الباحث القرآني
يقول الله تعالى: (﴿وَيَقُولُونَ﴾ أي: المنافقون، ﴿آمَنَّا﴾: صَدَّقْنا، ﴿بِاللهِ﴾: بتوحيده، ﴿وَبِالرَّسُولِ﴾: محمد ﷺ، ﴿وَأَطَعْنَا﴾ هما فيما حكمَا به، ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى﴾: يُعرِض، ﴿فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ عنه، ﴿وَمَا أُولَئِكَ﴾ المعرضون، ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور 47] المعهودين الموافقِ قلوبُهم لألسنتهم).
﴿يَقُولُونَ﴾ هذه حكاية عن جماعة، سواء كانوا من المنافقين -كما قال المؤلف- أم من غيرهم.
﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ﴾، فَسَّرَ المؤلف الإيمان بالتصديق، وقد سبق أن هذا التفسير به قاصر، وأن الإيمان هو التصديق مضافًا إليه شيء، ما هو؟ القبول والإذعان؛ أن يقبل الإنسان ما جاء به الرسول ﷺ، وأن يذعن له، أما مجرد التصديق فليس بإيمان.
ولهذا نعلم نحن أن أبا طالب كان مصدِّقًا للنبي ﷺ، وهو بنفسه يقر على نفسه بذلك، يقول:
؎لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَـــــذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَوْلِالْأَبَاطِـــــــلِ
ويقول:
؎وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّـــــــــــدٍ ∗∗∗ مِـــــــــنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّـــــــــــةِدِينَا
لكنه ليس بمؤمن مع التصديق، لماذا؟ لأنه لم يُذْعِن ولم يَنْقَدْ، ما أذعن للرسول ﷺ ولا انقاد له، كذلك أيضًا الكفار الذين حكى الله عنهم: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان ٢٥]، هل هم مُصَدِّقُون بالله ولَّا لا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: مؤمنون به ومصدِّقون، لكن لَمَّا لم يقبلوا ما جاء به الرسول ولم يذعنوا له لم يكونوا مؤمنين، فتفسير الإيمان شرعًا بمجرد التصديق تفسير ناقص، بل نقول: الإيمان هو التصديق مع القبول والإذعان، ولا بد من ذلك.
وقوله: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ﴾، أعاد حرف الجر ﴿وَبِالرَّسُولِ﴾؛ لأن الإيمان بالرسول إيمان مستقل، يعني: لا بد أن الإنسان يؤمن بالله إيمانًا كاملًا، وبالرسول إيمانًا كاملًا، كما أن الطاعة لله طاعة كاملة، وللرسول كذلك.
مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم﴾ [النساء ٥٩]، قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، ثم قال: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم﴾، عطفها على طاعة الله والرسول بدون إعادة العامل، إشارةً إلى أن طاعة ولاة الأمور تبعٌ لطاعة الله ورسوله، أما طاعة الرسول فهي مستقلة، و﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠]، وطاعة الله كذلك.
مثل أيضًا الإيمان بالله وبالرسول، إذا جاء حرف الجر معناه أن هذا إيمان مستقل، كأن هؤلاء يقولون: آمنا إيمانًا كاملًا بالله سبحانه وتعالى، وآمنا إيمانًا كاملًا بالرسول أنه رسول الله.
وقول المؤلف: (﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾: بتوحيده) هذا أيضًا فيه قصور، بل الإيمان بالله يشمل التوحيد وغيره؛ التوحيد، والتصرف، والتدبير، والتشريع، وغير ذلك، يشمل كل هذا، وكذلك بما له من الصفات؛ لأنه لا يتم الإيمان بالله إلا بالإيمان بصفاته، لا بد من ذلك.
وقوله: ﴿وَأَطَعْنَا﴾ هذا الانقياد، يعني أننا مؤمنون وأيضًا مطيعون، نُنَفِّذ، والطاعة ما هي؟ الطاعة قالوا: إن معناها موافقة الأمر، بمعنى ألا تخرج عمن أمرك ولا تخالفه، بل توافق أمره؛ إن كان إيجابيًّا فبالفعل، وإن كان سلبيًّا فبالترك، هذه هي الطاعة، ولهذا كلمة طاعة تشمل فعل الأوامر وترك النواهي؛ لأن معناها موافقة الأمر.
فمعنى ﴿أَطَعْنَا﴾ أي أننا وافقنا أمر الله ورسوله لن نخرج عنه، وبعد هذا القول ﴿يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾، بعد إقرارهم بالإيمان بالله ورسوله يُعْرِض فريق منهم.
يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني: وما أولئك المعرضون بالمؤمنين حقًّا، ولكن هذا النفي هل هو نفي للإيمان أصلِه، أو نفي للإيمان كمالِه؟
* طلبة: كماله.
* الشيخ: لا، فيه تفصيل؛ إذا كان التولي توليًا مطلَقًا فهو نفي للإيمان كله؛ لأصلِه، وإذا كان التولي توليًا غير مطلَق، بل في بعض الأمور، فإنها تختلف، قد يكون في بعض الأمور إذا تركها الإنسان وأعرض عنها كافرًا، وقد يكون مؤمنًا ناقص الإيمان، المهم أن توليه ينافي ما ادعوه من الإيمان.
وفي هذا دليل واضح على أن الإنسان إذا قال إنه مؤمن وهو مُتَوَلٍّ ومُعْرِض فهو كاذب في دعواه؛ إما أنه ليس مؤمنًا أصلًا، وإما أنه مؤمن لكن ناقص الإيمان.
يقول: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾، ﴿فَرِيقٌ﴾ بمعنى جماعة، ﴿مِنْهُمْ﴾ أي: من هؤلاء القائلين، وفريق آخر باقون على الإيمان والطاعة، لا يُعْرِضُون، فيكون ما ادعوه من إيمان حقيقة.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾، نشوف إعراب هذه الجملة.
﴿مَا أُولَئِكَ﴾ ويش (ما)؟ (ما) نافية، لكنها تعمل عمل (ليس) عند الحجازيين، فترفع الاسم وتنصب الخبر. (أولاء) اسمها، لكنه ليس مضمومًا، (أولاء) غير مضموم، السبب لأنه مبني، أسماء الإشارة كلها مبنية، (هؤلاء) و(أولاء) وما أشبه ذلك كلها مبنية.
وقوله: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ الباء حرف جر زائد، زائد من حيث الإعراب ولَّا من حيث المعنى؟
* طلبة: الإعراب.
* الشيخ: من حيث الإعراب، أما من حيث المعنى ففيه تأكيد النفي في قوله ﴿مَا أُولَئِكَ﴾.
وقوله: ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ خبر (ما)، لكن عند النحويين يقولون: إنه خبرها، لكنه غير منصوب بها؛ لأن الباء الزائدة يكون العمل لها؛ لأن عملها به ظاهر؛ لمباشرتها إياه، فيكون: الباء حرف جر زائد، و﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ اسم مجرور بالباء وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم.
وبعضهم يقول: ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ خبر (ما) منصوب بها، وعلامة نصبه ياء مقدرة غير اللي (...) مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحرف الجر الزائد.
على كل حال هذا تعمُّق شديد ما له داعي، إنما يجب أن نعرف أن (ما) نافية من حيث المعنى، والباء حرف جر زائد، والغرض منه؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: تأكيد النفي، أي: نفي الإيمان عن هؤلاء الذين قالوا: آمنا وأطعنا، ثم تَوَلَّوْا، فليسوا بمؤمنين، وعرفتم أن نفي الإيمان هنا إما نفي لأصله وإما نفي لكماله.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، صحيح.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، في لغة الحجازيين عند جميع النحويين، لكن لغة بني تميم لا يُعْمِلُونها عمل (ليس)، في القرآن: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ [يوسف ٣١] فأعملها عمل (ليس)، ولم تقل الآية: ما هذا بشرٌ.
لولم تعمل لكان: ما هذا بشرٌ، يقول الشاعر:
؎وَمُهَفْهَفِ الْأَعْطَافِ قُلْتُ لَهُ انْتَسِبْ ∗∗∗ فَأَجَـــــابَ مَـــا قَتْــــــلُ الْمُحِـــــــبِّحَــــــــــرَامُ
ويش صار هذا؛ حجازي ولَّا تميمي؟
* طلبة: حجازي.
* طالب آخر: تميمي.
* الشيخ: تميمي، فأجاب لما قال له انتسب، ما قال: أنا تميمي، أجاب: ما قتلُ المحب حرامُ، عرف الآن أنه تميمي، لو كان حجازيًّا لقال: ما قتلُ المحب حرامًا، بالنصب؛ لأنها تعمل عمل (ليس).
* طالب: كان فيه هنا تميم؟
* الشيخ: كان فيه هنا تميم، إلا في عصرنا هذا لا، إحنا الحجازيون والتميميون كلهم واحد، ما هم يُعْمِلُونها.
* الطالب: يعني ما يُعْمِلها إلا التميميون فقط؟
* الشيخ: لا، الحجازيون هم اللي يُعْمِلُونها، لكن المراد العرب الأولين اللي ما تغيرت ألسنتهم، أما الآن لا فاللسان تغير.
* طالب: والكوفيين (...)؟
الشيخ: أصلًا الكوفيون والنحويون ما هي بهذه وصف للعرب الناطقين بالعربية، وصفٌ للعلماء الذين تولوا العناية بالنحو.
{"ayah":"وَیَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَۚ وَمَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق