الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٠ - ١٣] ﴿إذْ جاءُوكم مِن فَوْقِكم ومِن أسْفَلَ مِنكم وإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا﴾ ﴿هُنالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وزُلْزِلُوا زِلْزالا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ١١] ﴿وإذْ يَقُولُ المُنافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ إلا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: ١٢] ﴿وإذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنهم يا أهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكم فارْجِعُوا (p-٤٨٣٢)ويَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنهم النَّبِيَّ يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وما هي بِعَوْرَةٍ إنَّ يُرِيدُونَ إلا فِرارًا﴾ [الأحزاب: ١٣] ﴿إذْ جاءُوكم مِن فَوْقِكم ومِن أسْفَلَ مِنكُمْ﴾ أيْ: مِن أعْلى الوادِي وأسْفَلِهِ، بِقَصْدِ التَّحَزُّبِ عَلى أنْ يَكُونُوا جُمْلَةً واحِدَةً عَلى اسْتِئْصالِ النَّبِيِّ ﷺ، وصَحْبِهِ: ﴿وإذْ زاغَتِ الأبْصارُ﴾ أيْ: مالَتْ عَنْ سُنَنِها ومُسْتَوى نَظَرِها، حَيْرَةً وشُخُوصًا: ﴿وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ﴾ أيْ: مُنْتَهى الحُلْقُومِ؛ لِأنَّ بِالفَزَعِ تَنْتَفِخُ الرِّئَةُ فَتَرْتَفِعُ، وبِارْتِفاعِها تَرْتَفِعُ القُلُوبُ، وذَلِكَ مِن شِدَّةِ الغَمِّ. أوْ هو مَثَلٌ في اضْطِرابِ القُلُوبِ ﴿وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا﴾ أيْ: أنْواعَ الظُّنُونِ المُخْتَلِفَةِ: ﴿هُنالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ﴾ [الأحزاب: ١١] أيِ: اخْتُبِرُوا لِيَتَمَيَّزَ الثّابِتُ مِنَ المُتَزَلْزِلِ، والمُؤْمِنُ مِنَ المُنافِقِ: ﴿وزُلْزِلُوا زِلْزالا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ١١] أيْ: أُزْعِجُوا أشَدَّ الإزْعاجِ مِن شِدَّةِ الخَوْفِ والفَزَعِ، أوْ مِن كَثْرَةِ الأعْداءِ. فائِدَةٌ: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وأبُو بَكْرٍ: "الظُّنُونا" بِإثْباتِ ألِفٍ بَعْدَ النُّونِ، وبَعْدَ لامِ الرَّسُولِ، في قَوْلِهِ: ﴿وأطَعْنا الرَّسُولا﴾ [الأحزاب: ٦٦] ولامِ السَّبِيلِ، في قَوْلِهِ: ﴿فَأضَلُّونا السَّبِيلا﴾ [الأحزاب: ٦٧] وصْلًا ووَقْفًا، مُوافَقَةً لِلرَّسْمِ؛ لِأنَّ هَذِهِ الثَّلاثَةَ رُسِمَتْ في المُصْحَفِ، كَذَلِكَ، وأيْضًا فَإنَّ هَذِهِ الألِفَ تُشْبِهُ هاءَ السَّكْتِ لِبَيانِ الحَرَكَةِ. وهاءُ السَّكْتِ تَثْبُتُ وقْفًا لِلْحاجَةِ إلَيْها، وقَدْ ثَبَتَتْ وصْلًا إجْراءً لِلْوَصْلِ مَجْرى الوَقْفِ. فَكَذَلِكَ هَذِهِ الألِفُ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحَمْزَةُ بِحَذْفِها في الحالَتَيْنِ؛ لِأنَّها لا أصْلَ لَها، وقَوْلُهُمْ: (أُجْرِيَتِ الفَواصِلُ مَجْرى القَوافِي). غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ؛ لِأنَّ القَوافِيَ يَلْزَمُ الوَقْفُ عَلَيْها غالِبًا، والفَواصِلُ لا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيها، فَلا تُشَبَّهُ بِها، والباقُونَ بِإثْباتِها وقْفًا، وحَذْفِها وصْلًا، إجْراءً لِلْفَواصِلِ مَجْرى القَوافِي، في ثُبُوتِ ألِفِ الإطْلاقِ، ولِأنَّها كَهاءِ السَّكْتِ، وهي تَثْبُتُ وقْفًا، وتُحْذَفُ وصْلًا. أفادَهُ السَّمِينُ. ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى ما ظَهَرَ مِنَ المُنافِقِينَ في تِلْكَ الشِّدَّةِ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وإذْ يَقُولُ (p-٤٨٣٣)المُنافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ١٢] أيْ: شُبْهَةٌ، تَنَفُّسًا بِما يَجِدُونَهُ مِنَ الوَسْواسِ في نُفُوسِهِمْ، وفُرْصَةً لِانْطِلاقِ ألْسِنَتِهِمْ، بِما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ؛ لِضَعْفِ إيمانِهِمْ وشِدَّةِ ما هم فِيهِ مِن ضِيقِ الحالِ، وحَصْرِ العَدُوِّ لَهُمْ: ﴿ما وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ﴾ [الأحزاب: ١٢] أيْ: مِنَ النَّصْرِ: ﴿إلا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: ١٢] أيْ: باطِلًا: ﴿وإذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنهُمْ﴾ [الأحزاب: ١٣] أيِ: المُنافِقِينَ: ﴿يا أهْلَ يَثْرِبَ﴾ [الأحزاب: ١٣] وهي أرْضُ المَدِينَةِ: ﴿لا مُقامَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب: ١٣] بِضَمِّ المِيمِ وفَتْحِها، قِراءَتانِ؛ أيْ: لا إقامَةَ لَكم بَعْدَ اليَوْمِ بِالمَدِينَةِ، أوْ نَواحِيها لِغَلَبَةِ الأعْداءِ: ﴿فارْجِعُوا﴾ [الأحزاب: ١٣] أيْ: إلى مَنازِلِكم مِنَ المَدِينَةِ هارِبِينَ، أوْ فارْجِعُوا عَنِ الإسْلامِ كُفّارًا لِيُمْكِنَكُمُ المَقامُ. فائِدَةٌ: (يَثْرِبَ) مِن أسْماءِ المَدِينَةِ. كَما في (الصَّحِيحِ): ««أُرِيتُ في المَنامِ دارَ هِجْرَتِكُمْ، أرْضٌ بَيْنَ حُرَّتَيْنِ، فَذَهَبَ وهْلِي أنَّها هَجَرُ، فَإذا هي يَثْرِبُ»» وفي لَفْظٍ: «المَدِينَةُ» . قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَأمّا الحَدِيثُ الَّذِي رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ عَنِ البَراءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن سَمّى المَدِينَةَ (يَثْرِبَ) فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعالى، إنَّما هي طابَةٌ هي طابَةٌ»» . تَفَرَّدَ بِهِ الإمامُ أحْمَدُ، وفي إسْنادِهِ ضَعْفٌ. انْتَهى ﴿ويَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنهُمُ النَّبِيَّ﴾ [الأحزاب: ١٣] أيْ: في الرُّجُوعِ: ﴿يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ﴾ [الأحزاب: ١٣] أيْ: غَيْرُ حَصِينَةٍ يُخْشى عَلَيْها: ﴿وما هي بِعَوْرَةٍ إنْ يُرِيدُونَ إلا فِرارًا﴾ [الأحزاب: ١٣]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب