الباحث القرآني
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سَعْدُ [[في أ: "سعيد".]] بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبُ قَالَا حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مَعْمَر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامِ، عَنْ خُوَيْلَةَ [[في أ: "خولة".]] بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: فيَّ-وَاللَّهِ-وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ "الْمُجَادَلَةِ"، قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عليَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً، ثُمَّ دَخَلَ عليَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَنْ نَفْسِي. قَالَتْ: قُلْتُ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ [[في أ: "خولة".]] بِيَدِهِ، لَا تَخْلُصُ إليَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ. قَالَتْ: فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ، فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ، فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي، قَالَتْ: ثُمَّ خرجتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي، فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابًا، ثُمَّ خرجتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَجَلَسَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ، وَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ ما أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ. قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "يَا خُوَيْلَةُ [[في أ: "يا خولة".]] ابنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ". قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فيَّ الْقُرْآنُ، فَتَغَشَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: "يَا خُوَيْلَةُ [[في أ: "يا خولة".]] قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ". ثُمَّ قَرَأَ عليَّ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ قَالَتْ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مُريه فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً". قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ. قَالَ: "فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمر". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا ذَاكَ عِنْدَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا سَأُعِينُهُ بعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: "فَقَدْ أَصَبْتِ وأحسَنْت، فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي بِهِ عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا". قَالَتْ: فَفَعَلْتُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، بِهِ [[المسند (٦/٤١٠) وسنن أبي داود برقم (٢٢١٤، ٢٢١٥) .]] وَعِنْدَهُ: خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَيُقَالُ فِيهَا: خَوْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَقَدْ تُصَغَّرُ فَيُقَالُ: خُوَيلة. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، فَالْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ نُزُولِ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمة بْنِ صَخْر فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ سَبَبَ النُّزُولِ، وَلَكِنْ أَمْرٌ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، مِنَ الْعِتْقِ أَوِ الصِّيَامِ، أَوِ الْإِطْعَامِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سُلَيمان بْنِ يَسَار، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كنتُ امْرَأً قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي، فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ تظهَّرت مِنَ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُصِيبَ فِي لَيْلَتِي شَيْئًا فَأُتَابِعَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَنِي النَّهَارُ، وَأَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ، فَبَيْنَا هِيَ تَخْدِمُنِي مِنَ اللَّيْلِ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أصبحتُ غدوتُ عَلَى [[في م: "إلى"]] قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي وَقُلْتُ: انْطَلِقُوا مَعِي إِلَى النَّبِيِّ [[في م: "رسول الله".]] ﷺ-فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِي. فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ؛ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا [[في أ: "فينا شيء".]] -أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ-مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتِ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: فخرجتُ حَتَّى أتيتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي. فَقَالَ لِي: "أَنْتَ بِذَاكَ". فَقُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ. فَقَالَ "أَنْتَ بِذَاكَ". فَقُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ. قال "أنت بذاك". قلت: نعم، ها أناذا فَأَمْضِ فِيَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى [[في م، أ: "عز وجل".]] فَإِنِّي صَابِرٌ لَهُ. قَالَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً". قَالَ: فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي [[في م: "عنقي".]] بِيَدِي وَقُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ غَيْرَهَا. قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلَّا فِي الصِّيَامِ؟ قَالَ: "فَتَصَدَّقْ". فَقُلْتُ: والذي بعثك بالحق، لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ وَحْشَى مَا لَنَا عَشَاءٌ. قَالَ: "اذْهَبْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُريق فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ، فَأَطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا، ثُمَّ اسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى عِيَالِكَ". قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ: وَجَدْتُ عِنْدَكُمُ الضيقَ وسوءَ الرَّأْيِ، وَوَجَدْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ السَّعَة وَالْبَرَكَةَ، قَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ، فَادْفَعُوهَا إليَّ. فَدَفَعُوهَا إليَّ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَاخْتَصَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنه [[المسند (٤/٣٧) وسنن أبي داود برقم (٢٢١٣) وسنن ابن ماجة برقم (٢٠٦٢) وسنن الترمذي برقم (٣٢٩٩) .]]
وَظَاهِرُ السِّيَاقِ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قِصَّةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَزَوْجَتِهِ خُويَلة بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ تِلْكَ وَهَذِهِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ.
قَالَ خَصيف، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ بن عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَنْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَامْرَأَتُهُ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ، فَلَمَّا ظَاهَرَ مِنْهَا خَشِيت أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طَلَاقًا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَوْسًا ظَاهَرَ مِنِّي، وَإِنَّا إِنِ افْتَرَقْنَا هَلَكْنَا، وَقَدْ نَثَرتُ بَطْنِي مِنْهُ، وقَدمتْ صُحْبَتَهُ. وَهِيَ تَشْكُو ذَلِكَ وَتَبْكِي، وَلَمْ يَكُنْ جَاءَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "أَتَقْدِرُ عَلَى رَقَبَةٍ تُعْتِقُهَا؟ ". قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: فَجَمَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى أَعْتَقَ عنه، ثم راجع أهله رواه بن جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٢٨/٦) .]]
وَلِهَذَا ذَهَبَ ابنُ عَبَّاسٍ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ أَصْلُ الظِّهَارِ مُشْتَقٌّ مِنَ الظَّهْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا إِذَا تَظَاهَرَ أَحَدٌ مِنِ امْرَأَتِهِ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي، ثُمَّ فِي الشَّرْعِ كَانَ الظِّهَارُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ قِيَاسًا عَلَى الظَّهْرِ، وَكَانَ الظِّهَارُ عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ طَلَاقًا، فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَعَلَ فِيهِ كَفَّارَةً، وَلَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا كَمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ. هَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عِكْرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي، حُرِّمت عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ظَاهَرَ في الإسلام أوس، وَكَانَ تَحْتَهُ ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ يُقَالُ لَهَا: "خُوَيْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ [[في أ: "بنت خويلد" وهو خطأ.]] . فَظَاهَرَ مِنْهَا، فَأُسْقِطَ فِي يَدَيْهِ، وَقَالَ: مَا أَرَاكِ إِلَّا قَدْ حَرُمت عَلَيَّ. وَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَانْطَلِقِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ فَوَجَدَتْ عِنْدَهُ مَاشِطَةً تُمَشِّطُ رأسه، فقال: "ياخويلة، مَا أُمِرْنَا فِي أَمْرِكِ بِشَيْءٍ [[قي م: "ما أمرنا فيك بشيء".]] فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ، فَقَالَ: " يَا خُوَيْلَةُ، أَبْشِرِي" قَالَتْ: خَيْرًا. قَالَ فَقَرَأَ عَلَيْهَا: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾
قَالَتْ: وَأَيُّ رَقَبَةٍ لَنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَجِدُ رَقَبَةً غَيْرِي. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ يَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَذَهَبَ بَصَرُهُ! قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ قَالَتْ: مِنْ أَيْنَ؟ مَا هِيَ إِلَّا أَكْلَةٌ إِلَى مِثْلِهَا! قَالَ: فَدَعَا بِشَطْرِ وَسْق-ثَلَاثِينَ صَاعًا، وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا-فَقَالَ: "لِيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلْيُرَاجِعْكِ" [[تفسير الطبري (٢٨/٣) ورواه البزار في مسنده برقم (١٠٧٦) "كشف الأستار" مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ به وقال: "لا نعلمه بهذا اللفظ في الظهار عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا بهذا الإسناد، وأبو حمزة لين الحديث، وقد خالف في روايته ومتن حديثه الثقاب في أمر الظهار؛ لأن الزهري رواه عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هريرة، وهذا إسناد لا نعلم بين علماء أهل الحديث اختلافًا في صحته، وأنه صلى الله عليه وسلم دعا بإناء فيه خمسة عشر صاعًا، وحديث أبي حمزة منكر، وفيه لفظ يدل على خلاف الكتاب؛ لأنه قال: "وليراجعك، وقد كانت امرأته، فما معنى مراجعته امرأته ولم يطلقها، وهذا مما لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أتي هذا من رواية أبي حمزة الثمالي".]] وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَسِيَاقٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ نَحْوُ هَذَا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلَىُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ دُلَيج تَحْتَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَقِيرًا سَيِّئَ الْخُلُقِ، وَكَانَ طَلَاقُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي". وَكَانَ لَهَا مِنْهُ عَيِّلٌ أَوْ عَيِّلَانِ، فَنَازَعَتْهُ يَوْمًا فِي شَيْءٍ فَقَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي". فَاحْتَمَلَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيَّ ﷺ. وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَعَائِشَةُ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ وَمَعَهَا عَيّلها، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَقِيرٌ لَا شَيْءَ لَهُ سَيِّئُ الخُلُق، وَإِنِّي نَازَعْتُهُ فِي شَيْءٍ فَغَضِبَ، فَقَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي"، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَلِي مِنْهُ عَيِّلٌ أَوْ عَيِّلَانِ، فَقَالَ: "مَا أَعْلَمُكِ إِلَّا قَدْ حَرُمت عَلَيْهِ" فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ مَا نَزَلَ بِي وَأَبَا صَبِيِّي. قَالَ: وَدَارَتْ عَائِشَةُ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْآخَرَ، فَدَارَتْ مَعَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوْجِي ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَقِيرٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ، وَإِنَّ لِي مِنْهُ عَيِّلا أَوْ عَيِّلَيْنِ، وَإِنِّي نَازَعْتُهُ فِي شَيْءٍ فَغَضِبَ، وَقَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي"، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ! قَالَتْ: فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأَسَهُ وَقَالَ: "مَا أَعْلَمُكِ إِلَّا قَدْ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ". فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ مَا نَزَلَ بِي وَأَبَا صَبِيِّي؟ قَالَ: وَرَأَتْ عَائِشَةُ وَجْهَ النَّبِيِّ ﷺ تَغَيَّر، فَقَالَتْ لَهَا: "وَرَاءَكِ وَرَاءَكِ؟ " فَتَنَحَّتْ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي غَشَيَانِهِ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا انْقَطَعَ الْوَحْيُ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَيْنَ الْمَرْأَةُ" فَدَعَتْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اذْهَبِي فَأْتِنِي بِزَوْجِكِ". فَانْطَلَقَتْ تَسْعَى فَجَاءَتْ بِهِ. فَإِذَا هُوَ-[كَمَا قَالَتْ] [[زيادة من م.]] -ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَقِيرٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ] ﴾ [[زيادة من م.]] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ] ﴾ [[زيادة من أ.]] قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَتَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسَّهَا؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنِّي إِذَا لَمْ آكُلِ الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ يَكَادُ أَنْ يَعْشُوَ بَصَرِي. قَالَ: "أَفَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قَالَ: لَا إِلَّا [أَنْ] [[زيادة من م.]] تُعِينَنِي. قَالَ: فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فقال: "أطعم ستين مسكينا". قال: وحَوّل اللَّهُ الطَّلَاقَ، فَجَعَلَهُ ظِهَارًا.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، بأخصر من هذا السياق [[تفسير الطبري (٢٨/٣) .]]
وقال سعيد ابن جُبَيْرٍ: كَانَ الْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ مِنْ طَلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ الْإِيلَاءَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَجَعَلَ فِي الظهار الكفارة. رواه بن أَبِي حَاتِمٍ، بِنَحْوِهِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْكُمْ﴾ فَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ لَا ظِهَارَ مِنْهَا، وَلَا تَدْخُلُ فِي هَذَا الْخِطَابِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ﴾ أَيْ: لَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِ الرَّجُلِ: "أَنْتِ عليَّ كَأُمِّي" أَوْ "مِثْلُ أُمِّي" أَوْ "كَظَهْرِ أُمِّي" [[في م: "كظهر أمي أو كأمي أو مثل أمي".]] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لَا تَصِيرُ أُمَّهُ بِذَلِكَ، إِنَّمَا أُمُّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾ أَيْ: كَلَامًا فَاحِشًا بَاطِلًا ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ أَيْ: عَمَّا كَانَ مِنْكُمْ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَهَكَذَا أَيْضًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ، وَلَمْ يَقْصِدْ إِلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتِي. فَقَالَ: أُخْتُكَ هِيَ؟ "، فَهَذَا إِنْكَارٌ [[سنن أبي داود برقم (٢٢١٠) من حديث أبي تميمة الهجيمي، رضي الله عنه.]] وَلَكِنْ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَلَوْ قَصَدَهُ لَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى الصَّحِيحِ بَيْنَ الْأُمِّ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْمَحَارِمِ مِنْ أُخْتٍ وَعَمَّةٍ وَخَالَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْعَوْدُ هُوَ أَنْ يَعُودَ إِلَى لَفْظِ الظِّهَارِ فَيُكَرِّرَهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ، وَهُوَ اختيار بن حَزْمٍ [[في هـ، أ: "ابن جرير" والمثبت من م. مستفادًا من هامش ط-الشعب.]] وَقَوْلُ دَاوُدَ، وَحَكَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عبد البر عن بُكَيْر ابن الْأَشَجِّ وَالْفَرَّاءِ، وَفِرْقَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ زَمَانًا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِ فَلَا يُطَلِّقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْجِمَاعِ أَوْ يَعْزِمَ عَلَيْهِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ بِهَذِهِ الْكَفَّارَةِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوِ الْإِمْسَاكِ [[في م: "أو الإمساك".]] وَعَنْهُ أَنَّهُ الْجِمَاعُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ أَنْ يَعُودَ إِلَى الظِّهَارِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، وَرَفْعِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَتَى تَظَاهَرَ [[في م: "ظاهر".]] الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ فَقَدْ حَرَّمَهَا تَحْرِيمًا لَا يَرْفَعُهُ إِلَّا الْكَفَّارَةُ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُهُ، وَاللَّيْثُ بن سعد.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعة: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ يَعْنِي: يُرِيدُونَ أَنْ يَعُودُوا فِي الْجِمَاعِ الَّذِي حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَعْنِي الْغِشْيَانَ فِي الْفَرْجِ. وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُغْشَى فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ وَالْمَسُّ: النِّكَاحُ. وكذا قال عطاء، والزهري، وقتادة، ومقاتل ابن حَيَّانَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ.
وَقَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ. فَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ ". قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ. قَالَ: "فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ" [[رواه أبو داود في السنن برقم (٢٢٢٣) والترمذي في السنن برقم (١٩٩٠) والنسائي في السنن (٦/١٦٧) وابن ماجة في السنن برقم (٢٠٦٥) .]]
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ [[في م::حسن صحيح غريب".]] وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ [[سنن أبي داود برقم (٢٢٢١، ٢٢٢٢) وسنن النسائي (٦/١٦٨) .]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أَيْ: فَإِعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، فَهَا هُنَا الرَّقَبَةُ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْإِيمَانِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مُقَيَّدَةٌ بِالْإِيمَانِ، فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مَا أُطْلِقَ هَا هُنَا عَلَى مَا قُيِّدَ هُنَاكَ لِاتِّحَادِ الْمُوجَبِ، وَهُوَ عِتْقُ الرَّقَبَةِ، وَاعْتَضَدَ [[في م: "واعتمد".]] فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، فِي قِصَّةِ الْجَارِيَةِ السَّوْدَاءِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ [[الموطأ (٢/٧٧٧) والمسند (٥/٤٤٧) وصحيح مسلم برقم (٥٣٧) .]]
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ [[في أ: "حدثنا يونس".]] بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي تَظَاهَرْتُ [[في م: "إني ظاهرت".]] مِنِ امْرَأَتِي ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ قَالَ: أَعْجَبَتْنِي؟ قَالَ: "أَمْسِكْ حَتَّى تُكَفِّرَ" [[ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٢٠٤) والبيهقي في السنن الكبرى (٧/٣٨٦) من طريق إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ به نحوه، وقال الذهبي: "فيه إسماعيل بن مسلم وهو واه".]]
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إِلَّا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ﴾ أَيْ: تُزْجَرُونَ بِهِ ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أَيْ: خَبِيرٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، عَلِيمٌ بِأَحْوَالِكُمْ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ [[في م: "الآمرة".]] بِهَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ الَّذِي جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ.
﴿ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أَيْ: شَرَعْنَا هَذَا لِهَذَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ أَيْ: مَحَارِمُهُ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أَيِ: الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَا الْتَزَمُوا بِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، لَا تَعْتَقِدُوا أَنَّهُمْ نَاجُونَ مِنَ الْبَلَاءِ، كَلَّا لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["ٱلَّذِینَ یُظَـٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَاۤىِٕهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَـٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰۤـِٔی وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَیَقُولُونَ مُنكَرࣰا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورࣰاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورࣱ","وَٱلَّذِینَ یُظَـٰهِرُونَ مِن نِّسَاۤىِٕهِمۡ ثُمَّ یَعُودُونَ لِمَا قَالُوا۟ فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مِّن قَبۡلِ أَن یَتَمَاۤسَّاۚ ذَ ٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ","فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ شَهۡرَیۡنِ مُتَتَابِعَیۡنِ مِن قَبۡلِ أَن یَتَمَاۤسَّاۖ فَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّینَ مِسۡكِینࣰاۚ ذَ ٰلِكَ لِتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمٌ"],"ayah":"فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ شَهۡرَیۡنِ مُتَتَابِعَیۡنِ مِن قَبۡلِ أَن یَتَمَاۤسَّاۖ فَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّینَ مِسۡكِینࣰاۚ ذَ ٰلِكَ لِتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق