الباحث القرآني
لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى [مَثَلَ] [[زيادة من ف، أ.]] قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، بِالْمِصْبَاحِ فِي الزُّجَاجَةِ الصَّافِيَةِ الْمُتَوَقِّدِ مِنْ زَيْتٍ طَيِّبٍ، وَذَلِكَ كَالْقِنْدِيلِ، ذَكَرَ مَحِلَّهَا وَهِيَ الْمَسَاجِدُ، الَّتِي هِيَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ بُيُوتُهُ الَّتِي يُعْبَدُ فِيهَا ويُوَحّد، فَقَالَ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ أَيْ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَفْعِهَا، أَيْ: بِتَطْهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغْوِ، وَالْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تَلِيقُ فِيهَا، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ قَالَ: نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ اللَّغْوِ فِيهَا. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمة [[في ف، أ: "خيثمة".]] وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُفَسِّرِينَ. [[في ف، أ: "التفسير".]]
وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ، أَمَرَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، بِبِنَائِهَا وَرَفْعِهَا، وَأَمَرَ بِعِمَارَتِهَا وَتَطْهِيرِهَا. وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: " أَلَا إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَضَوْءَهُ، ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي أَكْرَمْتُهُ، وحَقّ عَلَى المَزُور كرامةُ الزَّائِرِ". رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَاحْتِرَامِهَا وَتَوْقِيرِهَا، وَتَطْيِيبِهَا وَتَبْخِيرِهَا. وَذَلِكَ لَهُ مَحَلٌّ مُفْرَدٌ يُذْكَرُ فِيهِ، وَقَدْ كَتَبْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا عَلَى حدَة، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَنَحْنُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى نَذْكُرُ [[في ف: "سنذكر".]] هَاهُنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ:
فَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مَثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [[صحيح البخاري برقم (٤٥٠) وصحيح مسلم برقم (٥٣٣) .]] .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" [[سنن ابن ماجه برقم (٧٣٥) من طريق الوليد بن أبي الوليد عن عثمان بن عبد الله عن عمر. وقال البوصيري في الزوائد (١/٢٦٠) : "هذا إسناد مرسل، عثمان بن عبد الله بن سراقة روى عن عمر وهو جده لأمه، ولم يسمع منه. قاله المزي".]] .
وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَة [[في أ: "عنبسة".]] مَثْلُهُ [[سنن النسائي (٢/٣١) .]] . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدور، وأن تنظف وَتُطَيَّبَ [[المسند (٦/٢٧٩) وسنن أبي داود برقم (٤٥٥) وسنن الترمذي برقم (٥٩٤) وسنن ابن ماجه برقم (٧٥٩) .]] . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيُّ. وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ، عَنْ سَمُرة بْنِ جُنْدب نَحْوُهُ. [[المسند (٥/١٧) وسنن أبي داود برقم (٤٥٦) .]]
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ عُمَرُ: ابْنِ لِلنَّاسِ مَا يُكِنُّهُمْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ [[صحيح البخاري (١/٥٣٩) "فتح".]] .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "مَا سَاءَ عملُ قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ". [[سنن ابن ماجه برقم (٧٤١) من طريق جبارة بن المغلس عن عبد الكريم بن عبد الرحمن عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطاب، به. قال البوصيري في الزوائد (١/٢٦٢) : "هذا إسناد فيه جبارة بن المغلس وقد اتهم".]] وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا أمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخرفُنّها كَمَا زَخْرَفت الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى [[سنن أبي داود برقم (٤٤٨) .]]
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ". رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ [[المسند (٣/١٣٤) وسنن أبي داود برقم (٤٤٩) وسنن النسائي (٢/٣٢) وسنن ابن ماجه برقم (٧٣٩) .]]
وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلا أنشدَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمْلِ الْأَحْمَرِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيت الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [[صحيح مسلم برقم (٥٦٩) .]]
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، عَنِ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ، وَعَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسَاجِدِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ [[المسند (٢/١٧٩) وسنن أبي داود برقم (١٠٧٩) وسنن الترمذي برقم (٣٢٢) وسنن النسائي (٢/٤٧) وسنن ابن ماجه برقم (٧٤٩) .]] ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ: قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ. وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنشُد ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. [[سنن الترمذي برقم (٣١٢١) .]]
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ: "خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ: لَا يُتَّخذُ طَرِيقًا، وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ، وَلَا يُنبَض فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ، وَلَا يُمرّ فِيهِ بِلَحْمٍ نِيء: وَلَا يُضرَبُ فِيهِ حَدٌّ، وَلَا يُقْتَص فِيهِ مِنْ أَحَدٍ، وَلَا يُتَّخذ سُوقًا" [[سنن ابن ماجه برقم (٧٤٨) وقال البوصيري في الزوائد (١/٢٦٤) : "هذا إسناد فيه زيد بن جبيرة. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف".]] .
وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "جَنِّبوا الْمَسَاجِدَ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ، وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ، وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ، وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ، وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ، وجَمّروها فِي الجُمَع".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا [[سنن ابن ماجه برقم (٧٥٠) وقال البوصيري في الزوائد (١/٢٦٥) : "هذا إسناد ضعيف، أبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب، قال أحمد: عمدا كان يضع الحديث، ثم قال: والحارث بن نبهان ضعيف".]] وَفِي إِسْنَادِهِمَا [[في ف، أ: "إسناده".]] ضَعُفٌ.
أَمَّا أَنَّهُ "لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا" فَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُرُورَ فِيهِ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا وَجَد مَنْدُوحَةً عَنْهُ. وَفِي الْأَثَرِ: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَتَعَجَّبُ مِنَ الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ لَا يُصَلِّي فِيهِ".
وَأَمَّا أَنَّهُ "لَا يُشْهَرُ فِيهِ بِسِلَاحٍ [[في أ: "السلام".]] . وَلَا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ، وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ [[في ف: "بنبل".]] . فَلِمَا يُخْشَى مِنْ إِصَابَةِ بَعْضِ النَّاسِ بِهِ، لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا مَرَّ أَحَدٌ بِسِهَامٍ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى نِصَالِهَا؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ أَحَدًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٦١٥) من حديث أبي موسى الأشعري.]] .
وَأَمَا النَّهْيُ عَنِ الْمُرُورِ بِاللَّحْمِ النَّيِّءِ فِيهِ، فَلِما يُخْشَى مِنْ تَقَاطُرِ الدَّمِ مِنْهُ، كَمَا نُهِيَتِ الْحَائِضُ عَنِ الْمُرُورِ فِيهِ إِذَا خَافَتِ التَّلْوِيثَ.
وَأَمَّا أَنَّهُ "لَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ وَلَا يُقْتَصُّ"، فَلِمَا يُخْشَى مِنْ إِيجَادِ نَجَاسَةٍ فِيهِ مِنَ الْمَضْرُوبِ أَوِ الْمَقْطُوعِ.
وَأَمَّا أَنَّهُ "لَا يُتَّخَذُ سُوقًا"، فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، [[في أ: "صلى الله عليه وسلم".]] لِذَلِكَ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ: "إِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، إِنَّمَا بُنِيَتْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا". ثُمَّ أَمَرَ بسَجْل مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَى بَوْلِهِ [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٨٤) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] .
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: "جَنِّبوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ"، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَلْعَبُونَ فِيهِ وَلَا يُنَاسِبُهُمْ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا رَأَى صِبْيَانًا يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ [[في ف: "فيه".]] ، ضَرَبَهُمْ بالمِخْفَقَة -وَهِيَ الدِّرَّة -وَكَانَ يَعُسّ [[في ف، أ: "يفتش".]] الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْعَشَاءِ، فَلَا يَتْرُكُ فِيهِ أَحَدًا.
"وَمَجَانِينَكُمْ" يَعْنِي: لِأَجْلِ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ، وسَخْر النَّاسِ بِهِمْ، فَيُؤَدِّي إِلَى [[في أ: "على".]] اللَّعِبِ فِيهَا، وَلِمَا يَخْشَى مِنْ تَقْذِيرِهِمُ الْمَسْجِدَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
"وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ" كَمَا تَقَدَّمَ.
"وَخُصُومَاتِكُمْ" يَعْنِي: التَّحَاكُمَ وَالْحُكْمَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا نَصَّ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَنْتَصِبُ لِفَصْلِ الْأَقْضِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْحُكُومَاتِ وَالتَّشَاجُرِ وَالْعِيَاطِ [[في أ: "والغياظ".]] الَّذِي لَا يُنَاسِبُهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: "وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الجُعَيْد [[في ف، أ: "الجعد".]] بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي [[في ف، أ: "عن".]] يَزِيدُ بْنُ خُصَيفَة [[في ف، أ: "حفصة".]] ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزيدَ الكنْديِّ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ [[في ف، أ: "فإذا هو عمر".]] بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنَ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ أَوْ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قال: لو كنتما من أهل الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا: تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٠) .]] .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ صَوْتَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟ وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ. [[وذكره المزي في تحفة الأشراف (٨/٤) وعزاه للنسائي في السنن الكبرى في المواعظ.]]
* * *
وَقَوْلُهُ: "وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ": تَقَدَّمَا. [[في أ: "تقدم".]]
* * *
وَقَوْلُهُ: "وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ" يَعْنِي: الْمَرَاحِيضَ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْوُضُوءِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَقَدْ كَانَتْ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ آبَارٌ [[في أ: "أباريق".]] يَسْتَقُونَ منها، فيشربون ويتطهرون، ويتوضؤون وَغَيْرَ ذَلِكَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: "وجمِّروها فِي الجُمَع" يَعْنِي: بَخِّرُوهَا فِي أَيَّامِ الجُمَع لِكَثْرَةِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [[في أ: "عبد الله".]] بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُجَمِّر مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلَّ جُمُعَةٍ. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِهِ [[مسند أبي يعلى (١/١٧٠) .]] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّف عَلَى صِلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا. وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَضَوْءَهُ [[في ف، أ: "الوضوء".]] ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخطُ خَطوة إِلَّا رُفع لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاه: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ" [[صحيح البخاري برقم (٦٤٧) وصحيح مسلم برقم (٦٤٩) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.]]
وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مَرْفُوعًا: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ" [[سنن الدارقطني (١/٤٢٠) من طريق سليمان بن داود الْيَمَامِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، به. وقد رواه الحاكم في المستدرك (١/٢٤٦) والبيهقي في السنن الكبرى (٣/٥٧) من طريق سليمان بن داود، به. وسليمان بن داود مجمع على تضعيفه. ومن حديث جابر، رواه الدارقطني أيضا في السنن (١/٤٢٠) من طريق محمد بن مسكين عن عبد الله بن بكير عن محمد بن سوقة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، به. وقال أبو الطيب في التعليق: "فيه محمد بن مسكين، قال الذهبي: لا يعرف وخبره منكر. وقال البخاري: في إسناد حديثه نظر".]] .
وَفِي السُّنَنِ: "بشِّر الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [[رواه أبو داود في السنن برقم (٥٦١) والترمذي في السنن برقم (٢٢٣) من حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقال التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مرفوع، وهو صحيح مسند وموقوف إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسند إِلَى النَّبِيِّ ﷺ".]] .
وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَبْدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَأَنْ يَقُولَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرو [[فِي أ: "عمر".]] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[في ف، أ: "عنهما".]] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إذا دخل المسجد قال: أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" [قَالَ: أَقَطُّ؟ قَالَ: نَعَمْ] [[زيادة من أ.]] . قَالَ: فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفظ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ [[لم أجده في صحيح البخاري، وقد ذكره المزي في تحفة الأشراف وابن الأثير في جامع الأصول ولم يعزواه إلا لأبي داود في السنن برقم (٤٦٦) .]] .
وَرَوَى مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ -أَوْ: أَبِي أسَيْد -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ [[في ف، أ: "رسول الله".]] ﷺ [مِثْلَهُ] [[زيادة من ف، أ.]] [[صحيح مسلم برقم (٧١٣) وسنن النسائي (٢/٥٣) .]] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَلِيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ. وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَلِيَقِلِ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّان فِي صَحِيحَيْهِمَا [[سنن ابن ماجه برقم (٧٧٣) وصحيح ابن خزيمة برقم (٤٥٢) وصحيح ابن حبان برقم (٢٠٤٨) "الإحسان" كلهم من طريق أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة، به. وقال البوصيري في الزوائد (١/٩٧) : "هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات".]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا لَيْث بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ [[في أ: "حسين".]] . عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ، عَنْ جَدَّتِهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ". وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ [[المسند (٦/٢٨٢) وسنن الترمذي برقم (٣١٤) وسنن ابن ماجه برقم (٧٧١) .]] ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ الصُّغْرَى لَمْ تُدْرِكْ فَاطِمَةَ الْكُبْرَى.
فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، مَعَ مَا تَرَكْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ لِحَالِ الطُّولِ [[في ف، أ: "لجافي القول".]] . كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ أي: اسم الله، كقوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٣١] ، وَقَوْلُهُ ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٢٩] ، وَقَوْلُهُ ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الْجِنِّ: ١٨] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ يَعْنِي: يُتْلَى فِيهَا كِتَابُهُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ أَيْ: فِي البُكَرات والعَشِيَّات. وَالْآصَالُ: جمع أصيل، وَهُوَ آخِرُ النَّهَارِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلُّ تَسْبِيحٍ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الصَّلَاةُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْغُدُوِّ: صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَيَعْنِي بِالْآصَالِ: صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَهُمَا أَوَّلُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَذْكُرهما وَأَنْ يُذَكِّر بِهِمَا عِبَادَهُ.
وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ يَعْنِي: الصَّلَاةَ.
وَمَنْ قَرَأَ مِنَ القَرَأَة [[في ف، أ: "القراء".]] " يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ" -بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ "يُسبح" عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ -وَقَفَ [[في ف: "ويقف".]] عَلَى قَوْلِهِ: ﴿والآصَال﴾ وَقَفًا تامًا، وَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ وَكَأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِلْفَاعِلِ الْمَحْذُوفِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ [[ينسب للشاعر نهشل بن حري ولغيره، وهو من شواهد الكتاب لسيبويه (١/١٤٥) والمقتضب للمبرد (٣/٣٨٢) ومغني اللبيب لابن هشام الشاهد رقم (١٠٤٨) ا. هـ، مستفادا من حاشية الشعب.]] .
لِيُبْكَ يزيدُ، ضارعٌ لخُصُومة ... ومُخْتَبطٌ مِمَّا تُطيح الطّوَائحُ ...
كَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ يَبْكِيهِ؟ قَالَ: هَذَا يَبْكِيهِ. وَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا؟ قَالَ: رِجَالٌ.
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿يسبِّح﴾ -بِكَسْرِ الْبَاءِ -فَجَعَلَهُ فِعْلًا وَفَاعِلَهُ: ﴿رِجَال﴾ فَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ إِلَّا عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ.
فَقَوْلُهُ: ﴿رِجَال﴾ فِيهِ إِشْعَارٌ بِهِمَمِهِمُ السَّامِيَةِ، وَنِيَّاتِهِمْ وَعَزَائِمِهِمُ الْعَالِيَةِ، الَّتِي بِهَا صَارُوا عُمَّارا لِلْمَسَاجِدِ، الَّتِي هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَمَوَاطِنُ عِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ، وَتَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الْأَحْزَابِ: ٢٣] .
فَأَمَّا النِّسَاءُ فَصَلاتهن فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَهُنَّ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا" [[سنن أبي داود برقم (٥٨٠) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلان، حَدَّثَنَا رِشْدِين، حَدَّثَنِي عَمْرٌو، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنِ السَّائِبِ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، -عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ [قَعْرُ] [[زيادة من ف، أ.]] بُيُوتِهِنَّ" [[المسند (٦/٢٩٧) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيد الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ -امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ قَالَ: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتك خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي". قَالَ: فأمَرَت فبُني لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا وَأَظْلَمِهِ [[في هـ: "بيوتها والله" وفي ف، أ: "بيتها والله" والمثبت من المسند.]] ، فَكَانَتْ تُصْلِي فِيهِ حَتَّى لقيت الله، عز وجل. لم يخرجوه. [[المسند (٦/٣٧١) .]] هَذَا وَيَجُوزُ لَهَا شُهُودُ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا تُؤْذِيَ أَحَدًا مِنَ الرِّجَالِ بِظُهُورِ زِينَةٍ وَلَا رِيحِ طِيبٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ" [[صحيح البخاري برقم (٩٠٠) وصحيح مسلم برقم (٤٤٢) .]] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: "وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" [[المسند (٢/٧٦) وسنن أبي داود برقم (٥٦٧) من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.]] وَفِي رِوَايَةٍ: "وَلِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلات" [[وهي في المسند (٢/٤٣٨) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.]] أَيْ: لَا رِيحَ لَهُنَّ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ زَيْنَبَ -امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ -قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا" [[صحيح مسلم برقم (٤٤٣) .]] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ [[في ف، أ: "المؤمنات".]] يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطهن، مَا يُعْرَفْن مِنَ الغَلَس [[صحيح البخاري برقم (٥٧٨) وصحيح مسلم برقم (٦٤٥) .]] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لمنعهُنّ الْمَسَاجِدَ، كَمَا مُنعت نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ [[صحيح البخاري برقم (٨٦٩) وصحيح مسلم برقم (٤٤٥) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ ، كَقَوْلِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: ٩] ، وَقَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الْجُمُعَةِ: ٩]
يَقُولُ تَعَالَى: لَا تَشْغَلُهُمُ الدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا وَزِينَتُهَا ومَلاذ بَيعها وَرِيحُهَا، عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمُ الَّذِي هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَنْفَعُ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ أَيْ: يُقَدِّمُونَ طَاعَتَهُ ومُرَاده وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مُرَادِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ.
قَالَ هُشَيْم: عَنْ سَيَّار [[في ف، أ: "شيبان".]] : [قَالَ] [[زيادة من ف، أ.]] حُدِّثت عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، حَيْثُ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، تَرَكُوا بِيَاعَاتِهِمْ وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [[رواه الطبري في تفسيره (١٨/١١٣) .]] .
وَهَكَذَا رَوَى عَمْرو بْنُ دِينَارٍ القَهْرَمَانيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ فِي السُّوقِ [[في ف، أ: "بالسوق".]] فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَغْلَقُوا حَوَانِيتَهُمْ وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ ابْنُ عمر: فيهم نَزَلَتْ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (١٨/١١٣) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ [[في ف، أ: "بكير".]] الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ [[في أ: "هشام".]] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُجَيْر، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ رَبٍّ [[في ف، أ: "عبد ربه".]] قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي قُمْتُ [[في أ: "قمت".]] عَلَى هَذَا الدَّرَجِ أُبَايِعُ عَلَيْهِ، أَرْبَحُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، أَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: "إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَلَالٍ" وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْأَعْوَرُ: كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْمَسْجِدَ، فَمَرَرْنَا بِسُوقِ الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ وخَمَّروُا مَتَاعَهُمْ، فَنَظَرَ سَالِمٌ إِلَى أَمْتِعَتِهِمْ لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ، فَتَلَا سَالِمٌ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ ثُمَّ قَالَ: هُمْ هَؤُلَاءِ.
وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، وَالضَّحَّاكُ: لَا تُلْهِيهِمُ التِّجَارَةُ وَالْبَيْعُ أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا.
وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاق: كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ، وَلَكِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ وميزانُه فِي يَدِهِ خَفَضَهُ، وَأَقْبَلَ إِلَى الصلاة.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ يَقُولُ: عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ.
وَقَالَ السُّدِّي: عَنِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ.
وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: لَا يُلْهِيهِمْ ذَلِكَ عَنْ حُضُورِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُقِيمُوهَا كَمَا أَمَرَهُمُ [[في ف، أ: "أمر".]] اللَّهُ، وَأَنْ يُحَافِظُوا عَلَى مَوَاقِيتِهَا، وَمَا اسْتَحْفَظَهُمُ اللَّهُ فِيهَا.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، أَيْ: مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ وَعَظَمَةِ الْأَهْوَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ [غَافِرٍ: ١٨] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الْإِنْسَانِ: ٨-١٢] .
وَقَالَ هَاهُنَا ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ أَيْ: هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ يَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أَيْ: يَتَقَبَّلُ مِنْهُمُ الْحَسَنَ وَيُضَاعِفُهُ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النِّسَاءِ: ٤٠] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٦٠] ، وَقَالَ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٤٥] ، وقال ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] كَمَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ جِيءَ بِلَبَنٍ فَعَرَضَهُ عَلَى جُلَسَائِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا، فَكُلُّهُمْ لَمْ يَشْرَبْهُ لِأَنَّهُ كَانَ صَائِمًا، فَتَنَاوَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُفْطِرًا فَشَرِبَهُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى [[في ف، أ: "عز وجل".]] ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ﴾ ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْهُ [[ذكره المزي في تحفة الأشراف برقم (٩٤٣٥) وعزاه للنسائي في المواعظ.]] .
وَقَالَ [ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ] [[زيادة من ف، أ.]] أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِر عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَب عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، جَاءَ مُنَادٍ فَنَادَى بِصَوْتٍ يُسمع الْخَلَائِقَ: سَيَعْلَمُ أهلُ الْجَمْعِ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. فَيَقُومُونَ، وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يُحَاسِبُ سَائِرَ الْخَلَائِقِ" [[ورواه هناد في الزهد برقم (١٧٦) من طريق أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، به. وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف.]] .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ بَقيَّة، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [فَاطِرٍ: ٣٠] قَالَ: ﴿أُجُورَهُمْ﴾ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ﴿، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ ، الشَّفَاعَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ، لِمَنْ صَنَعَ لَهُمُ الْمَعْرُوفَ فِي الدُّنْيَا [[المعجم الكبير للطبراني (١٠/٢٤٨) وقال الحافظ ابن كثير عند تفسير الآية: ١٧٣ من سورة النساء: "هذا إِسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ، وَإِذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مسعود موقوفا فهو جيد".]] .
{"ayahs_start":36,"ayahs":["فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ","رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءِ ٱلزَّكَوٰةِ یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ","لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ"],"ayah":"فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق