيُضِلُّنَا﴾.
و﴿كَادَ﴾ بمعنى: قَرُبَ، والصواب أن (كاد) تأتي بمعنى قرُبَ، سواءٌ كانت منفية أو مستترة. وأما قول بعض النحويين: إن نفيها إثبات وإثباتها نفي، فليس بصحيح كما حققه ابن هشام في المغني، بل هي دائمًا بمعنى القرب، يعني: لقد قرب أن يضلنا عن آلهتنا، لكن منع من هذا مانع وهو الصبر عليها، فهم الآن -في الحقيقة- يقرُّون أن رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام خطيرة بالنسبة إليهم، ولَّا لا؟ خطيرة، لكنهم يتمدحون بأنهم ذوو صبرٍ بالغ عظيم ﴿لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾؛ يعني: على عبادتها، لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يضلنا. والصواب: أنه لو تركوها لكان الرسول قد هداهم الله به، أليس كذلك؟ نعم، وليتهم لم يصبروا هذا الصبر؛ فإن هذا الصبر صبر عن معصية الله ولَّا على معصية الله؟
* طلبة: على معصية الله.
* الشيخ: على معصية الله، وهو مذمومٌ، لا شك أنه مذموم.
﴿لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾ صارت الآن الجملة هذه أقول: إنها تدل على أنهم يقرون بخطر رسالة النبي ﷺ عليهم أو لا؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: ولكنهم يتمدحون بالصبر عليها، وأنه مع قوة تأثير الرسالة هم صبروا على آلهتهم فلم يضلهم النبي عليه الصلاة والسلام.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، مُقرِّين بخطر الرسالة، ولإقرارهم بخطر الرسالة بذلوا مُهَجَهم ورِقابَهم لقتال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم لو كانوا يعرفون ما هي مؤثرة ما احتاجوا إلى أنهم يخرجون لقتال الرسول، كان قالوا: هين هذا مثل المجنون اللي ما يؤثر ولا (...).
﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾ أي: معبوداتنا. والآلهة تُطْلَقُ على المعبود، لكن تُطْلَقُ إطلاقًا مجازيًّا على المعبود بغير حق، وإطلاقًا حقيقيًّا على المعبود بحق، ولهذا الرسل صلى الله عليهم وسلم يقولون لأقوامهم: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف ٥٩]، ويش معنى ﴿مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾؟ أي: من معبودٍ حقيقةً غير الله، أما معبوداتكم التي تعبدونها فهذه معبودات لكنها ليست حقًّا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، نحن الآن صحيح التعبير هذا خطأ ما دام قلنا: لا مجاز في القرآن، لكن تنزلًا على حسب كلامهم، هم يدعون أنها آلهة، ولكنها حقًّا ليست آلهة.
* الطالب: نعتبر بما (...)؟
* الشيخ: التعبير الصحيح أن نقول: ﴿عَنْ آلِهَتِنَا﴾، سموها آلهة باعتقادهم، وإلَّا فليست آلهة.
﴿لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾؛ يعني: حبسنا أنفسنا عليها (لصرَفَنا عنها).
استفدنا من قول المؤلف: (لصرفنا) أن ﴿لَوْلَا﴾ شرطية، وأن جوابها محذوف.
﴿أَنْ صَبَرْنَا﴾ ويش محلها من الإعراب؟ ما كنت أريد أن أعربها، لكن لما أنه تعرض...، ويش محل ﴿أَنْ صَبَرْنَا﴾ من الإعراب؟
* طالب: مصدر لفعل (...).
* طالب آخر: بتأويل مصدر.
* الشيخ: إي، ويش محلها من الإعراب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: خبر المبتدأ.
* طالب آخر: مبتدأ لخبر محذوف وجوبًا.
* الشيخ: مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا. (...)
(لصرَفَنا عنها)، أو الأصح أن نقول: لأضلَّنا عنها؛ لأنهم يقولون: ﴿لَيُضِلُّنَا﴾؟ لأضلَّنا عنها. ﴿لَوْلَا﴾ صبرُنا موجودٌ على هذه الآلهة لأضلَّنا عنها، وبعد، وبعد، (لولا) غالبًا حذف الخبر حتمٌ.
(لولا) هذه شرطية، وتأتي غير شرطية؟
* طالب: إي نعم، تأتي.
* الشيخ: ويش (...)؟
* الطالب: للتحضيض.
* الشيخ: للتحضيض، ومرَّت علينا قريبًا في هذه السورة. وكون (لولا) وهي لفظ واحد يأتي أحيانًا بمعنى التحضيض، وأحيانًا بمعنى الشرط، وكذلك (إنْ) وغيرها من الحروف، هذا مما يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه لا مجاز في اللغة، وأن الذي يُعيِّنُ المعنى ويجعله حقيقة أو غيرَ حقيقة؟
* طالب: السياق.
* الشيخ: السياق، فالكلمة في سياقها أو الجملة في سياقها حقيقةً ما تحتمل غير ما يُراد، وإن كانت -مثلًا- تُطْلَق إطلاقًا آخر في معانٍ أخرى. فالسياق في الحقيقة، المعاني للكلمات كما يدلُّ عليه كلام الشيخ، ليست المعاني في الكلمات صفات ذاتيةً، ما هي صفاتٌ ذاتية، وإنما هي صفات إضافية. ويش معنى إضافية؟ أي بحسب ما تضاف إليه؛ يعني بحسب السياق.
وبذلك نتخلص من الإشكال الذي يَرِدُ علينا كثيرًا في بعض كلمات في القرآن، حيث (...) المجاز تأتينا كلمات أو جمل تُشْكِل علينا، فإذا قلنا بهذا القول، وقلنا: إن المعاني للألفاظ ليست من الصفات الذاتية، وإنما هي من الصفات الإضافية التي يعيِّنها أي شيء؟
* طالب: السياق.
* الشيخ: السياق، نتخلص بهذا، ونقول مثلًا: ﴿جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ [الإسراء ٢٤]، ﴿جَنَاحَ﴾ إذا أضيف للطائر صار له معنًى، وإذا أضيف إلى ﴿الذُّلِّ﴾ صار له معنًى.
﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف ٧٧]، الإرادة إذا أضيفت إلى الإنسان صار لها معنًى، وإذا أضيفت للحيوان صار لها معنًى، وإذا أضيفت للجماد صار لها معنًى. بحسب الإضافات، وحينئذٍ نتخلَّص، ما نقول: الإرادة الأصل أن تكون حقيقة لذوي الشعور، فإذا أضيفت إلى غيرهم صارت مجازًا، ما حاجة أن نقول هكذا.
* طالب: كيف تكون للجماد؟
* الشيخ: تكون للجماد ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾، معناه: مايلٌ للانقضاض.
* طالب: بالنسبة لـ﴿لَوْلَا﴾، قد يكون التفريق بين التحضيض والظرفية بأنها إذا دخلت على الفعل صارت (...)، فلا يحتاج إلى..
* الشيخ: صارت للتحضيض.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: فلا يحتاج لتعيين السياق.
* الشيخ: كيف؟ إلا، وجودها بجانب الفعل جعلها للتحضيض، ووجودها بجانب الجملة الاسمية جعلها للشرطية، إي نعم.
(﴿لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾، قال الله تعالى: ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ عيانًا في الآخرة، ﴿مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ أخطأُ طريقًا أَهُمْ أم المؤمنون؟) لو قال: (أَمِ الرسول) -لأن (...) الرسول ﷺ- لكان أولى.
﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾، يقول المؤلف: (عيانًا في الآخرة)، وهذا ليس بلازم أن يكون في الآخرة، يُقَيَّد في الآخرة ما هو لازم، نقول: إنهم يرون العذاب متى؟ في الآخرة وعند الموت يشاهدونه، وإذا قالوا: إنهم تابوا عند الموت فالتوبة لا تنفعهم ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨].
﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾، هم أمِ الرسول عليه الصلاة والسلام.
وفي جملة قوله: ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ فيها من التهديد ما هو ظاهر؛ يعني سوف يعلمون في تلك الحال هل هم الأضل أم الرسول ﷺ الأضل. وما هو الواقع؟
* طلبة: هم الأضل.
* الشيخ: سيعلمون إذا رأوا العذاب أنهم هم الأضل.
قال الله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان ٤٣] ﴿أَرَأَيْتَ﴾، الخطاب للرسول ﷺ؛ لأن السياق يدلُّ عليه، ولا أظنه هنا يصح أن نجعله لكل من يتأتَّى خطابه؛ لأن قوله: ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ إنما يناسب من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، كقوله: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية ٢٢].
وهنا ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يقول: (بمعنى أخبِرْني)، كيف (بمعنى أخبرني) الرؤية هي الخبر؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لكن أريد لازمه؛ يعني: هل رأيت فأخبِرْني؛ هذا المعنى، وهذا هو السبب الذي جعل العلماء يفسِّرون ﴿أَرَأَيْتَ﴾ بمعنى أخبرني؛ لأن المقصود بالاستفهام عن الرؤية هنا ليس مجرد هل رأيت ولَّا ما رأيت، بل المراد لازمها وهو الإخبار؛ يعني إذا كنت رأيت فأخبرني.
وهنا (رأيت) يقولون: إنها تنصب مفعولين، ولا بد أن يكون المفعول الثاني منهما جملة استفهامية. نشوف اللي عندنا في الآية: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾، المفعول الأول؟
* طالب: ﴿مَنِ﴾.
* الشيخ: ﴿مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ﴾. والمفعول الثاني جملةُ ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾. هذا ما ذكره المؤلف.
وفي القرآن لها أمثلة ولَّا لا؟
* طالب: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ [العلق ٩].
* الشيخ: لا، ما هي بمعنى أخبِرْني.
* طالب: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ [الكهف ٦٣].
* الشيخ: إي، ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾.
* طالب: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم ١٩].
* الشيخ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم ١٩، ٢٠].
* الطالب: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾ [النجم ٣٣، ٣٤].
* الشيخ: إي نعم، كثيرة، لكن أحيانًا يُذْكَرُ المفعول الثاني، وكثيرًا يُحْذَفُ يحذف المفعول الثاني؛ لدلالة السياق عليه.
﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾، ما يمكن يصير الجواب: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ﴾ [النجم ٢١]، ما يمكن، لكن المعنى: هل تغنيكم شيئًا؟ هل تنفعكم؟ هل تستحق أن تعبد؟ وما أشبه ذلك. وللبحث بقية تأتي إن شاء الله.
* طالب: على رأي النحاة (...)، فهنا تصبح القضية (...)؟
* الشيخ: نعم، يقول: أعلمت هذا فأخبرني به.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: الله أكبر، سبحان الله العظيم! القرآن -سبحان الله العظيم- ما هو مثل بقية الكلام، تجد استفهامات، أمرًا، تحديات في السياق، وهذا من إعجازه في الحقيقة، يعني ما تجد كلامًا.. لأن كل هذه الاختلافات في الكلام توجب إثارة الإنسان وإقباله، ولكنه كما أسلفنا فيمن يقرأه عن قلب، أما من يقرأه عن بصرٍ فقط بدون بصيرة فهذا ما يستفيد منه.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الروم ٤٩]، تكرار ﴿مِنْ قَبْلِ﴾ مرتين (...)، ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾؟
* الشيخ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [آل عمران ١٨٨]، التكرار هذا يكون لفائدة وغرضٍ، فهنا ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ فيها خلاف: هل هي الأُولى أو أنها ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ غير الأولى؟ ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: ﴿مِنْ قَبْلِ﴾ هذا التنزيل، فيكون من باب التكرار توكيدًا. وإن كان ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ يعني: من قبل هذا الأمر الذي حدث لهم، ما هو من قبل أن يُنَزَّل، من قبل حالهم، فلا يكون فيها تكرار.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: فكيف يعني؟ فهل معناه أنه (...)؟
* الشيخ: (...) الإيمان عند الموت إلا إنسان سريرته باطلة، أما الإنسان الذي عمله صالح ومبني على عقيدة صحيحة ما يمكن، لكنه على خطر؛ لأنه يُخْشَى أن يكون عمله مبنيًّا على سريرة باطلة.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، إذا عايَنَ الإنسان ما ينفعه التوبة.
* الطالب: طيب، ولا ينفع أن نقول: (...)؟
* الشيخ: لو أضله؟ ويش لون؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: نحن نقول: ما يمكن يضله؛ لأن الله يقول: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم ٢٧]. إنما يكون الإضلال عند الموت بناءً على أن الإنسان في عبادته غير مستقيم، كما جاء في الحديث الصحيح: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٢٠٧)، ومسلم (١١٢ / ١٧٩) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.]].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، هو لا بد أن تكون السريرة باطلة؛ لأننا نعلم أن الإنسان لو بنى عمله على عقيدة سليمةٍ سواء بالإخلاص أو بغير الإخلاص، إنما ما يمكن أن الله يخذل المؤمن أبدًا، المؤمن حقيقة. وهذا هو ما كنا ندعو إليه دائمًا؛ بأن نحرص على عمل القلب، أما عمل الجوارح فإنها مثل السُّور؛ يعني الأعمال الظاهرة عمل الجوارح هي بمنزلة السُّور للبستان، تحميه وتحيطه، وأما العمل الأساسي فهو عمل القلب. قلنا: يحرص دائمًا على أن يكون الإنسان مطهرًا قلبه مُصلحًا لقلبه، هذا أهم شيء. والأعمال الظاهرة هذه في الحقيقة رسوم مصلحة ومنمِّية؛ مثل السقي للبستان، والرسول عليه الصلاة والسلام شبَّه أعظم العبادات الظاهرة -وهي الصلاة- بالنهر الذي يطهِّر الإنسان من أوساخه[[أخرج مسلم (٦٦٧/ ٢٨٦) عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا».]]. فهذه ثقالات للقلب، مادة ينتفع بها القلب، إنما الأصل هو القلب.
ولهذا يجب علينا دائمًا أن نشوف قلوبنا: أحيانًا يكون في القلب سريرة الحسد مثلًا، سريرة الحسد هذه ما هي هينة؛ لأنها موروثة عمن؟ عن اليهود، فهل ترضى أن تكون شبيهًا لليهود؟ ما أحد يرضى، ومع ذلك تجدها في قلوب كثير من المؤمنين موجودة. مسألة الرياء في العبادة أو في المظهر. (...)
بعد أن بيَّن أمثلة لكفار قريش من الأمم الذين أهلكهم الله تبارك وتعالى بسبب تكذيبهم للرسل، وبيَّن أن من هذه الأمم من كانوا أتوا عليها، وهي قرية قوم لوط التي أُمْطِرَت مطَرَ السوء.
ثم انتقل الله سبحانه وتعالى بعد ذلك إلى ما هو أقبح وأشد في التوبيخ، وهو كونهم ﴿لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾؛ يعني لا يرجون بعثًا، فلا يؤمِّلونه ولا يخافونه.
ثم انتقل الله سبحانه وتعالى بعد هذا إلى حال هؤلاء مع الرسول عليه الصلاة والسلام الذي كان يجب علينا أن نجلَّه ونعظِّمه ونوقِّره، بأن هؤلاء المكذبين اتخذوه هزوًا، وأن قوله: (اتخذوه هزوًا) أشد وأبلغ من قوله: هزِءوا به؛ يعني: جعلوه كأنه صورة يُهْزَأ بها، لكن لو قال: استهزؤوا به، صار فعلًا، والفعل مطلقٌ يدل على المرة الواحدة، بخلاف الأول اللي جعلوه كالصورة التي يُهْزَأ بها.
ثم بيَّن أنه مع اتخاذهم إيَّاه هزوًا أنهم يسخرون به في القول، يقولون: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ احتقارًا له، ثم يفتخرون مع احتقارهم له بأنهم صبروا على آلهتهم، وأن دعوة النبي ﷺ كان لها تأثيرٌ قويٌّ، لولا أنهم صبروا عليها؛ على آلهتهم لكانوا متأثرين بها ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾.
ثم توعَّدهم الله سبحانه وتعالى بأنهم حين يرون العذاب سيعلمون من هو أضل؛ هم أمِ النبي ﷺ.
ثم ذكَرَ الله سبحانه وتعالى استفهامًا مُشْربًا بالتعجب فيمن اتخذه إلهه هواه، فقال: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾.
وسبق لنا بالنسبة لـ﴿أَرَأَيْتَ﴾ أنها بمعنى أخبِرْني، وأن هذا ليس هو المعنى الحقيقي لها، لكنه معنًى لازم للرؤية التي بمعنى العلْمِ؛ فإن المستفهم لا يريد من المخاطب إذا قال: (أرأيت) لا يريد أن يستفهم عن كونه رأى، إنما يريد أن يستفهم عن لازم هذه الرؤية وهي الإخبار، ولهذا يقولون: إنها بمعنى (أخبِرْني) من باب إطلاق الملزوم للازم.
أما بالنسبة لإعرابها، فقد ذكرنا أمس؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الأول التمني.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: (...)، ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾.
* الشيخ: إي نعم، وهذا التركيب: ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يأتي كثيرًا في القرآن، ويكون ناصبًا لمفعولين الأول منهما اسم، والثاني منهما جملة استفهامية أو قسمية. والمفعول الأول -انتبهوا لإعرابها لأنها مشكلة- المفعول الأول قلنا: إنه يكون اسمًا؛ إما مذكورًا وإما محذوفًا، فصار الآن المفعول الأول اسمًا؛ إما مذكورًا، أو محذوفًا، هذا واحد. المفعول الثاني جملة إما استفهامية أو قسمية. مفهوم هذا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، التاء في ﴿أَرَأَيْتَ﴾ فاعل، وقد يلحقها ضمير لمجرد الدلالة على المخاطب، ولا محل له من الإعراب، نقول: حرف خطاب لا محل له من الإعراب، تلحقها الكاف اللي هي حرف خطاب وليس لها محل من الإعراب.
ولنضرب لهذا أمثلة: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٦٢]، هذه أين المفعول الأول؟ ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾؟
* طلبة: (...).
الشيخ: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٦٢]؟
* طالب: ﴿هَذَا الَّذِي﴾.
* الشيخ: ﴿هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ﴾ هذا المفعول الأول، والمفعول الثاني الجملة القسمية: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ﴾، ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾، مفهوم؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: والكاف ﴿أَرَأَيْتَكَ﴾: حرف خطاب، لا محل لها من الإعراب، إذن المفعول الأول الآن موجود، والمفعول الثاني جملة قسمية موجودة.
﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ [الأنعام ٤٦] أين المفعول الأول؟
* طالب: محذوف.
* الشيخ: محذوف؛ لأنه ما يمكن يكون جملة المفعول الأول، فهو إذن محذوف: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾... ﴿مَنْ إِلَهٌ﴾، محذوف تقديره: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ حالكم؛ يعني: أخبروني عن حالكم ﴿إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ إلى آخره، وجملة ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ هذا هو المفعول الثاني.
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام ٤٧]، هنا فيها كاف الخطاب ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾ التاء للمفرد، والمخاطب جماعة ولّا واحد؟
* طالب: جماعة.
* الشيخ: ويش الدلالة على أنهم جماعة؟
* طالب: الميم.
* الشيخ: الكاف والميم ﴿أَرَأَيْتَكُمْ﴾، ومفعولها الأول محذوف، ومفعولها الثاني: ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾، فالخلاصة الآن أن إعراب هذه نقول: إن ﴿أَرَأَيْتَ﴾ [الفرقان ٤٣]، معناها: أَخْبِرني، وهذا المعنى لازم، وليس هو المعنى الحقيقي لـ﴿أَرَأَيْتَ﴾؛ لأن رأى بمعنى علم، وأما إعرابها فإنها فاعل، التاء في ﴿أَرَأَيْتَ﴾ فاعل، وتكون مفردة دائمًا، أو مجموعة مثل: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ﴾ [الأنعام ٤٦]، أو مثناة: أرأيتما إن كان كذا وكذا؟
وربما تلحق الكاف للدلالة على المخاطب وتبقى التاء مفردة؛ هذا بالنسبة بـ﴿أَرَأَيْتَ﴾، أما مفعولها أو معمولها، فإنها تنصب مفعولين: الأول منهما اسم محذوف أو مذكور، والثاني منهما جملة استفهامية أو قسمية.
نشوف اللي معنا الآن في الآية الكريمة: (﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الفرقان ٤٣] أَيْ: مَهْوِيَّهُ).
المؤلف فسر (هوى) بمعنى مَهْوِي، يعني فسر المصدر بمعنى اسم المفعول؛ يعني اتخذ إلهه هذا الحجرَ مثلًا أو هذه الشجرة، يعني جعل الإله الشجرة، والشجرة أو الحجر هي الهوى ولّا مَهْوِي؟
* طالب: مَهْوي.
* الشيخ: مَهْوِي؛ ولهذا فسر الهوى بالمَهْوِي؛ لأنه يريد أن يجعل الإله هنا هو المعبود.
ولكن الصواب أن الآية على ظاهرها، وأن الإله هو الهوى، يعني معنى ذلك أنه جعل المتبوع الهوى، وكون الإنسان يتبع غيره سواء هوى نفسه أو غيره، كونه يتبع غيره؛ هذا من اتخاذه إلهًا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة ٣١]، «فقال عدي بن حاتم: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم؟ قال: «أَلَيْسَ يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَّلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟» قال: بلى، قال: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ»[[أخرج الطبراني في الكبير (٢١٨)، والبيهقي في الكبرى (٢٠٣٥٠)، بسنديهما من حديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي ﷺ وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: «يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك، فطرحته، فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة، فقرأ هذه الآية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١] حتى فرغ منها، فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: «أليس يُحَرِّمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حَرَّم الله فتستحلونه؟»، قلت: بلى، قال: «فتِلْك عِبَادَتهُم».]].
فإذن نقول: الآية على ظاهرها، يعني أن الإله هو الهوى نفسه، والهوى يقوده إلى عبادة الشجر والحجر ويقوده إلى استحلال الزنا وإلى استحلال الربا وإلى غير ذلك، فعليه الأولى، وأيش الأولى؟ جعل الآية على ظاهرها، وألا تصرف إلى المعبود خلافًا للمؤلف.
وقوله: (قُدِّمَ الْمَفْعُول الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَهَمّ)، كيف المفعول الثاني؟ وين المفعول الثاني؟
أصله: من اتخذ هواه إلهه، فالهوى هو المُتَّخَذ لا الإله، المتخذ إلهًا هو الهوى، لا الإله مُتخذًا هوى، الإله ما اتخذ هوًى، ولكن الهوى مُتَّخَذٌ إلهًا؛ فلهذا قال المؤلف: إنه قدم المفعول؛ لأنه أهم؛ يعني لأنه هو محل التعجب، محل التعجب أن يكون هذا الشيء إلهًا، هذا محل التعجب، لا محل التعجب مجرد الهوى، مجرد الهوى ليس محل تعجب، إنما محط التعجب أن يُتخَذ إلهًا.
فعلى هذا نقول: المفعول الأول ﴿إِلَهَهُ﴾ [الفرقان ٤٣]، والثاني: ﴿هَوَاهُ﴾ [الفرقان ٤٣].
قال: (وَجُمْلَة ﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ [الفرقان ٤٣] مَفْعُول أَوَّل لِرَأَيْتَ).
قوله: (جملة ﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ )، كلامه صحيح ولّا غير صحيح؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: صحيح كلامه ولّا لا؟
* الطالب: ﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ مفعول أول؟
* الشيخ: إي، يقول: جملة ﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ مفعول أول.
* الطالب: لو قلنا: إنه يكون مفردًا فليس الكلام صحيحًا.
* الشيخ: وإن قلت: ما يكون مفردًا؟
* الطالب: فكلامه صحيح، ولكن ما (...).
* الشيخ: إي، لكن هل يُعبر عن الموصول وصلته بجملة؛ لأن ﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ سواء قلت: إنه مفرد، وهو على كل حال مفرد مثل ما قلت، ما فيها قولان إلا على طريقة ابن جني (...).
﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ هل يُعبر عن الموصول وصلته بالجملة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، لكن هل يُعبر عنه بأنه جملة؟ إذا قلت مثلًا: قدم الذي سافر، هل تقول: (الذي سافر) جملة؟ لا؛ لأن الاسم الموصول مفرد، لكن صلته جملة، ويدل على ذلك أن اسم الموصول يقع فاعلًا، والفاعل ما يمكن يكون جملة، تقول: جاء الذي سافر، (الذي) فاعل وليس يكون جملة.
وعلى هذا فيكون في قوله: (جملة ﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ ) فيه تسامح، والصواب أن يُقال: و﴿مَنِ﴾ في قوله: ﴿مَنِ اتَّخَذَ﴾ مفعول أول لـ(رأيت).
والثاني: ﴿أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان ٤٣]، الاستفهام هنا للنفي؛ يعني: فلن تكون عليه وكيلًا؛ أي: (حَافِظًا تَحْفَظهُ مِن اتِّبَاع هواه) يعني: لست وكيلًا عليه، وإذا لم تكن وكيلًا عليه فلست مسؤولًا عنه، وإذا كان هذا الكلام للنبي ﷺ فمن دونه أولى، فنحن لسنا وكلاء على من عصوا الله ولا على من فسقوا عن أمره، إنما علينا، ويش علينا؟
* طالب: البلاغ.
* الشيخ: البلاغ والدعوة، وعلى الله سبحانه وتعالى الحساب: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد ٤٠]، وبهذا نعرف أنه لا ينبغي للإنسان أن يحزن على ضلال من ضل إذا كان قد قام بما أوجب الله عليه من البلاغ والدعوة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل ١٢٧]، وقال تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ٣] يعني: مهلك نفسك ﴿أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾، إلى آيات كثيرة في هذا المعنى، وأن الإنسان لا يحزن؛ لأن ضلال من ضل بفعل الله سبحانه وتعالى، وفعله تعالى لحكمة؛ ولهذا قال أهل العلم: إننا ننظر إلى أهل المعاصي نظرين؛ نظرًا شرعيًّا ونظرًا كونيًّا، فالنظر الشرعي: نحاول إلزامهم بما أوجب الله ونعاقبهم على ذلك، نعزِّرهم بما يليق بهم، ونقيم الحدود عليهم، ولا نرحمهم في ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور ٢]، هذا النظر الشرعي، نظر قوة وحزم.
أما النظر الثاني: النظر القدري الكوني، فإننا نرق لهم ونرحمهم، أن الله سبحانه وتعالى ابتلاهم بهذا الأمر، ومن الناس من يتحمل هذا وهذا، ومن الناس من لا يتحمل إلا واحدًا منهما، وأيهما أكمل؟ اللي يتحمل هذا وهذا أكمل، لكن من الناس من لا يتحمل الأمر القدري، وتجده يغضب ويصير عنده غيره ينفعل فيها انفعالًا بالغًا، ويندفع اندفاعًا كثيرًا، ومن الناس من ينظر إلى الأمر القدري ويقول: هذا بقضاء الله وقدره، ولا يكون عنده غيرة أبدًا إطلاقًا، وهذا أيضًا خطأ.
فالواجب على المرء أن ينظر إلى الأمور من النافذتين: نافذة القدر ونافذة الشرع؛ ليكون مستقيمًا، وهذا هو العدل.
إذن من ضل من الناس فلسنا وكلاء عليه، ولكن له علينا أي شيء؟ الدعوة إلى الله ومحاولة إصلاحه فيما نستطيع، نعم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هذا الحزن على القريب، هذا من باب الرقة -في الحقيقة- والرحمة، وهو يجب مع هذا أن يكون عنده حزم في الدعوة إلى الله وتبليغه لشرعه وإقامة ما يجب، إقامته من الحدود على هذا المخالف؛ لأن بعض الناس يرق لقريبه وصاحبه وأخيه وما أشبه ذلك، ولا يقوم بالواجب بالنسبة لتأديبه ومحاولة إصلاحه، وهذا خطأ.
يقول المؤلف: (لا)، أيش معنى (لا)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إشارة إلى أن الاستفهام هنا بمعنى النفي، يعني: لن تكون عليه وكيلًا.
(﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ﴾ سماع تفهُّم ﴿أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ ما تقول لهم ﴿إِنْ﴾ ما ﴿هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان ٤٤] أخطأ طريقًا منها؛ لأنها تنقاد لمن يتعهدها وهم لا يطيعون مولاهم المنعم عليهم).
﴿أَمْ تَحْسَبُ﴾ الخطاب إما للرسول عليه الصلاة والسلام وإما لكل من يتأتي خطابه، ممن يصح خطابه.
وقوله: ﴿أَمْ﴾ بمعنى: بل وهمزة الاستفهام، فهي متصلة ولّا منقطعة؟ ﴿أَمْ﴾ منقطعة ولّا متصلة، ولّا ما نعرف منقطعة ومتصلة؟
هي منقطعة؛ لأنها بمعنى بل، والمتصلة هي التي تكون بين أمرين متعادلين، مثل قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون ٦]، هذه متصلة، اللي تأتي بين شيئين متعادلين يسمونها متصلة؛ لأنها تصل الأول بالثاني، وإذا لم تكن كذلك فهي منقطعة.
فقوله هنا: ﴿أَمْ﴾ ما فيها معادل، فتكون إذن منقطعة بمعنى (بل) وهمزة الاستفهام.
تَحْسِبُ أو تَحْسَبُ؟ ﴿تَحْسَبُ﴾ بمعنى: تظن ﴿أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ [الفرقان ٤٤].
يعني أنهم لا يسمعون ولا يعقلون، وما المراد بالسمع؟ يقول المؤلف هنا: (سماع تَفَهُّم)، وإنما قيده بسماع التفهم؛ لأنهم يسمعون سمع إدراك، أو لا؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: يسمعون سمع إدراك لكنه لا ينفعهم؛ لأنهم لا يتفهمون، ولو أن المؤلف أبقى الآية على إطلاقها بدون تقييد لكان أولى، ويصير هنا نفى السمع لانتفاء فائدته؛ لأن ما لا يستفاد منه كالمعدوم، فهم لا يسمعون وإن كانوا يدركون ما يُقال إدراكًا حسيًّا، لكنهم لعدم انتفاعهم بهذا السماع صاروا كالذين لا يسمعون.
وقوله: ﴿أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ [الفرقان ٤٤]، يقول: (مَا تَقُول لَهُمْ)، وفي هذا نظر ظاهر، بل المراد: ﴿يَعْقِلُونَ﴾ كل ما ينفعهم؛ يعني أنه ليس عندهم عقل لا لما تقول ولا لغيره، ﴿يَعْقِلُونَ﴾ العقل هنا ليس العقل الذي هو الذكاء، وهو إدراك الأمور، فإنهم يعقلون بهذا المعنى، ولّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لكن المراد بالعقل الذي يمنع صاحبه ويعقله من أن يتصرف بما لا يليق؛ هذا العقل، العقل: ما يمنع صاحبه من التصرف بما لا يليق، هذا العقل الحقيقي، وليس العقل أن يدرك الإنسان المعقول، فإن العقل اللي معناه أن يدرك المعقول هو مناط التكليف وليس مناط المدح أو الذم، أفهمتم الآن؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: صار العقل عقلان؛ أحدهما: مناط التكليف الذي به يدرك الإنسان ويتميز عن الحيوان، والثاني: العقل اللي هو مناط المدح، هو الذي يمنع صاحبه مما لا يليق، أيهما المنفي عن الكفار؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: المنفي عن الكفار الثاني، الذي هو العقل بمعنى ما يمنع صاحبه عما لا يليق، هذا هو المنفي عن الكفار. أما الأول اللي هو إدراك المعقولات، فهذا ثابت لهم؛ ولذلك كُلِّفوا وخُوطبوا بالشرع، ولولا ذلك لَمَا كُلفوا ولَمَا وجب عليهم التزام الشرع.
هل العقل هذا الذي نفاه الله تعالى عن الكفار هل يقتضي نفي الذكاء عنهم؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، هم أذكياء يفهمون اللي ينفعهم ويفهمون الذي يضرهم، لكنه ما عقل؛ يعني ما منعهم هذا العقل عما لا يليق، فلذلك صح أن نقول: إنهم لا يعقلون، أبو جهل مثلًا عاقل ولّا غير عاقل؟
* طالب: عاقل.
* طالب آخر: على المعنى يا شيخ.
* الشيخ: إن قلت: عاقل. ما هو صحيح، إن قلت: غير عاقل. على الإطلاق ما هو صحيح.
* طالب: على مناط التكليف..
* الشيخ: إي، نقول: العقل الذي هو مناط التكليف هو عاقل -بلا شك- ومن أذكى الناس، والعقل الذي هو محط المدح الذي يمتنع الإنسان به عما لا يليق ليس عاقلًا؛ ولذلك بقي على كفره مع وضوح الأدلة والبيِّنَات على صدق ما جاء به الرسول ﷺ.
وهنا المراد بالعقل هنا الذي نفاه الله؟
* طالب: هو الذي يمنع عما لا يليق.
* الشيخ: إي، المراد به العقل الذي يمنع صاحبه عما لا يليق.
قال الله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ﴾ [الفرقان ٤٤]، هذا حصر؛ يعني: ما هم إلا كالأنعام؛ أي: مثل الأنعام، والأنعام هي البهائم، ومن المعلوم أنك لو قلت لأي إنسان: أنت بهيمة، يغضب ولّا ما يغضب؟
* طالب: يغضب.
* طالب آخر: ما يغضب.
* الشيخ: لا، إذا قلت: أنت بهيمة؟
* طالب: إي.
* الشيخ: إي، يغضب بلا شك، فالله يقول: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ﴾، ما قال: إن هم إلا أنعام؛ ﴿كَالْأَنْعَامِ﴾، والتشبيه يقتضي أن المشبه أقل من المشبه به؛ ولهذا قال: ﴿بَلْ هُمْ﴾ هذا انتقال إلى الصريح: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان ٤٤] يعني: (أَخْطَأ طَرِيقًا) من الأنعام، كيف ذلك؟
لأن الأنعام تهتدي لما ينفعها، وهؤلاء لم يهتدوا لما ينفعهم، الأنعام إذا دعاها الراعي إلى المرعى تأتي ولّا لا؟
* طالب: تأتي.
* الشيخ: تأتي، إذا دعاها إلى المحلب أتت، إذا دعاها إلى المأوى أتت، كذلك أيضًا تنفر مما يضرها ولّا لا؟ لكن هؤلاء بالعكس؛ تدعوهم الرسل عليهم الصلاة والسلام إلى ما ينفعهم وتحذرهم مما يضرهم، ومع ذلك لا يهتدون سبيلًا ولا ينقادون، فصاروا إذن أضل سبيلًا من الأنعام؛ ولهذا قال الله تعالى في آيات كثيرة، بَيَّن الله تعالى في آيات متعددة، ما هي كثيرة، أن الكفار شر البرية، شر ما برأ الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة ٦]، ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال ٥٥] يعني شر من الكلاب؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم، شر من الكلاب والخنازير، وكل ما يمكن أن تقول: من الخسة في مخلوقات الله سبحانه وتعالى التي خلقها؛ فهم شر من ذلك، ومع هذا نجد من المسلمين الآن من يكرمهم، بل من يقدمهم على المؤمنين، وهذه محنة عظيمة استطال بها أعداء الله على المسلمين بهذا السبب: أنهم رأوا أنفسهم عند كثير من المسلمين محل التبجيل والتعظيم، ففخروا بأنفسهم، بل إن أنكى من ذلك وأدهى أنهم صاروا محل التقليد عند بعض الناس؛ يعني يقلدونه.
وأنتم تعرفون أن الإنسان إذا قلد فسوف يفخر ويرى نفسه إمامًا، وهذا في الحقيقة من سوء التصرف ومن ضعف الشخصية، وإلا فالواجب أن ننزل هؤلاء الكفار منزلتهم التي أنزلهم الله تبارك وتعالى، وألا نجعل منهم قدوة، وأنهم إذا فتحوا لنا أبوابًا من الاختراعات والصناعات وغيرها، نعم نستفيد من علمهم لكن لا على أننا نظهرهم بمظهر البارز المتقدم المعظم، إي، نقول: هؤلاء مثل ما تهتدي الشاة إلى العلق الجيد وتأكله، هم اهتدوا إلى هذه الصناعة وعملهم الله محنة لهم ولغيرهم، لكن كوننا نقدمهم ونجعلهم محل إعزاز وإكرام هذا خطأ.
﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان ٤٤]، وبين المؤلف قال: (لأنها تنقاد لمن يتعهدها وهم لا يطيعون مولاهم المنعم عليهم).
في الليلة الماضية كنا نقرأ في قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة ٢٩]، فإذا قال هؤلاء الكتابيون: نحن ندين دين الحق؛ لأننا نتبع رسولًا، والله قَيَّد: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، فهم يقولون: نحن نؤمن بالله واليوم الآخر، ونحرِّم ما حرم الله ورسوله وندين دين الحق؛ لأننا على دين رسل.
* طالب: كيف دين الحق، ودين الحق هو الإسلام؟
* الشيخ: ويش الدليل؟
* الطالب: لأن من صدق رسالة موسى وعيسى فلا بد أن يتبع الإسلام؛ لأنه جاء عيسى مبشرًا برسالة محمد ﷺ، فيلزم من اتباعهم للرسل..
* الشيخ: عيسى وموسى.
* الطالب: وموسى كذلك، يلزم منه..
* الشيخ: ﴿النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف ١٥٧]، نعم.
* الطالب: فيلزم أنهم لا بد أن يتفقوا؛ يعني يتبع الرسول ﷺ.
* الشيخ: هذا من باب اللازم، لكن فيه أشياء أصرح من هذا، نعم؟
* طالب: نقول إنه مر علينا أنه من كذب برسول واحد فقد كذب بجميع الرسل.
* الشيخ: (...).
* الطالب: وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران ٨٥].
* الشيخ: يعني الحمد لله من نص الآيات سياق الآيات هذه بينت ما هو دين الحق، سياق الآيات: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ [التوبة ٣٠ - ٣٣].
فنقول: دين الحق ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، فإذن اليهودي الكتابي إذا بقي على دين، وإن كان دينه حقًّا حينما كان هو الثابت، لكنه الآن ليس بحق، ليس بدين حق؛ لأن دين الحق ما جاء به محمد ﷺ، فيكون في آخر الآيات ما يدل على أن هؤلاء وإن زعموا أنهم على شريعة وعلى دين فإن دينهم ليس دين حق بعد أن جاء به الرسول ﷺ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾.
وهذا نظير ما يحتج به هؤلاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البينة ٦]، فهو يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾، وهم يقولون: نحن ما كفرنا، نؤمن، فيجعلون ﴿مِنْ﴾ للتبعيض لا لبيان الجنس، ونحن نقول: إن ﴿مِنْ﴾ لبيان الجنس، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أهل الكتاب والمشركين؛ هذا بيان لـ﴿الَّذِينَ﴾، بيان لاسم الموصول اللي هو: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾.
فالحاصل أنه فيه آيات من القرآن كما أسلفنا أمس، آيات مشتبهات يتبعها من؟ ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ [آل عمران ٧]، ولكنِ المؤمنون يردونها إلى المحكم فتكون كلها محكمة.
نعم؟
* طالب: (...) في قوله تعالى: ﴿يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة ٣٠]، فإذن (...) للكفار الأولين؟
* الشيخ: إي، في قولهم: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة ٣٠] إي نعم، لكن إذا (...) نقول: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة ٦٨]، هل (...) صريحة يا شيخ؟
* الشيخ: ما هي بصريحة.
* الطالب: ما هي بصريحة؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: فيها (...)؟
* الشيخ: (...).
* الطالب: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾.
* الشيخ: إي، هم يقولون: نحن أقمنا التوراة والإنجيل.
* الطالب: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، والعطف يقتضي المغايرة.
* الشيخ: ما يخالف، نقول: ما أنزل إلينا من ربنا من غير التوراة والإنجيل؛ لأن الرسل جاءوا بأمر غير التوراة والإنجيل.
* الطالب: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾.
* الشيخ: ﴿كَثِيرًا مِنْهُمْ﴾، نقول: ما هم بالكثيرين.
* الطالب: يا شيخ (...)؟
* الشيخ: إي، ما هي بصريحة، لكن فيه آيات صريحة والحمد لله، واضحة جدًّا، وهذا هو اللي أوجب، أنا قرأت وقلت: إني قرأت في مقال لامرأة (...)، والظاهر أنها هي نُسِب لأنثى، ولكنه لمؤنث ما هو لأنثى، تقول: ليش أنكم تسوون ها الضجة العظيمة لتوريد المربيات؟ وأيش السبب؟ إنه دين تقر به، تقول كذا تخاطب المسلم: دين تقر به، كيف تنكر على من قام به؟ وكيف تنكر على المرأة النصرانية اللي تيجي عندك البيت تقيم شعائر دينها؟ هذا ما هو منكر؛ لأن إحنا عندهم هناك في بلادهم نقيم ديننا، حتى إنهم -تقول كذا- حتى إنهم يقدمون لنا وجبة الإفطار في الصوم، فهم يساعدوننا على ديننا، وإحنا الآن ننكر دينهم؟ ونقول: ليش نجيب مربيات ونفتعل ها الضجة؟ مع أنه ما صار ضجة مع الأسف، (...) نعم.
هذا في الحقيقة مما يهون عليهم مسألة النصارى واليهود؛ أنه يوجد في بعض الآيات أشياء مشتبهة يتبعها مثل هؤلاء الذين أزاغ الله قلوبهم والعياذ بالله، وإلا لو عقلوا لفهموا خطر النصارى في البلاد هذه بالذات؛ لأن هذه البلاد بالذات مغزوة من أعداء المسلمين، حيث إنه لم يبق فيما نعلم أحد من بلاد الإسلام يطبق من الإسلام ما تطبقه هذه البلاد، فهي مغزوة من ناحيتين:
من ناحية التزامها بالإسلام التزامًا فائقًا على غيرها، هذه واحدة، ومن ناحية أخرى أنها هي مهبط الوحي ومنبع الرسالة، وإذا قضي على الرسالة في مهدها ومنبعها فالأطراف من باب أولى، على أن الأطراف قد أكلت الآن فما بقي إلا هذا الصلب، فركزوا جهودهم على هذه البلاد.
ولكن مع الأسف أن كثيرًا منا لا يعي خطر هذا الأمر، وهم في غفلة، وما همهم إلا الدنيا؛ ولذلك يريدون أن يحصلوا عليها بأي وسيلة، والواجب علينا الحذر من هؤلاء الأعداء، وأن نعلم أنهم مهما حصل منهم من نصح -كما يقولون- وإخلاص في العمل فما ذلك إلا شبكة يصطادون بها من لا يفهمون.
على أنه في الحقيقة مهما بلغوا من النصح –إن صح ذلك– فإن الله تعالى يقول: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ [البقرة ٢٢١]، ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة ٢٢١]، والآية تقول: ﴿مُؤْمِنٌ﴾ أيضًا و﴿مُؤْمِنَةٌ﴾ لاحظوها، لا مسلم ومسلمة؛ لأن من المسلمين من لا خير فيه، لكن الكلام على المؤمن؛ ولهذا ينبغي للإنسان في مربيات أولاده وفي خدمه أن يكونوا مؤمنين، وأن يحذر من هؤلاء الأعداء.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: والله بالنظر إلى مفاسده، أما في الأصل يجوز استخدام الكافر، لكن بالنظر إلى مفاسده وأن هذه البلاد خالية منهم فإننا نميل إلى أن منعهم أولى؛ لأنك تعرف أن الثوب الوسخ ما يهمه أن يتوسخ، لكن الثوب النظيف أي وسخ يدمره، فبلادنا لما كانت خالية منهم فهي أطهر، وكما تعرفون في حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها «أن الرسول عليه الصلاة والسلام استيقظ ذات ليلة فزعًا محمرًّا وجهه يقول: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذِهِ»، قالت: يَا رَسُولَ اللَّه أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قال: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٤٦)، ومسلم (٢٨٨٠ / ١).]]. ومن هم الخبث؟ الكفار ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة ٢٨]، فالكفار هم الخبث، وإن كان الحديث قد يُراد به ما هو أعم من ذلك، لكن «فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ» يدل على ما أشرنا إليه، وهو كثرة غير المسلمين في المسلمين، إنما قد يُراد بالخبث كل المعاصي، فالمعاصي كلها خبث، والطاعات طهر، لكن لعل الحديث يشمل هذا وهذا، ويؤيد الأول فتح ردم يأجوج ومأجوج، إي نعم.
* طالب: ما فيه أي (...)؟
* الشيخ: وأيش هي؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: (...) ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [المائدة ٦٩]؟
* الشيخ: نعم، نقول: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾، الذين يكذبون بالرسول ليسوا بمؤمنين.
* الطالب: ما ذُكر بها تكذيب للرسول ﷺ.
* الشيخ: لا، معروفة.
* الطالب: يعني في نفس الآية؟
* الشيخ: إي، لكن معروف..
* الطالب: (...) على طريقة الرسل؟
* الشيخ: إي نعم، أصلًا كلما جاء نبي وكذبوه صاروا كافرين بنبيهم، إي.
* الطالب: ما (...)؟
* الشيخ: معطوف على (...)؟
* الطالب: إي ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾.
* الشيخ: كذا ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ مرفوعة.
* الطالب: مرفوعة في سورة المائدة فقط.
* الشيخ: إي.
* الطالب: في الآيات الأخرى، في السور الأخرى لا..
* الشيخ: مرفوعة، وهي معطوفة على منصوب.
* الطالب: إي.
* الشيخ: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء ١٦٢]، هذا عكس الآيات اللي أنت قلت، منصوب بين مرفوعات، وهذه مرفوع بين منصوبات.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: وأيش تقولون في الإعراب؟
* الطالب: مرفوع (...).
* طالب آخر: الفاعل محذوف (...).
* الشيخ: نعم ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ انتهينا؛ يعني أعربها الأستاذ ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ وأقص أو وأمدح المقيمين للصلاة.
إذا قال قائل: ما هي الحكمة في قطع العطف إلى هذا التقدير؟ نقول؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، العناية بالصلاة يعني؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: وشيء آخر، هذه فائدة معنوية، وفيه أيضًا فائدة لفظية؟
* طالب: التنبيه، تنبيه المخاطب.
* الشيخ: إي نعم، التنبيه؛ لأن تغير الأسلوب يوجب الانتباه، لو قرينها كلها على نسق واحد مشينا، لكن (...) فيكون في هذا التنبيه.
عندنا الآيات اللي ذكر الأخ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إلى آخره [المائدة: ٦٩]، نعم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، لكن الكلام على أن (...) قطع؟
* طالب: خبر (...).
* الشيخ: لا، خبر؟! الواو حرف عطف.
* طالب: ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ الخبر.
* الشيخ: (...) ﴿وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى﴾، يجوز أن ﴿وَالنَّصَارَى﴾ مرفوعة أيضًا، يمكن تكون مرفوعة.
* الطالب: ويجوز نصبها.
* الشيخ: ويمكن أن تكون منصوبة، لكنها ما يتعين أن تكون منصوبة، فتكون الواو هنا للاستئناف، ﴿وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى﴾ كذلك، هذا التقدير: ﴿وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى﴾، نعم، ويكون هذه جملة مستأنفة بين جملتين، أو نقول: ﴿وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ هو الخبر، وحذف الخبر من الجملة الأولى.
* طالب: شيخ، في سورة الحج: ﴿وَالْمَجُوسَ﴾ [الحج ١٧]، يدل على أنهم من أهل الكتاب (...).
* الشيخ: ﴿وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [الحج ١٧]، أهل الكتاب بعد؟ لأنه فرَّق، هنا يقول: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [المائدة ٦٩]، وفي اليهود والنصارى مؤمنون بالله واليوم الآخر، وهناك ما ذكر جزاءهم الجنة مثلًا، ذكر أن الله يفصل بينهم، والفصل الكامل للمؤمنين والمشركين والمجوس وغيرهم، واضح؟ ففَرَّق بين الآيتين، إي نعم.
* طالب: شيخ.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: العرب لأنهم في الحقيقة (...)، نعم؟ لماذا خص العرب؟ أفلا يكون في ذلك أيضًا تأييد للقومية (...).
{"ayahs_start":35,"ayahs":["وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥۤ أَخَاهُ هَـٰرُونَ وَزِیرࣰا","فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَاۤ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا فَدَمَّرۡنَـٰهُمۡ تَدۡمِیرࣰا","وَقَوۡمَ نُوحࣲ لَّمَّا كَذَّبُوا۟ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَایَةࣰۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا","وَعَادࣰا وَثَمُودَا۟ وَأَصۡحَـٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَیۡنَ ذَ ٰلِكَ كَثِیرࣰا","وَكُلࣰّا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَۖ وَكُلࣰّا تَبَّرۡنَا تَتۡبِیرࣰا","وَلَقَدۡ أَتَوۡا۟ عَلَى ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلَّتِیۤ أُمۡطِرَتۡ مَطَرَ ٱلسَّوۡءِۚ أَفَلَمۡ یَكُونُوا۟ یَرَوۡنَهَاۚ بَلۡ كَانُوا۟ لَا یَرۡجُونَ نُشُورࣰا","وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن یَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا ٱلَّذِی بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا","إِن كَادَ لَیُضِلُّنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا لَوۡلَاۤ أَن صَبَرۡنَا عَلَیۡهَاۚ وَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ حِینَ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ مَنۡ أَضَلُّ سَبِیلًا","أَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَیۡهِ وَكِیلًا","أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَسۡمَعُونَ أَوۡ یَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِیلًا"],"ayah":"وَقَوۡمَ نُوحࣲ لَّمَّا كَذَّبُوا۟ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَایَةࣰۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق