﴿وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَىِٕنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَاۤءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِی جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ ١٢٠ ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ ١٢١ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتِیَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ وَأَنِّی فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ ١٢٢ وَٱتَّقُوا۟ یَوۡمࣰا لَّا تَجۡزِی نَفۡسٌ عَن نَّفۡسࣲ شَیۡـࣰٔا وَلَا یُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلࣱ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَـٰعَةࣱ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ ١٢٣﴾ [البقرة ١٢٠-١٢٣]
ثم قال تعالى:
﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]﴾.
* الطالب: الأسلوب الطلبي ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾، والرسول (...)؟
* الشيخ: أسلوب طلبي؟
* الطالب: خبر طلبي، لو الرسول (...).
* الشيخ: إيه، لكنه أمامه من ينكر، فيثبت أمام هؤلاء المكذبين أنه أرسله، وقد ذكرنا لكم فيما قبل أنه قد يؤكد الشيء، لا باعتبار المخاطَب ولكن باعتبار أهميته، قد يؤكد الشيء باعتبار أهميته، فيقال الخبر ابتدائيًّا ويؤكد، ولكن باعتبار أهميته.
* طالب: حكم الواقف الذي يقول: القرآن كلام الله، ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق؟
* الشيخ: هؤلاء مبتدعة؛ لأن السلف قالوا: غير مخلوق، منزل غير مخلوق، فهؤلاء مخالفون للسلف.
* الطالب: ما نجعلهم مثل الجهمية؟
* الشيخ: لا؛ لأن الجهمية يصرحون بأنه مخلوق.
* الطالب: الإمام أحمد قال: هؤلاء جهمية؟
* الشيخ: لا يعني ما هم جهمية، وربما أن الإمام أحمد رحمه الله يقول: هؤلاء يشير إلى قوم معينين؛ يعني فيه ناس معينين يتسترون، إذا سئلوا يقولون: ما نقول كذا ولا كذا، والإمام أحمد يفهم من هؤلاء أنهم كانوا يقولون: بأنه مخلوق، لكن يتسترون بإظهار التوقف، فالواقفة قد يكون في بعض الأوقات مثل المنافقين يتسترون بالإخفاء، أما بالنظر إلى نفس القول بغير اعتبار القائل فلا شك أن الذي يقف ليس مثل الذي يقول: إنه مخلوق؛ لأن المراتب ثلاثة: من يقول إنه مخلوق، ومن يقول إنه غير مخلوق، ومن يقف، قد يكون توقفه لعدم ظهور الدليل عنده مثلًا، فلا يمكن أن نجعل من قال: إنه مخلوق، أو من سكت كمن قال: إنه مخلوق.
* طالب: لكن ابن القيم في النونية ذكر أن الواقفة شر من (...)؟
* طالب آخر: يعني المفوضة (...).
* الشيخ: لا لا، المفوضة في جميع الصفات، المفوضة ذكر شيخ الإسلام إن قولهم من شر أقوال أهل البدع والإلحاد، اللي يقولون: إننا نفوض المعنى في صفات الله كلها، ولا شك أن دولا قولهم من شر أقوال أهل البدع.
* طالب: شيخ، قوله: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ حكم على هؤلاء الذين يعني قالوا هذه الأشياء بأنهم أصحاب الجحيم لهذا في الآية كأنه يعني يشير للنبي ﷺ أنه لا خير فيهم، فلا داعي من دعوتهم؛ لأنه حكم على من قال بهذا أنه (...) من أصحاب الجحيم كان حكم (...)؟
* الشيخ: يحتمل ما قلت وأنهم لما أيس منهم أمر بتركهم، أو يحتمل أنه مثل قوله: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل ١٢٧] يعني معناها لا تحزن من هذا، ولا تتبع نفسك إياهم فإنك غير مسؤول عنهم، أو يسليه بقوله: ﴿وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ يعني: فإنهم وإن كذبوك وضيقوا صدرك وأحزنوك فلا تَسأل عنهم سنعذبهم، إنما ما في الآية يعني دليل لا يحتمل غيره أن المراد: أعْرِض عنهم، هي صحيح تحتمل ما قلت عن الرسول، أن الله يقول: اتركهم ولا تسأل عنهم، لكن يحتمل معنى آخر أن هذا فيه تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، لأجل أن لا يحزن ولا يضيق بهم.
* الطالب: يعني هو يا شيخ رتب هذه الأشياء ثم قال إنهم من أصحاب الجحيم؟
* الشيخ: إي نعم، قال: ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة ١١٣] يعني معناه تسلية له المعنى لا..صلي الله عليه وسلم.
ويجوز أن يكون لكل من يصح منه الخطاب؛ يعني: لن ترضى عنك أيها المؤمن.
وقوله:
﴿الْيَهُود﴾ هم أتباع موسى الذين ينتسبون إليه، مأخوذة إما من يهوذا جدهم نسبوا إليه، وإما من الهَوْد وهو الرجوع؛ لقولهم:
﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ [الأعراف ١٥٦].
وأما النصارى فإنه مأخوذ من بلد يسمى نَصْران معروف في فلسطين ينتسبون إليه، وقيل: من النُّصرة؛ لأنهم نصروا عيسى عليه الصلاة والسلام؛ فسموا بهذا الاسم، وهم الذين ينتسبون إلى عيسى بن مريم.
* طالب: نصران ولا ناصرة، يا شيخ؟
* الشيخ: نصران، وفيه بلد تسمى ناصرة ما أدري هم ينسبون إليها، ولَّا إلى الثانية، لكن المعروف عندي أنها نصران، وهم ينتسبون إلى عيسى عليه الصلاة والسلام وتسموا أخيرًا بالمسيحيين؛ لأجل أن يعطوا أنفسهم صبغة المشروعية، ولكن المسيح عيسى بن مريم بريء منهم لو خرج لقاتلهم؛ لأنهم كافرون به كما هم كافرون بمحمد ﷺ. يقول:
﴿لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى﴾ [البقرة ١٢٠].
وقوله:
﴿وَلَا النَّصَارَى﴾ (لا) هنا للتوكيد، وليست مستقلة، فإنه لو حذفت وقيل: ولن ترضى عنك اليهود والنصارى لاستقام الكلام، لكنها زيدت للتوكيد؛ لأجل أن لا يظن الظان أن المراد: أن الجميع لا يرضون مجتمعين؛ لأنه لو قال: لن ترضى عنك اليهود والنصارى لظن الظانُّ أنهم لن يرضوا في حال اجتماعهم، مع أن الواقع أن كل طائفة لن ترضى.
﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (حتى) حرف غاية، وهي تنصب المضارع بنفسها عند الكوفيين، وعلى تقدير (أن) عند البصريين.
﴿تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ الملة: الدين، أي: دينهم الذي كانوا عليه، فاليهود لن يرضوا عنك حتى تكون يهوديًّا، والنصارى لن يرضوا عنك حتى تكون نصرانيًّا.
ولكن ما هو الجواب الوحيد لهؤلاء الذين يقولون: إنك يا محمد، لا نرضى بك حتى تتبع ملتنا؟
الجواب: قوله
﴿قُلْ﴾ مجيبًا لهم في عدم رضاهم:
﴿إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾، وليس الهدى ما أنتم عليه، بل إن هدى الله وحده، لا الهدى الذي تزعمون أنكم عليه.
﴿هُوَ الْهُدَى﴾ ﴿هُوَ﴾ ضمير فصل، وقد تكرر علينا أن لضمير الفصل ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى؟
* طالب: التوكيد.
* الشيخ: التوكيد، والثانية: الحصر، والثالثة: بيان أن ما بعده خبر لا صفة، فعلى هذا يكون هذا الضمير لا محل له من الإعراب، ويكون قوله: ﴿الْهُدَى﴾ خبر (إن)، وأما اسمها فهو قوله: ﴿هُدَى اللَّهِ﴾. ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ وما عداه فهو ضلال، قال الله تعالى:
﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس ٣٢]، فكل ما لا يوافق هدى الله فإنه ضلال، وليس ثمة واسطة بين هدى الله والضلال.
ثم قال:
﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ﴾ الخطاب لمن؟ للرسول ﷺ أو لكل من يتأتى خطابه، ولكن الأقرب رجوعه للرسول ﷺ.
وقوله:
﴿لَئِنِ اتَّبَعْتَ﴾ الجملة هذه فيها شرط وقسم، وإذا اجتمعا أي الشرط والقسم، فإنه يحذف جواب المؤخر منهما، قال ابن مالك في الألفية:
وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهُـــــــــــــــــــوَمُلْتَزَمْ
وين القسم؟ القسم هو الذي دل عليه اللام في قوله:
﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ﴾ إذ إن التقدير: والله لئن اتبعت، وأين الشرط؟
* طالب: (إنْ).
* الشيخ: (إنْ)، الجواب: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ﴾ ﴿مَا لَكَ﴾ هذا جواب القسم، لو كان جواب الشرط لوجب اقتران الفاء به؛ لأنه نفي، ولكنه كان جوابًا للشرط فلم تقترن به الفاء، أو جوابًا للقسم فلم تقترن به الفاء، أين جواب الشرط؟ قيل: إنه محذوف دل عليه جواب القسم، وقيل: إنه لا يُحتاج إليه لتمام الكلام بدونه، وهذا القول هو الراجح أنه لا يحتاج إليه لتمام الكلام بدونه، والدليل على ذلك أنه لم يأت مذكورًا في أي أسلوب من أساليب اللغة العربية، فإذا كان لم يأت في أي أسلوب من أساليب اللغة العربية دل على أن الكلام مستغنٍ عنه وأنه لا حاجة له. قال:
﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ شوف، قال:
﴿مِلَّتَهُم﴾ ثم قال:
﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾ لأن هذه الملة التي هم عليها ليست ملة هدى، ولكنها ملة هوى؛ ولهذا قال:
﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ لأنهم على هوى، وليسوا على هدى إذ لو كانوا على هدى لوجب على اليهود أن يؤمنوا بالمسيح عيسى بن مريم، ولوجب عليهم جميعًا أن يؤمنوا بمحمد ﷺ، لكن دينهم هوى وليس هدى، وهكذا كل إنسان يتبع غير ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ويتعصب له فإننا نقول: إن ملتك هوى، وليست هدى.
وقوله:
﴿بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ يشير إلى الوحي الذي جاء إلى النبي ﷺ سواء كان القرآن أو السنة.
وقوله:
﴿جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ هل هو علم الذي جاء الرسول عليه الصلاة والسلام؟ نعم، علم، فإن الله يقول له:
﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت ٤٨] الرسول ما كان عالمًا، كان نبيًّا أميًّا عليه الصلاة والسلام ما يعلم، لا يقرأ ولا يكتب، ولكن الله أنزل عليه هذا العلم حتى صار بذلك نبيًّا جاء بالعلم النافع والعمل الصالح.
﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (ما لك من ولي) ما إعرابه؟ ويش إعراب (ما)؟
* طالب: نافية.
* الشيخ: نافية، إي ﴿مَا لَكَ﴾. وقوله:
﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ إعرابه؟
* طالب: حرف جر.
* الشيخ: حرف جر، و﴿وَلِيٍّ﴾؟
* طالب: مجرور.
* الشيخ: مجرور؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ويش محلها من الإعراب ﴿وَلِيٍّ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما لها محل من الإعراب؟ يعني هو مفعول به مثلًا، عامل بالشيء؟ ويش محله من الإعراب؟
* طالب: مجرور لفظًا مرفوع محلًا.
* الشيخ: أيش معناه من الإعراب؟
* طالب: على أنه مبتدأ.
* الشيخ: على أنه مبتدأ، صح. ﴿وَلِيٍّ﴾ مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر
﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ وأصلها: ما لك من الله وليٌّ، و
﴿لَكَ﴾ جار ومجرور خبر مقدم، وجملة
﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ﴾ لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب؟
* الطلبة: جواب القسم.
* الشيخ: لأنها جواب القسم. ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ أما اسم الله سبحانه تعالى فقد تقدم الكلام عليه، ومعناه واشتقاقه.
وقوله:
﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ الولي هو الذي يتولى غيره بحفظه وصيانته، فالمعنى ما أحد يتولى حفظك سوى الله عز وجل، ولا أحد يتولى نصرك ولا نصير فيدفع عنك، وحينئذ تنزل بك عقوبة الله حتى لو كثر الجنود عندك، ولو كثرت الشُّرَط، ولو كثرت القوة فإنك إذا اتبعت غير شريعة الله ما أحد يحفظك من الله، ولا أحد ينصرك من دونه؛ لأن النصر والولاية تكون بالهداية باتباع هدى الله عز وجل
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ [الأنعام ٨٢] فالأمن إنما يكون بالإيمان، وعدم الظلم،
﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
* طالب: شيخ ﴿وَلِيٍّ﴾ مصدر (...)؟
* الشيخ: لا، ما هو مصدر، (ولي) هذه على وزن (فعيل) من الولاية.
* طالب: شيخ، القيد هنا ﴿بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ له مفهوم؟
* الشيخ: إي، له مفهوم؛ لأن الرسول ﷺ كان قبل أن ينهى عن متابعتهم كان يحب موافقة أهل الكتاب فلما أُمر بمخالفتهم صار ما يتمكن لمخالفتهم.
* طالب: من ناحية أصولية الذي يتبع (...) معذور..؟
* الشيخ: نعم، اللي يتبع غير الإسلام بدون علم فهو معذور، لكنه إذا كان مفرطًّا، وهذه ستأتينا في الفوائد تأتينا في فوائد الآية إن شاء الله. ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ [البقرة ١٢١]،
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ مبتدأ، و
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ قيل: إنها خبر مبتدأ، وعلى هذا فتكون الجملة الثانية:
﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ تكون استئنافية.
وقيل: إن قوله:
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ جملة حالية، وأن
﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ الجملة خبر المبتدأ، نشوف بالمعنى أيهم أرجح.
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ أعطيناهم الكتاب، والإيتاء هنا إيتاء شرعي ولَّا كوني؟
* الطلبة: شرعي.
* الشيخ: أو كله؟ إيتاء شرعي كوني؛ لأن الله قدر أن يعطيهم الكتاب فأعطاهم إياه، وهو أيضًا إيتاء شرعي؛ لأنه فيه الشرائع والبيان، والمراد بمن آتاهم الكتاب إما هذه الأمة أو هي وغيرها، وهذا هو الأرجح أنه شامل لكل من آتاه الله الكتاب، والكتاب المراد به الجنس فيشمل القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من كتب الله عز وجل. وقوله:
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ ﴿يَتْلُونَهُ﴾ التلاوة تطلق على تلاوة اللفظ وهي القراءة، وعلى تلاوة المعنى وهو التفسير، وعلى تلاوة الحكم أي: اتباعه وهو الاتباع، فالتلاوة تطلق على تلاوة اللفظ، تلاوة المعنى يعني الإنسان يتبع المعنى ولا يحرفه، وعلى تلاوة الحكم وهو اتباع الحكم، هذه المعانى الثلاثة للتلاوة داخلة في قوله:
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ التلاوة اللفظية أن يقرأ القرآن باللفظ الذي يجب أن يكون عليه، يكون معربًا كما جاء معربًا ما يغير، فلا يقول مثلًا: الْحَمْدَ للهِ ربَّ العالمين، هذا ما تلاه حق تلاوته بل يقول:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ بدون تغيير؛ لأنه نزل هكذا فوجب أن يتلى هكذا، التلاوة المعنوية أن يفسره بحسب ما أراد الله ورسوله، فيقول مثلًا: المراد بالآية كذا على حسب ما أراد الله، ونحن نعلم مراد الله بها بأي طريق؟ هل الله يقول: أردت بكلامي كذا؟ الجواب: لا، ما قال ذلك، لكنه قال:
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٥].
فنحن نعلم ما يريد الله تعالى بهذا القرآن؛ لأنه جاء باللغة العربية، وهذا المعنى في اللغة العربية هو ما يقتضيه هذا اللفظ أو هذا السياق، فنكون بذلك قد علمنا معنى كلام الله عز وجل، هذه تلاوة المعنى.
تلاوة الحكم: امتثال الأوامر واجتناب النواهي والإقرار بالأخبار، هذه تلاوة الحكم أن تتبع ما حكم به هذا القرآن، وتُقِر بما أخبر به، تفعل، أيش تفعل؟ وتترك النواهي وتصدق بالأخبار، فتكون الآن تاليًا حق التلاوة، فإن استكبرت أو جحدت فإنك لم تتلوه حق تلاوته.
وفي قوله:
﴿حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ هذا من باب إضافة الوصف إلى موصوفه، يعني: التلاوة الحق، يعني تلاوة الجد والثبات وعدم الانحراف يمينًا وشمالًا، وهو من حيث الإعراب مفعول مطلق؛ لأنه مضاف إلى المصدر، مثل قوله في الألفية:
..................... ∗∗∗ كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ............ هنا اتلو حق تلاوته ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾، ﴿أُولَئِكَ﴾ الإشارة تعود إلى الذين أوتوا الكتاب، أوتوا الكتاب وهم يتلونه حق التلاوة، يعني: أولئك المتصفون بهذا الوصف الذين يتلون الكتاب حق تلاوته يؤمنون به، وأما من لم يتلوه حق تلاوته فليس مؤمنًا به، بل عنده من نقص الإيمان بقدر ما عنده من المخالفة، فالإيمان يزيد وينقص؛ ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾، وفي الإشارة إليهم بلفظ البعيد دليل على علو مرتبتهم كقوله في أول سورة البقرة: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة ٥] فهذا دليل على علو منزلتهم ومرتبتهم.
قال:
﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ الإيمان في اللغة: التصديق، لكنه في الشرع تصديق مقيد بالقبول والإذعان، فلا يكفي التصديق وحده، بل لا بد من القبول والإذعان، والدليل على ذلك أن أبا طالب لا يسمى مؤمنًا، مع أنه مصدق ومعترف، لكنه فاته القبول والإذعان، فكون الإنسان يصدِّق ما يقال: مؤمن، ولقد فرح بعض الناس بجاجرين، جاجرين أظنكم تذكرونه؟ رجل من الروس هو أول من صعد إلى القمر، أظن هكذا وقال: أنا أعترف الآن أن هذا الخلق له خالق مدبر. ففرح الناس فرحًا عظيمًا، إنه آمن الرجل، هل هذا إيمان؟ أبدًا، ما آمن؛ لأن هذا مجرد استنتاج عقلي كل إنسان عاقل يعرفه، يعرف أن هذا الكون العظيم المنظم البديع يعرف أن له خالقًا مدبرًا منظمًا كما نعرف أن لهذا المسجد من بناه، ونعرف أن لهذا النور من أضاءه وهكذا، فالحاصل أن هذا ليس بإيمان، مجرد الاعتراف بالله سبحانه وتعالى لا يعد إيمانًا، ولا بالرسول ﷺ، المنافقون يقولون:
﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون 1]، ولكن مع هذا إن كانوا صادقين في شهادتهم، لكن الله كذبهم يكذبون، يقولون: نشهد وهم كاذبون؛ لأن ما عندهم انقياد ولا قبول، بل قلوبهم منكرة -والعياذ بالله- إذن
﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ لأنهم
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾، فمن لم يتلو القرآن حق تلاوته بالمعاني الثلاثة التي ذكرنا، فإنه ناقص الإيمان، وقد يفقده بالكلية.
قال:
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
* طالب: إذن ما هو الخبر يا شيخ؟
* الشيخ: ذكرنا أن الخبر فيه رأيان للعلماء: رأي ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾، ورأي آخر ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ وعلى هذا الرأي الأخير تكون ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ جملة حالية، يعني: الذين آتيناهم الكتاب حال كونهم يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به، فيكون الحكم عليهم بالإيمان به مشروطًا بوصفهم بتلاوته إياه حق تلاوته، فالجملة على هذا الإعراب واحدة، لكن المبتدأ مقيد، أما على الرأي الثاني فالكلام جملتان: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ولكن الأقرب الإعراب الأول؛ لأنه الكلام هنا على الإيمان بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ما يؤمن به إلا من يتلو الكتاب حق تلاوته سواء التوراة أو الإنجيل أو القرآن، ما يؤمن به حق الإيمان إلا من يتلوه حق التلاوة، وعلى هذا فقَيْد الذين آتيناهم الكتاب بكونهم يتلونه حق التلاوة أحسن، يعني: أنه من أوتي الكتاب، وصار على هذا الوصف يتلوه حق تلاوته فهو الذي يؤمن به.
* طالب: هل ينظر لإعراب قول الله تعالى: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ خبر يشكل، لكنه قدم أوتوا الكتاب من لا يتلوه حق التلاوة (...)؟
* الشيخ: لا لا، ما هو بخبر (...) خبر محض، هذا أيضًا مما يقوي أن جملة ﴿يَتْلُونَهُ﴾ حال. وقوله:
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
* طالب: شيخ ما يصلح أن يكون خبرًا ثانيًا (أولئك)؟
* الشيخ: لا لا، مسألة إنه خبر ثاني أو جملة مستأنفة هذه متفرع عن قولنا: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ هو الخبر.
* طالب: إذا كان هو الخبر؟
* الشيخ: الأرجح أنه يكون حالًا.
* طالب: ما يصلح أن يكون هو الخبر.
* الشيخ: أقول: الأرجح أنه يكون حالًا، وكونه خبرًا مرجوح. قوله:
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ﴿مَنْ﴾ شرطية جازمة هنا أو لا؟
﴿يَكْفُرْ﴾ مجزوم،
﴿بِهِ﴾ أي: بالكتاب
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾، الجملة
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ هي جواب الشرط، واقترنت بالفاء؛ لأنها جملة اسمية، والجملة الاسمية إذا كانت جوابًا للشرط وجب اقترانها بالفاء كأخواتها المذكورة في البيت:
اسْمِيَّـــــــــــــةٌ طَــــــــلَبِيَّةٌوَبِجَــــــــامِدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ هذه السبعة إذا جاءت جوابًا للشرط فإنه يقترن بالفاء.
وقوله:
﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ما قال: ومن يكفر به فقد خسر، بل أتى بالجملة الاسمية المفيدة شنو؟ للثبوت والاستمرار، وأتى بضمير الفصل في قوله:
﴿هُمُ﴾ لإفادة الحصر والتوكيد يعني فأولئك الذين كفروا به هم الخاسرون لا غيرهم، وعليه فكل من ليس بمؤمن فهو خاسر، هذا الرجل عنده ملايين الدراهم، عنده سيارات، عنده عقارات، عنده بنون، عنده زوجات عنده أهل، عنده ملك، لكنه كافر ويش نقول؟ خاسر، هو خاسر، هو في الحقيقة لم يربح من هذا المال، ولا من الأولاد
﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ١٥] هذا المال ما ينفعه، بل سيكون حسرة عليه؛ لأنه سيفقده، سيفقده هو أو يفقد المال، يعني إما أن يموت عن المال، أو أن المال يفوت عنه.
وقوله:
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ما معنى
﴿الْخَاسِرُونَ﴾؟ أصل الخسران النقص؛ ولهذا يقال: ربح، ويقال: في مقابله خسر، فهؤلاء هم الذين حصل عليهم النقص لا غيرهم؛ لأنهم مهما أوتوا من الدنيا فإنها زائلة وفانية فلا تنفعهم.
ثم قال الله تعالى:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة ١٢٢].
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، والمراد بـ(بنيه) هنا: كل من ينتسب إليه من ذكر أو أنثى؛ لأنه مر علينا في الوقت أن كلمة (بني) تختص بالذكور ما لم يكونوا قبيلة، فإن كانوا قبيلة شملت الذكر والأنثى.
وقوله:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾ التذكير هنا بالنعمة ليس لمجرد أن يذكر الإنسان أن الله أنعم عليه نعمة قبل، ولكن المراد أن يتخذ من هذه النعمة، أو من هذا التذكر للنعمة طريقًا إلى شكره، بامتثال أمره واجتناب نهيه، يعني: لا تنسَوْا ما أنعمت به عليكم فتكفروا برسول الله ﷺ، بل آمنوا به واتبعوه جزاء لهذه النعمة.
وقوله:
﴿نِعْمَتِيَ﴾ هو مفرد مضاف فيشمل جميع النعم التي أنعم الله بها عليهم، والله تعالى أنعم عليهم بنعم كثيرة.
وقوله:
﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ هذا أيضًا من باب عطف الخاص على العام، وإلا فالتفضيل على العالمين لا شك أنه نعمة، لكنه لما كان مرتبة عالية، التفضيل على الناس خصه الله تعالى بالذكر.
وقوله:
﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ عليهم أي: جعلتكم أفضل منهم، وقد أشار موسى ﷺ إلى ذلك بقوله:
﴿يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة ٢٠] هذا من تفضيله على العالمين.
وقوله:
﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ﴾ ماضية ولا حاضرة؟
* الطلبة: ماضية.
* الشيخ: إذن ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ ماضٍ أيضًا، فالله تعالى فضلهم على العالمين حين أنعم عليهم، وذلك قبل أن توجد هذه الأمة، أما بعد وجود هذه الأمة فإن هذه الأمة أفضل، أفضل من بني إسرائيل كما دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة. وقوله:
﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ العالم من المراد بهم؟ المراد بهم ما سوى الله، وقد يراد بهم بنو آدم فقط، فهنا إن كان المراد بـ(العالمين) من سوى الله كان دليلًا على أن بني إسرائيل فُضلوا حتى على الملائكة، وإذا قلنا: المراد بالعالمين عالَم بني آدم الذين هم من جنسهم، صار لا يشمل الملائكة ولا الجن، وذلك لأن (العالم) قد يراد به ما سوى الله، وقد يراد به شيء مخصوص وهم بنو آدم إذا دل السياق عليه، كما تقول: عالم الحيوان، عالم الإنس، عالم الجن وتقول أخص من هذا: عالم البهائم، عالم الحشرات، عالم كذا.
وسُمي عالمًا؛ لأنه علم على خالقه سبحانه وتعالى، فإن هذه المخلوقات كلها فيها دليل وآيات عظيمة على وجود الله سبحانه وبحمده، فهي علم على وجود الله، وعلى ما تتضمنه هذه المخلوقات من بيان الرحمة والحكمة والنعمة.
* طالب: أي المعنيين أصح، العالمين؟
* الشيخ: الأقرب -والله أعلم- الأخير، العالم الخاص الذي من جنسه. ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ [البقرة ١٢٣].
﴿اتَّقُوا يَوْمًا﴾ أيش معنى
﴿اتَّقُوا﴾؟ اتخذوا وقاية من العذاب الذي يقع فيه؛ لأن التقوى أصلها على حسب التصريف اللغوي أصلها (وَقْوَى) فقلبت الواو تاء فصارت (تقوى)، وهي من الوقاية، والممتثل لأوامر الله سبحانه تعالى لا شك أنه اتخذ وقاية من عذاب الله.
﴿اتَّقُوا يَوْمًا﴾ لا شك أنه لا يراد اتقوا يومًا أن لا يقع، فإن هذا اليوم لا بد أن يقع، لكن اتقوا ما يكون فيه من أين؟ من العذاب والنكال للمخالف، وقال:
﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ فليس تفضيل آبائكم على العالمين بمغنٍ عنكم شيئًا، لا تقولوا: لنا آباء مفضلون على العالمين، وسنسلم بهم من النار أو من عذاب هذا اليوم، لا،
﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ إلا الوالد فيجزي عن ولده؟
* الطلبة: ما يجزي.
* الشيخ: ما يجزي؟ ولا المولود؟
* الطلبة: ولا المولود.
* الشيخ: ﴿يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس ٣٤ - ٣٧]. والدليل على العموم أن قوله:
﴿نَفْسٌ﴾ نكرة في سياق؟
* طالب: النفي.
* الشيخ: النفي، فتكون؟
* طالب: للعموم.
* الشيخ: تكون للعموم، النكرة في سياق النفي والنهي والشرط والاستفهام الإنكاري تكون للعموم، فهنا النكرة في سياق النفي فتكون للعموم، أي نفس ما تجزي عن نفس أخرى شيئًا، هذا النبي ﷺ لا يجزي عن أبيه شيئًا، قال للرجل: «أَبِي وَأَبُوكَ فِي النَّارِ»(١)، ولا يجزي عن أمه شيئًا استأذن من الله عز وجل أن يستغفر لأمه فمنعه(٢)، ومَن دون الرسول ﷺ من باب أولى. فـ
﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾.
وقوله:
﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النفي أيضًا، فتعم أي شيء، ولا يرد على هذا الشفاعة الشرعية التي ثبتت بها السنة، فإن هذه الآية مخصوصة بها.
وقال:
﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ لا يقبل منها أي: من نفسٍ عدلٌ، والذي يقبل أو يرد من؟ الله سبحانه وتعالى، والعدل بمعنى المعادل، يعني: لو أتت بالفداء ما يقبل
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ﴾ [المائدة ٣٦] ولن يقبل الله منهم ذلك.
* طالب: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾.
* الشيخ: نعم ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ٤٧]. على كل حال لو جاء هؤلاء بما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من العذاب ما نفعهم، وهذا معنى قوله:
﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾، فالعدل معناه الشيء المعادل كما قال الله تبارك وتعالى في سورة المائدة:
﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة ٩٥]
﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ أي: ما يعادله من الصيام، فالعدل إذن بمعنى المعادلة.
﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾ الشفاعة في اللغة العربية من الشِّفْع أو من الشَّفْع بالفتح، وهو ما يسمى بالزوج، يعني: الاثنين شفع؛ لأن كل واحد منهما شفع الآخر، فالشفاعة في اللغة العربية من الشَّفع وهو الزوج، لكنها في الاصطلاح: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، هذه الشفاعة: أن تتوسط لغيرك بجلب منفعة أو دفع مضرة، فالشفاعة لأهل النار أن يخرجوا منها، هذه بدفع مضرة، والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، هذه في جلب منفعة، في هذا اليوم
﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾، و
﴿شَفَاعَةٌ﴾ نكرة في سياق النفي فتعم أي شفاعة، كما قال تعالى:
﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر ٤٨]، وهذه الآية الكريمة عامة، لكنها مخصوصة بما ثبتت به السنة من إثبات الشفاعة العامة والخاصة، فقد ثبت أن النبي ﷺ يشفع في أهل الموقف أن يقضى بينهم
(٣)، وثبت عنه أيضًا أنه يشفع في أهل الكبائر ألا يدخلوا النار، وفيمن دخل النار أن يخرج منها
(٤)، فعلى هذا يكون العموم في قوله:
﴿وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾ مخصوص بما ثبتت به السنة من أيش؟ الشفاعة.
وقوله:
﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ كيف هم ينصرون مع أن السياق يرجع إلى مفرد، شوف
﴿نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ﴾ ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا﴾ أي: النفس
﴿وَلَا تَنْفَعُهَا﴾ أي: النفس، فمقتضى السياق أن يقول: ولا هي تنصر ولا هي -أي النفس- تنصر، فقال:
﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ نقول: أعاد الضمير إليها باعتبار المعنى؛ لأنه ما دامت للعموم
﴿نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ﴾، فالعموم يدل على الجمع وعلى الكثرة، فعاد الضمير إلى النفس باعتبار أيش؟
* الطلبة: المعنى.
* الشيخ: باعتبار المعنى ما هو باعتبار اللفظ، لا، لو كان باعتبار اللفظ، لقال: ولا هي تنصر، باعتبار المعنى لأن (نفس) عامة. ثم إن هناك ملاحظة لفظية وهي مراعاة الفواصل، فواصل الآيات، ومراعاة الفواصل أمر ورد به القرآن حتى إنه من أجل المراعاة يقدم المفضول على الفاضل، تستحضرون هذا؟
* الطلبة: نعم ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه ٧٠].
* الشيخ: ﴿بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ لأن سورة طه كلها على فاصلة ألف إلا بعض الآيات القليلة، فمراعاة الفواصل إذن من بلاغة القرآن، فهنا نقول: إنه عبر بالجمع مراعاة للمعنى، هذا باعتبار المعنى، ومراعاة للفواصل باعتبار اللفظ.
* طالب: سؤال يا شيخ، في قوله: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ﴾ [عبس ٣٤، ٣٥]. هنا قدم (أخيه) على (أمه وأبيه)؟
* الشيخ: لا، ما هو منها؛ لأنه ما تختلف الفواصل، لو قال: من أبيه وأمه وأخيه ما اختلف، لكن التقديم.
* طالب: الأخ على الأم والأب وبعده صاحبته وبنيه؟
* الشيخ: إي، بالترتيب؛ لأن كون الإنسان يألف أخاه أقل من كونه يألف أمه وأباه.
* طالب: (...) صاحبته وبنيه..؟
* الشيخ: إي صاحبته وبنيه ألصق من أمه وأبيه، أليس كذلك؟
* طالب: (...) إزالة دليل شرعي بدليل..؟
* الشيخ: قلنا: إزالة حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل شرعي، إزالة أو رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل شرعي، قلنا لكم هذا.
* طالب: خمس رضعات يحرمن(٥).
* الشيخ: تأكد.
* طالب: (...) لفظها وحكمها كله.
* الشيخ: إي نعم الخمس.
* طالب: الخمس.
* الشيخ: الظاهر أن الجماعة ما يوافقونك، (...)؟
* طلبة: العشر.
* الشيخ: العشر، الخمسة حكمها باقي.
* طالب: العشر من الأول.
* طالب: إي، من الأول.
* الشيخ: هل النسخ جائز عقلًا واقع شرعًا أو لا؟
* طالب: واقع.
* الشيخ: واقع شرعًا، ويش الدليل؟
* طالب: الدليل ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾.
* الشيخ: الدليل قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا﴾ [البقرة ١٠٦]. وهل هو جائز عقلًا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ويش وجهه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: فهمتم الآن؟ بعض العلماء يقول: ما هو جائز عقلًا وهذا خطأ؛ لأن ما وقع شرعًا فهو جائز عقلًا بلا شك، الشرع ما يأتي بالمحال، لكن نحن نقول: جائز عقلًا، بل واجب عقلًا، وجهه؟ أن النسخ يعتبر فيه تطور المحكوم عليه، ومدى تقبله للحكم، وكون هذا الحكم في هذا الزمان بالوقت بالذات مصلحة، وفي الزمن الأول ليس مصلحة، وليس يلزم منه -كما قيل- تجدد علم الله، هذا مستحيل، بل الحكم تغير؛ لاختلاف المصلحة، إما بتغير الزمان أو بتغير حال المحكوم عليه أو بتغير المكان أيضًا.
* طالب: لماذا لا نقول: سمعي، وليس بعقلي؟
* الشيخ: لا، نقول: عقلي أيضًا.
* الطالب: يا شيخ، يجيبون عن هذا يقولون مثلًا: الحالة التي أوجبت الحكم الأول قد تتجدد، قد تحدث مرة ثانية.
* الشيخ: نعم، إذا حدثت ثبت.
* الطالب: يعني مثلًا نكاح المتعة اللي أبيح في حال المشقة يمكن يجيء حال أشق منها على هذه الأمة؟
* الشيخ: إي نعم، يمكن أن يجيء حال أشق، ولولا أن الرسول قال: «إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ»(٦) لقلنا بها، ولهذا رأي ابن عباس رضي الله عنه أنها جائزة للضرورة.
* الطالب: إذا قلنا (...) ما أدخلوا علينا من هذا الباب.
* الشيخ: لا، يُدْخلون علينا، يقول؛ لأن المصلحة اقتضت الآن اتضحت أنه محرم ممنوع إلى يوم القيامة، ولا يمكن يكون فيه مصلحة إطلاقًا في المستقبل.
* الطالب: كان فيه مصلحة في السابق؟
* الشيخ: إي نعم، فيه مصلحة.
* الطالب: هذا وهم.
* الشيخ: لكن الله يعلم أن المصلحة بعد هذا الوقت ما يمكن تحدث أبدًا، ما يمكن تحدث؛ لأننا لو لم نقل بذلك لزم أن تكون أحكام الله سبحانه وتعالى غير تابعة للمصالح.
* الطالب: لا، مش كل الأحكام تعبدية.
* الشيخ: يا سلام، المنسوخات كلها تجد أنها موافقة للحكمة، إذا وجدنا مثلًا نسخ الخمر، وجدنا أنه متطور، إيجاب الصلاة وجدنا أنه متطور، إيجاب الصيام وجدنا أنه متطور، وهكذا.
* طالب: يا شيخ، بالنسبة للخمر، لو قلنا بالمصلحة قلنا: لو أسلم واحد بيديم على الخمر لتدرجنا معه؟
* الشيخ: نعم، ربما نقول بهذا، لو فرضنا لو منعناه من الخمر حالًا أنه ينفر من الإسلام، ويرجع إلى دينه، ممكن أن نقول: نعامله بالأهم فالأهم، إحنا نرى هذا، نرى التطور في الدعوة حتى في الوقت الحاضر. قوله تعالى:
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ [البقرة ١١٩] الباء هنا أيش معناها؟
* طالب: للمصاحبة.
* الشيخ: المصاحبة، وكيف إرساله بالحق؟ هل المعنى أن رسالته حق؟ أو أن ما أرسل به حق؟
* طالب: كلا المعنيين.
* الشيخ: كلا المعنيين؟ يعني: ونأخذ بواحد ولَّا بالمعنيين جميعًا؟
* طالب: بالمعنيين جميعًا.
* الشيخ: طيب، جميل، ويش إعراب ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾؟
* طالب: حال.
* الشيخ: حال من أين؟
* طالب: حال من ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾.
* الشيخ: من كل ها الدنيا؟
* طالب: لا، ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾.
* الشيخ: من ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ جميع، فعل وفاعل ومفعول؟
* طالب: لا، (أرسلنا).
* الشيخ: من الفعل؟
* طالب: إي.
* الشيخ: لا، ما يصلح.
* طالب: من الكاف.
* الشيخ: من الكاف؟ صح. قوله تعالى:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [البقرة ١١٤]، ما معنى الاستفهام هنا؟
* طالب: لا أظلم.
* الشيخ: لا أحد أظلم، يعني بمعنى أيش؟ لا أظلم، ويش معناه؟ (لا)، ويش تعربها؟
* طالب: نافية.
* الشيخ: نافية، إذن فالاستفهام بمعنى النفي. ما هي البلاغة في كون الاستفهام يأتي بمعنى النفي؟
* طالب: هنا توكيد عظم هذا الأمر.
* الشيخ: لا.
* طالب: أنه يكون مشربًا بالتحدي.
* الشيخ: مشربًا بمعنى التحدي، يعني: كأن لقوة النفي كأنه قيل: من أظلم؟ أخبروني، إن كان هنا أحد أظلم هاتوه، فهو مشرب بمعنى التحدي. قوله:
﴿مَنْ أَظْلَمُ﴾ ترد في القرآن كثير
﴿مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [البقرة ١١٤]
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام ٢١]، وما أشبه ذلك، كيف نجمع بينها؟
* طالب: هذه للتوكيد.
* الشيخ: إي نعم، لكن هنا ﴿مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ يعني: ما هنا أحد أظلم منه، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ يعني ما هنا أحد أظلم منه أيش (...)؟
* طالب: كلهم ظالمين.
* الشيخ: كلهم ظالمين، يعني.
* طالب: اللي يعمى عن الشهادة ظالم.
* الشيخ: كلهم ظالمين، لكن هنا (أظلم)، يعني: أعظم ظلمًا، ومن أعظم ظلمًا ممن منع مساجد الله، لا أحد أعظم منه ظلمًا، لا أحد أعظم ظلمًا ممن افترى على الله كذبًا.
* طالب: يدخل فيها..
* الشيخ: أحد يعرف؟
* طالب: (من)، تقدير (من).
* الشيخ: شو تقدير (من)؟
* طالب: يعني: فمن أعظم، لا أحد أعظم، أي: ما في أحد أعظم.
* الشيخ: اللي يمكن تقدر (من) غيرها يصير.
* طالب: أو (من)، تبعيض.
* الشيخ: لا.
* طالب: لا أحد أكبر منه في هذا الجانب.
* الشيخ: في افتراء الكذب على الغير، ما هنا أحد أظلم ممن يفتري على الله، فالذي يفتري على غير الله أهون منه، هذا وجهه، يعني: تنزل كل آية على المعنى الخاص بها، فمن منع أحدًا أن يدخل بيتًا، أعظم المانعين لدخول البيوت الذين يمنعون مساجد الله، الذين يكذبون على غيرهم أعظمهم الذي يكذب على الله، فتكون الجهة هنا منفكة. جواب آخر؟
* طالب: إنها تكون في منزلة واحدة.
* الشيخ: نعم.
* طالب: يعني باعتبار أن هذا ليس فيه نفي إلا أحدًا يماثل الظلم.
* الشيخ: إي، يعني النفي؛ لا أحد أظلم منه.
* طالب: لا أظلم منه.
* الشيخ: وليس فيه نفي المساواة، يكون المعنى أنهم كلهم اشتركوا في الأظلمية.
* طالب: على مرتبة سواء.
* الشيخ: على مرتبة سواء، لكن المعنى الأول أدق؛ لأنه ليس من يفتري على الله كذبًا يساوي من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، بل لكل شيء جهته. قوله تعالى:
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ﴾ [البقرة ١١٧]، أيش معنى
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ﴾؟
* طالب: أنشأها على غير مثال سابق.
* الشيخ: إذن (بديع) بمعنى؟
* طالب: مبدع.
* الشيخ: مبدع، هل تأتي (فَعِيل) بمعنى (مُفْعِل)؟ لأن المعروف أن (فَعِيل) بمعنى (فاعل)؟
* طالب: تأتي.
* الشيخ: مثل؟
* طالب: عَلِيم بمعنى مُعْلِم، سَمِيع بمعنى مُسْمِع.
* الشيخ: تجبها من عندك؟ أجل قَدِير بمعنى مُقْدِر، وجَمِيل بمعنى مُجْمِل، وحَكِيم بمعنى مُحْكِم، شيء بين، من كلام العرب.
* طالب: سميع بمعنى مسمع؟
* الشيخ: مثل؟
* طالب: شاهد، من كلام العرب؟
* الشيخ: من كلام العرب أو من القرآن.
* طالب: مثل قول الشاعر: أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِـــــــــــي وَأَصْحَابِـــــــيهُجُـــــــوعُ * الشيخ: نعم، هذا شاهد، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة ١٠] بمعنى؟
* الطلبة: مؤلم.
* الشيخ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: مؤلم، فبديع هنا بمعنى مبدع، وله شواهد في اللغة العربية وفي القرآن. قوله تعالى:
﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ما معنى (إذا قضى)؟
* طالب: أي: إذا أراد قضاها.
* الشيخ: إذا أراد قضاها، وهل يعبر بالفعل عن إرادته؟ هل جاء التعبير عن الفعل باعتبار إرادته؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: مثل؟
* طالب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة ٦].
* الشيخ: أي؟
* الطالب: أي: إذا أردتم الصلاة.
* الشيخ: وغيرها؟ ما فيه شاهد؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل ٩٨].
* الشيخ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ أي؟
* طالب: إذا أردت القراءة.
* الشيخ: كان النبي ﷺ إذا دخل الخلاء قال: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ»(٧) أي: أراد الدخول. استدل بعض العلماء بقوله تعالى:
﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ بأن الكفر ملة واحدة وأن اليهودي يرث من النصراني وبالعكس، ما رأيك في هذا الاستدلال؟
* طالب: ما أخذنا الفوائد.
* الشيخ: ما أخذنا فوائدها؟ عجيب، من ﴿وَلَنْ تَرْضَى﴾؟
* طالب: إي نعم. قوله تعالى:
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة ١١٠].
لماذا لم يقل: تجدونه؟
* طالب: جواب (ما) الشرطية.
* الشيخ: جواب ما الشرطية، وجواب الشرط يكون؟
* طالب: مجزومًا.
* الشيخ: مجزومًا، نعم (...). ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: عناد اليهود والنصارى؛ حيث لا يرضون عن أحد إلا أن يتبع دينهم.
* ويستفاد منها أيضًا: أن من كان لا يرضى إلا بذلك فسيحاول إدخال غير اليهود والنصارى لليهودية والنصرانية.
* ومن فوائدها: الحذر من اليهود والنصارى؛ إذ لا يرضون لأحد حتى يكون يهوديًّا أو نصرانيًّا.
* ومنها: أن الكفر ملة واحدة؛ لقوله: ﴿مِلَّتَهُمْ﴾ وهو باعتبار مضادة الإسلام ملة واحدة، أما باعتبار أنواعه فإنه ملل، اليهودية ملة، والنصرانية ملة، والبوذية ملة، وهكذا بقية الملل، لكن كل هذه الملل باعتبار مضادتها للإسلام تعتبر ملة واحدة؛ لأنه يصدق عليها اسم الكفر، فتكون جنسًا، والملل أنواعًا.
* ومنها: الرد على أهل الكفر بهذه الكلمة ﴿هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾، والمعنى: إن كان معكم هدى الله فأنتم مهتدون، وإلا فأنتم ضالون.
* ومنها: أن البدع ضلالة؛ لقوله: ﴿هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ (وهو) هنا ضمير فصل كما مر علينا وتفيد حصر الهدى بأي شيء؟ بهدى الله، إذن فالبدع ليست هدى ﴿مَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس ٣٢] فعليه يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن جميع البدع ضلالة كما ثبت بذلك الحديث عن الرسول ﷺ(٨).
* ومنها: تحريم اتباع أهواء اليهود والنصارى؛ لقوله:﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
* ومنها: أن ما عليه اليهود والنصارى ليس دينًا، بل هو هوى؛ لقوله: ﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾، ولم يقل: ملتهم كما قال بالأول، في الأول قال: ﴿لَنْ تَرْضَى﴾ ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾؛ لأنهم يعتقدون هم أنهم على ملة ودين، لكن ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ بيَّن الله أن هذا ليس بدين ولا ملة، بل هو هوى وليس هدى.
* ومنها: أن من اتبع الهوى بعد العلم فهو أضل وأشد ضلالًا؛ لقوله: ﴿بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أن من أراد الله به سوءًا فلا مرد له؛ لقوله: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
* ومنها: أنه يجب تعلق القلب بالله خوفًا ورجاء؛ لأنك متى علمت ذلك أنه ليس لك ولي ولا نصير، فأين يتعلق قلبك؟ بالله أو بمن سواه؟ بالله، فلا تُعَلِّق قلبك أيها المسلم إلا بربك. ثم قال تعالى:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: منة الله سبحانه وتعالى على من آتاه الله الكتاب فتلاه حق تلاوته.
* ومن فوائدها: أنه ليس مجرد إتيان الكتاب فضيلة للإنسان، بل الفضيلة بتلاوته.
* ومنها: أن للإيمان بالشيء علامة، الإيمان له علامة، وعلامته العمل؛ لقوله لما قال: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ قال: ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن من خالف القرآن في شيء كان ذلك دليلًا على نقص إيمانه، من أين تؤخذ؟ لقوله: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾، فمعنى ذلك: إذا لم يتلوه حق تلاوته ما آمنوا به، نقص من إيمانهم بقدر ما نقص من تلاوتهم له.
* ومنها: أن تلاوة القرآن نوعان: تلاوة حق، وتلاوة ناقصة ما هي حقيقة، فالتلاوة الحق أن يكون الإنسان تاليًا للفظه ولمعناه، عاملًا بأحكامه، مصدقًا بأخباره، كل الأربعة التي مرت علينا هذه تلاوته حق تلاوته.
* من فوائد الآية: أن الكافر بالقرآن مهما بلغ من الدنيا فهو خاسر؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾، وكيف يكون خاسرًا وهو قد حصل له أموال، وبنون، ومراكب ضخمة، وقصور مَشِيدَة؟ لأن هذه كلها سوف تذهب وتزول، أو هو يزول عنها ولا تنفعه، فإذن يصدق عليهم أنهم هم الخاسرون، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون ٩] ولما كان الذي يتلهى بذلك عن ذكر الله يظن أنه يربح، قال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾، يعني: ولو ربحوا. ثم قال تعالى:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
* من فوائد هذه الآية: تذكير بني إسرائيل بنعمة الله عليهم؛ لقوله: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾.
* ومنها: أن ذكر النعمة ليس معناه أن يتذكرها الإنسان بقلبه، بل معناه أن يقوم الإنسان بشكرها، مجرد أنه يذكر أن الله أنعم عليه ما يكفي هذا، لا بد أن يقوم بالشكر، وهذا هو الذي أمر الله به بني إسرائيل.
* ومنها: أن النعمة من الله وحده؛ لقوله: ﴿الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾، ولو كان أحد له نعمة لقال الله تعالى؛ لأن مقتضى العدل أن يقول الله: ونعمة فلان بن فلان، كما قال لنبيه: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب ٣٧].
* ومنها: تفاضل الناس عند الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، وسبق لنا ماذا فضلهم الله به؛ جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكًا، وآتاهم ما لم يؤت أحدًا من العالمين.
* ومنها: أن هذا التفضيل ليس على عمومه إلى يوم القيامة؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم؛ لقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران ١١٠] فيكون (العالمين) عامًّا أريد به الخاص، ما الذي أريد به يا إخوان؟
* الطلبة: عصرهم.
* الشيخ: عالم زمانهم. ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية: إثبات يوم القيامة.
* ويستفاد منها: أن هذا اليوم شديد يجب اتقاؤه والحذر منه.
* ومن فوائدها: أن ذلك اليوم لا تنفع نفس نفسًا شيئًا ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر ٣٨]. ما ينفعك لا ابنك، ولا أبوك، ولا أختك، ولا أخوك.
* ومنها: أن من استحق العذاب ذلك اليوم لا يُقبل منه عدل، أي ما يَعْدِل به العذاب عن نفسه. ومنها: ثبوت الشفاعة في ذلك اليوم، من أين نأخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لكن هذا نفي؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: إذن يقال: لا تنفعها شفاعة، ما قال: ما فيه شفاعة، لا تنفعها، إذن ففيه أصل الشفاعة، ففيه إثبات الشفاعة في ذلك اليوم، ولكنه مقيدة بشرطين: إِذْنُ الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له، كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٥٥]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء ٢٨].
* ومنها: أن الكافرين لا تنفعهم الشفاعة؛ لقوله تعالى في آية أخرى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر ٤٨].
* ومنها: أنه لا ينصر أحد أحدًا من عذاب الله؛ لقوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾.
* طالب: مناسبة قول الله تعالى قبل ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ [البقرة ٤٨]، لكن هنا ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾.
* الشيخ: التقديم والتأخير، المناسبة والله أعلم، الحكمة في هذا تنوع الأساليب فقط، ما يظهر لي غير هذا.
(١) أخرجه مسلم (٢٠٣ / ٢٤٧) من حديث أنس بن مالك، بلفظ:«إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ».
(٢) أخرجه مسلم (٩٧٦ / ١٠٥) من حديث أبي هريرة.
(٣) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٤٧٦)، ومسلم (١٩٣ / ٣٢٢) من حديث أنس بن مالك.
(٤) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٨٠٦)، ومسلم (١٨٢ / ٢٩٩) من حديث أبي هريرة.
(٥) أخرجه مسلم (١٤٥٢ / ٢٤) من حديث عائشة ولفظه: كان فيما أُنْزِل من من القرآن عَشْرُ رضعاتٍ معلوماتٍ يُحرّمن، ثم نُسخنَ بخمسٍ معلوماتٍ، فتُوفّي رسول الله ﷺ وهنّ فيما يُقرأ من القرآن.
(٦) أخرجه مسلم (١٤٠٦ / ٢٨) من حديث سبرة بن معبد بلفظ: «أَلَا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
(٧) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٤٢)، ومسلم (٣٧٥ / ١٢٢) من حديث أنس، واللفظ لمسلم.
(٨) أخرجه مسلم (٨٦٧ / ٤٣) من حديث جابر.