الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ .
قَرَأ هَذا الحَرْفَ جَمِيعُ السَّبْعَةِ غَيْرَ ابْنِ عامِرٍ، وشُعْبَةَ، عَنْ عاصِمٍ: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِكَسْرِ الباءِ المُوَحَّدَةِ المُشَدَّدَةِ، مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وفاعِلُهُ رِجالٌ والمَعْنى واضِحٌ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ، وشُعْبَةُ، عَنْ عاصِمٍ: يُسَبَّحُ لَهُ فِيها بِفَتْحِ الباءِ المُوَحَّدَةِ المُشَدَّدَةِ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فالفاعِلُ المَحْذُوفُ قَدْ دَلَّتِ القِراءَةُ الأُولى عَلى أنَّ تَقْدِيرَهُ: رِجالٌ فَكَأنَّهُ لَمّا قالَ يُسَبَّحُ لَهُ فِيها، قِيلَ: ومَن يُسَبِّحُ لَهُ فِيها ؟ قالَ رِجالٌ، أيْ: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها رِجالٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ ما لَفْظُهُ، وقَدِ التَزَمْنا أنّا لا نُبَيِّنُ القُرْآنَ إلّا بِقِراءَةٍ سَبْعِيَّةٍ، سَواءٌ كانَتْ قِراءَةً أُخْرى في الآيَةِ المُبَيِّنَةِ نَفْسِها، أوْ آيَةٍ أُخْرى غَيْرِها إلى آخِرِهِ، وإنَّما ذَكَرْنا أنَّ الآيَةَ يُبَيِّنُ بَعْضُ القِراءاتِ فِيها مَعْنى بَعْضٍ؛ لِأنَّ المُقَرَّرَ عِنْدَ العُلَماءِ أنَّ القِراءَتَيْنِ في الآيَةِ الواحِدَةِ كالآيَتَيْنِ.
وَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّ قِراءَةَ الجُمْهُورِ: يُسَبِّحُ بِكَسْرِ الباءِ وفاعِلُهُ رِجالٌ مُبَيِّنَةٌ أنَّ الفاعِلَ المَحْذُوفَ في قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ، وشُعْبَةَ، عَنْ عاصِمٍ: يُسَبَّحُ بِفَتْحِ الباءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ لِحَذْفِ الفاعِلِ هو رِجالٌ كَما لا يَخْفى. والآيَةُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ حُذِفَ فِيها الفاعِلُ لِـ ”يُسَبِّحُ“، وحُذِفَ أيْضًا الفِعْلُ الرّافِعُ لِلْفاعِلِ الَّذِي هو رِجالٌ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ في الخُلاصَةِ:
؎وَيَرْفَعُ الفاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرا ∗∗∗ كَمِثْلِ زَيْدٍ في جَوابِ مَن قَرا
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِن كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ ضِرارِ بْنِ نَهْشَلٍ يَرْثِي أخاهُ يَزِيدَ أوْ غَيْرَهُ:
؎لِيُبْكَ يَزِيدَ ضارِعٌ لِخُصُومَةٍ ∗∗∗ وَمُخْتَبِطٌ مِمّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ
فَقَوْلُهُ: لِيُبْكَ يَزِيدُ بِضَمِّ الياءِ التَّحْتِيَّةِ، وفَتْحِ الكافِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ومَن (p-٥٣٩)يَبْكِيهِ ؟ فَقالَ: يَبْكِيهِ ضارِعٌ لِخُصُومَةٍ إلَخْ، وقِراءَةُ ابْنِ عامِرٍ، وشُعْبَةَ هُنا كَقِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: كَذَلِكَ يُوحى إلَيْكَ بِفَتْحِ الحاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ فَقَوْلُهُ: اللَّهُ فاعِلُ يُوحى المَحْذُوفَةِ، ووَصْفُهُ تَعالى لِهَؤُلاءِ الرِّجالِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِالغُدُوِّ والآصالِ، بِكَوْنِهِمْ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ عَلى سَبِيلِ مَدْحِهِمْ، والثَّناءِ عَلَيْهِمْ، يَدُلُّ عَلى أنَّ تِلْكَ الصِّفاتِ لا يَنْبَغِي التَّساهُلُ فِيها بِحالٍ؛ لِأنَّ ثَناءَ اللَّهِ عَلى المُتَّصِفِ بِها يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن أخَلَّ بِها يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ الَّذِي هو ضِدُّ الثَّناءِ، ويُوَضِّحُ ذَلِكَ أنَّ اللَّهَ نَهى عَنِ الإخْلالِ بِها نَهْيًا جازِمًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكم أمْوالُكم ولا أوْلادُكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ﴾ الآيَةَ [الجمعة: ٩] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
* * *
مَسائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ.
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ عَلى قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ، وشُعْبَةَ: يُسَبَّحُ سُنَّ الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ: بِالآصالِ، وأمّا عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ يُسَبِّحُ بِالكَسْرِ، فَلا يَنْبَغِي الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ: بِالآصالِ؛ لِأنَّ فاعِلَ يُسَبِّحُ رِجالٌ، والوَقْفُ دُونَ الفاعِلِ لا يَنْبَغِي كَما لا يَخْفى.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اعْلَمْ أنَّ الضَّمِيرَ المُؤَنَّثَ في قَوْلِهِ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها﴾ راجِعٌ إلى المَساجِدِ المُعَبَّرِ عَنْها بِالبُيُوتِ في قَوْلِهِ: ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ والتَّحْقِيقُ: أنَّ البُيُوتَ المَذْكُورَةَ، هي المَساجِدُ.
وَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّ تَخْصِيصَهُ مَن يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالرِّجالِ في قَوْلِهِ ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ رِجالٌ﴾ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلى أنَّ النِّساءَ يُسَبِّحْنَ لَهُ في بُيُوتِهِنَّ لا في المَساجِدِ، وقَدْ يَظْهَرُ لِلنّاظِرِ أنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: رِجالٌ مَفْهُومُ لَقَبٍ، والتَّحْقِيقُ عِنْدَ الأُصُولِيِّينَ أنَّهُ لا يُحْتَجُّ بِهِ.
قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: لا شَكَّ أنَّ مَفْهُومَ لَفْظِ الرِّجالِ، مَفْهُومُ لَقَبٍ بِالنَّظَرِ إلى مُجَرَّدِ لَفْظِهِ، وأنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلى التَّحْقِيقِ، كَما أوْضَحْناهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، ولَكِنَّ مَفْهُومَ الرِّجالِ هُنا مُعْتَبَرٌ، ولَيْسَ مَفْهُومَ لَقَبٍ عَلى التَّحْقِيقِ، وذَلِكَ لِأنَّ (p-٥٤٠)لَفْظِ الرِّجالِ، وإنْ كانَ بِالنَّظَرِ إلى مُجَرَّدِهِ اسْمَ جِنْسٍ جامِدٍ وهو لَقَبٌ بِلا نِزاعٍ، فَإنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مِن صِفاتِ الذُّكُورَةِ ما هو مُناسِبٌ لِإناطَةِ الحُكْمِ بِهِ، والفَرْقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ النِّساءِ؛ لِأنَّ الرِّجالَ لا تُخْشى مِنهُمُ الفِتْنَةُ، ولَيْسُوا بِعَوْرَةٍ بِخِلافِ النِّساءِ، ومَعْلُومٌ أنَّ وصْفَ الذُّكُورَةِ وصْفٌ صالِحٌ لِإناطَةِ الحُكْمِ بِهِ الَّذِي هو التَّسْبِيحُ في المَساجِدِ، والخُرُوجُ إلَيْها دُونَ وصْفِ الأُنُوثَةِ.
والحاصِلُ: أنَّ لَفْظَ الرِّجالِ في الآيَةِ، وإنْ كانَ في الِاصْطِلاحِ لَقَبًا فَإنَّما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِن أوْصافِ الذُّكُورَةِ المُناسِبَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذُّكُورِ والإناثِ، يَقْتَضِي اعْتِبارَ مَفْهُومِ المُخالَفَةِ في لَفْظِ رِجالٍ، فَهو في الحَقِيقَةِ مَفْهُومُ صِفَةٍ لا مَفْهُومَ لَقَبٍ؛ لِأنَّ لَفْظَ الرِّجالِ مُسْتَلْزِمٌ لِأوْصافٍ صالِحَةٍ لِإناطَةِ الحُكْمِ بِهِ، والفَرْقُ في ذَلِكَ بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ كَما لا يَخْفى.
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: إذا عَلِمْتَ أنَّ التَّحْقِيقَ أنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: رِجالٌ، مَفْهُومُ صِفَةٍ بِاعْتِبارِ ما يَسْتَلْزِمُهُ مِن صِفاتِ الذُّكُورَةِ المُناسِبَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذُّكُورِ والإناثِ، في حُكْمِ الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ لا مَفْهُومُ لَقَبٍ، وأنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ خِلافًا لِأبِي حَنِيفَةَ.
فاعْلَمْ أنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ هُنا: رِجالٌ فِيهِ إجْمالٌ؛ لِأنَّ غايَةَ ما يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ النِّساءَ لَسْنَ كالرِّجالِ في الخُرُوجِ لِلْمَساجِدِ، وقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ أنَّ البَيانَ القُرْآنِيَّ إذا كانَ غَيْرَ وافٍ بِالمَقْصُودِ مِن تَمامِ البَيانِ، فَإنّا نُتَمِّمُ البَيانَ مِنَ السُّنَّةِ مِن حَيْثُ إنَّها تَفْسِيرٌ لِلْمُبَيِّنِ بِاسْمِ الفاعِلِ، وتَقَدَّمَتْ أمْثِلَةٌ لِذَلِكَ.
وَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ بَيَّنَتْ مَفْهُومَ المُخالَفَةِ في قَوْلِهِ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: رِجالٌ، فَبَيَّنَتْ أنَّ المَفْهُومَ المَذْكُورَ مُعْتَبَرٌ، وأنَّ النِّساءَ لَسْنَ كالرِّجالِ في حُكْمِ الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ، وأوْضَحَتْ أنَّ صَلاتَهُنَّ في بُيُوتِهِنَّ أفْضَلُ لَهُنَّ مِنَ الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ والصَّلاةِ فِيها في الجَماعَةِ، بِخِلافِ الرِّجالِ، وبَيَّنَتْ أيْضًا أنَّهُنَّ يَجُوزُ لَهُنَّ الخُرُوجُ إلى المَساجِدِ بِشُرُوطٍ سَيَأْتِي إيضاحُها إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وأنَّهُنَّ إذا اسْتَأْذَنَّ أزْواجَهُنَّ في الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ فَهم مَأْمُورُونَ شَرْعًا بِالإذْنِ لَهُنَّ في ذَلِكَ مَعَ التِزامِ الشُّرُوطِ المَذْكُورَةِ.
أمّا أمْرُ أزْواجِهِنَّ بِالإذْنِ لَهُنَّ في الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ إذا طَلَبْنَ ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: قالَ البُخارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صَحِيحِهِ في كِتابِ النِّكاحِ: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا الزُّهْرِيُّ عَنْ سالِمٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «إذا اسْتَأْذَنَتِ (p-٥٤١)امْرَأةُ أحَدِكم إلى المَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْها» وقالَ البُخارِيُّ أيْضًا في صَحِيحِهِ في كِتابِ الصَّلاةِ: بابُ اسْتِئْذانِ المَرْأةِ زَوْجَها بِالخُرُوجِ إلى المَسْجِدِ: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ”: «إذا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأةُ أحَدِكم فَلا يَمْنَعْها»“ وقالَ البُخارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صَحِيحِهِ أيْضًا، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسى، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ ”: «إذا اسْتَأْذَنَكم نِساؤُكم بِاللَّيْلِ إلى المَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ»“ تابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وقالَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صَحِيحِهِ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ سالِمًا يُحَدِّثُ عَنْ أبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قالَ ”: «إذا اسْتَأْذَنَتْ أحَدَكُمُ امْرَأتُهُ إلى المَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْها»“ وفي لَفْظٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لا تَمْنَعُوا نِساءَكُمُ المَساجِدَ إذا اسْتَأْذَنَّكم إلَيْها» ”وَفي لَفْظٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أيْضًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ“: «لا تَمْنَعُوا إماءَ اللَّهِ مَساجِدَ اللَّهِ» ”وَفي لَفْظٍ لَهُ عَنْهُ أيْضًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ“: «إذا اسْتَأْذَنَكم نِساؤُكم إلى المَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» ”وَفي لَفْظٍ عَنْهُ أيْضًا، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ“: «لا تَمْنَعُوا النِّساءَ مِنَ الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ بِاللَّيْلِ» ”وَفي رِوايَةٍ لَهُ عَنْهُ أيْضًا، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ“: «ائْذَنُوا لِلنِّساءِ بِاللَّيْلِ إلى المَساجِدِ» ”وَفي لَفْظٍ لَهُ عَنْهُ أيْضًا، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ“: «لا تَمْنَعُوا النِّساءَ حُظُوظَهُنَّ مِنَ المَساجِدِ إذا اسْتَأْذَنَّكم» " وفي رِوايَةٍ «إذا اسْتَأْذَنُوكم»، قالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: وهو صَحِيحٌ وعُومِلْنَ مُعامَلَةَ الذُّكُورِ لِطَلَبِهِنَّ الخُرُوجَ إلى مَجْلِسِ الذُّكُورِ، وحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - هَذا الَّذِي ذَكَرْناهُ عَنِ الشَّيْخَيْنِ بِرِواياتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أخْرَجَهُ أيْضًا غَيْرُهُما وهو صَرِيحٌ في أنَّ أزْواجَ النِّساءِ مَأْمُورُونَ عَلى لِسانِهِ ﷺ بِالإذْنِ لَهُنَّ في الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ، إذا طَلَبْنَ ذَلِكَ، ومَنهِيُّونَ عَنْ مَنعِهِنَّ مِنَ الخُرُوجِ إلَيْها.
وَذَكَرَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ أنَّ أمْرَ الأزْواجِ بِالإذْنِ لَهُنَّ في الرِّواياتِ المَذْكُورَةِ لَيْسَ لِلْإيجابِ، وإنَّما هو لِلنَّدْبِ، وكَذَلِكَ نَهْيُهُ ﷺ عَنْ مَنعِهِنَّ، قالُوا: هو لِكَراهَةِ التَّنْزِيهِ لا لِلتَّحْرِيمِ.
قالَ ابْنُ حَجَرٍ في فَتْحِ البارِي: وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الإذْنَ المَذْكُورَ لِغَيْرِ الوُجُوبِ؛ (p-٥٤٢)لِأنَّهُ لَوْ كانَ واجِبًا لانْتَفى مَعْنى الِاسْتِئْذانِ؛ لَأنَّ ذَلِكَ إنَّما يَتَحَقَّقُ إذا كانَ المُسْتَأْذِنُ مُخَيَّرًا في الإجابَةِ أوِ الرَّدِّ.
وَقالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ المَذْهَبِ: فَإنْ مَنَعَها لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ، هَذا مَذْهَبُنا، قالَ البَيْهَقِيُّ: وبِهِ قالَ عامَّةُ العُلَماءِ، ويُجابُ عَنْ حَدِيثِ «لا تَمْنَعُوا إماءَ اللَّهِ مَساجِدَ اللَّهِ» بِأنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ؛ لِأنَّ حَقَّ الزَّوْجِ في مُلازَمَةِ المَسْكَنِ واجِبٌ، فَلا تَتْرُكُهُ لِفَضِيلَةٍ اهـ.
قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي في هَذِهِ المَسْألَةِ: أنَّ الزَّوْجَ إذا اسْتَأْذَنَتْهُ امْرَأتُهُ في الخُرُوجِ إلى المَسْجِدِ، وكانَتْ غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ، ولا مُتَلَبِّسَةٍ بِشَيْءٍ يَسْتَوْجِبُ الفِتْنَةَ مِمّا سَيَأْتِي إيضاحُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ، أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الإذْنُ لَها، ويَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنعُها لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ مِنهُ ﷺ عَنْ مَنعِها مِن ذَلِكَ، ولِلْأمْرِ الصَّرِيحِ بِالإذْنِ لَها وصِيغَةُ الأمْرِ المُجَرَّدَةُ عَنِ القَرائِنِ تَقْتَضِي الوُجُوبَ، كَما أوْضَحْناهُ في مَواضِعَ مِن هَذا الكِتابِ المُبارَكِ، وصِيغَةُ النَّهْيِ كَذَلِكَ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهم فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] وقالَ ﷺ ”: «إذا أمَرْتُكم بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنهُ ما اسْتَطَعْتُمْ وإذا نَهَيْتُكم عَنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ»“ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأدِلَّةِ، كَما قَدَّمْنا. وقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إنَّ الإذْنَ لا يَتَحَقَّقُ إلّا إذا كانَ المُسْتَأْذَنُ مُخَيَّرًا في الإجابَةِ، والرَّدُّ غَيْرَ مُسَلِّمٍ، إذْ لا مانِعَ عَقْلًا، ولا شَرْعًا ولا عادَةً مِن أنْ يُوجِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الإذْنَ لِامْرَأتِهِ في الخُرُوجِ إلى المَسْجِدِ مِن غَيْرِ تَخْيِيرٍ، فَإيجابُ الإذْنِ لا مانِعَ مِنهُ، وكَذَلِكَ تَحْرِيمُ المَنعِ. وقَدْ دَلَّ النَّصُّ الصَّحِيحُ عَلى إيجابِهِ فَلا وجْهَ لِرَدِّهِ بِأمْرٍ مُحْتَمَلٍ كَما تَرى. وقَوْلُ النَّوَوِيِّ: لِأنَّ حَقَّ الزَّوْجِ في مُلازَمَةِ المَسْكَنِ واجِبٌ، فَلا تَتْرُكُهُ لِلْفَضِيلَةِ لا يَصْلُحُ؛ لِأنْ يَرِدَ بِهِ النَّصُّ الصَّرِيحُ مِنهُ ﷺ فَأمْرُهُ ﷺ الزَّوْجَ بِالإذْنِ لَها يُلْزِمُهُ ذَلِكَ، ويُوجِبُهُ عَلَيْهِ، فَلا يُعارَضُ بِما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ كَما تَرى. وما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ البَيْهَقِيِّ: مِن أنَّ عَدَمَ الوُجُوبِ قالَ بِهِ عامَّةُ العُلَماءِ غَيْرَ مُسْلّمٍ أيْضًا، فَقَدْ ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّهُ لَمّا حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِالحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنا عَنْهُ في أمْرِ الأزْواجِ بِالإذْنِ لِلنِّساءِ في الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ، وقالَ ابْنُهُ: لا نَدَعُهُنَّ يَخْرُجْنَ، غَضِبَ وشَتَمَهُ ودَفَعَ في صَدْرِهِ مُنْكِرًا عَلَيْهِ مُخالَفَتَهُ لِأمْرِ النَّبِيِّ ﷺ وذَلِكَ دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى اعْتِقادِهِ وُجُوبَ امْتِثالِ ذَلِكَ الأمْرِ بِالإذْنِ لَهُنَّ.
قالَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صَحِيحِهِ: حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قالَ: أخْبَرَنِي سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ (p-٥٤٣)عُمَرَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ”: «لا تَمْنَعُوا نِساءَكُمُ المَساجِدَ إذا اسْتَأْذَنَّكم إلَيْها“ فَقالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: واللَّهِ لَنَمْنَعْهُنَّ، فَأقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا ما سَمِعْتُهُ سَبَّهَ مِثْلَهُ قَطُّ، وقالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَقُولُ: واللَّهِ لَنَمْنَعْهُنَّ»، وفي لَفْظٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَزَبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، وقالَ: أقُولُ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وتَقُولُ: لا نَدَعُهُنَّ، وفي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أيْضًا: فَضَرَبَ في صَدْرِهِ.
واعْلَمْ أنَّ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي زَعَمَ أنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أمْرَ النَّبِيِّ ﷺ بِالإذْنِ لِلنِّساءِ إلى المَساجِدِ جاءَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّهُ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
وَفِي رِوايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أنَّهُ واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، والحَقُّ تَعَدُّدُ ذَلِكَ فَقَدْ قالَهُ كُلٌّ مِن بِلالٍ، وواقِدٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وقَدْ أنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلى كُلٍّ مِنهُما، كَما جاءَتْ بِهِ الرِّواياتُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وغَيْرِهِ، فَكَوْنُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أقْبَلَ عَلى ابْنِهِ بِلالٍ وسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا وقالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِ، أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَقُولُ: لَنَمْنَعْهُنَّ فِيهِ دَلِيلٌ واضِحٌ أنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرى لُزُومَ الإذْنِ لَهُنَّ، وأنَّ مَنعَهُنَّ لا يَجُوزُ، ولَوْ كانَ يَراهُ جائِزًا ما شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلى ابْنَيْهِ كَما لا يَخْفى.
وَقالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَوْلُهُ: فَأقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا، وفي رِوايَةٍ فَزَبَرَهُ، وفي رِوايَةٍ: فَضَرَبَ في صَدْرِهِ، فِيهِ تَعْزِيرُ المُعْتَرِضِ عَلى السُّنَّةِ والمَعارِضِ لَها بِرَأْيِهِ.
قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: وكَلامُ النَّوَوِيِّ هَذا الَّذِي رَأيْتَ اعْتِرافٌ مِنهُ بِأنَّ مَذْهَبَهُ وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ، ومَن قالَ بِقَوْلِهِ، كَما نُقِلَ عَنِ البَيْهَقِيِّ أنَّهُ قَوْلُ عامَّةِ العُلَماءِ، أنَّ جَمِيعَ القائِلِينَ بِذَلِكَ مُسْتَحِقُّونَ لِلتَّعْزِيرِ، مُعْتَرِضُونَ عَلى السُّنَّةِ، مُعارِضُونَ لَها بِرَأْيِهِمْ، والعَجَبُ مِنهُ كَيْفَ يُقِرُّ بِأنَّ بِلالَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّعْزِيرِ لِاعْتِراضِهِ عَلى السُّنَّةِ، ومُعارَضَتِهِ لَها بِرَأْيِهِ، مَعَ أنَّ مَذْهَبَهُ الَّذِي يَنْصُرُهُ ويَنْقُلُ أنَّهُ قَوْلُ عامَّةِ العُلَماءِ عَنِ البَيْهَقِيِّ هو بِعَيْنِهِ قَوْلُ بِلالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي صَرَّحَ هو بِأنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ، وأنَّهُ اعْتِراضٌ عَلى السُّنَّةِ ومُعارَضَةٌ لَها بِالرَّأْيِ، وقالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ: فَزَبَرَهُ، أيْ: نَهَرَهُ، وقالَ ابْنُ حَجَرٍ في فَتْحِ البارِي: فَفي رِوايَةِ بِلالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَأقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا شَدِيدًا ما سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وفَسَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ في رِوايَةِ الطَّبَرانِيِّ السَّبَّ المَذْكُورَ بِاللَّعْنِ ثَلاثَ مَرّاتٍ وفي رِوايَةٍ زائِدَةٍ عَنِ الأعْمَشِ: فانْتَهَرَهُ وقالَ: أُفٍّ لَكَ، ولَهُ عَنِ ابْنِ (p-٥٤٤)الأعْمَشِ: فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وفَعَلَ، ومِثْلُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِن رِوايَةِ عِيسى بْنِ يُونُسَ، ولِمُسْلِمٍ مِن رِوايَةِ أبِي مُعاوِيَةَ: فَزَبَرَهُ، ولِأبِي داوُدَ مِن رِوايَةِ جَرِيرٍ: فَسَبَّهُ وغَضِبَ عَلَيْهِ، إلى أنْ قالَ: وأُخِذَ مِن إنْكارِ عَبْدِ اللَّهِ عَلى ولَدِهِ تَأْدِيبُ المُعْتَرِضِ عَلى السُّنَنِ بِرَأْيِهِ، وهو اعْتِرافٌ مِنهُ أيْضًا بِأنَّ مَن خالَفَ الحَدِيثَ المَذْكُورَ مُعْتَرِضٌ عَلى السُّنَنِ بِرَأْيِهِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أنَّ ما قَدَّمْنا عَنْهُ مِن كَوْنِ الأمْرِ بِالإذْنِ لَهُنَّ إلى المَساجِدِ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ اعْتِراضٌ عَلى السُّنَنِ بِالرَّأْيِ كَما تَرى.
وَبِما ذَكَرْنا تَعْلَمُ أنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ عَلى وُجُوبِ الإذْنِ لِلنِّساءِ في الخُرُوجِ إلى المَساجِدِ كَما ذَكَرْنا، ويُؤَيِّدُهُ أنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ تَشْنِيعَهُ عَلى ولَدَيْهِ كَما أوْضَحْناهُ آنِفًا، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
وَإذا عَلِمْتَ أنَّ ما ذَكَرْنا مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ في الأمْرِ بِالإذْنِ لَهُنَّ يَقْتَضِي جَوازَ خُرُوجِهِنَّ إلى المَساجِدِ، فاعْلَمْ أنَّهُ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ أنَّهُنَّ كُنْ يَخْرُجْنَ إلى المَسْجِدِ، فَيُصَلِّينَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ قالَ البُخارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صَحِيحِهِ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ بُكَيْرٍ قالَ: أخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قالَ: أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أخْبَرَتْهُ قالَتْ: «كُنَّ نِساءُ المُؤْمِناتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَلاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاةَ لا يَعْرِفُهُنَّ أحَدٌ مِنَ الغَلَسِ» اهـ، وهَذا الحَدِيثُ أخْرَجَهُ أيْضًا مُسْلِمٌ وغَيْرُهُ، وقَدْ جاءَتْ أحادِيثُ صَحِيحَةٌ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما دالَّةٌ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عائِشَةَ هَذا المُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِن كَوْنِ النِّساءِ كُنَّ يَشْهَدْنَ الصَّلاةَ في المَسْجِدِ مَعَهُ ﷺ
تَنْبِيهٌ.
قَدْ عَلِمْنا مِمّا ذَكَرْنا في رِواياتِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ: أنَّ في بَعْضِ رِواياتِهِ المُتَّفَقِ عَلَيْها تَقْيِيدَ أمْرِ الرِّجالِ بِالإذْنِ لِلنِّساءِ في الخُرُوجِ إلى المَسْجِدِ بِاللَّيْلِ، وفي بَعْضِها الإطْلاقُ وعَدَمُ التَّقْيِيدِ بِاللَّيْلِ، وهو أكْثَرُ الرِّواياتِ كَما أشارَ لَهُ ابْنُ حَجَرٍ في الفَتْحِ.
وَقَدْ يَتَبادَرُ لِلنّاظِرِ أنَّ الأزْواجَ لَيْسُوا مَأْمُورِينَ بِالإذْنِ لِلنِّساءِ إلّا في خُصُوصِ اللَّيْلِ؛ لِأنَّهُ أسْتَرُ، ويَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ هَذا بِما هو مُقَرَّرٌ في الأُصُولِ مِن حَمْلِ المُطْلَقِ عَلى المُقَيَّدِ، فَتُحْمَلُ رِواياتُ الإطْلاقِ عَلى التَّقْيِيدِ بِاللَّيْلِ، فَيَخْتَصُّ الإذْنُ المَذْكُورُ بِاللَّيْلِ.
(p-٥٤٥)قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: الأظْهَرُ عِنْدِي تَقْدِيمُ رِواياتِ الإطْلاقِ وعَدَمُ التَّقْيِيدِ بِاللَّيْلِ لِكَثْرَةِ الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ الدّالَّةِ عَلى حُضُورِ النِّساءِ الصَّلاةَ مَعَهُ ﷺ في غَيْرِ اللَّيْلِ، كَحَدِيثِ عائِشَةَ المُتَّفِقِ عَلَيْهِ المَذْكُورِ آنِفًا الدّالِّ عَلى حُضُورِهِنَّ مَعَهُ ﷺ الصُّبْحَ، وهي صَلاةُ نَهارٍ لا لَيْلٍ، ولا يَكُونُ لَها حُكْمُ صَلاةِ اللَّيْلِ، بِسَبَبِ كَوْنِهِنَّ يَرْجِعْنَ لِبُيُوتِهِنَّ، لا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الوَقْتَ مِنَ النَّهارِ قَطْعًا، لا مِنَ اللَّيْلِ، وكَوْنُهُ مِنَ النَّهارِ مانِعٌ مِنَ التَّقْيِيدِ بِاللَّيْلِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، وأمّا ما يُشْتَرَطُ في جَوازِ خُرُوجِ النِّساءِ إلى المَساجِدِ فَهو:
* * *
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ:
اعْلَمْ أنَّ خُرُوجَ المَرْأةِ إلى المَسْجِدِ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ شُرُوطٌ يَرْجِعُ جَمِيعُها إلى شَيْءٍ واحِدٍ، وهو كَوْنُ المَرْأةِ وقْتَ خُرُوجِها لِلْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مُتَلَبِّسَةً بِما يَدْعُو إلى الفِتْنَةِ مَعَ الأمْنِ مِنَ الفَسادِ.
قالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ ﷺ ”: «لا تَمْنَعُوا إماءَ اللَّهِ مَساجِدَ اللَّهِ»“ ما نَصُّهُ: هَذا وما أشْبَهَهُ مِن أحادِيثِ البابِ ظاهِرٌ في أنَّها لا تُمْنَعُ المَسْجِدَ، ولَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَها العُلَماءُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الأحادِيثِ، وهي ألّا تَكُونَ مُتَطَيِّبَةً، ولا مُتَزَيِّنَةً، ولا ذاتَ خَلاخِلَ يُسْمَعُ صَوْتُها، ولا ثِيابٍ فاخِرَةٍ، ولا مُخْتَلِطَةً بِالرِّجالِ، ولا شابَّةً ونَحْوَها، مِمَّنْ يُفْتَنُ بِها، وألّا يَكُونَ في الطَّرِيقِ ما يُخافُ مِنهُ مَفْسَدَةٌ ونَحْوُها، انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِن كَلامِ النَّوَوِيِّ.
قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: هَذِهِ الشُّرُوطُ الَّتِي ذَكَرَها النَّوَوِيُّ وغَيْرُهُ مِنها ما هو ثابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ومِنها ما لا نَصَّ فِيهِ، ولَكِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالنُّصُوصِ لِمُشارَكَتِهِ لَهُ في عِلَّتِهِ، وإلْحاقُ بَعْضِها لا يَخْلُو مِن مُناقَشَةٍ؛ كَما سَتَرى إيضاحَ ذَلِكَ كُلِّهِ إنْ شاءَ تَعالى، أمّا ما هو ثابِتٌ عِنْهُ ﷺ مِن تِلْكَ الشُّرُوطِ، فَهو عَدَمُ التَّطَيُّبِ، فَشَرْطُ جَوازِ خُرُوجِ المَرْأةِ إلى المَسْجِدِ ألّا تَكُونَ مُتَطَيِّبَةً.
قالَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صَحِيحِهِ: حَدَّثَنا مَرْوانُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِيُّ، حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أبِيهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أنَّ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ كانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ ”: «إذا شَهِدَتْ إحْداكُنَّ العِشاءَ، فَلا تَطَيَّبُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ»“ .
حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ (p-٥٤٦)حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِ اللَّهِ قالَتْ: «قالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ”: إذا شَهِدَتْ إحْداكُنَّ المَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا»“ .
حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، قالَ يَحْيى: أخْبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي فَرْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ”: «أيُّما امْرَأةٍ أصابَتْ بَخُورًا فَلا تَشْهَدَنَّ مَعَنا العِشاءَ الآخِرَةَ»“ اهـ.
فَهَذا الحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ صَحابِيَّيْنِ، وهَما: أبُو هُرَيْرَةَ، وزَيْنَبُ امْرَأةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الجَمِيعِ - صَرِيحٌ في أنَّ المُتَطَيِّبَةَ لَيْسَ لَها الخُرُوجُ إلى المَسْجِدِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ ما رَواهُ أبُو داوُدَ في سُنَنِهِ: حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ، ثَنا حَمّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ ”: «لا تَمْنَعُوا إماءَ اللَّهِ مَساجِدَ اللَّهِ ولَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وهُنَّ تَفِلاتٌ»“ اهـ، وقَوْلُهُ: وهُنَّ تَفِلاتٌ، أيْ: غَيْرُ مُتَطَيِّباتٍ، وقالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ المُهَذَّبِ، في هَذا الحَدِيثِ رَواهُ أبُو داوُدَ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ عَلى شَرْطِ البُخارِيِّ ومُسْلِمٍ، وتَفِلاتٌ بِفَتْحِ التّاءِ المُثَنّاةِ فَوْقَ وكَسْرِ الفاءِ، أيْ: تارِكاتٌ الطِّيبِ اهـ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎إذا ما الضَّجِيعُ ابْتَزَّها مِن ثِيابِها ∗∗∗ تَمِيلُ عَلَيْهِ هَوْنَةَ غَيْرِ مِتْفالِي
وَهَذا الحَدِيثُ أخْرَجَهُ أيْضًا الإمامُ أحْمَدُ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأخْرَجَهُ ابْنُ حِبّانَ مِن حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خالِدٍ، قالَهُ الشَّوْكانِيُّ وغَيْرُهُ.
وَإذا عَلِمْتَ أنَّ هَذِهِ الأحادِيثَ دَلَّتْ عَلى أنَّ المُتَطَيِّبَةَ لَيْسَ لَها الخُرُوجُ إلى المَسْجِدِ؛ لِأنَّها تُحَرِّكُ شَهْوَةَ الرِّجالِ بِرِيحِ طِيبِها.
فاعْلَمْ أنَّ أهْلَ العِلْمِ ألْحَقُوا بِالطِّيبِ ما في مَعْناهُ كالزِّينَةِ الظّاهِرَةِ، وصَوْتِ الخَلْخالِ والثِّيابِ الفاخِرَةِ، والِاخْتِلاطِ بِالرِّجالِ، ونَحْوِ ذَلِكَ بِجامِعِ أنَّ الجَمِيعَ سَبَبُ الفِتْنَةِ بِتَحْرِيكِ شَهْوَةِ الرِّجالِ، ووَجْهُهُ ظاهِرٌ كَما تَرى. وألْحَقَ الشّافِعِيَّةُ بِذَلِكَ الشّابَّةَ مُطْلَقًا؛ لِأنَّ الشّابَّ مَظِنَّةُ الفِتْنَةِ، وخَصَّصُوا الخُرُوجَ إلى المَساجِدِ بِالعَجائِزِ، والأظْهَرُ أنَّ الشّابَّةَ إذا خَرَجَتْ مُسْتَتِرَةً غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ، ولا مُتَلَبِّسَةٍ بِشَيْءٍ آخَرَ مِن أسْبابِ الفِتْنَةِ أنَّ لَها الخُرُوجَ إلى المَسْجِدِ لِعُمُومِ النُّصُوصِ المُتَقَدِّمَةِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
(p-٥٤٧)المَسْألَةُ الخامِسَةُ: اعْلَمْ أنَّ صَلاةَ النِّساءِ في بُيُوتِهِنَّ أفْضَلُ لَهُنَّ مِنَ الصَّلاةِ في المَساجِدِ، ولَوْ كانَ المَسْجِدُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ ﷺ وبِهِ تَعْلَمُ أنَّ قَوْلَهُ ﷺ ”: «صَلاةٌ في مَسْجِدِي هَذا خَيْرٌ مِن ألْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ إلّا المَسْجِدَ الحَرامَ»“ خاصٌّ بِالرِّجالِ، أمّا النِّساءُ فَصَلاتُهُنَّ في بُيُوتِهِنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ مِنَ الصَّلاةِ في الجَماعَةِ في المَسْجِدِ.
قالَ أبُو داوُدَ في سُنَنِهِ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، ثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أخْبَرَنا العَوّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أبِي ثابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ”: «لا تَمْنَعُوا نِساءَكُمُ المَساجِدَ وبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»“ وقالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ المُهَذَّبِ في هَذا الحَدِيثِ: وحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَواهُ أبُو داوُدَ بِلَفْظِهِ هَذا، بِإسْنادٍ صَحِيحٍ عَلى شَرْطِ البُخارِيِّ اهـ.
وَهَذا الحَدِيثُ أخْرَجَهُ أيْضًا الإمامُ أحْمَدُ، وقالَ ابْنُ حَجَرٍ في فَتْحِ البارِي: وقَدْ ورَدَ في بَعْضِ رِواياتِ هَذا الحَدِيثِ وغَيْرِهِ، ما يَدُلُّ عَلى أنَّ صَلاةَ المَرْأةِ في بَيْتِها أفْضَلُ مِن صَلاتِها في المَسْجِدِ، وذَلِكَ في رِوايَةِ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ ”: «لا تَمْنَعُوا نِساءَكُمُ المَساجِدَ وبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»“ أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ، وصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ولِأحْمَدَ والطَّبَرانِيِّ مِن حَدِيثِ أُمِّ حُمَيْدٍ السّاعِدِيَّةِ أنَّها جاءَتْ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: «يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ، فَقالَ ”: قَدْ عَلِمْتُ، وصَلاتُكِ في بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِن صَلاتِكِ في حُجْرَتِكِ، وصَلاتُكِ في حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِن صَلاتِكِ في دارِكِ، وصَلاتُكِ في دارِكِ خَيْرٌ مِن صَلاتِكِ في مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وصَلاتُكِ في مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِن صَلاتِكِ في مَسْجِدِ الجَماعَةِ»“ وإسْنادُ أحْمَدَ حَسَنٌ ولَهُ شاهِدٌ مِن حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أبِي داوُدَ، ووَجْهُ كَوْنِ صَلاتِها في الإخْفاءِ أفْضَلُ تَحَقُّقُ الأمْنِ فِيهِ مِنَ الفِتْنَةِ، انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِن كَلامِ ابْنِ حَجَرٍ.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي أشارَ لَهُ هو ما رَواهُ أبُو داوُدَ في سُنَنِهِ: حَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى، أنَّ عَمْرَو بْنَ عاصِمٍ حَدَّثَهم قالَ: ثَنا هَمّامٌ عَنْ قَتادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أبِي الأحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ ”: «صَلاةُ المَرْأةِ في بَيْتِها أفْضَلُ مِن صَلاتِها في حُجْرَتِها وصَلاتُها في مَخْدَعِها أفْضَلُ مِن صَلاتِها في بَيْتِها»“، اهـ.
وَقالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ المُهَذَّبِ في هَذا الحَدِيثِ: رَواهُ أبُو داوُدَ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وقَدْ رَوى أحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهُ ﷺ ”: «خَيْرُ مَساجِدِ النِّساءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ»“ .
(p-٥٤٨)وَبِما ذَكَرْنا مِنَ النُّصُوصِ تَعْلَمُ أنَّ صَلاةَ النِّساءِ في بُيُوتِهِنَّ أفْضَلُ لَهُنَّ مِن صَلاتِهِنَّ في الجَماعَةِ في مَسْجِدِ النَّبِيِّ ﷺ وغَيْرِهِ مِنَ المَساجِدِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ .
وَمِمّا يُؤَكِّدُ صَلاتَهُنَّ في بُيُوتِهِنَّ ما أحْدَثْنَهُ مِن دُخُولِ المَسْجِدِ في ثِيابٍ قَصِيرَةٍ هي مَظِنَّةُ الفِتْنَةِ، ومُزاحَمَتُهُنَّ لِلرِّجالِ في أبْوابِ المَسْجِدِ عِنْدَ الدُّخُولِ والخُرُوجِ، وقَدْ رَوى الشَّيْخانِ في صَحِيحَيْهِما عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قالَتْ: لَوْ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأى مِنَ النِّساءِ ما رَأيْنا، لَمَنَعَهُنَّ مِنَ المَسْجِدِ كَما مَنَعَتْ بَنُو إسْرائِيلَ نِساءَها.
وَقَدْ عَلِمْتَ مِمّا ذَكَرْنا مِنَ الأحادِيثِ أنَّ مَفْهُومَ المُخالَفَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ رِجالٌ﴾ الآيَةَ، مُعْتَبَرٌ وأنَّهُ لَيْسَ مَفْهُومَ لَقَبٍ، وقَدْ أوْضَحْنا المَفْهُومَ المَذْكُورَ بِالسُّنَّةِ كَما رَأيْتَ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق