الباحث القرآني
قوله تعالى ذكره: ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ﴾، إلى قوله: ﴿وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً﴾.
أي: ليس يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون بمثل يضربونه لك، ليحتجوا به عليك إلا جئناك من الحق أي: من القرآن بما يُبْطِلُ ما جاءوا به. ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾، أي: أحسن تفصيلاً.
* * *
ثم قال: ﴿ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ﴾، أي: الذين يساقون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم شر مستقراً في الدنيا والآخرة، من أهل الجنة في الجنة، وأضل منهم طريقاً في الدنيا.
قال مجاهد: الذي أمشاهم على أرجلهم، قادر أن يمشيهم على وجوههم إلى جهنم.
وروى أنس: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه [وسلم]،: كيف يا رسول الله: يحشر الكافر على وجهه فقال: الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه
قال أبو هريرة: يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف. صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم. فقيل له: كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم.
وقيل: إن هذا تمثيل. كما تقول: ستمضي على وجهك أي: كارهاً.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ﴾، الآية، أي: آتينا موسى التوراة. كما آتيناك يا محمد القرآن ﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً﴾ أي: معيناً وظهيراً ﴿فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ يعني فرعون وقومه ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً﴾ أي: أهلكناهم. وفي الكلام حذف والتقدير: فذهبا فكذبوهما، فدمرناهم، فدخول الفاء تدل على هذا الحذف.
وقال الفراء: المأمور بالذهاب في المعنى موسى وحده، بمنزلة قوله تعالى: ﴿فَنَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] والناسي يوشع وحده. وبمنزلة ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرجان من الملح. وهذا قول مردود لأنه قد كرر في كثير من الآيات إرسال هارون مع موسى إلى فرعون، فلا يحتاج فيه إلى هذا المجاز.
والوقف ﴿بِآيَاتِنَا﴾، وقرئت ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً﴾، على الخبر عن موسى وهارون. وقرئت ﴿فدمِّرانِهم﴾، على الأمر لموسى وهارون بتشديد النون، فلا يحتاج في هاتين القراءتين إلى إضمار ولا حذف، وهما قراءتان شاذتان، والوقف على هاتين القراءتين ﴿تَدْمِيراً﴾.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ﴾، أي: واذكر قوم نوح.
وقيل: هو معطوف على المفعول في ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ﴾.
وقيل: التقدير: وأغرقنا قوم نوح، لما كذبوا الرسل أغرقناهم وهذا حسن. والمعنى: وأغرقنا قوم نوح من قبل قوم فرعون لما كذبوا الرسل ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾.
* * *
وقوله: ﴿لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ﴾، قيل: إنهم كذبوا رسلاً قبل نوح فلذلك جمع.
وقيل: إن من كذَّب نبياً، فقد كذب جميع الأنبياء. فجمع على المعنى.
* * *
ثم قال ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾، أي: لهم ولمن هو مثلهم في الظلم والكفر ﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾، في الآخرة سوى الذي حل بهم في الدنيا.
* * *
ثم قال: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ﴾، كل هذا معطوف على قوم نوح أي: واذكر.
وقيل: ذلك معطوف على الضمير في ﴿جَعَلْنَاهُمْ﴾.
وقيل: التقدير: وأعتدنا للظالمين عذاباً أليماً، وعذبنا عاداً وثموداً.
* * *
وقوله: ﴿وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً﴾، أي: وتبرنا كلاً، أي: أهلكنا كلاً وقوله: ﴿وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ﴾، أي: وذكرنا كلاً، ووعظنا كلاً ﴿ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ﴾، فتضمر هذا ونحوه، لأن ضرب الأمثال وعظ وتذكير. وقيل: وعاداً وما بعده معطوف على المفعول في ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ﴾، أي: دمرنا عاداً وثموداً وأصحاب الرس.
قال ابن عباس: أصحاب الرس قرية من ثمود.
وقال قتادة الرس: قرية من اليمامة يقال لها الفلج.
وعن ابن عباس وعكرمة: الرس: بئر. وقاله مجاهد.
قال أبو عبيدة الرس: المعدن، وصاحب الرس: نبي يقال له: حنظلة بن صفوان: قتلوه وطرحوه في البئر.
والرس عند جماعة من أهل اللغة: الركية التي لم تصلو.
وروى محمد بن كعب القرظي أن النبي ﷺ قال: إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة: العبد الأسود وذلك أن الله جل ذكره: بعث نبياً إلى أهل قريته، فلم يؤمن أحد من أهلها إلا ذلك الأسود، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً وألقوه فيها. ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، قال: فكان ذلك العبد الأسود يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه، فيبيعه فيشتري به طعاماً وشراباً، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة، ويعينه الله تعالى عليها، فيدلي طعامه وشرابه إليه، ثم يرجعها كما كانت، فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ثم ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع فجمع حطبه، وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحتملها، وجد سِنَةً فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما ثم إنه هب فتمطى فتحول لشقه الآخر، فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه هب فاحتمل حزمته، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع، ثم ذهب إلى الحفرة فالتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه، فاستخرجوه، وآمنوا به وصدقوه، فكان النبي ﷺ يسألهم عن ذلك الأسود، ما فعل فيقولون ما ندري حتى قبض الله النبي، وأتى الأسود بعد ذلك، قال النبي ﷺ، إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة فهؤلاء لا ينبغي أن يكونوا أصحاب الرس لأنهم آمنوا، وقد حكى الله عن أصحاب الرس أنه دمرهم، إلا أن يكونوا أحدثوا حدثاً بعد نبيهم.
* * *
وقوله: ﴿وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً﴾، أي: ودمرنا قروناً بين أضعاف هذه الأمم التي ذكرنا.
وقال: قتادة أصحاب الأيكة وأصحاب الرس أمتان أرسل إليهما جميعاً شعيب، فكفرتا فعذبتا بعذابين.
قال قتادة: القرن سبعون سنة.
وقيل: القرن أربعون سنة.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["وَلَا یَأۡتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَأَحۡسَنَ تَفۡسِیرًا","ٱلَّذِینَ یُحۡشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ شَرࣱّ مَّكَانࣰا وَأَضَلُّ سَبِیلࣰا","وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ وَجَعَلۡنَا مَعَهُۥۤ أَخَاهُ هَـٰرُونَ وَزِیرࣰا","فَقُلۡنَا ٱذۡهَبَاۤ إِلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا فَدَمَّرۡنَـٰهُمۡ تَدۡمِیرࣰا","وَقَوۡمَ نُوحࣲ لَّمَّا كَذَّبُوا۟ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَایَةࣰۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا","وَعَادࣰا وَثَمُودَا۟ وَأَصۡحَـٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَیۡنَ ذَ ٰلِكَ كَثِیرࣰا","وَكُلࣰّا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَۖ وَكُلࣰّا تَبَّرۡنَا تَتۡبِیرࣰا"],"ayah":"وَقَوۡمَ نُوحࣲ لَّمَّا كَذَّبُوا۟ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَایَةࣰۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِینَ عَذَابًا أَلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق