يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ يَعْنِي: آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النِّسَاءِ: ١] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمُسْتَقَرٌ﴾ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ والسُّدِّي، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: ﴿فَمُسْتَقَرٌ﴾ أَيْ: فِي الْأَرْحَامِ قَالُوا -أَوْ: أَكْثَرُهُمْ -: ﴿وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ أَيْ: فِي الْأَصْلَابِ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَطَائِفَةٍ عَكْسُ ذَلِكَ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَطَائِفَةٍ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الدنيا، وَمُسْتَوْدَعٌ حَيْثُ يَمُوتُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر: ﴿فَمُسْتَقَرٌ﴾ فِي الْأَرْحَامِ وَعَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، وَحَيْثُ يَمُوتُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْمُسْتَقَرُّ الَّذِي [قَدْ] [[زيادة من أ.]] مَاتَ فَاسْتَقَرَّ بِهِ عَمَلُهُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ أَيْ: يَفْهَمُونَ ويَعُون كَلَامَ اللَّهِ وَمَعْنَاهُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ أَيْ بِقَدَرٍ مُبَارَكًا، رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَغِيَاثًا [[في أ: "غياثا".]] لِلْخَلَائِقِ، رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِخَلْقِهِ ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كَمَا قَالَ ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٠] ﴿فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا﴾ أَيْ: زَرْعًا وَشَجَرًا أَخْضَرَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْلُقُ فِيهِ الْحَبَّ وَالثَّمَرَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا﴾ أَيْ: يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَالسَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ﴾ أَيْ: جَمْعُ قِنو وَهِيَ عُذُوق الرُّطَبِ ﴿دَانِيَةٌ﴾ أَيْ: قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُتَنَاوَلِ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ يَعْنِي بِالْقِنْوَانِ الدَّانِيَةِ: قِصَارَ النَّخْلِ اللَّاصِقَةِ عُذُوقُهَا [[في م: "عروقها".]] بِالْأَرْضِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ: قِنْوان، وَقَيْسٌ يَقُولُونَ: قُنْوان، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَأَثَّت أَعَالِيهِ وَآدَتْ أصولهُ ... ومَالَ بقنْوانٍ مِنَ البُسر أحْمَرَا ...
قَالَ: وَتَمِيمٌ يَقُولُونَ [[في أ: "تقول".]] قُنْيَان بِالْيَاءِ -قَالَ: وَهِيَ جَمْعُ قِنْوٍ، كَمَا أَنَّ صِنْوَانٌ جَمْعُ صِنْوٍ [[البيت في تفسير الطبري (١١/٥٧٥) ولسان العرب، مادة (قنا) .]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ أَيْ: وَنُخْرِجُ مِنْهُ جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ، وَهَذَانِ النَّوْعَانِ هُمَا أَشْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَرُبَّمَا كَانَا [[في م: "أنهما".]] خِيَارَ الثِّمَارِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا امْتَنَّ تَعَالَى بِهِمَا عَلَى عِبَادِهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النَّحْلِ: ٦٧] ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
وَقَالَ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ [يس: ٣٤] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: يَتَشَابَهُ فِي الْوَرَقِ، قَرِيبُ الشَّكْلِ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، وَيَتَخَالَفُ فِي الثِّمَارِ شَكْلًا وَطَعْمًا وَطَبْعًا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ﴾ أَيْ: نُضْجِهِ، قَالَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، والسُّدِّي، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ. أَيْ: فَكِّرُوا فِي قُدْرة خَالِقِهِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ حَطَبًا صَارَ عِنبًا وَرُطَبًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، مِمَّا خَلَقَ تَعَالَى مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْكَالِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ [إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ] [[زيادة من م، وفي هـ: "الآية".]] ﴾
[الرَّعْدِ: ٤] وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ﴾ أَيْ: دَلَالَاتٍ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ خَالِقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: يُصَدِّقُونَ بِهِ، وَيَتَّبِعُونَ رُسُلَهُ.
{"ayahs_start":98,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ فَمُسۡتَقَرࣱّ وَمُسۡتَوۡدَعࣱۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَفۡقَهُونَ","وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ نَبَاتَ كُلِّ شَیۡءࣲ فَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهُ خَضِرࣰا نُّخۡرِجُ مِنۡهُ حَبࣰّا مُّتَرَاكِبࣰا وَمِنَ ٱلنَّخۡلِ مِن طَلۡعِهَا قِنۡوَانࣱ دَانِیَةࣱ وَجَنَّـٰتࣲ مِّنۡ أَعۡنَابࣲ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشۡتَبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهٍۗ ٱنظُرُوۤا۟ إِلَىٰ ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَیَنۡعِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكُمۡ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ فَمُسۡتَقَرࣱّ وَمُسۡتَوۡدَعࣱۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَفۡقَهُونَ"}