الباحث القرآني
قال الله تعالى: (﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾: كفر، ﴿أَمِ ارْتَابُوا﴾ أي: شكوا في نبوته، ﴿أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُه﴾ في الحكم أي يظلموا فيه، لا، ﴿بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالِمُونَ﴾ [النور 50] بالإعراض عنه)، يقول الله عز وجل مُبَيِّنًا حال هؤلاء الذين يَرُدُّون ما حكم الله به ورسوله بأنهم لا يَخْلُون من هذه الأحوال الثلاثة:
﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، والمرض هو علَّة تصيب الصحيح فيخرج عن الاعتدال، هذا المرض، وهذا التعريف للمرض يشمل المرض الجسمي والمرض القلبي؛ فالمرض الجسمي في الحقيقة علة تصيبه فيخرج عن الاعتدال، كذلك المرض القلبي علة تصيب القلب فتُخْرِجه عن الاعتدال حتى ينحرف ولا يقبل الحق، فما هو المرض المشار إليه هنا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، المؤلف فسَّره بالكفر، والذي يظهر لي -والله أعلم- أن المراد به الإرادة السيئة، بدليل التقسيم، سواء كان كفرًا ولَّا نفاقًا ولَّا غير ذلك، المهم المرض الإرادة السيئة التي تصرفهم عن قبول الحق.
﴿أَمِ ارْتَابُوا﴾، هذا الشك، وهو مرض الشُّبْهة؛ لأنه مر علينا كثيرًا أن أسباب الانحراف عن الحق إما شبهة وإما شهوة، يعني إما أن الإنسان يشتهي أمرًا مخالفًا للشرع فيتبعه، وإما أن يكون عنده شبهة في هذا الحق فيمتنع منه.
فنقول هنا: ينبغي أن يفسَّر المرض بأي شيء؟ بالإرادة السيئة التي هي الشهوة، أي: اشتهاء ما يخالف الشرع.
(﴿أَمِ ارْتَابُوا﴾ أي شَكُّوا)، هذا مرض الشبهة الذي يعرض للإنسان حتى لا يتبين له الحق، نضرب مثلًا لذلك؛ رجل أُمِرَ بأمر من الأمور، أُمِرَ أن يصلي، ولكنه قَدَّمَ أمرًا دنيويًّا على صلاته، ويش الذي في قلبه من الأمراض؟ مرض الشهوة.
وآخر أُمِرَ أن يصلي لكنه شك في فائدة الصلاة، أو شك في وجودها، أو ما أشبه ذلك، هذا فيه مرض الشبهة.
فالآن اللي معنا ﴿مَرَضٌ﴾ أي: إرادة سيئة، ﴿أَمِ ارْتَابُوا﴾ هذا الشك -والعياذ بالله-.
الأمر الثالث: ﴿أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾، يعني: ما عندهم إرادة سيئة، ولا عندهم شك في حكم الله ورسوله، لكن عندهم شك آخر، ويش هو؟ في عدالة الله ورسوله، ولهذا هم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله، فيخشون من الميل والْجَوْر.
وفي الحقيقة أن الميل والْجَوْر عندهم هم، ليس في حكم الله ورسوله، بل إن حكم الله ورسوله على الحق والعدل، ولكن الْجَوْر في ميزانهم هم؛ لأنهم هم الذين حادوا عما يجب أن يكونوا عليه من الامتثال والطاعة.
﴿أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾، قال الله تعالى: ﴿بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، ﴿بَلْ﴾ هذه للإضراب، ولكن ما رأيكم في هذا الإضراب؟ هل هو إضراب إبطال، أو إضراب انتقال؟ المؤلِّف ويش يراه؟
قال: (لا)، ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ (لا)، ثم قال: ﴿بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالِمُونَ﴾ في القرآن، فموجَب كلام المؤلف أن الإضراب هنا للإبطال، ولذلك قَدَّر (لا) بعد الاحتمالات الثلاثة السابقة.
وعندي أن الإضراب هنا ليس للإبطال، وإنما هو للانتقال؛ لأن حقيقة الأمر أن الذي لا يقبل حكم الله ورسوله لا يخرج عن هذه الأمور الثلاثة؛ إما أن عنده إرادة سيئة، ولَّا عنده شك، ولَّا خوف، ما نتصور أمرًا رابعًا يرد على هذه الاحتمالات الثلاثة.
ثم إن وصفهم بالظلم لا يخرج عن هذه الاحتمالات الثلاثة أيضًا، فمَن في قلبه مرض فهو ظالم، ومن في قلبه شبهة فهو ظالم، ومن خاف أن يحيف الله عليه ورسوله فهو ظالم.
إذن فالمسألة من باب الإضراب الانتقالي، وليس من باب الإضراب الإبطالي.
كلمة ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾، (أم) في هذه المواضع هل هي للتسوية التي بمعنى (أو)، أو للإضراب الذي بمعنى (بل)؟
* طالب: تحتمل.
* الشيخ: تحتمل؟ كيف الاحتمال؟
* الطالب: أو تكون (...).
* الشيخ: يعني هل إن هذه بمعنى (بل) ولَّا بمعنى (أو)؟
مر علينا فيما سبق أن التي بمعنى (أو) هي التي تأتي بعد همزة التسوية، مثل: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [البقرة ٦]، ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون ٦]، هذه هي التي بمعنى (أو)، ويسمونها متصلة، وأما التي تأتي بمعنى (بل) فهي التي لا يسبقها همزة التسوية، وتسمى منقطعة.
وعلى هذا فـ﴿أَمْ﴾ في قوله: ﴿أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ﴾ هذه منقطعة بمعنى (بل)، وهي وردت كثيرًا في آخر سورة الطور: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ﴾ أيش بعدها، ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ إلى آخره [الطور: ٣٠، ٣٣]، كثيرة في آخر سورة الطور، منقطعة بمعنى (بل)، وهمزة الاستفهام.
فهي هنا منقطعة وليست متصلة؛ لأن المتصلة هي التي تأتي بعد همزة التسوية، وتكون بمعنى (أو)، وأما المنقطعة فهي التي لا تأتي بعد همزة التسوية وتكون بمعنى (بل).
قوله: ﴿بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالِمُونَ﴾، هنا سجَّل عليهم الظلم، وأكَّدَه بنوعين من التأكيد، ما هما؟
* طالب: هم.
* الشيخ: نعم.
* طالب: ضمير الفصل.
* الشيخ: بضمير الفصل، وبكون الجملة اسمية معرَّفة الطرفين؛ لأن الجملة إذا كانت اسمية معرَّفة الطرفين فإنها تفيد الحصر، هنا (أولاء) مبتدأ، وهو معرِفة؛ لأنه اسم إشارة، ﴿الظالِمُونَ﴾ خبر، وهو معرفة؛ لأنه محلًّى بـ (أل)، وعلى هذا فأكَّد الله ظُلْمَهم بنوعين من التأكيد هما: كون الجملة اسمية معرَّفة الطرفين، والثاني ضمير الفصل، وفوائد ضمير الفصل الذي يَرِد كثيرًا في القرآن وفي غير القرآن ويش فوائده؟
* طالب: (...).
* الشيخ: اصبر، علشان التوكيد يجب أن نكون كلنا مستحضِرين؛ لأن أنا قلت لكم الآن في التقرير: إن هذه الجملة مؤكَّدة بنوعين من التأكيد، أحدهما: ضمير الفصل، والثاني: أنها جملة اسمية معرَّفة الطرفين، كان يعني المفروض إن كلنا نعرف هذه، ما يحتاج، هذه واحدة.
* طالب: (...).
* الشيخ: أتوا إليه مذعنين يعني: منقادين مطيعين، فصاروا إنما يتبعون أهواءهم فقط، بيَّن حال المؤمنين، فقال: ﴿إِنمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾.
أولًا: في إعراب قوله: ﴿قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿إِنمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإنه منصوب، والمعروف أن (كان) ترفع الاسم وتنصب الخبر، وهنا الذي يليها منصوب، وجوابه أن هذا هو خبرها مُقَدَّمًا ﴿قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ خبرها مقدَّمًا، واسمها المصدر الْمُنْسَبِك من (أن) والفعل في قوله: ﴿أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، يعني: ما كان قولهم إلا هذا القول: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾.
وقوله: ﴿إِنمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ﴾، يعني ﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ﴾: إلى كتابه، وإلى رسوله؛ إليه شخصيًّا في حياته، وإلى سنته بعد وفاته، ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾، يقال فيه ما سبق في الآية نظيرها في الدرس الماضي.
﴿ليحكم﴾ الضمير يعود على مَن؟ على الرسول ﷺ، وإنما أُسْنِدَ الحكم إليه؛ لأن حكمه تبليغ عن الله عز وجل، فيكون حكمه منتظِمًا لحكم الله أيضًا؛ إذ هو المبلِّغ عن الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ يشمل ما تنازعوا فيه من الخصومات، وما اختلفوا فيه من الأحكام؛ فإن الحاكم هو الرسول عليه الصلاة والسلام، لا في الخصومات التي تحدث بين المتشاجرين، ولا في الأحكام التي يختلف فيها الناس، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى﴾ من؟ ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللهِ وَالرسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النساء ٥٩].
فالمؤمنون إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم فقولهم: ﴿أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، ﴿أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا﴾ بآذاننا، ﴿وَأَطَعْنَا﴾ بجوارحنا، فهم يسمعون وينقادون، والطاعة -كما مر- شاملة لفعل الأوامر وترك النواهي، شاملة للأمرين جميعًا، عكس الذين يقولون: سمعنا، وهم لا يسمعون، أو يقولون: سمعنا وعصينا، فيقولون: سمعنا، ولا ينقادون، أو يقولون يُصَرِّحُون بالعصيان، يقولون: سمعنا وعصينا، المؤمنون يقولون: سمعنا وأطعنا.
وقول المؤلف: أي (القول اللائق بهم)، يعني إنه ما كان قولهم اللائق، فظاهر كلام المؤلف أن المسألة على سبيل التقدير والفرض، أي: ما يُفْتَرَض إلا أن يقولوا هذا، ولكن الحقيقة أن هذا هو الواقع، ما هو بالقول اللائق فقط، بل هو القول اللائق الواقع، فهم ﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾، مثلما قال الله عنهم، وقالوا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾.
وكوننا نجعل هذا قولًا لائقًا أي مقدَّرًا ومفروضًا، وهذا هو اللائق بهم، خلاف ظاهر القرآن؛ فإن قول المؤمنين إذا دُعُوا إلى الله ورسوله يقولون: سمعنا وأطعنا، سمعًا وطاعة، وعلى الرحب والسعة، فهذا قولهم اللائق الواقع منهم، إذا دُعُوا إلى الله ورسوله ما يقولون: والله رأي فلان خلاف ذلك، ورأي فلان خلاف ذلك، والناس على خلاف ذلك، وما أشبه هذا، ما يقولون هذا الأمر، يقولون: سمعنا وأطعنا.
وهكذا الواجب على كل مؤمن، فمن لمن يقل هكذا فليس بمؤمن، إما أنه قد انتفى عنه الإيمان بالكلية، أو هو ناقص الإيمان.
قال الله عز وجل: و(﴿سمعنا وأطعنا﴾ بالإجابة، ﴿وَأُوْلَئِكَ﴾ حينئذ، ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الناجون).
﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، (هم) ضمير فصل، وقد مرت علينا فوائده الثلاث: الحصر، والتأكيد، وتمييز الخبر من الصفة.
﴿وَأُوْلَئِكَ﴾ أي: الذين يقولون: سمعنا وأطعنا إذا دُعُوا إلى الله ورسوله، ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، قال المؤلف: أي (الناجون).
والأصح أن الفلاح ليس نجاة فقط، بل نجاة من المرهوب، وإدراك أو حصول للمطلوب، فالْمُفْلِح هو الذي نجا مما يكره، وأدرك ما يحب، هذا هو الْمُفلِح، إذن هؤلاء هم الذين نَجَوْا من المرهوب؛ لانتفاء العصيان منهم، وأدركوا المطلوب؛ لحصول تمام الطاعة منهم، فبالطاعات حصول المطلوب، وباجتناب المعاصي النجاة من المرهوب.
وحَصْر الفلاح في هؤلاء يدل على أن من سواهم غير مُفْلِح، لكن إن انتفى عنه الإيمان كله انتفى عنه الفلاح كله، وإن انتفى عنه بعض الإيمان انتفى عنه بعض الفلاح، إذن وظيفة المؤمن فيما إذا دُعِيَ إلى حكم الله ورسوله، أو فيما إذا اطَّلَع هو بنفسه على حكم الله ورسوله، الواجب وظيفته أن يقول: سمعنا وأطعنا، ما يلتفت يمينًا أو شمالًا، أو يُؤَوِّل، أو يُحَرِّف، لا، يقول: سمعنا وأطعنا انقيادًا تامًّا وسمعًا تامًّا؛ لأن بذلك يتحقق الإيمان.
والإنسان الذي ينقاد لحكم الله سبحانه وتعالى بهذه السهولة وبهذه المطابقة هو الذي يستريح، ولا يحصل عنده قلق؛ لأن مَن عَوَّدَ نفسه التردد في قبول الأحكام الشرعية ولو في حكم واحد فإن النفس تجبره على أن يتردد في كثير من الأمور الشرعية، يقول الله عز وجل: ﴿وَنقُلبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يؤُمِنُوا بِهِ أَولَ مَرةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام ١١٠].
فالإنسان إذا عَوَّدَ نفسه قبول الحق من أول وهلة، وبدون أي قلق أو تردد في تنفيذه فإنه يسهُل عليه بعد ذلك الانقياد لجميع الأوامر، وعدم الالتفات والتردد، ولكنه إذا فعل ولو مرة وترَدَّد في أمر من الأمور من الأحكام الشرعية، يعني بعد أن يثبت عنده، دعني من التردد في الثبوت؛ التردد في الثبوت هذا شيء آخر، يعني له أن يتردد في الثبوت إذا كان الحديث مثلًا ضعيف السند، أو ما أشبه ذلك.
لكن إذا ثبت عنده الحكم أن هذا حكم الله ورسوله فإن تردده في قبوله هذا خطر عليه جدًّا؛ لأنه يؤدي إلى التردد في الأحكام الأخرى المستقبَلة، ونظير ذلك في الحكم القدَرِي أيضًا، الإنسان الذي لا يُمَرِّن نفسه على الصبر على أحكام الله، وعلى قضائه وقدره، يبقى قلِقًا دائمًا متعبًا من الأحكام القدَرِية التي لا تلائمه.
فإذا تَمَشَّى مع القضاء والقدر، وصار إن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابه شر صبر عليه، وهو مُتَمَشٍّ مع القضاء والقدر، فإنه بذلك يستريح ولا يقلق أبدًا، تجد الإنسان الذي يريد من الله عز وجل أن يكون قضاؤه وقدره فيما يلائمه تجده دائمًا في قلق؛ لأن القضاء والقدر ليس على ما تريد، كما أن الشرع أيضًا ليس على ما تريد.
الشرع ليس على ما يريد الناس، والقضاء والقدر ليس على ما يريد الناس، فمن تَمَشَّى معهما؛ مع هذين الحكمين، فإنه سوف يجد الفلاح والطمأنينة، والحياة الطيبة، ومن قَلِقَ منهما أو من أحدهما فإنه سيبقى في قلق، إن كان من الأمر القدري بقي في قلق وحزن؛ لأن الأمور ما تيجي على ما ينبغي، وإن كان في الأمور الشرعية كذلك أيضًا ينفتح عليه باب التردد في قبول أحكام الله وتنفيذها.
* * *
(﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ﴾: يخافه، ﴿وَيَتقْه﴾ -بسكون الهاء وكسرها- بأن يطيعه، ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ بالجنة).
هذه الآية من أجمع الآيات وأخصرها.
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ بانقياده لأحكام الله ورسوله، وسبق أن الطاعة موافَقَة أيش؟ الأمر؛ نهيًا كان أو أمرًا، يعني طلب إيجاد، أو طلب تَرْك، فهي موافقة الأمر، ﴿مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتقْه﴾، شوف الطاعة لله ورسوله، والخشية عبادة، والتقوى عبادة، ما تكون إلَّا لمن؟
* طلبة: لله.
* الشيخ: إلا لله وحده، ولهذا قال: ﴿وَيَخْشَ الله وَيَتقْه﴾، يقول عندي أنا: (بسكون الهاء -﴿يَتَّقِهْ﴾ - وكسرها) بسكون الهاء وكسرها: ﴿وَيَتَّقِهِ﴾ أو ﴿وَيَتَّقِهْ﴾ .
طيب ﴿يخشى الله﴾ يقول المؤلف: (يخافه)، ولكن هذا التفسير قاصر؛ لأن الخشية أشد من الخوف، والفرق بينهما: الخشية لا تكون إلا من علم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]، فالعالِم هو الذي يخشى الله؛ لأنه يخافه عن علم بحقيقة الْمَخُوف وحال الخائف، فهو يعلم حال الْمَخُوف ويعلم حال الخائف.
الخشية لا تكون إلا عن علم؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨].
الفرق الثاني: بحال الْمَخُوف والخائف؛ الخشية تكون من عِظَم الْمَخْشِيّ، والخوف يكون من ضعف الخائف، والفرق بينهما ظاهر، يعني أن الخشية إنما تكون لعِظَم الْمَخْشِيّ وإن كان الخاشي عظيمًا، والخوف يكون من ضعف الخائف.
الفرق الثالث: الخشية خوف بهيبة وتعظيم وإجلال، وهذا الفرق متفرِّع عن الفرق الثاني.
والخوف لا يكون كذلك، لا يكون عن هيبة وتعظيم وإجلال، ولذلك يقال: خاف من الذئب، ولا يقال: خَشِيَ منه أو خَشِيَه، إلا على سبيل التوسع.
فهذه الفروق الثلاثة توجِب ألَّا تكون الخشية بمعنى الخوف على وجه المطابَقة، نعم على وجه التقريب لا بأس؛ أن الإنسان يقول: إن الخشية بمعنى الخوف؛ ليقرِّبها إلى أفهام السامعين، لا على أن الخوف هو المعنى المطابق للخشية، إن الخشية تكون مع هيبة وتعظيم وإجلال للمَخْشِيِّ، بخلاف الخوف.
نقول: ﴿وَيَخْشَى اللهَ﴾ ﴿وَيَتَّقِهِ﴾ و﴿وَيَتَّقِهْ﴾ ، نتكلم الآن على القراءات اللي فيها:
فيها: ﴿وَيَتَّقِهِ﴾ .
وفيها: ﴿وَيَتَّقِهْ﴾ .
وفيها قراءة ثالثة؛ قراءة حفص ما قالها المؤلف وهي ﴿ويَتَّقْهِ﴾ بسكون القاف وكسر الهاء.
أما قراءة ﴿ويَتَّقِهِ﴾ سواء أَشْبَعْنَا الهاء أم لم نشبعها، وهما قراءتان أيضًا: ﴿ويَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ﴾ ﴿وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ﴾ فيها قراءتان؛ الإشباع وعدمه، هذه القراءة واضحة، ولا فيها إشكال؛ لأنها مُتَمَشِّيَة على ما نعرف من القواعد العربية، أو لا؟
﴿يَتَّقِهِ﴾ مثل (يَرْمِهِ) معطوفة على فعل الشرط وهو ﴿يُطِعِ﴾، وهو مجزوم، والمعطوف على المجزوم مجزوم، أيش علامة جزمه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، حذف حرف العلة، يعني حذف الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، ﴿وَيَتَّقِهِ﴾ حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها.
والهاء في ﴿وَيَتَّقِهِ﴾ مفعول (يَتَّقِ) وهي ضمير مكسور، مبنية على الكسر يعني.
لكن على قراءة ﴿وَيَتَّقِهْ﴾ سكون الهاء على خلاف الذي نعرف، فنقول: سُكِّنَت للتخفيف؛ لأن ﴿وَيَتَّقِهْ﴾ أخف من ﴿وَيَتَّقِهِ﴾ ، فهي مُسَكَّنَة للتخفيف.
على قراءة حفص ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ كيف سُكِّنَت مع أنها مجزومة بحذف حرف العلة؟ لأن (يَتَّقِي) ما فيها شك أنها فعل ناقص آخره حرف علة، فكيف سُكِّنَت؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، مكسورة، ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ ما يمكن تُسَكَّن (...) ساكن قبلها ما يمكن نطقه، لكن القاف ساكنة، فالإشكال الآن في تسكين القاف مع أن الفعل مُعْتَلّ آخره ليس حرفًا صحيحًا، والمعتل يُجْزَم بحذف حرف العلة، فلماذا سُكِّن؟
يقال: إما أنه سُكِّنَ تخفيفًا ﴿وَيَتَّقْهِ﴾، أو سُكِّن على تناسي حرف العلة، كأنه نُسِي حرف العلة وصار فعلًا أيش؟ فعلًا صحيحًا، والفعل الصحيح يُجْزَم بالسكون.
التقوى، مر علينا كثيرًا في تفسير التقوى بأنها اتخاذ وقاية من عذاب الله، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، فما الربط بينها وبين الخشية؟ يقال: التقوى في الحقيقة نتيجة الخشية؛ لأن من خشي الله اتَّقاه، اللي يخافه بهيبة وتعظيم وإجلال لا بد أن يتقيه، فالربط بينها وبين الخشية أنها فرع عنها، ونتيجة عنها، فمن خشي الله اتقاه بلا شك.
فيه سؤال ثانٍ أيضًا، قلتم: إن التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، أليس ذلك هو الطاعة؟ ويش الجواب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هي في الحقيقة هي الطاعة، ولكن ليكن عندكم قاعدة تفهمونها، وهي أن بعض الكلمات تُفَسَّر بمعنى عند الانفراد، وبمعنى آخر عند الاقتران، فقد تكون عند الانفراد شاملة لهذا المعنى، وقد تكون عند الاجتماع بعضًا منه، وأمثال ذلك كثير.
مثلًا الفقير والمسكين، عند الانفراد الفقير يشمل المسكين، والمسكين يشمل الفقير، لكن عند الاجتماع يكون الفقير بعضًا من المسكين، والمسكين بعضًا من الفقير، بمعنى أننا نقول: الفقير كذا، والمسكين كذا؛ لأجل ألَّا يحصل الترادف بين الكلمتين، فتضيع فائدة العطف، مفهوم؟
وكذلك أيضًا هنا الطاعة والتقوى، إذا أُفْرِدَت الطاعة فهي بمعنى التقوى، وإذا أُفْرِدَت التقوى فهي بمعنى الطاعة، وإذا قُرِنَ بينهما جُعِلَت التقوى في تَرْك النواهي، والطاعة في فعل الأوامر، يصير إذن من يطع الله بفعل أوامره فقط، ونَقْصُرها على بعض معناها؛ لاقترانها بأيش؟ بالتقوى، والتقوى هنا اجتناب النواهي فقط، ونَقْصُرها على بعض معناها، ولا نقل: وفعل الأوامر، ويش السبب؟ لاقترانها بالطاعة، ولهذا يقال (...).
إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، بمعنى أنها إذا افترقت صارت بمعنى واحد، وإذا اجتمعت اختلف معناها، والذي يوجِب لنا أن نُحَوِّل الشيء منها إلى معنى آخر، أو إلى بعض المعنى لئلا يكونَا مترادفين، وبذلك -أي بكونهما مترادفين- تضيع فائدة العطف، إي نعم.
* طالب: إذا اختلفا في المعنى (...)؟
* الشيخ: لا، ما يلزم (...) لا بد إن فيه صلة؛ لأنه ما دام هذه إذا انفردت تكون بمعنى الثانية فمعناه أن هناك صلة، فالفقير والمسكين بينهما صلة في الحقيقة، وهو الحاجة، والتقوى يعني ترك النواهي، والطاعة فعل الأوامر، بينهم صلة؛ وهو الامتثال.
* طالب: (...).
* الشيخ: أيش لون؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، بس إن الطاعة موافقة الأمر.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الخشية فيها تعظيم، والطاعة هو في الغالب إن الطاعة ما تكون إلا عن محبة؛ لأن من لم يحب شخصًا فلا يطيعه إلا خوفًا منه، وحينئذ تكون خشية، فالطاعة في الحقيقة ما يمكن إنسان يطيع في شيء إلا محبة للآمر، أو للمأمور به، أو خوفًا منه، أما أنه يبغض الآمر ما يمكن يطيعه وهو يقدر (...).
على كل حال إننا نقول: الطاعة إذا انفردت صارت فعل الأوامر وترك النواهي، وإذا اجتمعت مع التقوى حُمِلَت على فعل الأوامر، والتقوى على ترك النواهي، كما أن التقوى إذا انفردت تكون لفعل الأوامر وترك النواهي.
وهذا الحكم أو هذا المعنى فيه كلمات كثيرة من اللغة العربية، إذا اجتمعت افترقت، وصار كل واحدة لها معنى؛ لئلا تضيع فائدة العطف، وإذا انفردت اجتمعت، وصار معناها واحدًا، إي نعم.
* طالب: شيخ (...) على الترادف ممنوع؟
* الشيخ: إي نعم، الترادف المطلَق ما يمكن يكون أبدًا.
* الطالب: لماذا؟
* الشيخ: لأنه تكرار بلا فائدة، لا سيما مع وجود العطف، أما مع عدم العطف فربما يكون من باب التأكيد اللفظي.
* الطالب: وهل يجوز لنا التأكيد مع وجود العطف؟
* الشيخ: لا؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، والتأكيد معناه أن الثاني هو الأول.
* طالب: ما يقتضي (...).
* الشيخ: لا، يقتضي المغايرة، أن المعطوف غير المعطوف عليه.
* الطالب: (...) علماء الأصول (...) أن الاستثناءات كلها تعود في حالة العطف على المستثنى؛ لأن العطف يقتضي شيئًا من المشابهة.
* الشيخ: الاتفاق في الحكم والتغاير في المعنى، إن الكلمة المعطوفة غير الكلمة المعطوف عليها، لكن الحكم واحد..
(...) بلا فائدة لا سيما مع وجود العطف، أما مع عدم العطف فربما يكون من باب التأكيد اللفظي.
* طالب: ولا يجوز التأكيد مع وجود العطف؟
* الشيخ: لا؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، والتأكيد معناه: أن الثاني هو الأول.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، يقتضي المغايرة؛ أن المعطوف غير المعطوف عليه.
* طالب: (...) علماء الأصول (...) إن الاستثناءات كلها تعود في حالة العطف إلى المستثنى؛ لأن العطف يقتضي شيئًا من المشابهة؟
* الشيخ: الاتفاق في الحكم والتغاير في المعنى؛ أن الكلمة المعطوفة غير الكلمة المعطوف عليها، لكن الحكم واحد، تقول: قام زيد وعمرو وبكر وخالد، فالحكم على الجميع واحد، لكن عمرو وبكر وخالد غير زيد، بقي المغايرة في المعنى؛ أنه يطلق الحكم على المعطوفات بعضهم مع بعض هو ضروري، لكن أصل العطف معناه أن هذا انعطف على ذاك فصار له حكمه، لكن هذا غير هذا؛ يعني: ما يمكن أن تقول: قام زيدٌ وزيدٌ، ويكون زيد الثاني هو الأول، لا يجوز، لكن يجوز تقول: قام زيدٌ زيدٌ، يكون (زيد) الثاني هو الأول من باب التأكيد.
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور ٥٢] (الفاء) في قوله: ﴿فَأُولَئِكَ﴾ واقعة في جواب الشرط؛ لماذا؟ لأن الجملة اسمية، وإذا كانت الجملة اسمية في جواب الشرط وجب قرنها بالفاء، ولا تسقط الفاء إلا عند الضرورة، مثل قول الشاعر:
؎مَنْ يَفْعِلِ الْحَسَنَاتِ اللُّهُ يَشْكُرُهَا ∗∗∗ ...........................
ولم يقل: فالله يشكرها.
وقوله: ﴿هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ فيها ما سبق في ضمير الفصل، ويش اللي سبق؟
* طلبة: إفادة الحصر.
* الشيخ: الحصر والاختصاص والتمييز بين الخبر والصفة، وهذه تكون لضمير الفصل.
طيب ﴿الْفَائِزُونَ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: والحصر، والاختصاص هو الحصر.
وقوله: (﴿الْفَائِزُونَ﴾ بالجنة) يعني: والنجاة من النار أيضًا، كما قال الله عز وجل: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران ١٨٥]، واقتصار المؤلف على الجنة فقط؛ لأن من دخل الجنة فقد نجا من النار.
هذه الآية من أجمع الآيات؛ لأنها جمعت إجمالًا لأسباب الفوز، أسباب الفوز هذه الأمور الثلاثة؛ طاعة الله وخشيته وتقواه، فمتى حصلت هذه الأمور لشخص فإنه يفوز، والتفصيل معروف عاد من الكتاب والسنة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لأن نفس الخشية عبادة وأصل للتقوى، فكون الإنسان في قلبه خاشيًا لله ومعظمًا له وخائفًا منه، هذه عبادة من أعظم العبادات.
* * *
ثم قال الله تعالى: (﴿وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ﴾ غايتها، ﴿لَئِنْ أَمَرْتهمْ﴾ بالجهاد، ﴿لَيَخْرُجُنَّ قُلْ﴾ لهم، ﴿لَا تُقْسِمُوا طَاعَة مَعْرُوفَة﴾ للنبي ﷺ خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه، ﴿إنَّ اللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ).
﴿أَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ﴾ حلفوا به، ﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾ هذه الآية استوعبت أركان القسم، كل أركان القسم موجودة؛ لأن القسم دائمًا يحذف منه بعض أركانه، لكن هذه الآية استوعبت الأركان كلها؛ المقسم به، وحرف القسم، وفعل القسم، والمقسم عليه، أو لا؟ هذه الآية ذكرت فيها كل أركان القسم.
فعل القسم: ﴿أَقْسَمُوا﴾، حرف القسم: الباء في ﴿بِاَللَّهِ﴾، المقسم به: ﴿اَللَّهِ﴾، المقسم عليه: ﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾، هذه الجملة هي جواب القسم وهي المقسم عليه.
أقسم هؤلاء لئن أمرهم النبي ﷺ؛ يعني: بالجهاد، والدليل أن المراد بالجهاد قوله: ﴿لَيَخْرُجُنَّ﴾، فمفروض أن (...) في الجهاد، فهم أقسموا هذا القسم؛ أن الرسول لو أمرهم لخرجوا.
هذا القسم قسمٌ ونذرٌ؛ لأن القسم إذا تضمن التزامًا من الإنسان لله صار جامعًا بين القسم والنذر، وعلى هذا لو قال قائل: واللهِ لأصلين ركعتين، وقصده بذلك الالتزام، ويش يصير هذا؟
* طلبة: قسم ونذر.
* الشيخ: يصير قسمًا ونذرًا، مثل: لله علي أن أصلي ركعتين (...)، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ [التوبة ٧٥].
وأما إذا قصد الإنسان بالقسم تحقيق الشيء دون التزامه فإنه ليس بنذر، فالفرق بين الإنسان اللي يلتزم يرى أن نفسه ملزمة بهذا الشيء وبين الإنسان الذي يريد تحقيق الشيء، لكن من غير أن يرى نفسه ملزمًا، مثل لو قال: والله لأفعلن كذا؛ لأخرجن إلى السوق، لألبسن الثوب، وما أشبه ذلك، هو ما قصده أنه يلزم، قصده أنه يحقق أن يفعل بغير أن يكون ملزمًا؛ يعني: يقول: أنا بفعل هذا، ويحقق أنه سيفعله، فهذا ليس بقسم، فالقسم إن تضمن إلزامًا ويش صار؟
* طالب: قسمًا ونذرًا.
* الشيخ: قسمًا ونذرًا، أو نذرًا مقسمًا عليه.
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا تُقْسِمُوا﴾ ما حاجة تقسمون تقولون: والله لئن أمرتنا لنخرجن، وإنما إذا أمرتم فاخرجوا بدون قسم، ما حاجة (...).
﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ المؤلف جعل حسب سياقه ﴿طَاعَةٌ﴾ مبتدأ، و﴿مَعْرُوفَةٌ﴾ صفة له، وخبرها محذوف تقديره: خير من قسمكم.
ولكن هذا ليس بظاهر، بل الظاهر أن ﴿طَاعَةٌ﴾ مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: عليكم؛ عليكم طاعةٌ معروفةٌ، أو ﴿طَاعَةٌ﴾ خبر، والمبتدأ محذوف؛ أي: طاعتكم طاعةٌ معروفةٌ، معنى ذلك: أن الإنسان عليه أن يطيع طاعة معروفة، والطاعة المعروفة من المؤمنين أنه حلف أن يفعل ولَّا يفعل بدون حلف؟
* طلبة: يفعل بدون حلف.
* الشيخ: نعم، يفعل بدون حلف؛ لأنه اللي حلف أنه يفعل كأنه ما وده يفعل، لكن بيلزم نفسه غصبًا.
فالطاعة المعروفة: الانقياد بدون قسم، وهذا أولى من تقدير المؤلف، وهو أن نقول: عليكم طاعةٌ معروفةٌ، أو طاعتكم طاعةٌ معروفةٌ؛ يعني: الطاعة المعروفة للمؤمنين، وهي التزام أحكام الشرع بدون قسم.
(﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي: من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل) هذا ما هو بصحيح، ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي: بكل ما تعملون، سواء أقسمتم عليه أم لم تقسموا عليه.
و(ما تعملون) (ما) اسم موصول يفيد العموم؛ أي: جميع الأعمال، و﴿خَبِيرٌ﴾ بمعنى: عليم، إلا أن الفرق بينه وبين العليم: أن الخبير هو العليم ببواطن الأمور، فيكون أدق من العلم المطلق، خبرة بالبواطن.
﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ عام بكل ما يعمله الإنسان في قلبه أو لسانه أو جوارحه، ما يخفى على الله سبحانه وتعالى من ذلك شيء.
* يستفاد من هذه الآيات الكريمة: بيان صفة انقياد المؤمنين؛ صفة الانقياد: أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم يقولون: سمعنا وأطعنا، ما يتلكؤون ولا يترددون.
* وفيه أيضًا: ما يترتب على هذا السمع والطاعة من الفلاح الذي هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب.
* وفيه أيضًا دليل على فائدة أن الطاعة والخشية والتقوى وأن هذه الثلاث فائدتها الفوز بالجنة والنجاة من النار.
* وفيها دليل على كراهة النذر؛ لقوله: ﴿قُلْ لَا تُقْسِمُوا﴾، وهذا نهي، وقد اختلف أهل العلم في النذر هل هو مكروه أو حرام؟
على قولين؛ فمن العلماء من يرى أن النذر مكروه، ومنهم من يرى أنه محرم، وكأن شيخ الإسلام يميل إلى التحريم، وهو أقرب؛ القول بالتحريم أقرب من القول بالكراهة؛ لأن الله تعالى نهى عنه بقوله: ﴿قُلْ لَا تُقْسِمُوا﴾، والأصل في النهي التحريم، والنبي ﷺ نهى عنه وقال: «إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦٠٨)، ومسلم (١٦٣٩ / ٤) واللفظ له من حديث ابن عمر.]].
والمعنى يقتضيه أيضًا؛ لأن الإنسان في عافية، فكونه يلزم نفسه بأمر لم يلزمه الله به هذا من تكليف نفسه بما لم يكلف به.
ثم أيضًا من المعنى الذي يقتضيه: أن كثيرًا من الناس الناذرين يندمون على نذرهم، لا سيما إذا كان النذر فيه نوع من المشقة؛ مثل حلف: إن شفى الله مريضه أن يصوم من كل شهر عشرة أيام، وشفى الله مريضه، (...) الآن يصوم عشرة أيام من كل شهر إلا لعذر؛ لقول النبي ﷺ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ»[[أخرجه البخاري (٦٦٩٦) من حديث عائشة.]].
وكثير من الناس الناذرين لا يوفون بنذرهم من أجل أنهم يرونه محقًّا، يقول: الحمد لله، حصل من المطلوب، وشفى الله مريضي، ولَّا نجحت، فلا يوفي لله بما وفى الله له به، الله يوفي له بما اشترط على ربه وهو -والعياذ بالله- لا يطيعه، ولكن ويش النتيجة والعاقبة؟ عظيمة جدًّا؛ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ﴾ ولا تَصَدَّقوا، ﴿وَتَوَلوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ ولم يكونوا صالحين، واللي حصل ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا﴾ أي: بسبب ﴿بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة ٧٥ - ٧٧].
وهذه النتيجة -والعياذ بالله- سيئة عظيمة جدًّا؛ أن يجعل الله نفاقًا في قلب هذا الناذر الذي لم يفِ لله تعالى بما عاهد الله عليه؛ لأنه عاهد الله على هذا الشيء.
وأما من نذر معصية فلا يجوز الوفاء بها؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فنفسك وإن ألزمتك بفعلها فلا تطعْها، كما لا تطيع أميرك إذا ألزمك بأمر فيه معصية الله كذلك أيضًا لا تطعْ نفسك إذا ألزمتك بأمر فيه معصية الله، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ»[[أخرجه البخاري (٦٦٩٦) من حديث عائشة.]].
ومع ذلك فعلى الناذر كفارة يمين، فالناذر ما يخلو في الحقيقة من بلاء يلزم به نفسه، أقله كفارة يمين، حتى لو قال الإنسان مثلًا: للهِ علي نذر، بس ها الكلام وما قال شيئًا، ويش يجب عليه؟ يجب عليه كفارة اليمين، وبهذا نعرف خطورة النذر.
وأما ما يتوهم بعض الناس من أن النذر يحصل به المطلوب، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام نفى هذا الوهم بقوله: «فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦٠٨)، ومسلم (١٦٣٩ / ٤) واللفظ له من حديث ابن عمر.]]، كيف هو يجلب الخير؟ مريضك قد قدَّر الله أن يشفى قبل أن تنذر، وليس نذرك سببًا للشفاء بالتأكيد، فالله عز وجل أكرم الأكرمين، ليس يتوقف كرمه على شيء (...) الإنسان (...) أنا بنذر لك علشان تشفي مريضك، لا، إذا أنعم الله عليك من نعمة فأنت اشكره عليها بما جاءت به الشريعة، وأما إنك تقول (...)، كأنك تقول: الله ما يطيعني، يشفي هذا المريض إلا لو (...) أنذر له علشان يشفيه، ثم تأتي البلوى، فيحصل الأمر عنده لا به، وهذا من الابتلاء.
لذلك ينبغي لكم، بل يجب عليكم أن تحذِّروا من النذر، وأن تقولوا للناس: النذر لا يأتي بخير، النبي عليه الصلاة والسلام -وهو لا ينطق عن الهوى في هذه الأمور- أخبر بأنه لا يأتي بخير.
وكم من طالبٍ نَذَر: إن الله نجحه أنه يصوم ثلاثة أيام، وينجحه الله ولا بيصوم، ما صام (...) لأيش؟ لأن النفس -في الحقيقة- الضعيفة الإيمان ما يهمه أنه يخالف، يقول: حصل المقصود ولا (...)، على كل حال هذا النذر يستدل على تحريمه بقوله: ﴿لَا تُقْسِمُوا﴾.
* وفيه: وجوب تقييد الطاعة بالمعروف؛ أن تكون طاعةً بالمعروف، ويش معنى معروف أنه بين الناس ولَّا من الشرع؟ طاعةٌ معروفةٌ بالشرع، ما هي من الناس؛ لأن الناس قد يعرفون شيئًا يظنونه طاعة وليس بطاعة.
* ويستفاد منها: أنه لا تجوز الزيادة على الشرع في الطاعة ولا النقص؛ لقوله: ﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ بدون غلو ولا تقصير.
* وفيه أيضًا: إحاطة علم الله بكل شيء؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي: بكل ما تعملونه حاضرًا ومستقبلًا.
والفائدة من ذكر عِلْمِ الله بما نعلم ليس مجرد أنه يخبرنا أنه يعلم، لكن الفائدة من ذلك أيش؟ هو الترغيب ولَّا الترهيب؟ كلاهما، إلا إذا اقتضى السياق أحدًا منهما فقط، وإلا فكونك تعلم أن الله يعلم كل ما تعمل؛ يعني: يوفقك على العبادة (...).
{"ayahs_start":50,"ayahs":["أَفِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوۤا۟ أَمۡ یَخَافُونَ أَن یَحِیفَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ","إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذَا دُعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ أَن یَقُولُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ","وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَخۡشَ ٱللَّهَ وَیَتَّقۡهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ","۞ وَأَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ لَىِٕنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَیَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُوا۟ۖ طَاعَةࣱ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذَا دُعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ أَن یَقُولُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق