الباحث القرآني

﴿والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾: عَطْفٌ عَلى "مَن تَبِعَ".. إلَخْ.. قَسِيمٌ لَهُ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: "وَمَن لَمْ يَتَّبِعْهُ"؛ وإنَّما أُوثِرَ عَلَيْهِ ما ذُكِرَ تَفْظِيعًا لِحالِ الضَّلالَةِ؛ وإظْهارًا لِكَمالِ قُبْحِها. وإيرادُ المَوْصُولِ بِصِيغَةِ الجَمْعِ لِلْإشْعارِ بِكَثْرَةِ الكَفَرَةِ. والجَمْعُ بَيْنَ الكُفْرِ؛ والتَّكْذِيبِ؛ لِلْإيذانِ بِتَنَوُّعِ الهُدى إلى ما ذُكِرَ مِنَ النَّوْعَيْنِ. وإيرادُ نُونِ العَظَمَةِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ؛ وإدْخالِ الرَّوْعَةِ. وإضافَةُ الآياتِ إلَيْها لِإظْهارِ كَمالِ قُبْحِ التَّكْذِيبِ بِها؛ أيْ: "والَّذِينَ كَفَرُوا بِرُسُلِنا المُرْسَلَةِ إلَيْهِمْ؛ وكَذَّبُوا بِآياتِنا المُنَزَّلَةِ عَلَيْهِمْ". وقِيلَ: المَعْنى: كَفَرُوا بِاللَّهِ وكَذَّبُوا بِآياتِهِ الَّتِي أنْزَلَها عَلى الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ -؛ أوْ أظْهَرَها بِأيْدِيهِمْ؛ مِنَ المُعْجِزاتِ. وقِيلَ: كَفَرُوا بِالآياتِ جَنانًا؛ وكَذَّبُوا بِها لِسانًا؛ فَيَكُونُ كِلا الفِعْلَيْنِ مُتَوَجِّهًا إلى الجارِّ والمَجْرُورِ. و"الآيَةُ"؛ في الأصْلِ: العَلامَةُ الظّاهِرَةُ؛ قالَ النّابِغَةُ: ؎ تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَها فَعَرَفْتُها ∗∗∗ لِسِتَّةِ أعْوامٍ وذا العامُ سابِعُ وَيُقالُ لِلْمَصْنُوعاتِ؛ مِن حَيْثُ دَلالَتُها عَلى الصّانِعِ (تَعالى)؛ وعِلْمِهِ؛ وقدرته؛ ولِكُلِّ طائِفَةٍ مِن كَلِماتِ القرآن المُتَمَيِّزَةِ عَنْ غَيْرِها بِفَصْلٍ؛ لِأنَّها عَلامَةٌ لِانْفِصالِ ما قَبْلَها مِمّا بَعْدَها؛ وقِيلَ: لِأنَّها تَجْمَعُ كَلِماتٍ مِنهُ؛ فَيَكُونُ مِن قَوْلِهِمْ: خَرَجَ فُلانٌ بِآيَتِهِمْ؛ أيْ (p-94) بِجَماعَتِهِمْ؛ قالَ: ؎ خَرَجْنا مِنَ البَيْتَيْنِ لا حَيَّ مِثْلُنا ∗∗∗ بِآيَتِنا نُزْجِي النِّعاجَ المَطافِلا واشْتِقاقُها مِن "أيُّ"؛ لِأنَّها تُبَيِّنُ أيًّا مِن أيٍّ؛ أوْ "أوى إلَيْهِ"؛ أيْ "رَجَعَ"؛ وأصْلُها "أوْيَةٌ"؛ أوْ "أيَّةٌ"؛ فَأُبْدِلَتْ عَيْنُها ألِفًا؛ عَلى غَيْرِ قِياسٍ؛ أوْ "أوَيَةٌ"؛ أوْ "أيَيَةٌ" كَـ "رَمَكَةٌ"؛ فَأُعِلَّتْ؛ أوْ "آئِيَةٌ"؛ كَـ "قائِلَةٌ"؛ فَحُذِفَتِ الهَمْزَةُ تَخْفِيفًا. ﴿أُولَئِكَ﴾: إشارَةٌ إلى المَوْصُوفِ؛ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ مِنَ الكُفْرِ؛ والتَّكْذِيبِ؛ وفِيهِ إشْعارٌ بِتَمَيُّزِهِمْ بِذَلِكَ الوَصْفِ؛ تَمَيُّزًا مُصَحِّحًا لِلْإشارَةِ الحِسِّيَّةِ؛ وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ؛ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ فِيهِ؛ وهو مُبْتَدَأٌ؛ وقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أصْحابُ النّارِ﴾: أيْ: مُلازِمُوها؛ ومُلابِسُوها؛ بِحَيْثُ لا يُفارِقُونَها؛ خَبَرُهُ؛ والجُمْلَةُ خَبَرٌ لِلْمَوْصُولِ. أوِ اسْمُ الإشارَةِ بَدَلٌ مِنَ المَوْصُولِ؛ أوْ عَطْفُ بَيانٍ لَهُ؛ و"أصْحابُ النّارِ"؛ خَبَرٌ لَهُ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾ في حَيِّزِ النَّصْبِ عَلى الحالِيَّةِ؛ لِوُرُودِ التَّصْرِيحِ بِهِ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿أصْحابُ النّارِ خالِدِينَ فِيها﴾؛ وقَدْ جُوِّزَ كَوْنُهُ حالًا مِنَ النّارِ؛ لِاشْتِمالِهِ عَلى ضَمِيرِها؛ والعامِلُ مَعْنى الإضافَةِ؛ أوِ اللّامُ المُقَدَّرَةُ؛ أوْ في مَحَلِّ الرَّفْعِ؛ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ آخَرُ لِـ "أُولَئِكَ"؛ عَلى رَأْيِ مَن جَوَّزَ وُقُوعَ الجُمْلَةِ خَبَرًا ثانِيًا؛ و"فِيها" مُتَعَلِّقٌ بِـ "خالِدُونَ". والخُلُودُ؛ في الأصْلِ: المُكْثُ الطَّوِيلُ؛ وقَدِ انْعَقَدَ الإجْماعُ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ الدَّوامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب