الباحث القرآني

﴿فِي بُيُوتٍ﴾ اختلفوا في المتصل به من قوله ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ فذكر الزجاج [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 45.]] والفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 253 - 254.]] قولين: أحدهما: أنَّه من صلة المشكاة على تقدير: كمشكاة فيها مصباح في بيوت [فيكون قوله ﴿فِي بُيُوتٍ﴾] [[ساقط من (ع).]] وصفًا للنكرة كما كان قوله ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ وصفًا لها. وهذا القول اختيار أبي علي، قال: وفي قوله ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ ضمير مرفوع يعود إلى الموصوف، لأن الظرف في الصفة مثله في الصلة [["الحجة" لأبي علي 5/ 322.]]. القول الثاني: أنَّ (فِي) متصلة بقوله (يُسَبِّحُ لَهُ) ويكون [[(ويكون): ساقطة من (أ).]] (فِيهَا) تكرارًا على التوكيد كقولك: في الدار قام زيد فيها. وهذا القول إنّما هو على قراءة العامة [[قرأ جمهور القراء: "يسبّح" بكسر الباء. وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: "يُسبَّح" بفتح الباء. "السبعة" ص 456،" التبصرة" ص 273، "التيسير" ص 162.]]. [وعلى قراءة] [[ساقط من (ع).]] من قرأ (يسبَّح) بفتح الباء لا تكون (في) من صلة التسبيح. وذكر غيرهما [[ذكر ذلك الطبري 14/ 144، والثعلبي 3/ 85 ب. وحكاه ابن عطية 10/ 513، وأبو حيان 6/ 457 عن الرُّماني.]] أن [[(أنَّ): ساقطة من (ع).]] (في) من صلة (توقد). هذا الذي ذكرنا معنى قول أهل المعاني. والاختيار أن لا تجعل هذه الآية متصلة بما قبلها؛ لأنَّ الآية الأولى في [[في (ع): (من).]] ضرب المثل لنور المؤمن بالمشكاة التي فيها مصباح يُزهر بزيت [[في (ع): (بنور زيت).]] مضيء. ولا فائدة في وصف المصباح بكونه في بيوت أو في غيرها، ولا تأكيد لضوئها بأن تُوصف [[في (ع): (تذكر).]] أنَّها في بيوت يذكر فيها اسم الله، وأيضًا فإنَّه وحدّ المشكاة وجمع البيوت، ولا تكون مشكاة في بيوت [[حكى الرازي 24/ 2 هذا الاعتراض عن أبي مسلم بن بحر الأصفهاني.]]، فإذن الأولى أن يقال: قوله: ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ ابتداء كلام في وصف مساجد المؤمنين [[في (أ)، (ع): (والمؤمنين).]] الذين يذكرون الله فيها ويعبدونه وُيصلّون له. وأما معنى البيوت: فقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد المساجد [[لم أجد من ذكره عنه من رواية عطاء. وقد روى الطبري 18/ 144، وابن أبي حاتم 7/ 49 ب هذا القول عنه من رواية علي بن أبي طلحة. ورواه الطبري 18/ 144 أيضًا من رواية العوفي.]]. وهو قول أبي صالح [[ذكره عنه ابن أبي حاتم 7/ 49 ب، وابن كثير 3/ 292.]]، ومجاهد في رواية ابن أبي نجيح [[رواه عنه الطبري 18/ 144 من رواية ابن أبي نجيح. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 202 ونسبه أيضًا لعبد بن حميد.]]، ومقاتل [[انظر: "تفسير مقاتل" 2/ 39 أ.]]، وعكرمة [[ذكره عنه ابن أبي حاتم 7/ 49 ب، وابن كثير 3/ 292. وله قول آخر: أنَّها البيوت كلها. رواه عنه الطبري 18/ 144، وابن أبي حاتم 7/ 50 أ.]]، والحسن [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 60، والطبري 18/ 144.]] وأكثر المفسرين [[انظر: "الطبري" 18/ 144، ابن الجوزي 6/ 46، ابن كثير 3/ 292.]]. وعلى هذا الآية عامة في جميع المساجد. قال ابن عباس فيما روى عنه سعيد بن جبير: المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تُضيء لأهل السَّماء [[في (أ): (الشهادة).]] كما [[(كما): ساقطة من (أ).]] تضيء النُّجوم لأهل الأرض [[رواه الثعلبي في "تفسيره" 2/ 85 ب من طريق بُكير بن شهاب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به. وبكير بن شهاب قال فيه ابن حجر في "التقريب" 1/ 107: مقبول. ومعنى مقبول عن ابن حجر: حيث يتايع، وإلا فليَّن الحديث. انظر: "مقدمة == التقريب" ص 5، ولم يتابع بكيرًا أحدٌ، فإسناده ضعيف. وذكره البغوي 6/ 49 من رواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس.]]. ومنهم من خصَّص البيوت هاهنا، فقال: هي أربعة مساجد لم يبنهنَّ إلا نبي: الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل، وبيت [[(بيت): ساقط من (ع). وفيها: وأريحا. والمراد بأريحا -وهي بالفتح ثم كسر الراء-: بلدة في الأردن بالشام، بينها وبين بيت المقدس مسافة يوم للفارس. "معجم البلدان" 1/ 210.]] أريحا بناه داود وسليمان، ومسجد المدينة ومسجد قُباء بناهما النبي -ﷺ-. وهذا قول ابن بريدة. وقال السدي: هي بيوت المدينة [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 85 ب.]]. وإنَّما خصَّ بيوت المدينة لأنها كانت يُصلّى فيها، ويذكر الله فيها حين نزلت هذه الآية. وروى ليث عن مجاهد قال: هي بيوت النبي -ﷺ- [[رواه ابن أبي حاتم 7/ 50 وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 203 وعزاه لابن أبي حاتم. وسنده ضعيف، لأن فيه ليث بن أبي سليم وهو مجمع على ضعفه. وما تقدم عن مجاهد هو الصحيح. وذكر هذا القول عن مجاهد أيضًا ابن الجوزي 6/ 6، والقرطبي 12/ 265.]]. وقد روي مرفوعًا أنَّ النبي -ﷺ- قرأ هذه الآية، فسئل أي بيوت هذه؟ فقال: "بيوت الأنبياء" [[رواه ابن مردويه كما في "الدر المنثور" 6/ 203، والثعلبي في "تفسيره الكشف والبيان" 3/ 85 ب عن أنس بن مالك، وعن بريدة. وهذا الحديث لا يصح؛ لأنه من رواية نفيع بن الحارث عن أنس وبريدة. ونفيع == هذا قال عنه الحاكم: روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة. وقال ابن عبد البر: اتفق أهل العلم على نكارة حديثه وضعفه، وكذّبه بعضهم، وأجمعوا على ترك الرواية عنه، وليس عندهم شيء. وقال الذهبي: هالك، تركوه. وقال ابن حجر: متروك، وقد كذّبه ابن معين. انظر: "الاستغناء" لابن عبد البر 1/ 604، " المغني في الضعفاء" للذهبي 2/ 701، "تهذيب التهذيب" لابن حجر 10/ 470 - 472، "تقريب التهذيب" لابن حجر 2/ 306.]]. والقول هو الأول. وقوله ﴿أَذِنَ اللَّهُ﴾ قال مقاتل: أمر الله [["تفسير مقاتل" 2/ 39 أ.]]. ﴿أَنْ تُرْفَعَ﴾ قال ابن عباس [[ذكره عنه الرازي 24/ 3، وأبو حيان 6/ 458. وروى الطبري 18/ 144، وابن أبي حاتم 7/ 49 ب عنه قال: تكرَّم، ونهى عن اللغو فيها.]]، ومجاهد [[رواه الطبري 18/ 145، وابن أبي حاتم 7/ 50 أ، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 202 وعزاه لعبد بن حميد أيضًا.]]، ومقاتل [[انظر: "تفسير مقاتل" 2/ 39 أ.]]، وغيرهم [[هو الطبري: قال في "تفسيره" 18/ 144: معناه: أذن الله أن ترفع بناءً، كما قال جل ثناؤه-: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) وذلك أنَّ ذلك هو الأغلب من معنى الرفع في البيوت والأبنية.]]: أن تبنى، كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ﴾ [البقرة: 127]. وقال الحسن: (ترْفَعَ) أي: تُعظَّم [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 60 - 61، والطبري 18/ 145، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 202 - 203 وعزاه لمن تقدم. وحكى الرَّازي في "تفسيره" 24/ 3 في قوله "ترفع" قولاً ثالثُا هو مجموع الأمرين: أي تبنى وتعظم. ولعل هذا الأقرب؛ لأنَّه يعم القولين. == قال العلامة الشنقيطي في "تفسير سورة النور" ص 141: والرفع قسمان: الأول: الرفع الحسي، وهو رفع القواعد والبناء، ومنه قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل). الثاني: الرفع المعنوي، وذلك يكون بأداء عبادة الله فيهان وصونها عما ينجسها حسيًّا كان أو معنويًا كارتكاب المنكرات. وعمارة المسجد الحقيقية هي العمارة المعنوية، فلو زخرف المسجد وارتكبت فيه المنكرات، أو لم تقم فيه عبادة الله، فليس بمعمور حقيقة. ولو بني بالنَّخل والجريد والطين وأقيمت فيه العبادة، وطهِّر من الأقذار الحسيِّة والمعنوية فهو معمور حقيقة. ولهذا كان مسجد رسول الله -ﷺ- مبنيًّا بالجريد والنخل ومع ذلك كانت عمارته أعظم من اليوم، وإن كانت عمارته الحسيّة اليوم أعظم من ذلك اليوم.]]. والمعنى: لا يتكلم فيها بالخنا [[الخنا من الكلام: أفحشه. "لسان العرب" 14/ 244 (خنا).]]. قال أبو علي: قوله ([أذن الله] [[ساقط من (أ).]] أن ﴿تُرْفَعَ﴾) صفة للبيوت، والعائد منها إلى البيوت الذكر الذي في قوله ﴿تُرْفَعَ﴾ [["الحجة" لأبي علي الفارسي 5/ 322.]]. قوله ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ قال مقاتل: يوحّد الله فيها [["تفسير مقاتل" 2/ 39 أ. وفي الآية قولان آخران حكاهما الماوردي 4/ 107. أحدهما: يتلى فيها كتابه. قاله ابن عباس. الثاني: تُذكر فيها أسماؤه الحسنى. قاله ابن جرير. وما حكاه الماوردي عن ابن عباس رواه الطبري 18/ 145، وابن أبي حاتم 7/ 50 ب، عنه من رواية علي بن أبي طلحة. وقول الطبري في "تفسيره" 18/ 145. قال أبو حيان 6/ 458: (ويذكر في اسمه) ظاهره مطلق الذكر فيعم كل ذكر.]]. ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا﴾ يُصلى لله في تلك البيوت. ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ يعني الصَّلوات المفروضة في قول المفسرين [[حكى الثعلبي 3/ 86 أهذا القول عن المفسرين. وحكاه البغوي 6/ 47 عن أهل التفسير. ولم يذكرا غيره. وعليه اقتصر الطبري 18/ 146، وابن كثير 3/ 294. وحكى الماوردي 4/ 107، وابن الجوزي 6/ 47، والرازي 24/ 4 قولين في التسبيح: أحدهما: ما ذكر هنا. وعزاه الرازي للأكثرين. الثاني: أنه التسبيح المعروف. وعزاه ابن الجوزي لبعض المفسرين. واستظهر الرازي هذا الوجه: لأن الصلاة والزكاة قد عطفهما على ذلك من حيث قال "ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة". والأولى عموم ذلك للصلاة والتسبيح المعروف: ولأنَّ الصلاة مشتملة على التسبيح.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب