الباحث القرآني

ثم قال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، نحن قلنا: إن (إن) لا تدل على الوقوع، ولكن الواقع يدل على الوقوع، ممكن أن نقول في هذه الصيغة: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ ما يدل على الوقوع وهو التوكيد، توكيد الجملة يدل على الوقوع كما هو الواقع. ثم قال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مبتدأ، ﴿وَكَذَّبُوا﴾ معطوف عليها، ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ الجملة خبر المبتدأ، ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ جملة في موضع نصب على الحال، يعني: حال كونهم خالدين. ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا﴾: كفروا بالأمر، وكذبوا بالخبر، فعندهم جحود واستكبار، وهذان هما الأساسان للكفر؛ لأن الكفر يدور على شيئين: إما استكبار، وإما جحود، ولننظر كفر إبليس؟ * الطلبة: استكبار. * الشيخ: استكبار، مقرّ؟ * الطلبة: نعم. * الشيخ: نعم، هو مقرّ، لكن استكبر، كفر فرعون وقومه؟ * الطلبة: استكبار. * الشيخ: نعم، استكبار، لكنه ظاهره الجحود والتكذيب؛ لأنه قال: ﴿جَحَدُوا بِهَا﴾ [النمل 14]، فهم في ألسنتهم مكذِّبون، لكنهم في نفوسهم مصدِّقون، إذن يمكن أن نقول: إن كفرهم استكبار وجحود، فباعتبار أقوالهم أيش؟ جحود، وباعتبار أفعالهم استكبار؛ لأنهم مقرّون بالحق، فقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: كفروا عن الأعمال واستكبروا عنها ولم ينقادوا لها. ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾، أيّ الآيات؟ الآيات الشرعية، وإن انضاف إلى ذلك الآيات الكونية زاد الأمر شدة، لكن المهم الآيات الشرعية؛ لأن من المكذبين الكافرين من آمنوا بالآيات الكونية دون الشرعية، فمثلًا كفار قريش مؤمنون بأيش؟ بالآيات الكونية، يقرون بأن الله خالق السماوات، وأنه الرازق، وأنه المحيي، وأنه المميت، وأنه مدبر لجميع الأمور، لكنهم كافرون بالآيات الشرعية، إذن ﴿بِآيَاتِنَا﴾ ما دام أن الكفر بالآيات الشرعية ينتظم الكفر بالآيات الكونية، فلنقل: ﴿بِآيَاتِنَا﴾ أيش؟ الشرعية، وإن انضاف إلى ذلك الكفر بالآيات الكونية ازداد قبحًا وشرًّا. ﴿و﴿أُولَئِكَ﴾، أي: المذكورون، وأشار إليهم بإشارة البعيد، استبعادًا لهم واجتنابًا لطريقهم، لا ترفيعًا لهم وتعلية لهم، لكنهم لظاهر التبرؤ منهم والاستبعاد قال: ﴿أُولَئِكَ﴾، أي: المذكورون ﴿أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، أصحابها، أي: الملازمون لها، ولهذا لا تأتي (أصحاب) إلا في الكفار، ما تأتي في المؤمنين أبدا، كل ما فيه أصحاب النار فهم الكفار؛ لأن المراد الذين هم مصاحبون لها، والمصاحب لا بد أن يلازم مَن صاحب. وقوله: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي: ماكثون. وهل المراد المكث الطويل أو الدائم؟ يتعين أن نقول: إن المراد بذلك المكث الدائم، ودليل ذلك ثلاث آيات في كتاب الله: آية في النساء، وآية في الأحزاب، وآية في الجن، فآية النساء، هاتها؟ * الطالب: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. * الشيخ: من أين أتيت بالآية؟ هذه في النساء؟ أنا قلت: في النساء وفي الأحزاب وفي الجن، نريد منك آية النساء؟ ما تحفظها؟ * طالب آخر: ﴿إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾. * الشيخ: اقرأ ما قبلها؟ * الطالب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٧ - ١٦٩]. * الشيخ: أحسنت، تمام، وفي الأحزاب؟ * الطالب: إن الله أعد للكافرين سعيرا خالدين فيها. * الشيخ: اقرأ الآية؟ * الطالب: (...) * الشيخ: نعم. * طالب: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب ٦٥]. * الشيخ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥]، في الجن؟ * طالب: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣]. * الشيخ: أحسنت، ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾. * طالب: بارك الله فيكم، إيه رأي الشيخ إذا أراد الإنسان أن يفسر فقال: قال الله تعالى كذا وكذا، ثم فسر، هل هو ينبغي أن يستعيذ؛ لأن الله عز وجل قال: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل ٩٨] أم نقول: لا؛ لأن النبي ﷺ كان يستدل بالآيات ولا يستعيذ؟ * الشيخ: الظاهر أن هذا في مناط التلاوة فقط، أما مناط التفسير فلا أظنه يدخل في ذلك، لكن لو استعاذ فأرجو أن لا يكون مبتدعًا. * طالب: قوله: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ﴾ ذكرتم فيها أن الكلمات هي قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾، ظاهر الآيات ما قال: قال الله: قُولا؟ * الشيخ: نعم، إي نعم، ما هو شرط أن يقول، ما هو بشرط، هذا هو المشهور عند العلماء. * الطالب: ما هو الدليل على أن الله عز وجل ألقى إليه هذه الكلمات؟ * الشيخ: تلقاها من ربه، التلقي لا بد أن يكون له مُلقَى ومتلقي. * طالب: إذا قال قائل: قوله تعالى: ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة ٤] نحن عرّفنا أن الطيبات هي ما أحله الله، إذا قال قائل يا شيخ (...)؟ * الشيخ: صحيح، هذا ربما يقال: يلزمهم التوبة؛ لأننا إذا.. يلزم من كونها طيبات ما طاب واستلذه الإنسان أيضًا الاختلاف والفوضى، كلٌّ يقول: هذا طيب، وهذا يقول: رديء، ألم تعلم أن من الناس من لا يأكل الجراد ويقول: هذا خبيث مثل الصوارير؟ نعم، ألم تعلم أن الدخان الآن فيه من يرى أنه طيب، ولا يمكن، لكن المعنى أنه لكمال شريعته ما أحل إلا الطيبات فقط، هذا هو المعنى. * طالب: من أهل العلم من قال: بعدم خلود النار؟ * الشيخ: بعدم تأبيدها؟ أحد قال بهذا؟ أرأيت لو أن أحدًا قال هذا، وقال رب العالمين: أبدًا، ماذا تقول؟ من تصدق؟ نعم، إي نعم، انتهى؛ ولهذا في الحقيقة أن هذه تعتبر من هفوات بعض العلماء، من هفواتهم، ورأيت تعليقًا لشيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله على كتاب شفاء العليل لابن القيم انتقد هذا بشدة، حتى قال: إنه لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة، ومثل هذا لا ينبغي لابن القيم أن ينتصر له، ولا شك أن هذا قول ضعيف، ولهذا تجد عقائد أهل السنة والجماعة كلها فيها موجودتان لا تفنيان أبدا، عرفت؟ إي نعم. * طالب: شيخ، بالنسبة لما ذكرنا من (...) الخبائث، قول النبي ﷺ في الثوم والبصل: «إِنَّهُمَا شَجَرَتَانِ خَبِيثَتَانِ» »[[جاء وصف هاتين الشجرتين بالخبيث في حديث قرة بن إياس عند أحمد (١٦٢٤٧)، أبي ثعلبة الخشني عند أحمد (١٧٧٤١)، ووصف النبي ﷺ الثوم بالخبث في حديث أبي سعيد الخدري في مسلم (٥٦٥/٧٦)، ووصف البصل والكراث بالمنتنة في حديث جابر عند مسلم (٥٦٤/٧٢).]]، هل يمكن أن نحمل الخبث هنا على أنه خبث آخر غير الخبث الوارد المذكور؟ * الشيخ: بلى بلى، ما فيه شك، بلى خبث من أجل رائحتها الكريهة. * الطالب: فيصح الاستدلال بالآية ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف ١٥٧] على تحريم الدخان؟ * الشيخ: لا ما (...)، الذين يشربونه يقولون: ما هو بخبيث، يقول: ما شاء الله إذا استدار رأسك تشرب لك سيجارة والشرط إن ها الدوران يروح عنك. * الطالب: (...) الخبث الشرعي؟ * الشيخ: الخبث الشرعي ما قيل شيء في الشرع، إن قلت: الرائحة، جئنا بالثوم والبصل، إن قلت: الضرر، قال: ما شاء الله في الآن ناس يشربونها من أصح الناس. * الطالب: (...). * الشيخ: نعم، ما (...)، ولهذا رأيت بعض العلماء أول ما طلع قال: إن شرب الدخان قد يجب وجوبًا على الإنسان، قال: مثلًا لو كان إنسان لتأخره عن شرب السيجارة داخ ولا يستطيع يصلي إلا وهو يشرب الدخان، والوقت ضيق الآن، لو دخل وقال: الله أكبر، ما يدري يقول: الله أكبر، أو يقول: سمع الله لمن حمده، قلنا: يجب على هذا يشرب. * الطالب: (...)؟ * الشيخ: نعم، رأيت أنا في..، أظن في مجمع المنقور. * الطالب: مش (...)، يا شيخ على تحريم الدخان الآن بكلمة هذه؟ * الشيخ: لا مذهب، قول مذهب، يعني الآن اتفق الأطباء على أنه ضار، وأن كثيرًا من الأمراض السرطانية الرئوية واللثية منه، ولهذا يحذرون عنه، وبلغني نقلًا متواترًا عن جميع الطيارين أنهم إذا حاذوا سماء الولايات المتحدة امتنعوا من الدخان، أبدا، ممنوع، حتى في أجوائها، إي نعم، أما في المطاعم والأسواق فممنوع منعًا باتًّا؛ لأنهم أثبتوا أنه ضرر، وأن ها الدخان الذي يتطاير من السيجارة هذا مضر جدًّا، فضلًا عن الذي يستنشقه؛ لأن ما عندنا فيه إشكال الآن، ما في إشكال عندي إطلاقًا أنه من المحرمات، ومسألة يعني يسرف المال فيه أشياء يمكن ينفق عليها الإنسان أكثر من الدخان وهي حلال ما فيها شيء، لكن ضرره واضح، إي نعم. * * * * طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ٤٠ - ٤٤]. * الشيخ: يقول الله عز وجل: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾، هذه السورة كما تعلمون مدنية، وفي المدينة قبائل من اليهود، فلذلك يوجه الله الخطاب إلى بني إسرائيل. * طالب: الفوائد؟ * الشيخ: الآية اللي قبلها؟ من أين؟ * الطالب: من ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ * الشيخ: من فوائد الآية التي قبلها ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ من فوائد الآية الكريمة: أن الذين جمعوا بين هذين الوصفين: الكفر والتكذيب هم أصحاب النار، فإن اتصفوا بأحدهما فقد دل الدليل من جهة أخرى غير الآية أنه يكفر ويكون من أصحاب النار، وهنا الكفر سبق أن شرحناه، وقلنا: الكفر بالنسبة للعمل، والتكذيب بالنسبة للخبر. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين اتصفوا بهذين الوصفين مخلَّدون في النار؛ لقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾، والصاحب هو الملازم لمن صاحبه. ومن فوائد الآية الكريمة: أن ظاهرها أنهم خالدون فيها أبدًا، وقد صرح الله به في مواضع ثلاثة معلومة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب