الباحث القرآني

وَقِيلَ حَسَبَما يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الجَلِيلُ: ﴿إنَّما كانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ﴾ بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ كانَ و"أنَّ" مَعَ ما في حَيِّزِها اسْمُها. وقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلى العَكْسِ، والأوَّلُ أقْوى صِناعَةً لِأنَّ الأوْلى لِلِاسْمِيَّةِ ما هو أوْغَلُ في التَّعْرِيفِ وذَلِكَ هو الفِعْلُ المُصَدَّرُ بِأنْ، إذْ لا سَبِيلَ إلَيْهِ لِلتَّنْكِيرِ بِخِلافِ قَوْلِ المُؤْمِنِينَ فَإنَّهُ يَحْتَمِلُهُ كَما إذا اعْتَزَلَتْ عَنْهُ الإضافَةُ، لَكِنْ قِراءَةُ الرَّفْعِ أقْعَدُ بِحَسَبِ المَعْنى وأوْفى لِمُقْتَضى المَقامِ لِما أنَّ مَصَبَّ الفائِدَةِ ومَوْقِعَ البَيانِ في الجُمَلِ هو الخَبَرُ، فالأحَقُّ بِالخَبَرِيَّةِ ما هو أكْثَرُ إفادَةً وأظْهَرُ دَلالَةً عَلى الحُدُوثِ وأوْفَرُ اشْتِمالًا عَلى نِسَبٍ خاصَّةٍ بَعِيدَةٍ مِنَ الوُقُوعِ في الخارِجِ وفي ذِهْنِ السّامِعِ، ولا رَيْبَ في أنَّ ذَلِكَ هَهُنا في "أنَّ" مَعَ ما في حَيِّزِها أتَمُّ وأكْمَلُ فَإذا هو أحَقُّ بِالخَيْرِيَّةِ، وأمّا ما تُفِيدُهُ الإضافَةُ مِنَ النِّسْبَةِ المُطْلَقَةِ الإجْمالِيَّةِ فَحَيْثُ كانَتْ قَلِيلَةَ الجَدْوى سَهْلَةَ الحُصُولِ خارِجًا وذِهْنًا كانَ حَقُّها أنْ تُلاحَظَ مُلاحَظَةً مُجْمَلَةً وتُجْعَلَ عُنْوانًا لِلْمَوْضُوعِ، فالمَعْنى: إنَّما كانَ مُطْلَقُ القَوْلِ الصّادِرِ عَنِ المُؤْمِنِينَ ﴿إذا دُعُوا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ﴾ أيِ: الرَّسُولُ ﷺ ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أيْ: وبَيْنَ (p-188)خُصُومِهِمْ سَواءٌ كانُوا مِنهم أوْ مِن غَيْرِهِمْ ﴿أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأطَعْنا﴾ أيْ: خُصُوصِيَّةُ هَذا القَوْلِ المَحْكِيِّ عَنْهم لا قَوْلًا آخَرَ أصْلًا. وأمّا قِراءَةُ النَّصْبِ فَمَعْناها: إنَّما كانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ، أيْ إنَّما كانَ قَوْلًا لَهم عِنْدَ الدَّعْوَةِ خُصُوصِيَّةَ قَوْلِهِمُ المَحْكِيِّ عَنْهم، فَفِيهِ مِن جَعْلِ أخَصِّ النِّسْبَتَيْنِ وأبْعَدِهِما وُقُوعًا وحُضُورًا في الأذْهانِ وأحَقِّهِما بِالبَيانِ مَفْرُوغًا عَنْها عُنْوانًا لِلْمَوْضُوعِ وإبْرازُ ما هو بِخِلافِها في مَعْرِضِ القَصْدِ الأصْلِيِّ ما لا يَخْفى. وقُرِئَ: "لِيَحْكُمَ" عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ مُسْنَدًا إلى مَصْدَرِهِ مُجاوِبًا لِقَوْلِهِ تَعالى: "إذا دُعُواْ" أيْ: لِيُفْعَلَ الحُكْمُ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ أيْ: وقَعَ التَّقَطُّعُ بَيْنَكم. ﴿وَأُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المُؤْمِنِينَ بِاعْتِبارِ صُدُورِ القَوْلِ المَذْكُورِ عَنْهم، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإشْعارِ بِعُلُوِّ رُتْبَتِهِمْ وبُعْدِ مَنـزِلَتِهِمْ في الفَضْلِ، أيْ: أُولَئِكَ المَنعُوتُونَ بِما ذَكَرَ مِنَ النَّعْتِ الجَمِيلِ ﴿هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ أيْ: هُمُ الفائِزُونَ بِكُلِّ مَطْلَبٍ، والنّاجُونَ مِن كُلِّ مَحْذُورٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب