الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إذْ جاءُوكم مِن فَوْقِكم ومِن أسْفَلَ مِنكم وإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُنُونا﴾ ﴿هُنالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وزُلْزِلُوا زِلْزالا شَدِيدًا﴾ ﴿وَإذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وعَدَنا اللهُ ورَسُولُهُ إلا غُرُورًا﴾
"إذْ" هَذِهِ بَدَلٌ مِنَ الأُولى في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إذْ جاءَتْكُمْ﴾ [الأحزاب: ٩]، وقَوْلُهُ: ﴿مِن فَوْقِكُمْ﴾ يُرِيدُ أهْلَ نَجْدٍ مَعَ عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَنٍ، ﴿وَمِن أسْفَلَ مِنكُمْ﴾ يُرِيدُ مَكَّةَ وسائِرَ تُهامَةٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقِيلَ: ﴿مِن فَوْقِكُمْ﴾ أيْ: مِن أعْلى الوادِي مِن قِبَلِ مَشْرَفِ غَطْفانِ، ﴿وَمِن أسْفَلَ مِنكُمْ﴾ مِن أسْفَلِ الوادِي مِنهُ قِبَلَ المَغْرِبِ وقِيلَ: إنَّما أرادَ ما يَخْتَصُّ بِبُقْعَةِ المَدِينَةِ، أيْ: نَزَلَتْ طائِفَةٌ في أعْلى المَدِينَةِ، وطائِفَةٌ في أسْفَلِها، وهَذِهِ عِبارَةٌ عَنِ الحَصْرِ.
و﴿زاغَتِ الأبْصارُ﴾ مَعْناهُ: مالَتْ عن مَواضِعِها، وذَلِكَ فِعْلُ الوالِهِ الفَزَعِ، وأدْغَمَ الأعْمَشُ "إذْ زاغَتِ"، وبَيَّنَ الذالَ الجُمْهُورُ، وكُلٌّ حَسَنٌ.
﴿وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ﴾ عِبارَةٌ عَمّا يَجِدُهُ الهَلَعُ مِن ثَوَرانِ نَفْسِهِ وتَفَرُّقِها شُعاعًا، ويَجِدُ كَأنَّ حَشَوْتَهُ وقَلْبَهُ يَصْعَدُ عُلُوًّا لِيَنْفَصِلَ، فَلَيْسَ بُلُوغُ القُلُوبِ الحَناجِرَ حَقِيقَةً بِالنَقْلَةِ، بَلْ (p-٩٧)يُشِيرُ إلى ذَلِكَ، فَيُسْتَعارُ لَها بُلُوغُ الحَناجِرِ، ورَوى أبُو سَعِيدٍ «أنَّ المُؤْمِنِينَ قالُوا يَوْمَ الخَنْدَقِ: يا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ، فَهَلْ مِن شَيْءٍ نَقُولُهُ؟ قالَ نَعَمْ، قُولُوا: "اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْراتِنا، وآمِن رَوْعاتِنا"، فَقالُوها فَضَرَبَ اللهُ تَعالى وُجُوَهَ الكُفّارِ بِالرِيحِ فَهَزَمَهم.»
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُنُونا﴾، أيْ: تَكادُونَ تَضْطَرِبُونَ وتَقُولُونَ: ما هَذا الخُلْفُ لِلْمَوْعِدِ؟ وهَذِهِ عِبارَةٌ عن خَواطِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ لا يُمْكِنُ لِلْبَشَرِ دَفَعُها، وأمّا المُنافِقُونَ فَجَلَّحُوا ونَطَقُوا. وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرُو، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، والأعْمَشُ، وطَلْحَةُ: "الظُنُونا" بِألْفٍ في الوَصْلِ والوَقْفِ، وذَلِكَ اتِّباعٌ لِخَطِّ المُصْحَفِ، وعِلَّتُهُ تَعْدِيلُ رُؤُوسِ الآيِ، وطَرْدُ هَذِهِ العِلَّةِ أنْ يُلازِمَ الوَقْفَ. وقَدْ رُوِيَ عن أبِي عَمْرُو أنَّهُ كانَ لا يَصِلُ، فَكّانِ لا يُوافِقُ خَطَّ المُصْحَفِ وقِياسَ الفَواصِلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرُو أيْضًا، وحَمْزَةُ في الوَصْلِ والوَقْفِ: "الظُنُونَ" بِغَيْرِ ألْفٍ، وهَذا هو الأصْلُ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، والكِسائِيُّ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرُو بِالألْفِ في الوَقْفِ، وبِحَذْفِها في الوَصْلِ، وعَلَّلُوا الوَقْفَ بِتَساوِي رُؤُوسِ الآيِ، وبِما يَفْعَلُ العَرَبُ في القَوافِي مِنَ الزِيادَةِ والنَقْصِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "هُنالِكَ"﴾ ظَرْفُ زَمانٍ، والعامِلُ فِيهِ ﴿ "ابْتُلِيَ"،﴾ ومَن قالَ: إنِ العامِلَ فِيهِ "وَتَظُنُّونَ" فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِالقَوِيِّ؛ لِأنَّ البُداءَةَ لَيْسَتْ بِمُتَمَكِّنَةٍ. و"ابْتُلِيَ" مَعْناهُ: اخْتُبِرَ وامْتُحِنَ الصابِرُ مِنهم مَنِ الجازِعِ، ﴿ "وَزُلْزِلُوا"﴾ مَعْناهُ: حُرِّكُوا بِعُنْفٍ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "زِلْزالًا" بِكَسْرِ الزايِ، وقَرَأها "زِلْزالًا" بِالفَتْحِ: الجَحْدَرِيُّ، وكَذَلِكَ "زَلْزالَها" في ﴿إذا زُلْزِلَتِ﴾ [الزلزلة: ١].
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى قَوْلَ المُنافِقِينَ والمَرْضى القُلُوبِ، ونَبَّهَ عَلَيْهِمْ عَلى جِهَةِ الذَمِّ لَهُمْ، ورُوِيَ «عن (p-٩٨)يَزِيدِ بْنِ رُومانٍ أنَّ مُعَتَّبَ بْنَ قُشَيْرٍ قالَ: يَعِدُنا مُحَمَّدٌ أنْ نَفْتَحَ كُنُوزَ كِسْرى وقَيْصَرَ ومَكَّةَ ونَحْنُ الآنُ لا يَقْدِرُ أحَدُنا أنْ يَذْهَبَ إلى الغائِطِ، ما يَعِدُنا إلّا غُرُورًا، أيْ أمْرًا يَغُرُّنا ويُوقِعُنا فِيما لا طاقَةَ لَنا بِهِ، وقالَ غَيْرُهُ مِنَ المُنافِقِينَ نَحْوَ هَذا فَنَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِمْ،» وقَوْلُهُمْ: ﴿ما وعَدَنا اللهُ ورَسُولُهُ﴾ إنَّما هو عَلى جِهَةِ الهَزْءِ، كَأنَّهم يَقُولُونَ: عَلى زَعْمِ هَذا الَّذِي يَدَّعِي، أنَّهُ رَسُولٌ، يَدُلُّ عَلى هَذا أنَّ مِنَ المُحالِ أنْ يَكُونَ اعْتِقادُهم أنَّ ذَلِكَ الوَعْدَ هو مِنَ اللهِ ومِن رَسُولِهِ ثُمَّ يَصِفُونَهُ بِالغُرُورِ، بَلْ مَعْناهُ: عَلى زَعْمِ هَذا.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠","هُنَالِكَ ٱبۡتُلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُوا۟ زِلۡزَالࣰا شَدِیدࣰا","وَإِذۡ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ إِلَّا غُرُورࣰا"],"ayah":"هُنَالِكَ ٱبۡتُلِیَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُوا۟ زِلۡزَالࣰا شَدِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق