الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَيِقُولُونَ آمَنَّا بالله وبالرسول وَأَطَعْنَا﴾ الآية.
لما ذكر دلائل التوحيد أتبعه بذم قوم اعترفوا بالذنب بألسنتهم ولكنهم لم يقبلوه بقلوبهم.
قال مقاتل: نزلت هذه الآية في بشر المنافق وكان قد خاصم يهودياً في أرض، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقال المنافق: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف، فإن محمداً يحيف علينا، فأنزل الله هذه الآية. وقد مضت قصتها في سورة «النساء» .
وقال الضحاك: نزلت في المغيرة بن وائل، كان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض تقاسماها، فوقع إلى عليّ ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة، فقال المغيرة: بعني أرضك. فباعها إياه، وتقابضا. فقيل للمغيرة: أخذت سبخة لا ينالها الماء فقال لعلي: اقبض أرضك، فإنما اشتريتها إن رضيتها، ولم أرضها. فقال علي: بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها، لا أقبلها منك، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال المغيرة: أما محمد فلا آتيه ولا أحاكم إليه، فإنه يبغضني، وأنا خاف أن يحيف علي، فنزلت الآية.
وقال الحسن: نزلت هذه في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر.
فصل
المعنى: ﴿وَيِقُولُونَ آمَنَّا بالله وبالرسول وَأَطَعْنَا﴾ يعني: المنافقين يقولونه، «ثُمَّ يَتَوَلَّى» يعرض عن طاعة الله ورسوله ﴿فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذلك﴾ أي من بعد قولهم: آمَنَّا، ويدعو إلى غير حكم الله، ثم قال: ﴿وَمَآ أولئك بالمؤمنين﴾ .
فإن قيل: إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون: «آمَنَّا» ثم حكى عن فريق منهم التولي، فكيف يصح أن يقول في جميعهم: ﴿وَمَآ أولئك بالمؤمنين﴾ مع أن المتولي فريق منهم؟
فالجواب: أن قوله: ﴿وَمَآ أولئك بالمؤمنين﴾ راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى، وأيضاً فلو رجع إلى الأولى لصح، ويكون معنى قوله: ﴿ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ أي: يرجع هذا الفريق إلى الباقين فيظهر بضهم لبعض الرجوع، كما أظهروه، ثم بين تعالى أنهم إذا دُعُوا إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُم بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرضُونَ، وهذا ترك للرضا بحكم الرسول لقوله تعالى: ﴿وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ منقادين لحكمه، أي: إذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لتيقنهم أنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضاً بالحق، وهذا يدل على أنهم إنما يعرضون متى عرفوا الحق لغيرهم أو شكوا. فأما إذا عرفوه لأنفسهم عدلوا عن الإعراض وسارعوا إلى الحكم وأذعنوا (ببذل الرضا) .
قوله: «ليَحْكُم» أفرد الضمير وقد تقدَّمه اسمان وهما: «اللَّهُ ورَسُولُهُ» فهو كقوله: ﴿والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: 62] لأنَّ حكم رَسُولِهِ هو حُكْمُهُ.
قال الزمخشري: كقولك: أَعْجَبَنِي زَيْدٌ وَكَرَمُهُ، أي: كَرَمُ زَيْدٍ، ومنه:
3846 - وَمَنْهَلٍ مِنَ الفَيَافِي أَوْسَطُهْ ... غَلَّسْتُهُ قَبْلَ القَطَا وفَرَطُهْ
أي: قبل فَرطِ (القطا) يعني: قبل تقدَّم القطا. وقرأ أبو جعفر والجحدري وخالد بن إلياس والحسن: «ليُحْكَمَ بَيْنَهُمْ» هنا، والتي بعدها مبنياً للمفعول، والظرف قائم مقام الفاعل.
قوله: «إذا فَرِيقٌ» «إذَا» هي الفجائية، وهي جواب «إذَا» الشرطية أولاً وهذا أحد الأدلة على منع أن يعمل في «إذا» الشرطية جوابها، فإن ما بعد الفجائية لا يعمل فيما قبلها، كذا ذكره أبو حيان، وتقدم تحرير هذا وجواب الجمهور عنه.
قوله: «إلَيْهِ» يجوز تعلقه ب «يَأْتوا» ، لأنَّ «أَتَى» و «جَاءَ» قد جاءا مُعَدَّيَيْن ب «إلى» ، ويجوز أن يتعلق ب «مُذْعِنِينَ» لأنه بمعنى: مسرعين في الطاعة. وصححه الزمخشري، قال: لتقدُّم صلته، ولدلالته على الاختصاص، و «مُذْعِنِينَ» حال والإذعان: الانقياد، يقال: أَذْعَنَ فلانٌ لفلان، انقَادَ لَهُ. وقال الزجاج: «الإذْعَانُ: الإسراع مع الطاعة» .
قوله: ﴿أَمِ ارتابوا أَمْ يَخَافُونَ﴾ . «أَمْ» فيهما منقطعة، فتقدر عند الجمهور بحرف الإضراب وهمزة الاستفهام، تقديره: بل أَرْتَابُوا بل أَيَخَافُونَ، ومعنى الاستفهام هنا: التقرير والتوقيف، ويبالغ فيه تارة في الذم كقوله:
3847 - أَلَسْتَ مِنَ القَوْم الَّذِينَ تَعَاهَدُوا ... عَلَى اللُّؤمِ وَالفَحْشَاءِ في سَالِفِ الدَّهْرِ
وتارة في المدح كقوله جرير:
3848 - أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايا ... وَأَنْدَى العَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ
و «أَنْ يَحِيفَ» مفعول الخوف والحوف: الميل والجور في القضاء، يقال: حاف في قضائه، أي: (مال) .
فصل
قوله ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ نفاق «أَم ارْتَابُوا» شكوا، وهو استفهام ذم وتوبيخ، أي هم كذلك، ﴿أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ أي: يظلم ﴿بَلْ أولئك هُمُ الظالمون﴾ ، لأنفسهم بإعراضهم عن الحق.
قال الحسن بن أبي الحسن: من دعا خصمه إلى حكم من أحكام المسلمين فلم يجب، فهو ظالم فإن قيل: إذا خافوا أن يحيف الله عليهم ورسوله فقد ارتابوا في الدين، وإذا ارتابوا ففي قلوبهم مرض، فالكل واحد، فأي فائدة في التعديد؟
فالجواب: قوله: ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ إشارة إلى النفاق، وقوله: «أَم ارْتَابُوا» إشارة إلى أنهم بلغوا في حب الدنيا إلى حيث يتركون الدين بسببه. فإن قيل: هذه الثلاثة متغايرة ولكنها متلازمة، فكيف أدخل عليها كلمة «أم» ؟
فالجواب الأقرب أنه تعالى أنبههم على كل واحدة من هذه الأوصاف، فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق، وكان فيها شك وارتياب، وكانوا يخافون الحيف من الرسول، وكل واحد من ذلك كفر ونفاق، ثم بين تعالى بقوله: ﴿بَلْ أولئك هُمُ الظالمون﴾ بطلان ما هم عليه، لأن الظلم يتناول كل معصية، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13] .
{"ayahs_start":47,"ayahs":["وَیَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَۚ وَمَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَإِذَا دُعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَهُمۡ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ","وَإِن یَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ یَأۡتُوۤا۟ إِلَیۡهِ مُذۡعِنِینَ","أَفِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوۤا۟ أَمۡ یَخَافُونَ أَن یَحِیفَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"],"ayah":"وَیَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَۚ وَمَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق