الباحث القرآني
ولَمّا كانَتِ الكَفّارَةُ مَرْتَبَةً، وكانَ المُظاهِرُ كَأنَّهُ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِقَتْلِ المُظاهَرِ عَنْها كَما مَضى، فَكانَ مُفْتَقِرًا إلى ما يُحْيِي نَفْسَهُ فَشُرِعَ لَهُ العِتْقُ الَّذِي هو كالإحْياءِ، شُرِعَ لَهُ عِنْدَ العَجْزِ عَنْهُ ما يُمِيتُ نَفْسَهُ الَّتِي إماتَتُها لَهُ إحْياؤُها، وكانَ الشَّهْرانِ نِصْفَ المُدَّةِ الَّتِي يُنْفَخُ فِيها الرُّوحُ، فَكانَ صَوْمُها كَنِصْفِ قَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي قَتَلَها إحْياءُ الرُّوحِ وإنْعاشُ العَقْلِ، فَكانَ كَأنَّهُ إماتَتُها فَجَعَلَهُ سُبْحانَهُ بَدَلًا عَنِ القَتْلِ الَّذِي هو كالإحْياءِ فَقالَ: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ﴾ أيِ الرَّقَبَةَ المَأْمُورَ بِها بِأنْ كانَ فَقِيرًا، فَإنْ كانَ غَنِيًّا ومالُهُ غائِبٌ فَهو واجِدٌ ﴿فَصِيامُ﴾ أيْ فَعَلَيْهِ صِيامُ ﴿شَهْرَيْنِ﴾ ولَمّا كانَ المُرادُ كَسْرَ النَّفْسِ كَما مَضى، وكانَتِ المُتابَعَةُ أنْكا ولِذَلِكَ سُمِّيَ رَمَضانُ شَهْرَ الصَّبْرِ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ: ﴿مُتَتابِعَيْنِ﴾ أيْ عَلى أكْمَلِ وُجُوهِ التَّتابُعِ عَلى حَسَبِ الإمْكانِ بِما أشارَ إلَيْهِ الإظْهارُ، فَلَوْ قَطَعَ التَّتابُعَ بِشَيْءٍ ما ولَوْ كانَ بِنِسْيانِ النِّيَّةِ وجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنافُ والإغْماءُ لا يَقْطَعُ التَّتابُعَ لِأنَّهُ لَيْسَ في الوُسْعِ وكَذا الإفْطارُ بِحَيْضٍ أوْ نِفاسٍ أوْ جُنُونٍ بِخِلافِ الإفْطارِ بِسَفَرٍ أوْ مَرَضٍ أوْ خَوْفٍ (p-٣٥٣)عَلى حَمْلٍ أوْ رَضِيعٍ لِأنَّ الحَيْضَ مَعْلُومٌ فَهو مُسْتَثْنًى شَرْعًا، وغَيْرُهُ مُغَيِّبٌ [لِلْعَقْلِ -] مُزِيلٌ لِلتَّكْلِيفِ، وأمّا المَرَضُ ونَحْوُهُ فَفِيهِ تَعَمُّدُ الإفْطارِ مَعَ وُجُودِ العَقْلِ.
ولَمّا كانَ الإمْساكُ عَنِ المَسِيسِ قَدْ يَكُونُ أوْسَعَ مِنَ الشَّهْرَيْنِ، أدْخَلَ الجارَّ فَقالَ: ﴿مِن قَبْلِ﴾ وحَلَّ المَصْدَرُ إفادَةً لِمَن يَكُونُ بَعْدَ المُظاهَرَةِ فَقالَ: ﴿أنْ يَتَماسّا﴾ فَإنْ جامَعَ لَيْلًا عَصى ولَمْ يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ. ولَمّا كانَ إطْعامُ نَفْسٍ قُوتَ نِصْفِ يَوْمٍ كَإماتَةِ نَفْسِهِ بِالصِّيامِ يَوْمًا قالَ تَعالى /: ﴿فَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ﴾ أيْ يَقْدِرْ عَلى الصِّيامِ قُدْرَةً تامَّةً - بِما أشارَ إلَيْهِ إظْهارُ التّاءِ لِهَرَمٍ أوْ مَرَضٍ أوْ شَبَقٍ مُفْرِطٍ يُهَيِّجُهُ الصَّوْمُ ﴿فَإطْعامُ﴾ أيْ فَعَلَيْهِ إطْعامُ ﴿سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ما يَقُوتُهُ نِصْفَ يَوْمٍ، وهو مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ وذَلِكَ نَحْوُ نِصْفِ قَدَحٍ بِالمِصْرِيِّ، وهو مَلْءُ حَفْنَتَيْنِ بِكَفَّيْ مُعْتَدِلِ الخَلْقِ مِن غالِبِ قُوتِ البَلَدِ، وهو كَما في الفِطْرَةِ سَواءٌ، وحَذَفَ قَيْدَ المُماسَّةِ لِذِكْرِهِ في الأوَّلَيْنِ، ولَعَلَّ الحِكْمَةَ في تَخْصِيصِ هَذا بِهِ أنَّ ذِكْرَهُ في أوَّلِ الخِصالِ لا بُدَّ مِنهُ، وإعادَتَهُ في الثّانِي لِطُولِ مُدَّتِهِ فالصَّبْرُ عَنْهُ فِيها مَشَقَّةٌ، وهَذا يُمْكِنُ أنْ يُفْعَلَ في لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ لا مَشَقَّةَ لِلصَّبْرِ فِيها عَنِ المُماسَّةِ، هَذا إذا عادَ، فَإنْ وصَلَ الظِّهارَ بِالطَّلاقِ أوْ ماتَ أحَدُهُما في الحالِ قَبْلَ إمْكانِ الطَّلاقِ فَلا (p-٣٥٤)كَفّارَةَ، قالَ البَغْوِيُّ: لِأنَّ العَوْدَ في القَوْلِ هو المُخالَفَةُ، وفَسَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما العَوْدَ بِالنَّدَمِ فَقالَ: يَنْدَمُونَ ويَرْجِعُونَ إلى الأُلْفَةِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى ما قالَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإنْ ظاهَرَ [عَنِ] الرَّجْعِيَّةِ انْعَقَدَ ظِهارُهُ فَإنْ راجَعَها لَزِمَتْهُ الكَفّارَةُ لِأنَّ الرَّجْعَةَ عَوْدٌ.
ولَمّا ذَكَرَ الحُكْمَ، بَيَّنَ عِلَّتَهُ تَرْغِيبًا فِيهِ فَقالَ: ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ التَّرْخِيصُ العَظِيمُ لَكم والرِّفْقُ بِكم والبَيانُ الشّافِي مِن أمْرِ اللَّهِ الَّذِي هو مُوافِقٌ لِلْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ مِلَّةِ أبِيكم إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ ﴿لِتُؤْمِنُوا﴾ [أيْ] وهَذا الفِعْلُ العَظِيمُ الشّاقُّ لِيَتَجَدَّدَ إيمانُكم ويَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ ﴿بِاللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الَّذِي لا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ فَتُطِيعُوهُ بِالِانْسِلاخِ مِن فِعْلِ الجاهِلِيَّةِ ﴿ورَسُولِهِ﴾ الَّذِي تَعْظِيمُهُ مِن تَعْظِيمِهِ وقَدْ بُعِثَ بِمِلَّةِ [أبِيهِ] إبْراهِيمَ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَلَوْ تَرَكَ هَذا الحُكْمَ الشَّدِيدَ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ لَكانَ مُشَكِّكًا في البَعْثِ بِتِلْكَ المِلَّةِ السَّمْحَةِ.
ولَمّا رَغَّبَ في هَذا الحُكْمِ، رَهَّبَ مِنَ التَّهاوُنِ بِهِ فَقالَ: ﴿وتِلْكَ﴾ أيْ هَذِهِ الأفْعالُ المُزَكِّيَةُ وكُلُّ ما سَلَفَ مِن أمْثالِها في هَذا الكِتابِ الأعْظَمِ ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ أيْ أوامِرُ المَلِكِ الأعْظَمِ ونَواهِيهِ وأحْكامُهُ الَّتِي يَجِبُ امْتِثالُها والتَّقَيُّدُ بِها لِتُرْعى حَقَّ رِعايَتِها فالتَزِمُوها وقِفُوا (p-٣٥٥)عِنْدَها ولا تَعْتَدُوها فَإنَّهُ لا يُطاقُ انْتِقامُهُ إذا تَعَدّى نَقْضُهُ أوْ إبْرامُهُ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَلِلْمُؤْمِنِينَ بِها جَنّاتُ النَّعِيمِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ﴿ولِلْكافِرِينَ﴾ أيِ العَرِيقِينَ في الكُفْرِ [بِها] أوْ بِشَيْءٍ مِن شَرائِعِهِ ﴿عَذابٌ ألِيمٌ﴾ بِما آلَمُوا المُؤْمِنِينَ بِهِ مِنَ الِاعْتِداءِ.
{"ayah":"فَمَن لَّمۡ یَجِدۡ فَصِیَامُ شَهۡرَیۡنِ مُتَتَابِعَیۡنِ مِن قَبۡلِ أَن یَتَمَاۤسَّاۖ فَمَن لَّمۡ یَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّینَ مِسۡكِینࣰاۚ ذَ ٰلِكَ لِتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق