الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (٣٧) ﴾ يقول تعالى ذكره: وقوم نوح لما كذبوا رسلنا، وردّوا عليهم ما جاءوهم به من الحقّ، أغرقناهم بالطوفان ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾ يقول: وجعلنا تغريقنا إياهم وإهلاكنا عظة وعبرة للناس يعتبرون بها ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ يقول: وأعددنا لهم من الكافرين بالله في الآخرة عذابا أليما، سوى الذي حلّ بهم من عاجل العذاب في الدنيا. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (٣٨) وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (٣٩) ﴾ يقول تعالى ذكره: ودمرنا أيضا عادا وثمود وأصحاب الرسّ. واختلف أهل التأويل في أصحاب الرسّ، فقال بعضهم: أصحاب الرسّ من ثمود. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ قال: قرية من ثمود. وقال آخرون: بل هي قرية من اليمامة يقال لها الفلْج [[في تاج العروس: وقيل (فلج) : بلد. ومنه قيل لطريق مأخذه من البصرة إلى اليمامة: طريق بطن فلج. اهـ.]] . * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا جرير بن حازم، قال: قال قتادة: الرسّ: قرية من اليمامة يقال لها الفلج. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قال عكرمة: أصحاب الرسّ بفلج هم أصحاب يس. وقال آخرون: هم قوم رسوا نبيهم في بئر. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي بكر، عن عكرمة، قال: كان الرسّ بئرا رسُّوا فيها نبيهم. وقال آخرون: هي بئر كانت تسمى الرسّ. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ قال: هي بئر كانت تسمى الرّسّ. ⁕ حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى عن مجاهد في قوله: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ قال: الرّسّ بئر كان عليها قوم. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، قول من قال: هم قوم كانوا على بئر، وذلك أن الرّسّ في كلام العرب: كلّ محفور مثل البئر والقبر ونحو ذلك؛ ومنه قول الشاعر: سَبَقْتَ إلى فَرطٍ باهِلٍ ... تنابِلَةٍ يَحْفِرُونَ الرِّساسا [[البيت للنابغة الجعدي (اللسان: رسس) . والفرط بالتحريك: القوم يتقدمون إلى الماء قبل الورود، فيهيئون لهم الأرسال والدلاء، ويملئون الحياض، ويستقون لهم (عن اللسان) . والباهل: المتردد بلا عمل. والتنابلة جمع تنبل، بوزن جَعْفَر، وهو الرجل القصير. ولعله كناية عن البطء والعجز عن العمل. والرساس جمع رس، وهي البئر القديمة أو المعدن (المنجم تستخرج منه المعادن كالحديد ونحوه) . استشهد به المؤلف على أن كل محفور مثل البئر والقبر والمعدن فهو رس عند العرب.]] يريد أنهم يحفِرون المعادن، ولا أعلم قوما كانت لهم قصة بسبب حفرة، ذكرهم الله في كتابه إلا أصحاب الأخدود، فإن يكونوا هم المعنيين بقوله: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ فإنا سنذكر خبرهم إن شاء الله إذا انتهينا إلى سورة البروج، وإن يكونوا غيرهم فلا نعرف لهم خبرا، إلا ما جاء من جملة الخبر عنهم أنهم قوم رَسوا نبيهم في حفرة. إلا ما:- ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله ﷺ: " إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يَدخُلُ الجَنَّةَ يَوْمَ القِيَامَةِ الْعَبْدُ الأسْوَدُ". وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن مِنْ أهلها أحد إلا ذلك الأسود، ثم إن أهل القرية عدوا على النبيّ عليه السلام، فحفروا له بئرا فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، قال: وكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، فيشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي به إلى ذلك البئر، فيرفع تلك الصخرة، فيعينه الله عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يعيدها كما كانت، قال: فكان كذلك ما شاء الله أن يكون. ثم إنه ذهب يوما يحتطب، كما كان يصنع، فجمع حطبه، وحزم حزمته وفرغ منها؛ فلما أراد أن يحتملها وجد سِنة، فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما. ثم إنه هبّ فتمطى، فتحوّل لشقة الآخر، فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى. ثم إنه هبّ فاحتمل حزمته، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده، وقد كان بدا لقومه فيه بداء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدّقوه، قال: فكان النبي عليه السلام يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون: ما ندري، حتى قبض الله النبيّ، فأهبّ الله الأسود من نومته بعد ذلك، فقال رسول الله ﷺ: "إِنَّ ذَلكَ الأسْودَ لأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ" غير أن هؤلاء في هذا الخبر يذكر محمد بن كعب عن النبيّ ﷺ أنهم آمنوا بنبيهم واستخرجوه من حفرته، فلا ينبغي أن يكونوا المعنيين بقوله: ﴿وَأَصْحَابَ الرَّسِّ﴾ لأن الله أخبر عن أصحاب الرّسّ أنه دمرهم تدميرا، إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم الذي استخرجوه من الحفرة وآمنوا به، فيكون ذلك وجها ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ يقول: ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سمَّيناها لكم أمما كثيرة. كما:- ⁕ حدثنا الحسن بن شبيب، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن جعفر بن عليّ بن أبي رافع مولى رسول الله ﷺ قال: خلفت بالمدينة عمي ممن يفتي على أن القرن سبعون سنة، وكان عمه عبيد الله بن أبي رافع كاتب عليّ رضي الله عنه. ⁕ حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن الحكم، عن إبراهيم قال: القرن أربعون سنة. * * * وقوله: ﴿وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ﴾ يقول تعالى ذكره: وكل هذه الأمم التي أهلكناها التي سميناها لكم أو لم نسمها ضربنا له الأمثال يقول: مثلنا له الأمثال ونبهناها على حججنا عليها، وأعذرنا إليها بالعبر والمواعظ، فلم نهلك أمة إلا بعد الإبلاغ إليهم في المعذرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ﴿وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ﴾ قال: كلّ قد أعذر الله إليه، ثم انتقم منه. * * * وقوله: ﴿وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ يقول تعالى ذكره: وكل هؤلاء الذين ذكرنا لكم أمرهم استأصلناهم، فدمرناهم بالعذاب إبادة، وأهلكناهم جميعا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: ﴿وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ قال: تبر الله كلا بعذاب تتبيرا. ⁕ حدثنا أبو كريب قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير ﴿وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ قال: تتبير بالنبطية. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قوله: ﴿وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ قال: بالعذاب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب