﴿والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿فَمَن تَبِعَ﴾ قَسِيمٌ لَهُ، كَأنَّهُ قالَ: ومَن لَمْ يَتْبَعْهُ، وإنَّما أُوثِرَ عَلَيْهِ ما ذَكَرَ تَعْظِيمًا لِحالِ الضَّلالَةِ وإظْهارًا لِكَمالِ قُبْحِها، أوْ لِأنَّ مَن لَمْ يَتْبَعْ شامِلٌ لِمَن لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ ولَمْ يَكُنْ مِنَ المُكَلَّفِينَ، فَعُدِلَ عَنْ ذَلِكَ لِإخْراجِهِمْ، ولِأنَّهُ شامِلٌ لِلْفاسِقِ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ بِالمُتابَعَةِ المُتابَعَةُ الكامِلَةُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمُ الخَوْفِ، والحُزْنُ، فَلَوْ قالَ سُبْحانَهُ ذَلِكَ لَزِمَ مِنهُ خُلُودُهُ في النّارِ، ولَمّا قالَ ما قالَ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، بَلْ خَرَجَ الفاسِقُ مِنَ الصِّنْفَيْنِ، ويُعْلَمُ بِالفَحْوى إنَّ عَلَيْهِ خَوْفًا وحُزْنًا عَلى قَدْرِ عَدَمِ المُتابَعَةِ، ولَوْ جُعِلَ قَوْلُهُ تَعالى: ”ولا خَوْفَ عَلَيْهِمْ“ حِينَئِذٍ لِنَفْيِ اسْتِمْرارِ الخَوْفِ والحُزْنِ، وأُرِيدَ بِمُتابَعَةِ الهُدى الإيمانُ بِهِ تَعالى كانَ داخِلًا في ﴿فَمَن تَبِعَ هُدايَ﴾ إلّا أنَّ أوْلِياءَ كِتابِ اللَّهِ تَعالى لا يَرْضَوْنَ ذَلِكَ ولا يَقْبَلُونَ، وأُولَئِكَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ، ويُرادُ المَوْصُولُ بِصِيغَةِ الجَمْعِ لِلْإشارَةِ إلى كَثْرَةِ الكَفَرَةِ، والمُتَبادِرُ مِنَ الكُفْرِ الكُفْرُ بِاللَّهِ تَعالى، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا مُتَوَجِّهِينَ إلى الجارِّ والمَجْرُورِ، فَيُرادُ بِالكُفْرِ بِالآياتِ إنْكارُها بِالقَلْبِ، وبِالتَّكْذِيبِ إنْكارُها بِاللِّسانِ، والآيَةُ في الأصْلِ العَلامَةُ الظّاهِرَةُ بِالقِياسِ إلى ذِي العَلامَةِ، ومِنهُ آيَةُ القُرْآنِ، لِأنَّها عَلامَةٌ لِانْقِطاعِ الكَلامِ الَّذِي بَعْدَها، والَّذِي قَبْلَها، أوْ لِأنَّها عَلامَةٌ عَلى مَعْناها، وأحْكامِها، وقِيلَ: سُمِّيَتْ آيَةً لِأنَّ الآيَةَ تُطْلَقُ عَلى الجَماعَةِ أيْضًا، كَما قالَ أبُو عَمْرٍو يُقالُ: خَرَجَ القَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أيْ بِجَماعَتِهِمْ، وهي جَماعَةٌ مِنَ القُرْآنِ، وطائِفَةٌ مِنَ الحُرُوفِ، وذَكَرَ بَعْضُهم إنَّها سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّها عَجَبٌ يُتَعَجَّبُ مِن إعْجازِهِ، كَما يُقالُ: فُلانٌ آيَةٌ مِنَ الآياتِ، وفي أصْلِها، ووَزْنِها، أقْوالٌ: فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلِ، أنَّ أصْلَها أيَيَةٌ بِفَتَحاتٍ، قُلِبَتِ الياءُ ألِفًا لِتَحَرُّكِها وانْفِتاحِ ما قَبْلَها عَلى خِلافِ القِياسِ، كَغايَةٍ، ورايَةٍ، إذِ المُطَّرِدُ عِنْدَ اجْتِماعِ حَرْفَيْ عِلَّةٍ إعْلالُ الآخَرِ، لِأنَّهُ مَحَلُّ التَّغْيِيرِ، ومَذْهَبُ الكِسائِيِّ أنَّ أصْلَها آيِيَةٌ كَفاعِلَةٍ، وكانَ القِياسُ أنْ تُدْغَمَ كَدابَّةٍ، إلّا أنَّهُ تُرِكَ ذَلِكَ تَخْفِيفًا، فَحَذَفُوا عَيْنَها، ومَذْهَبُ الفَرّاءِ أنَّ وزْنَها فَعْلَةٌ بِسُكُونِ العَيْنِ مِن تَأيَّ القَوْمُ إذا اجْتَمَعُوا، وقالُوا في الجَمْعِ: آياءٌ كَأفْعالٍ، فَظَهَرَتِ الياءُ والهَمْزَةُ الأخِيرَةُ بَدَلُ ياءٍ، والألِفُ الثّانِيَةُ بَدَلٌ مِن هَمْزَةٍ هي فاءُ الكَلِمَةِ، ولَوْ كانَ عَيْنُها واوًا لَقالُوا في الجَمْعِ: آواءٌ ثُمَّ إنَّهم قَلَبُوا الياءَ السّاكِنَةَ ألِفًا عَلى غَيْرِ القِياسِ، لِعَدَمِ تَحَرُّكِها، وانْفِتاحِ ما قَبْلَها، ومَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ أنَّ وزْنَها أيْيَةٌ كَنَبْقَةٍ، فَأُعِلَّتْ، وهو في الشُّذُوذِ كالأوَّلِ، وقِيلَ: وزْنُها فَعُلَةٌ بِضَمِّ العَيْنِ، وقِيلَ: أصْلُها أياةٌ، فَقُدِّمَتِ اللّامُ وأُخِّرَتِ العَيْنُ، وهو ضَعِيفٌ، وكُلُّ الأقْوالِ فِيها لا تَخْلُو عَنْ شُذُوذٍ، ولا بِدْعَ في آيَةٍ، والمُرادُ بِالآياتِ هُنا الكُتُبُ المُنَزَّلَةُ أوِ الأنْبِياءُ أوِ القُرْآنُ أوُ الدَّوالُّ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ مِن كُتُبِهِ، ومَصْنُوعاتِهِ، ويُنَزَّلُ المَعْقُولُ مَنزِلَةَ المَلْفُوظِ لِيَتَأتّى التَّكْذِيبُ، وأتى سُبْحانَهُ بِنُونِ العَظَمَةِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ، وإدْخالِ الرَّوْعَةِ، وأضافَ تَعالى الآياتِ إلَيْها لِإظْهارِ كَمالِ قُبْحِ التَّكْذِيبِ (p-241)بِها، وأشارَ بِـ(أُولَئِكَ) إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ لِلْإشْعارِ بِتَمَيُّزِ أُولَئِكَ بِذَلِكَ الوَصْفِ تَمَيُّزًا مُصَحِّحًا لِلْإشارَةِ الحِسِّيَّةِ مَعَ الإيذانِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ فِيهِ، وهو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أصْحابُ، وهو جَمْعُ صاحِبٍ، وجَمْعُ فاعِلٍ عَلى أفْعالٍ شاذٌّ كَما في البَحْرِ، ومَعْنى الصُّحْبَةِ الِاقْتِرانُ بِالشَّيْءِ، والغالِبُ في العُرْفِ أنْ تُطْلَقَ عَلى المُلازَمَةِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ الَّذِينَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْمُ الإشارَةِ بَدَلًا مِنهُ، أوْ عَطْفَ بَيانٍ، والأصْحابُ خَبَرَهُ، والجُمْلَةُ الاِسْمِيَّةُ بَعْدُ في حَيِّزِ النَّصْبِ عَلى الحالِيَّةِ لِوُرُودِ التَّصْرِيحِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ خالِدِينَ فِيها﴾ وجُوِّزَ كَوْنُها حالًا مِنَ النّارِ لِاشْتِمالِها عَلى ضَمِيرِها، والعامِلُ مَعْنى الإضافَةِ أوِ اللّامُ المُقَدَّرَةُ أوْ في حَيِّزِ الرَّفْعِ عَلى أنَّها خَبَرٌ آخَرُ لِأُولَئِكَ، عَلى رَأْيِ مَن يَرى ذَلِكَ، قالَ أبُو حَيّانَ: ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِما أُبْهِمَ في أصْحابِ النّارِ، مُبَيِّنَةً أنَّ هَذِهِ الصُّحْبَةَ يُرادُ مِنها مُطْلَقُ الِاقْتِرانِ بَلِ الخُلُودِ، فَلا يَكُونُ لَها إذْ ذاكَ مَحَلٌّ مِنَ الإعْرابِ، والخُلُودُ هُنا الدَّوامُ عَلى ما انْعَقَدَ عَلَيْهِ الإجْماعُ، ومِنَ البَدِيعِ ما ذَكَرَهُ بَعْضُهم أنَّ في الآيَتَيْنِ نَوْعًا مِنهُ يُقالُ لَهُ الِاحْتِباكُ، ويا حَبَّذاهُ، لَوْلا الكِنايَةُ المُغْنِيَةُ عَمّا هُناكَ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}