الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿فَمَن تَبِعَ﴾ إلى آخِرِهِ قَسِيمٌ لَهُ كَأنَّهُ قالَ: ومَن لَمْ يَتْبَعْ بَلْ كَفَرُوا بِاللَّهِ، وكَذَّبُوا بِآياتِهِ، أوْ كَفَرُوا بِالآياتِ جَنانًا، وكَذَّبُوا بِها لِسانًا فَيَكُونُ الفِعْلانِ مُتَوَجِّهَيْنِ إلى الجارِّ والمَجْرُورِ. والآيَةُ في الأصْلِ العَلامَةُ الظّاهِرَةُ، ويُقالُ لِلْمَصْنُوعاتِ مِن حَيْثُ إنَّها تَدُلُّ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ وعِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ، ولِكُلِّ طائِفَةٍ مِن كَلِماتِ القُرْآنِ المُتَمَيِّزَةِ عَنْ غَيْرِها بِفَصْلٍ، واشْتِقاقُها مِن آيٍ لِأنَّها تُبَيِّنُ آيًّا مِن أيٍّ أوْ مِن أوى إلَيْهِ، وأصْلُها أيَّةُ أوْ أوْيَةُ كَتَمْرَةٍ، فَأُبْدِلَتْ عَيْنُها ألِفًا عَلى غَيْرِ قِياسٍ. أوْ أيِيَةُ. أوْ أوَيَةُ كَرَمَكَةٍ فَأُعِلَّتْ. أوْ آئِيَةٌ كَقائِلَةٍ فَحُذِفَتِ الهَمْزَةُ تَخْفِيفًا. والمُرادُ ﴿بِآياتِنا﴾ الآياتُ المُنَزَّلَةُ، أوْ ما يَعُمُّها والمَعْقُولَةُ. وقَدْ تَمَسَّكَتِ الحَشْوِيَّةُ بِهَذِهِ القِصَّةِ عَلى عَدَمِ عِصْمَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ آدَمَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كانَ نَبِيًّا، وارْتَكَبَ المَنهِيَّ عَنْهُ والمُرْتَكِبُ لَهُ عاصٍ.
والثّانِي: أنَّهُ جُعِلَ بِارْتِكابِهِ مِنَ الظّالِمِينَ والظّالِمُ مَلْعُونٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الظّالِمِينَ﴾ .
والثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى أسْنَدَ إلَيْهِ العِصْيانَ، فَقالَ ﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى﴾ .
والرّابِعُ: أنَّهُ تَعالى لَقَّنَهُ التَّوْبَةَ، وهي الرُّجُوعُ عَنِ الذَّنْبِ والنَّدَمُ عَلَيْهِ.
والخامِسُ: اعْتِرافُهُ بِأنَّهُ خاسِرٌ لَوْلا مَغْفِرَةُ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ والخاسِرُ مَن يَكُونُ ذا كَبِيرَةٍ.
والسّادِسُ: أنَّهُ لَوْ لَمْ يُذْنِبْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ ما جَرى. والجَوابُ مِن وُجُوهٍ.
الأوَّلُ: أنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا حِينَئِذٍ، والمُدَّعِي مُطالَبٌ بِالبَيانِ.
والثّانِي: أنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ، وإنَّما سُمِّيَ ظالِمًا وخاسِرًا لِأنَّهُ ظَلَمَ نَفْسَهُ وخَسِرَ حَظَّهُ بِتَرْكِ الأوْلى لَهُ. وأمّا إسْنادُ الغَيِّ والعِصْيانِ إلَيْهِ، فَسَيَأْتِي الجَوابُ عَنْهُ في مَوْضِعِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. وإنَّما أُمِرَ بِالتَّوْبَةِ تَلافِيًا لِما فاتَ عَنْهُ، وجَرى عَلَيْهِ ما جَرى مُعاتَبَةً لَهُ عَلى تَرْكِ الأوْلى، ووَفاءً بِما قالَهُ لِلْمَلائِكَةِ قَبْلَ خَلْقِهِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ فَعَلَهُ ناسِيًا لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ ولَكِنَّهُ عُوتِبَ بِتَرْكِ التَّحَفُّظِ عَنْ أسْبابِ النِّسْيانِ، ولَعَلَّهُ وإنْ حُطَّ عَنِ الأُمَّةِ لَمْ يَحُطَّ عَنِ الأنْبِياءِ لِعِظَمِ قَدْرِهِمْ كَما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أشَدُّ النّاسِ بَلاءً الأنْبِياءُ، ثُمَّ الأوْلِياءُ، ثُمَّ الأمْثَلُ فالأمْثَلُ» . أوْ أدّى فِعْلَهُ إلى ما جَرى عَلَيْهِ عَلى طَرِيقِ السَّبَبِيَّةِ المُقَدَّرَةِ دُونَ المُؤاخَذَةِ عَلى تَناوُلِهِ، كَتَناوُلِ السُّمِّ عَلى الجاهِلِ بِشَأْنِهِ. لا يُقالُ إنَّهُ باطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما﴾، و ﴿وَقاسَمَهُما﴾ الآيَتَيْنِ، لِأنَّهُ لَيْسَ فِيهِما ما يَدُلُّ عَلى أنَّ تَناوُلَهُ حِينَ ما قالَ لَهُ إبْلِيسُ، فَلَعَلَّ مَقالَهُ أوْرَثَ فِيهِ مَيْلًا طَبِيعِيًّا، ثُمَّ إنَّهُ كَفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ مُراعاةً لِحُكْمِ اللَّهِ تَعالى إلى أنْ نَسِيَ ذَلِكَ، وزالَ المانِعُ فَحَمَلَهُ الطَّبْعُ عَلَيْهِ.
(p-75)والرّابِعُ: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أقْدَمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ اجْتِهادٍ أخْطَأ فِيهِ، فَإنَّهُ ظَنَّ أنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ أوِ الإشارَةِ إلى عَيْنِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ فَتَتَناوَلُ مِن غَيْرِها مِن نَوْعِها وكانَ المُرادُ بِها الإشارَةَ إلى النَّوْعِ، كَما رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أخَذَ حَرِيرًا وذَهَبًا بِيَدِهِ وقالَ: « هَذانِ حَرامٌ عَلى ذُكُورِ أُمَّتِي حُلٌّ لِإناثِها» . وإنَّما جَرى عَلَيْهِ ما جَرى تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الخَطِيئَةِ لِيَجْتَنِبَها أوْلادُهُ. وفِيها دَلالَةٌ عَلى أنَّ الجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ وأنَّها في جِهَةٍ عالِيَةٍ، وأنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ، وأنَّ مُتَّبِعَ الهُدى مَأْمُونُ العاقِبَةِ، وأنَّ عَذابَ النّارِ دائِمٌ، وأنَّ الكافِرَ فِيهِ مُخَلَّدٌ، وأنَّ غَيْرَهُ لا يُخَلَّدُ فِيهِ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾ .
واعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لَمّا ذَكَرَ دَلائِلَ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والمَعادِ، وعَقَّبَها تَعْدادَ النِّعَمِ العامَّةِ تَقْرِيرًا لَها وتَأْكِيدًا، فَإنَّها مِن حَيْثُ إنَّها حَوادِثُ مَحْكَمَةٌ تَدُلُّ عَلى مُحَدِّثٍ حَكِيمٍ لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، ومِن حَيْثُ إنَّ الإخْبارَ بِها عَلى ما هو مُثَبَّتٌ في الكُتُبِ السّابِقَةِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَلَّمْها، ولَمْ يُمارِسْ شَيْئًا مِنها إخْبارٌ بِالغَيْبِ مُعْجِزٌ يَدُلُّ عَلى نُبُوَّةِ المُخْبَرِ عَنْها، ومِن حَيْثُ اشْتِمالُها عَلى خَلْقِ الإنْسانِ وأُصُولِهِ وما هو أعْظَمُ مِن ذَلِكَ، تَدُلُّ عَلى أنَّهُ قادِرٌ عَلى الإعادَةِ كَما كانَ قادِرًا عَلى الإبْداءِ، خاطَبَ أهْلَ العِلْمِ والكِتابِ مِنهُمْ، وأمَرَهم أنْ يَذْكُرُوا نِعَمَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ، ويُوفُوا بِعَهْدِهِ في اتِّباعِ الحَقِّ واقْتِفاءِ الحُجَجِ لِيَكُونُوا أوَّلَ مَن آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وما أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقالَ:
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق