الباحث القرآني

ولَمّا وصَفَ نَفْسَهُ سُبْحانَهُ بِما يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنصُورِهِ الَّذِي يَنْصُرُهُ، وصَفَهم بِما يُبَيِّنُ أنَّ قِتالَهم لَهُ، لا لَهُمْ، بَعْدَ أنْ وصَفَهم بِأنَّهم أُوذُوا بِالإخْراجِ مِنَ الدِّيارِ الَّذِي يُعادِلُ القَتْلَ، فَقالَ: ﴿الَّذِينَ﴾ ولَمّا كانَ وقْتُ النُّصْرَةِ مُبْهَمًا آخِرُهُ يَوْمُ الفَصْلِ، عَبَّرَ بِأداةِ الشَّكِّ لِيَكُونَ ذَلِكَ أدَلَّ عَلى إخْلاصِ المُخْلِصِ في القِتالِ: ﴿إنْ مَكَّنّاهُمْ﴾ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿فِي الأرْضِ﴾ بِإعْلائِهِمْ عَلى أضْدادِهِمْ ﴿أقامُوا الصَّلاةَ﴾ أيِ الَّتِي هي عِمادُ الدِّينِ، الدّالَّةُ عَلى المُراقَبَةِ والإعْراضِ عَنْ تَحْصِيلِ الفانِي ﴿وآتَوُا الزَّكاةَ﴾ المُؤْذِنَةَ بالزُّهْدِ في الحاصِلِ مِنهُ، المُؤْذِنُ بِعَمَلِ النَّفْسِ لِلرَّحِيلِ ﴿وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ﴾ وهو ما عَرَّفَهُ الشَّرْعُ وأجازَهُ ﴿ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ﴾ المُعَرَّفَ بِأنَّهُ لا أُنْسَ لَهم إلّا بِهِ سُبْحانَهُ، ولا خَوْفَ لَهم إلّا مِنهُ، ولا رَجاءَ فِيهِ والآيَةُ دالَّةٌ عَلى صِحَّةِ خِلافَةِ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ. (p-٦٠)ولَمّا كانَ هَذا ابْتِداءَ الأمْرِ بِالجِهادِ، وكانَ عَقِبَ ما آذى أعْداؤُهُ أوْلِياءَهُ، فَطالَ أذاهم لَهُمْ، فَكانَ التَّقْدِيرُ كَما أرْشَدَ إلَيْهِ العَطْفُ عَلى غَيْرِ مَذْكُورٍ، عَطْفًا عَلى ﴿ولَوْلا دَفْعُ﴾ [الحج: ٤٠] فَلِلَّهِ بادِئَةُ الأُمُورِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ولِلَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْلى المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴿عاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ فَتَمْكِينُهم كائِنٌ لا مَحالَةَ، لَكِنَّ ذِكْرَهُ لِلْعاقِبَةِ وطَيَّهُ لِلْبادِئَةِ مُنَبِّهٌ عَلى أنَّهُ تَعالى يَجْعَلُ لِلشَّيْطانِ - كَما هو المُشاهَدُ في الأغْلَبِ - حَظًّا في البادِئَةِ، لِيَتَبَيَّنَ الصّادِقَ مِنَ الكاذِبِ، والمُزَلْزَلَ مِنَ الثّابِتِ، وأمّا العاقِبَةُ فَهي مُتَمَحِّضَةٌ لَهُ إلى أنْ يَكُونَ آخِرُ ذَلِكَ القِيامَةَ الَّتِي لا يَكُونُ لِأحَدٍ فِيها أمْرٌ، حَتّى أنَّهُ لا يَنْطِقُ أحَدٌ إلّا بِإذْنٍ خاصٍّ. ولَمّا كانَ في تَرْغِيبِ هَذِهِ الآياتِ وتَرْهِيبِها ما يُعَطِّفُ العاقِلَ، ويَقْصِفُ الجاهِلَ، طُوِيَ حُكْمُ العاقِلِ لِفَهْمِهِ ما سَبَقَ، وهُوَ: فَإنْ يُؤْمِنُوا بِكَ مَكَّنّاهم في الأرْضِ، ودَلَّ عَلَيْهِ بِعَطْفِ حُكْمِ الجاهِلِ عَلى غَيْرِ مَذْكُورٍ في سِياقٍ يُسَلِّي بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ ويُعَزِّيهِ، ويُؤْنِسُهُ ويُواسِيهِ، فَقالَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب