الباحث القرآني

شرح الكلمات: صرفنا: أي بيّنا وكررنا البيان. من كل مثل: المثل الصفة المستغربة العجيبة. جدلاً: أي مخاصمة بالقول. سنة الأولين: أي العذاب بالإبادة الشاملة والاستئصال التام. قبلا: عياناً ومشاهدة. ليدحضوا به الحق: أي يبطلوا به الحق. هزواً: أي مهزوءاً به. أكنة: أغطية. وفي آذانهم وقراً: أي ثقلاً فهم لا يسمعون. موئلاً: أي مكاناً يلجأون إليه. لمهلكهم موعداً: أي وقتاً معيناً لإهلاكهم. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في بيان حجج الله تعالى على عباده ليؤمنوا به ويعبدوه وحده فينجوا من عذابه ويدخلوا دار كرامته فقال تعالى: ﴿ولَقَدْ صَرَّفْنا فِي هَٰذا ٱلْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي ضربنا فيه الأمثال الكثيرة وبيّنا فيه الحجج العديدة، ﴿صَرَّفْنا فِي هَٰذا ٱلْقُرْآنِ﴾ من الوعد والوعيد ترغيباً وترهيباً، وقابلوا كل ذلك بالجحود والمكابرة، ﴿وكانَ ٱلإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ فأكثر هم الإنسان يصرفه في الجدل والخصومات حتى لا يذعن للحق ويسلم به ويؤديه إن كان عليه. هذا ما دلت عليه الآية الأولى: [٥٤] أما الآية الثانية فقد أخبر تعالى فيها أن الناس ما منعهم ﴿وما مَنَعَ ٱلنّاسَ أن يُؤْمِنُوۤاْ إذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدىٰ﴾ وهو بيان طريق السعادة والنجاة بالإيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الكفر والشرك وسوء الأعمال ﴿ويَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إلاَّ أن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ﴾ بعذاب الاستئصال والإبادة الشاملة، ﴿أوْ يَأْتِيَهُمُ﴾ عذاب يوم القيامة معاينة وهو معنى قوله تعالى: ﴿أوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذابُ قُبُلاً﴾ وحينئذ لا ينفع الإيمان. وقوله تعالى: ﴿وما نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إلاَّ مُبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ﴾ أي دعاة هداة يبشرون من آمن وعمل صالحاً بالجنة وينذرون من كفر، وعمل سوءاً بالنار. فلم نرسلهم جبارين ولم نكلفهم بهداية الناس أجمعين، لكن الذين كفروا يتعامون عن هذه الحقيقة ويجادلون ﴿لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ﴾. ﴿وٱتَّخَذُوۤاْ﴾ آيات الله وحججه ﴿ومَآ أُنْذِرُواْ﴾ به من العذاب اللازم لكفرهم وعنادهم اتخذوه سخرية وهزءاً يهزءون به ويسخرون منه وبذلك أصبحوا من أظم الناس. وهو ما قررته الآية [٥٧] إذ قال تعالى فيها: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها ونَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ أي من الإجرام والشر والشرك. اللهم إنه لا أحد أظلم من هذا الإنسان الكافر العنيد. ثم ذكر تعالى سبب ظلم وإعراض ونسيان هؤلاء الظلمة المعرضين الناسين وهو أنه تعالى حسب سنته فيمن توغل في الشر والظلم والفساد يجعل على قلبه كناناً يحيطه به فيصبح لا يفقه شيئاً. ويجعل في أذنيه ثقلاً فلا يسمع الهدى. ولذا قال لرسوله ﷺ: ﴿وإن تَدْعُهُمْ إلىٰ ٱلْهُدىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إذاً﴾ أي بعد ما جعل على قلوبهم من الأكنة وفي آذانهم من الوقر ﴿أبَداً﴾. وقوله تعالى: ﴿ورَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُم بِما كَسَبُواْ﴾ أي لو يؤاخذ هؤلاء الظلمة المعرضين ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذابَ﴾، ولكن مغفرته ورحمته تأبيان ذلك وإلا لعجل لهم العذاب فأهلكهم أمامكم وأنتم تنظرون. ولكن ﴿لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً﴾ يئلون إليه ولا ملجأ يلجأون إليه. ويرجح أن يكون يكون ذلك يوم بدر لأن السياق في الظلمة المعاندين المحرومين من هداية الله كأبي جهل وعقبة ابن أبي معيط والأخنس بن شريق، هذا أولاً. وثانياً قوله تعالى: ﴿وتِلْكَ ٱلْقُرىٰ أهْلَكْناهُمْ لَمّا ظَلَمُواْ﴾ يريد أهل القرى من قوم هود وقوم صالح وقوم لوط. ﴿وجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً﴾ أي لهلاكهم موعداً محدداً فكذلك هؤلاء المجرمون من قريش، وقد أهلكهم ببدر ولعنهم إلى الأبد. هداية الآيات: ١- لقد أعذر الله تعالى إلى الناس بما يبين في كتابه من الحجج وما ضرب فيه من الأمثال. ٢- بيان غريزة الجدل في الإنسان والمخاصمة. ٣- بيان مهمة الرسل وهي البشارة والنذارة وليست إكراه الناس على الإيمان. ٤- بيان عظم ظلم من يُذَكَّرُ بالقرآن فيعرض ويواصل جرائمه ناسياً ما قدمت يداه. ٥- بيان سنة الله في أن العبد إذا واصل الشر والفساد يحجب عن الإيمان والخير ويحرم الهداية أبداً حتى يهلك كافراً ظالماً فيخلد في العذاب المهين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب