الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: " في " مِن صِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿كَمِشْكاةٍ﴾، (p-٤٦)فالمَعْنى: كَمِشْكاةٍ في بُيُوتٍ؛ ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِقَوْلِهِ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها﴾ فَتَكُونَ فِيها تَكْرِيرًا عَلى التَّوْكِيدِ؛ والمَعْنى: يُسَبِّحُ لِلَّهِ رِجالٌ في بُيُوتٍ. فَإنْ قِيلَ: المِشْكاةُ إنَّما تَكُونُ في بَيْتٍ واحِدٍ، فَكَيْفَ قالَ: ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ مِنَ الخِطابِ المُتَلَوِّنِ الَّذِي يُفْتَحُ بِالتَّوْحِيدِ ويُخْتَمُ بِالجَمْعِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ [الطَّلاقِ:١] . والثّانِي: أنَّهُ راجِعٌ إلى كُلِّ واحِدٍ مِنَ البُيُوتِ، فالمَعْنى: في كُلِّ بَيْتٍ مِشْكاةٌ. ولِلْمُفَسِّرِينَ في المُرادِ بِالبُيُوتِ ها هُنا ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها المَساجِدُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والجُمْهُورُ. والثّانِي: بُيُوتُ أزْواجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: بَيْتُ المَقْدِسِ، قالَهُ الحَسَنُ. فَأمّا ﴿أذِنَ﴾ فَمَعَناهُ: أمَرَ. وفي مَعْنى ﴿أنْ تُرْفَعَ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنْ تُعَظَّمَ، قالَهُ الحَسَنُ، والضَّحّاكُ. والثّانِي: أنْ تُبْنى، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ. (p-٤٧)وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: تَوْحِيدُهُ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: يُتْلى فِيها كِتابُهُ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُسَبِّحُ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: " يُسَبِّحُ " بِكَسْرِ الباءِ؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ: بِفَتْحِها. وقَرَأ مُعاذٌ القارِئُ، وأبُو حَيَوَةَ: " تُسَبِّحُ " بِتاءٍ مَرْفُوعَةٍ وكَسْرِ الباءِ ورَفْعِ الحاءِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ الصَّلاةُ. ثُمَّ في صَلاةِ الغُدُوِّ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها صَلاةُ الفَجْرِ، رَواهُ ابْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: صَلاةُ الضُّحى، رَوى ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ صَلاةَ الضُّحى لَفي كِتابِ اللَّهِ، وما يَغُوصُ عَلَيْها إلّا غَوّاصٌ، ثُمَّ قَرَأ ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ . وفي صَلاةِ الآصالِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها صَلاةُ الظُّهْرِ والعَصْرِ والمَغْرِبِ والعِشاءِ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّانِي: صَلاةُ العَصْرِ، قالَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ التَّسْبِيحُ المَعْرُوفُ، ذَكَرَهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ﴾ أيْ لا تُشْغِلُهم ﴿تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ﴾ قالَ ابْنُ السّائِبِ: التُّجّارُ: الجَلّابُونَ، والباعَةُ: المُقِيمُونَ. وقالَ الواقِدَيُّ: التِّجارَةُ ها هُنا بِمَعْنى الشِّراءِ. (p-٤٨)وَفِي المُرادِ بِذِكْرِ اللَّهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: الصَّلاةُ المَكْتُوبَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعَطاءٌ. ورَوى سالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ في السُّوقِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَأغْلَقُوا حَوانِيتَهم ودَخَلُوا المَسْجِدَ، فَقالَ ابْنُ عُمَرَ: فِيهِمْ نَزَلَتْ ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ . والثّانِي: عَنِ القِيامِ بِحَقِّ اللَّهِ، قالَهُ قَتادَةُ. والثّالِثُ: عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسانِ، ذَكَرَهُ أبُو سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإقامِ الصَّلاةِ﴾ أيْ: أدائِها لِوَقْتِها وإتْمامِها. فَإنْ قِيلَ: إذا كانَ المُرادُ بِذِكْرِ اللَّهِ الصَّلاةَ، فَما مَعْنى إعادَتِها؟ فالجَوابُ: أنَّهُ بَيَّنَ أنَّهم يُقِيمُونَها بِأدائِها في وقْتِها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾ في مَعْناهُ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَن كانَ قَلْبُهُ مُؤْمِنًا بِالبَعْثِ والنُّشُورِ، ازْدادَ بَصِيرَةً بِرُؤْيَةِ ما وُعِدَ بِهِ؛ ومَن كانَ قَلْبُهُ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ، رَأى ما يُوقِنُ مَعَهُ بِأمْرِ القِيامَةِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والثّانِي: أنَّ القُلُوبَ تَتَقَلَّبُ بَيْنَ الطَّمَعِ في النَّجاةِ والخَوْفِ مِنَ الهَلاكِ، والأبْصارَ تَتَقَلَّبُ، تَنْظُرُ مِن أيْنَ يُؤْتَوْنَ كُتُبَهم، أمِن قِبَلِ اليَمِينِ، أمْ مِن قَبْلِ الشِّمالِ؟ وأيُّ ناحِيَةٍ يُؤْخَذُ بِهِمْ، أذاتَ اليَمِينِ أمْ ذاتَ الشِّمالِ؟ قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. والثّالِثُ: تَتَقَلَّبُ القُلُوبُ فَتَبْلُغُ إلى الحَناجِرِ، وتَتَقَلَّبُ الأبْصارُ إلى الزَّرَقِ بَعْدَ الكَحَلِ والعَمى بَعْدَ النَّظَرِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ﴾ المَعْنى: يُسَبِّحُونَ اللَّهَ لِيَجْزِيَهم ﴿أحْسَنَ ما عَمِلُوا﴾ أيْ: لِيَجْزِيَهم بِحَسَناتِهِمْ. فَأمّا مَساوِئُهم فَلا يَجْزِيهِمْ بِها ﴿وَيَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ﴾ (p-٤٩)ما لَمْ يَسْتَحِقُّوهُ بِأعْمالِهِمْ ﴿واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ قَدْ شَرَحْناهُ في (آلِ عِمْرانَ: ٢٧) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب