الباحث القرآني

معنى تلقى الكلمات استقبالها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها. وقرئ بنصب آدم ورفع الكلمات: على أنها استقبلته بأن بلغته واتصلت به. فإن قلت: ما هنّ؟ قلت: قوله تعالى: (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ... الآية. وعن ابن مسعود رضى اللَّه عنه: «إن أحب الكلام إلى اللَّه ما قاله أبونا آدم [[موقوف. أخرجه ابن أبى شيبة في أوائل الصلاة من رواية إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال: قال ابن مسعود: فذكره ولم يقل «ما قال أبونا آدم حين اقترف الخطيئة» .]] حين اقترف الخطيئة: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك، لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» . وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: «يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم تنفخ فىّ الروح من روحك؟ قال: بلى. قال: يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى. قال: يا رب إن تبت وأصلحت أراجعى أنت إلى الجنة؟ قال: نعم [[موقوف. أخرجه الحاكم في ترجمة آدم، من فضائل الأنبياء، من رواية المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عنه.]] » واكتفى بذكر توبة آدم دون توبة حواء، لأنها كانت تبعا له، كما طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنة لذلك. وقد ذكرها في قوله: (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) . فَتابَ عَلَيْهِ فرجع عليه بالرحمة والقبول. فإن قلت: لم كرر: (قُلْنَا اهْبِطُوا) ؟ قلت: للتأكيد ولما نيط به من زيادة قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً. فإن قلت: ما جواب الشرط الأول؟ قلت: الشرط الثاني مع جوابه كقولك: إن جئتني فان قدرت أحسنت إليك. والمعنى: فإما يأتينكم منى هدى برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم بدليل قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) في مقابلة قوله: (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) فإن قلت: فلم جيء بكلمة الشك [[قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت لم جيء بكلمة الشك وإتيان الهدى كائن ... الخ؟» . قال أحمد رحمه اللَّه: هاتان زلتان زلهما فلزهما في قرن: الأولى: إيراد السؤال بناء على أن الهدى على اللَّه تعالى واجب. والثانية: بناء الجواب على أن الوجوب الشرعي يثبت بالعقل قبل ورود الشرع. والحق أن اللَّه تعالى لا يجب عليه شيء- تعالى عن الإيجاب رب الأرباب-. وإنما يدخل تحت ربقة التكاليف المربوب لا الرب. وأما وجوب النظر في أدلة التوحيد، فإنما يثبت بالسمع لا بالعقل، وإن كان حصول المعرفة باللَّه وتوحيده غير موقوف على ورود السمع، بل محض العقل كاف فيه باتفاق.]] وإتيان الهدى كائن لا محالة لوجوبه؟ قلت: للإيذان بأنّ الإيمان باللَّه والتوحيد لا يشترط فيه بعثة الرسل وإنزال الكتب، وأنه إن لم يبعث رسولا ولم ينزل كتابا، كان الإيمان به وتوحيده واجباً لما ركب فيهم [[قوله «واجبا لما ركب فيهم» هذا عند المعتزلة. وأما عند أهل السنة فلا حكم قبل الشرع. (ع)]] من العقول ونصب لهم من الأدلة ومكنهم من النظر والاستدلال. فإن قلت: الخطيئة التي أهبط بها آدم [[قال محمود رحمه اللَّه: «فان قلت الخطيئة التي أهبط بها آدم من الجنة ... الخ» . قال أحمد رحمه اللَّه تعالى: مقتضاه تأويل الآي المشعر ظاهرها بوقوع الصغائر من الأنبياء تنزيهاً لهم عنها. على أن تجويز الصغائر عليهم قد قال به طوائف من أهل السنة. وفي طى وقوعها إلطاف وزيادة في الالتجاء إلى اللَّه تعالى والتواضع له والإشفاق على الخطائين والدعاء لهم بالتوبة والمغفرة، كما نقل عن داود أنه كان بعد ابتلاء اللَّه له يدعو للخطائين كثيراً. وعلى الجملة فالقدرى يجوز الصغائر على الأنبياء ويقول: إن اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر في حق الناس فلا جرم التزم الزمخشري ورود السؤال لأن آدم عليه السلام معصوم من الكبائر باتفاق فيلزم على قاعدة القدرية أن تكون صغيرة واجبة التكفير والمحو، غير مؤاخذ عليها ولا مستوجب بسببها عقوبة ولا شيئاً مما وقع. وهذا لا جواب للزمخشري عنه إلا الانصاف والرجوع عن المعتقدات الباطلة والمذاهب الماحلة ولقد شنع السؤال بقوله إن الذي جرى على آدم عليه السلام كالذي جرى على إبليس عليه اللعنة. ومعاذ اللَّه أن يكون الحالان سواء والعاقبتان كما تعلم: أن آدم عليه السلام خالد في النعيم المقيم وأن إبليس خالد في العذاب الأليم.]] إن كانت كبيرة فالكبيرة لا تجوز على الأنبياء، وإن كانت صغيرة، فلم جرى عليه ما جرى بسببها من نزع اللباس والإخراج من الجنة والإهباط من السماء، كما فعل بإبليس ونسبته إلى الغىّ والعصيان ونسيان العهد وعدم العزيمة والحاجة إلى التوبة؟ قلت: ما كانت إلا صغيرة مغمورة بأعمال قلبه من الإخلاص والأفكار الصالحة التي هي أجل الأعمال وأعظم الطاعات. وإنما جرى عليه ما جرى، تعظيما للخطيئة وتفظيعاً لشأنها وتهويلا، ليكون ذلك لطفاً له ولذرّيته في اجتناب الخطايا واتقاء المآثم، والتنبيه على أنه أخرج من الجنة بخطيئة واحدة، فكيف يدخلها ذو خطايا جمة. وقرئ: فمن تبع هُدَىَّ، على لغة هذيل، فلا خوف- بالفتح.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب