الباحث القرآني

﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ ﴾ [الكهف: ٥٤]، ﴿صَرَّفْنَا﴾ يعني: نوَّعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه، كما في قوله تعالى: ﴿تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ [البقرة ١٦٤] أي تنويعها من جنوب إلى شمال، شرق غرب، ﴿صَرَّفْنَا﴾ يعني: نوعنا في هذا القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع، فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها متنوعة تارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة تكون مختصرة، فهي أنواع، كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة وغير ذلك. وقوله: ﴿مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي: من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا، وهذا مثل لكذا، لماذا؟ من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها، ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المُثل بل على العكس. ولهذا قال: ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف ٥٤]، قوله: ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ﴾، بعض المفسرين يقول: الإنسان يعني الكافر، ولكنّ في هذا نظرًا؛ لأنه لا دليل على هذا، بل نقول: الإنسان من حيث الإنسانية أكثر شيء جدلًا؛ يعني أكثر ما عنده الجدل، هذا من حيث الإنسانية، لكن من حيث الإيمان المؤمن لا يكون مجادلًا، بل يكون مستسلمًا للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أُوتِيَ قومٌ الجدلَ إلا ضلّوا» ، أعوذ بالله من ذلك. وتدبر حال الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لِما جاءت به الشريعة ولا يجادلون، ولا يقول: لِمَ؟ ولما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «تَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ وَلَا تَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ» ، هل قال الصحابة: لِمَ؟ لا، ما جادلوا، بل قالوا: سمعنا وأطعنا، وكذلك بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده هو الجدل. لاحظ إذن إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم الإنسان لا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يعيّن ذلك، إذا كان السياق يعيّن ذلك فصار هذا عامًّا أريد به أيش؟ الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين فاجعله للعموم، لكن اجعله إنسانًا بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها. ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾، هذا وقع في قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما «حين جاء إليهما ووجدهما نائمين، فقال: «أَلَا تَقُومَانِ؟»، قال له علي رضي الله عنه: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله، ولو شاء لأيقظنا، فولَّى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يضرب على فخذه ويقول: «» ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ «» . ولا شك الرسول يعلم أن أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» ، فعذر النائم، وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك لكنه يريد أن يحثهما، وأراد علي رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب