الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هَذا القُرْآنِ لِلنّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا﴾ [الكهف: ٥٤]، أيْ: رَدَّدْنا وكَثَّرْنا تَصْرِيفَ الأمْثالِ بِعِباراتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وأسالِيبَ مُتَنَوِّعَةٍ في هَذا القُرْآنِ لِلنّاسِ. لِيَهْتَدُوا إلى الحَقِّ، ويَتَّعِظُوا. فَعارَضُوا بِالجَدَلِ والخُصُومَةِ، والمَثَلُ: هو القَوْلُ الغَرِيبُ السّائِرُ في الآفاقِ، وضَرْبُ الأمْثالِ كَثِيرٌ في القُرْآنِ جِدًّا، كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها﴾ [البقرة: ٢٦]، ومِن أمْثِلَةِ ضَرْبِ المَثَلِ فِيهِ ﴿ياأيُّها النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا ولَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ الآيَةَ [الحج: ٧٣]، وقَوْلُـهُ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وإنَّ أوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤١] (p-٣٠٠)وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ ﴿ساءَ مَثَلًا القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ الآيَةَ [الأعراف: ١٧٦ - ١٧٧]، وكَقَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أسْفارًا بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [الجمعة: ٥]، وقَوْلِـهِ: ﴿واضْرِبْ لَهم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ﴾ الآيَةَ [الكهف: ٤٥]، وقَوْلِـهِ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ومَن رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقًا حَسَنًا فَهو يُنْفِقُ مِنهُ سِرًّا وجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٥]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وهو كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هو ومَن يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وهو عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: ٧٦]، وقَوْلِـهِ: ﴿ضَرَبَ لَكم مَثَلًا مِن أنْفُسِكم هَلْ لَكم مِن ما مَلَكَتْ أيْمانُكم مِن شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكم فَأنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهم كَخِيفَتِكم أنْفُسَكُمْ﴾ الآيَةَ [الروم: ٢٨]، والآياتُ بِمِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وفي هَذِهِ الأمْثالِ وأشْباهِها في القُرْآنِ عِبَرٌ ومَواعِظُ وزَواجِرُ عَظِيمَةٌ جِدًّا، لا لَبْسَ في الحَقِّ مَعَها، إلّا أنَّها لا يَعْقِلُ مَعانِيَها إلّا أهْلُ العِلْمِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾، ومِن حِكَمِ ضَرْبِ المَثَلِ: أنْ يَتَذَكَّرَ النّاسُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى في مَواضِعَ أُخَرَ: أنَّ الأمْثالَ مَعَ إيضاحِها لِلْحَقِّ يَهْدِي بِها اللَّهُ قَوْمًا، ويُضِلُّ بِها قَوْمًا آخَرِينَ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وما يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦]، وأشارَ إلى هَذا المَعْنى في سُورَةِ ”الرَّعْدِ“؛ لِأنَّهُ لَمّا ضَرَبَ المَثَلَ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رابِيًا ومِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ في النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ والباطِلَ فَأمّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ في الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ﴾ [الرعد: ١٧]، أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الحُسْنى والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أنَّ لَهم ما في الأرْضِ جَمِيعًا ومِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهم سُوءُ الحِسابِ ومَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ﴾ [الرعد: ١٨]، ولا شَكَّ أنَّ الَّذِينَ (p-٣٠١)اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ هُمُ العُقَلاءُ الَّذِينَ عَقَلُوا مَعْنى الأمْثالِ، وانْتَفَعُوا بِما تَضَمَّنَتْ مِن بَيانِ الحَقِّ، وأنَّ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْقِلُوها، ولَمْ يَعْرِفُوا ما أوْضَحَتْهُ مِنَ الحَقائِقِ، فالفَرِيقُ الأوَّلُ هُمُ الَّذِينَ قالَ اللَّهُ فِيهِمْ ﴿وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦]، والفَرِيقُ الثّانِي هُمُ الَّذِينَ قالَ فِيهِمْ ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا﴾ وقالَ فِيهِمْ ﴿وَما يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقِينَ﴾ .
وَقَوْلُـهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا﴾ قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: مَفْعُولُ ”صَرَّفْنا“ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: البَيِّناتُ والعِبَرُ، وعَلى هَذا فَـ ”مِن“ لِابْتِداءِ الغايَةِ، أيْ: ولَقَدْ صَرَّفْنا الآياتِ والعِبَرَ مِن أنْواعِ ضَرْبِ المَثَلِ لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا، فَقابَلُوا ذَلِكَ بِالجِدالِ والخِصامِ، ولِذا قالَ: ﴿وَكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٤٥]، وهَذا هو الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ، ثُمَّ قالَ: وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ ”مِن“ زائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ، فالتَّقْدِيرُ: ولَقَدْ صَرَّفْنا كُلَّ مَثَلٍ، فَيَكُونُ مَفْعُولُ ”صَرَّفْنا“: ”كُلُّ مَثَلٍ“ وهَذا التَّخْرِيجُ هو عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ والأخْفَشِ، لا عَلى مَذْهَبِ جُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ، انْتَهى الغَرَضُ مِن كَلامِ صاحِبِ البَحْرِ المُحِيطِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ”مِن كُلِّ مَثَلٍ“ مِن كُلِّ مَعْنًى هو كالمَثَلِ في غَرابَتِهِ وحُسْنِهِ ا هـ، وضابِطُ ضَرْبِ المَثَلِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ كُلُّ مَعانِيهِ الَّتِي يُفَسَّرُ بِها: هو إيضاحُ مَعْنى النَّظِيرِ بِذِكْرِ نَظِيرِهِ؛ لِأنَّ النَّظِيرَ يُعْرَفُ بِنَظِيرِهِ، وهَذا المَعْنى الَّذِي ذَكَرَهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ جاءَ مَذْكُورًا في آياتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ في ”الإسْراءِ“: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأبى أكْثَرُ النّاسِ إلّا كُفُورًا﴾ [الإسراء: ٨٩]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هَذا القُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وما يَزِيدُهم إلّا نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤١]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ أوْ يُحْدِثُ لَهم ذِكْرًا﴾ [طه: ١١٣]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿قُرْءانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٢٧ - ٢٨]، وقَوْلِـهِ: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ولَئِنْ جِئْتَهم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ أنْتُمْ إلّا مُبْطِلُونَ﴾ [الروم: ٥٨]، والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَوْلُـهُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤] أيْ: أكْثَرَ الأشْياءِ الَّتِي مِن شَأْنِها الخُصُومَةُ إنْ فَصَلْتَها واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ ”جَدَلًا“ أيْ: خُصُومَةً ومُماراةً بِالباطِلِ لِقَصْدِ إدْحاضِ الحَقِّ.
وَمِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى خُصُومَةِ الإنْسانِ بِالباطِلِ لِإدْحاضِ الحَقِّ قَوْلُهُ هُنا ﴿وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ﴾ [الكهف: ٥٦]، (p-٣٠٢)وَقَوْلُـهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يُحاجُّونَ في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهم داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ الآيَةَ [الشورى: ١٦] وقَوْلُـهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَ الإنْسانُ أنّا خَلَقْناهُ مِن نُطْفَةٍ فَإذا هو خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧] وقَوْلُـهُ تَعالى: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن نُطْفَةٍ فَإذا هو خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [النحل: ٤]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَما فَسَّرْنا بِهِ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ مِن أنَّ مَعْناهُ كَثْرَةُ خُصُومَةِ الكُفّارِ ومُماراتِهِمْ بِالباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ هو السِّياقُ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ [الإسراء: ٨٩]، أيْ: لِيَذَّكَّرُوا ويَتَّعِظُوا ويُنِيبُوا إلى رَبِّهِمْ: بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هَذا القُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا﴾ [الإسراء: ٤١] وقَوْلِـهِ: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: ٢١]، فَلَمّا أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤]، عَلِمْنا مِن سِياقِ الآيَةِ أنَّ الكُفّارَ أكْثَرُوا الجَدَلَ والخُصُومَةَ والمِراءَ لِإدْحاضِ الحَقِّ الَّذِي أوْضَحَهُ اللَّهُ بِما ضَرَبَهُ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ، ولَكِنْ كَوْنُ هَذا هو ظاهِرُ القُرْآنِ وسَبَبُ النُّزُولِ لا يُنافِي تَفْسِيرَ الآيَةِ الكَرِيمَةِ بِظاهِرِ عُمُومِها؛ لِأنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَما بَيَّناهُ بِأدِلَّتِهِ فِيما مَضى، ولِأجْلِ هَذا لَمّا «طَرَقَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا وفاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما لَيْلَةً فَقالَ: ”ألّا تُصَلِّيانِ“ ؟ وقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إنَّما أنْفُسُنا بِيَدِ اللَّهِ، فَإذا شاءَ أنْ يَبْعَثَنا بَعَثَنا، انْصَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ راجِعًا وهو يَضْرِبُ فَخِذَهُ ويَقُولُ: ﴿وَكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾»، والحَدِيثُ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإيرادُهُ ﷺ الآيَةَ عَلى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ”إنَّما أنْفُسُنا بِيَدِ اللَّهِ، فَإذا شاءَ أنْ يَبْعَثَنا بَعَثَنا“ دَلِيلٌ عَلى عُمُومِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، وشُمُولِها لِكُلِّ خِصامٍ وجَدَلٍ، لَكِنَّهُ قَدْ دَلَّتْ آياتٌ أُخَرُ عَلى أنَّ مِنَ الجَدَلِ ما هو مَحْمُودٌ مَأْمُورٌ بِهِ لِإظْهارِ الحَقِّ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، وقَوْلُـهُ ”جَدَلًا“ مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ، عَلى حَدِّ قَوْلِهِ في الخُلاصَةِ:
؎والفاعِلَ المَعْنى انْصِبَنْ بِأفْعَلا مُفَضِّلًا كَأنْتَ أعْلى مَنزِلًا
وَقَوْلُـهُ: ﴿أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ أيْ: أكْثَرَ الأشْياءِ الَّتِي يَتَأتّى مِنها الجَدَلُ جَدَلًا كَما تَقَدَّمَ، وصِيغَةُ التَّفْضِيلِ إذا أُضِيفَتْ إلى نَكِرَةٍ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، أوْ جُرِّدَتْ مِنَ الإضافَةِ والتَّعْرِيفِ بِالألِفِ واللّامِ لَزِمَ إفْرادُها وتَذْكِيرُها كَما عَقَدَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:(p-٣٠٣)
؎وَإنْ لِمَنكُورٍ يُضَفْ أوْ جُرِّدا ∗∗∗ ألْزِمْ تَذْكِيرًا وأنْ يُوَحَّدا
وَقالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مُبَيِّنًا بَعْضَ الآياتِ المُبَيِّنَةِ لِلْمُرادِ بِجَدَلِ الإنْسانِ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ، بَعْدَ أنْ ساقَ سَنَدَهُ إلى ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وَكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾، قالَ: الجَدَلُ الخُصُومَةُ خُصُومَةُ القَوْمِ لِأنْبِيائِهِمْ ورَدُّهم عَلَيْهِمْ ما جاءُوا بِهِ، وقَرَأ ﴿ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنهُ ويَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٣]، وقَرَأ: ﴿يُرِيدُ أنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢٤]، وقَرَأ حَتّى تَوَفّى الآيَةَ ﴿وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا في قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: ٧]، وقَرَأ: ﴿وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ ﴿لَقالُوا إنَّما سُكِّرَتْ أبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٤] انْتَهى مِن تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ، ولا شَكَّ أنَّ هَذِهِ الآياتِ الَّتِي ذُكِرَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّها مُفَسِّرَةٌ لِجَدَلِ الإنْسانِ المَذْكُورِ في الآيَةِ أنَّها كَذَلِكَ، كَما قَدَّمْنا أنَّ ذَلِكَ هو ظاهِرُ السِّياقِ وسَبَبُ النُّزُولِ، والآياتُ الدّالَّةُ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ العَظِيمِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِی هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلࣲۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَكۡثَرَ شَیۡءࣲ جَدَلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق