قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ﴾ ذهب بعض النحويين [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 101.]] إلى أن هذا بدل من قوله ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ﴾ كل هذا من وصف قوم واحد [[وعلى هذا القول فـ"الذين" في موضع خفض.
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 101، "الإملاء" للعكبري 2/ 145، "البيان في إعراب غريب القرآن" للأنباري 2/ 177.]].
وعلى هذا ذكر الله تعالى المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم، ثم ذكر أنه كان ينصر في كل زمان أهل دينه، ويدفع عنهم بالغزاة، ولولا ذلك لغلب عدوهم حتى تخرب [[في (ظ): (تحرب)، وفي (د): (بحرب)، وفي (ع): (نحرب).]] متعبداتهم، وكذا يفعل بهذه الأمة، ينصرهم حتى يأمنوا في مساجدهم وديارهم، ثم عاد إلى وصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ﴾.
وقال أبو إسحاق: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ﴾ من صفة ناصِريه [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 431.]].
يعني قوله ﴿مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ وعلى هذا هو في محل النصب [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 101، "مشكل إعراب القرآن" لمكي 2/ 494، "البيان في غريب إعراب القرآن" للأنباري 2/ 177.
وذكر أبو البقاء العكبري في "الإملاء" 2/ 145 أن إعراب: "الذين إن مكناهم" مثل إعراب "الذين أخرجوا" واستظهره أبو حيان 6/ 376، وجوَّز ذلك السمين 8/ 286، 8/ 286 وقال: ويزيد هذا عليه -يعني: "الذين إن مكناهم"- بأن يجوز أن يكون بدلاً من "من ينصره" ذكره الزجَّاج، أي: ولينصرن الله الذين إن مكناهم في الأرض.]]. ومعنى ﴿مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نصرناهم على عدوهم حتى يتمكنوا من البلاد غير مقهورين.
وقوله: {أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} قال ابن عباس: يريد المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان [[ذكره عنه القرطبي 12/ 73، وأبو حيان في "البحر" 6/ 376.]].
وقال قتادة: هم أصحاب محمد -ﷺ- [[ذكره عنه الثعلبى 3/ 54 أ.]].
ونحو هذا قال مقاتل [[انظر: "تفسيره" 3/ 26 أ.]].
وقال محمد بن كعب: هم الولاة [[ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 60 وعزاه لابن أبي حاتم.]].
وقال أبو العالية: هم هذه الأمة [[ذكره عنه الثعلبى 3/ 54 أ.
وذكر السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 60 عنه أنه قال: أصحاب محمد -ﷺ- وكذا ذكره ابن كثير 3/ 226.]]. وهذا قول الحسن [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 54 أ، والنحاس في "معاني القرآن" 4/ 419.]]. وعكرمة: أهل الصلوات الخمس [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 154 أ.]].
وهذه الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ قرنا بالصلاة والزكاة.
وقوله: ﴿وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ كقوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة: 210]. والمعنى: أنه يبطل كل ملك سوى ملكه، فتصير الأمور إليه بلا منازع ولا مُدَّع.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡا۟ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ"}