الباحث القرآني

﴿وقَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أغْرَقْناهم وجَعَلْناهم لِلنّاسِ آيَةً وأعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ عَذابًا ألِيمًا﴾ . عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ (﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ﴾ [الفرقان: ٣٥]) بِاعْتِبارِ أنَّ المَقْصُودَ وصْفُ قَوْمِهِ بِالتَّكْذِيبِ والإخْبارُ بِالتَّدْمِيرِ. وانْتَصَبَ (قَوْمَ نُوحٍ) بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ (أغْرَقْناهم) عَلى طَرِيقَةِ الِاشْتِغالِ. ولا يَضُرُّ الفَصْلُ بِكَلِمَةِ (لَمّا)؛ لِأنَّها كالظَّرْفِ، وجَوابُها مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مُفَسِّرُ الفِعْلِ المَحْذُوفِ. وفي هَذا النَّظْمِ اهْتِمامٌ بِقَوْمِ نُوحٍ؛ لِأنَّ حالَهم هو مَحَلُّ العِبْرَةِ فَقَدَّمَ ذَكْرَهم ثُمَّ أكَّدَ بِضَمِيرِهِمْ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (قَوْمَ نُوحٍ) عَطْفًا عَلى ضَمِيرِ النَّصْبِ في قَوْلِهِ: (فَدَمَّرْناهم) أيْ ودَمَّرْنا قَوْمَ نُوحٍ، وتَكُونُ جُمْلَةُ (﴿لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أغْرَقْناهُمْ﴾) مُبَيِّنَةً لِجُمْلَةِ (دَمَّرْناهم) . والآيَةُ: الدَّلِيلُ، أيْ: جَعَلْناهم دَلِيلًا عَلى مَصِيرِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَهم. وجَعْلُهم آيَةً: هو تَواتُرُ خَبَرِهِمْ بِالغَرَقِ آيَةٌ. وجُعِلَ قَوْمُ نُوحٍ مُكَذِّبِينَ الرُّسُلَ مَعَ أنَّهم كَذَّبُوا رَسُولًا واحِدًا؛ لِأنَّهُمُ اسْتَنَدُوا في تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهم إلى إحالَةِ أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ بَشَرًا؛ لِأنَّهم قالُوا (p-٢٧)(﴿ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم يُرِيدُ أنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكم ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَأنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهَذا في آبائِنا الأوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٤]) فَكانَ تَكْذِيبُهم مُسْتَلْزِمًا تَكْذِيبَ عُمُومِ الرُّسُلِ، ولِأنَّهم أوَّلُ مَن كَذَّبَ رَسُولَهم، فَكانُوا قُدْوَةً لِلْمُكَذِّبِينَ مِن بَعْدِهِمْ. وقِصَّةُ قَوْمِ نُوحٍ تَقَدَّمَتْ في سُورَةِ الأعْرافِ وسُورَةِ هُودٍ. وجُمْلَةُ (﴿وأعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ عَذابًا ألِيمًا﴾) عَطْفٌ عَلى (أغْرَقْناهم) . والمَعْنى: عَذَّبْناهم في الدُّنْيا بِالغَرَقِ وأعْتَدْنا لَهم عَذابًا ألِيمًا في الآخِرَةِ. ووَقَعَ الإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ فَقِيلَ (لِلظّالِمِينَ) عِوَضًا عَنْ: أعْتَدْنا لَهم، لِإفادَةِ أنَّ عَذابَهم جَزاءٌ عَلى ظُلْمِهِمْ بِالشِّرْكِ وتَكْذِيبِ الرَّسُولِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب