الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللهِ وكَفَرْتُمْ بِهِ وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ إنْ اللهِ لا يَهْدِي القَوْمَ الظالِمِينَ﴾ ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ وإذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذا إفْكٌ قَدِيمٌ﴾ هَذِهِ آيَةُ تَوْقِيفٍ عَلى الخَطَرِ العَظِيمِ الَّذِي هم بِسَبِيلِهِ في أنْ يُكَذِّبُوا بِأمْرٍ نافِعٍ لَهم مُنْجٍ مِنَ العَذابِ دُونَ حُجَّةٍ ولا دَلِيلَ لَهم عَلى التَكْذِيبِ، فالمَعْنى: كَيْفَ حالُكم مَعَ اللهِ تَعالى؟ وماذا تَنْتَظِرُونَ مِنهُ وأنْتُمْ قَدْ كَفَرْتُمْ بِما جاءَ مِن عِنْدِهِ؟، وجَوابُ هَذا التَوْقِيفِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: ألَيْسَ قَدْ ظَلَمْتُمْ؟، ودَلَّ عَلى هَذا المُقَدَّرِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظالِمِينَ﴾. و﴿ "أرَأيْتُمْ"﴾ في هَذِهِ الآيَةِ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مُنَبِّهَةً، فَهي لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلسُّؤالِ لا يَقْتَضِي مَفْعُولًا، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ "كانَ" وما عَمِلَتْ فِيهِ تَسُدُّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْها. واخْتَلَفَ الناسُ في المُرادِ بِـ "الشاهِدِ" فَقالَ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وابْنُ سِيرِينَ: هَذِهِ الآيَةُ مَدَنِيَّةٌ، والشاهِدُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ. وقَوْلُ اللهِ تَعالى: ﴿ "عَلى مِثْلِهِ"﴾ الضَمِيرُ فِيهِ عائِدٌ عَلى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ﷺ في القُرْآنِ: إنَّهُ مِن عِنْدِ اللهِ، وقالَ الشَعْبِيُّ: الشاهِدُ رَجُلٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ غَيْرُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ كانَ بِمَكَّةَ، والآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وقالَ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ومُجاهِدٌ، وفِرْقَةٌ: الآيَةُ مَكِّيَّةٌ، والشاهِدُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ، وهي مِنَ (p-٦١٥)الآياتِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ غَيْبًا أبْرَزَهُ الوُجُودُ، وقَدْ رُوِيَ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ أنَّهُ قالَ: فِيَّ نَزَلَتْ. وقالَ مَسْرُوقُ بْنُ الأجْدَعِ والجُمْهُورُ: الشاهِدُ مُوسى بْنُ عَمْرانَ عَلَيْهِ السَلامُ، والآيَةُ مَكِّيَّةٌ، ورَجَّحَهُ الطَبَرِيُّ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "عَلى مِثْلِهِ"﴾ يُرِيدُ بِالمِثْلِ: التَوْراةُ، والضَمِيرُ عائِدٌ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- عَلى القُرْآنِ، أيْ: جاءَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ بِمِثْلِهِ وشَهِدَ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللهِ تَعالى، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "قُلْ أرَأيْتُمْ"﴾ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- يَعْنِي بِهِ تَصْدِيقُ مُوسى بِأمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ وتَبْشِيرِهِ بِهِ، فَذَلِكَ إيمانٌ بِهِ، وأمّا مَن قالَ: الشاهِدُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ فَإيمانُهُ بَيِّنٌ، وكَذَلِكَ الإسْرائِيلِيُّ الَّذِي كانَ بِمَكَّةَ في قَوْلِ مَن قالَهُ، وحَكى بَعْضُهم أنَّ العامِلَ بِـ "آمَنَ" هو مُحَمَّدٌ ﷺ، وهَذا مِنَ القائِلِينَ بِأنَّ الشاهِدَ هو مُوسى بْنُ عِمْرانَ عَلَيْهِ السَلامُ، ثُمَّ قَرَنَ تَعالى اسْتِكْبارَهم وكُفْرَهم بِإيمانِ هَذا المَذْكُورِ، فَبانَ ذَنْبُهم وخَطَؤُهم. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ﴾ قالَ قَتادَةُ: هي مَقالَةُ أشْرافِ قُرَيْشٍ، يُرِيدُونَ عَمّارًا وصُهَيْبًا وبِلالًا ونَحْوَهم مِمَّنْ أسْلَمَ وآمَنَ بِالنَبِيِّ ﷺ. وقالَ الزَجّاجُ، والكَلْبِيُّ، وغَيْرُهُما: هي مُقالَةٌ كِنانَةَ وعامِرٍ وسائِرِ قَبائِلِ العَرَبِ المُجاوِرَةِ، وقالَتْ ذَلِكَ حِينَ أسْلَمَتْ غِفارٌ ومُزَيْنَةُ وجُهَيْنَةُ، وقالَ الثَعْلَبِيُّ: هي مَقالَةُ اليَهُودِ حِينَ أسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ وغَيْرُهُ مِنهم. و"الإفْكُ": الكَذِبُ، ووَصَفُوهُ بِالقِدَمِ، بِمَعْنى أنَّهُ في أُمُورٍ مُتَقادِمَةٍ، وهَذا كَما تَقُولُ لِرَجُلٍ حَدَّثَكَ عن أخْبارِ كِسْرى وقَيْصَرَ، هَذا حَدِيثٌ قَدِيمٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدُوا أنَّهُ إفْكٌ قِيلَ قَدِيمًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب