الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿الَّذِينَ إنْ مَكَّنّاهم في الأرْضِ أقامُوا الصَلاةَ وآتَوُا الزَكاةَ وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ ولِلَّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ ﴿وَإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وثَمُودُ﴾ ﴿وَقَوْمُ إبْراهِيمَ وقَوْمُ لُوطٍ﴾ ﴿وَأصْحابُ مَدْيَنَ وكُذِّبَ مُوسى فَأمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أخَذْتُهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ قالَتْ فِرْقَةٌ: هَذِهِ الآيَةُ في الخُلَفاءِ الأرْبَعَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم. (p-٢٥٧)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ومَعْنى هَذا التَخْصِيصِ أنَّ هَؤُلاءِ خاصَّةً مُكِّنُوا في الأرْضِ مِن جُمْلَةِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ المَذْكُورِينَ في صَدْرِ الآيَةِ، والعُمُومُ في هَذا كُلِّهِ أبْيَنُ، ويَتَّجِهُ الأمْرٌ في جَمِيعِ الناسِ، وإنَّما الآيَةُ آخِذَةٌ عَهْدًا عَلى كُلِّ مَن مَكَّنَهُ اللهُ تَعالى، كُلٌّ عَلى قَدْرِ ما مُكِّنَ، فَأمّا الصَلاةُ والزَكاةُ فَكُلٌّ مَأْخُوذٌ بِإقامَتِها، وأمّا الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَهْيِ عَنِ المُنْكَرِ فَكَلٌّ بِحَسْبَ قُوَّتِهِ، والآيَةُ أمْكَنَ ما هي في المُلُوكِ، والمَعْرُوفُ والمُنْكَرُ يَعُمّانِ الإيمانَ والكُفْرَ فَما دُونَهُما. وقالَتْ فِرْقَةٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أصْحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ خاصَّةً مِنَ الناسِ، وهَذا عَلى أنَّ "الَّذِينَ" بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ تَبارَكَ وتَعالى: "يُقاتَلُونَ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: أو عَلى أنَّ "الَّذِينَ" تابِعٌ لِـ "مَن" في قَوْلِهِ تَعالى: "مَن يَنْصُرُهُ". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ تَوَعُّدٌ لِلْمُخالِفِ عن هَذِهِ الأوامِرِ الَّتِي تَقْتَضِيها الآيَةُ لِمَن مُكِّنَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ يُكَذِّبُوكَ﴾ يَعْنِي قُرَيْشًا، وهَذِهِ آيَةُ تَسْلِيَةٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ ووَعِيدٍ لِقُرَيْشٍ، وذَلِكَ أنَّهُ مَثَّلَهم بِالأُمَمِ المُكَذِّبَةِ المُعَذَّبَةِ. وأسْنَدَ فِعْلًا فِيهِ عَلامَةَ التَأْنِيثِ إلى "قَوْمٌ" مِن حَيْثُ أرادَ والقَبِيلَةَ لِيَطَّرِدَ القَوْلَ في عادٍ وثَمُودٍ، وقَوْمُ نُوحٍ هم أوَّلُ أُمَّةٍ كَذَّبَتْ نَبِيَّها، ثُمْ أسْنَدَ التَكْذِيبَ في مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ إلى مَن لَمْ يُسَمَّ فاعِلَهُ مِن حَيْثُ لَمْ يُكَذِّبُهُ قَوْمُهُ بَلْ كَذَّبَهُ القِبْطُ وقَوْمُهُ مُؤْمِنُونَ بِهِ. و"أمْلَيْتُ" مَعْناهُ: أمْهَلَتْ، وكَأنَّ الإمْهالَ أنَّ تُمْهِلَ مَن تَنْوِي فِيهِ المُعاقَبَةَ وأنْتَ في حَيِّزِ إمْهالِكِ عالِمْ بِفِعْلِهِ. و"النَكِيرُ" مَصْدَرٌ كالغَدِيرِ بِمَعْنى الإنْكارِ والإعْذارِ، وهو في هَذِهِ المَصادِرِ بِناءُ مُبالِغَةٍ، فَمَعْنى هَذِهِ الآيَةِ: فَكَما فَعَلَتْ بِهَذِهِ الأُمَمِ كَذَلِكَ أفْعَلُ بِقَوْمِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب