الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا وصِيَّةً لأزْواجِهِمْ مَتاعًا إلى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكم في ما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنَّ مِن مَعْرُوفٍ واللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
"الَّذِينَ" رُفِعَ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ في الجُمْلَةِ الَّتِي هي ﴿وَصِيَّةً لأزْواجِهِمْ﴾. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، والكِسائِيُّ، وعاصِمٌ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ - "وَصِيَّةٌ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى وجْهَيْنِ أحَدُهُما: الِابْتِداءُ، والخَبَرُ في الظَرْفِ الَّذِي هو قَوْلُهُ: "لِأزْواجِهِمْ". ويَحْسُنُ الِابْتِداءُ بِنَكِرَةٍ مِن حَيْثُ هو مَوْضِعُ تَخْصِيصٍ، كَما حَسُنَ أنْ يَرْتَفِعَ "سَلامٌ عَلَيْكَ". و"خَيْرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ" و"أمْتٌ في حَجَرٍ لا فِيكَ". لِأنَّها مَواضِعُ دُعاءٍ، والوَجْهُ الآخَرُ أنْ تُضْمِرَ لَهُ خَبَرًا تُقَدِّرَهُ: عَلَيْهِمْ وصِيَّةٌ لِأزْواجِهِمْ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: "لِأزْواجِهِمْ" صِفَةٌ.
قالَ الطَبَرِيُّ: قالَ بَعْضُ النُحاةِ: المَعْنى: كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ وصِيَّةٌ، قالَ: وكَذَلِكَ هي في قِراءَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
(p-٦٠٦)وَقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، وابْنُ عامِرٍ: "وَصِيَّةً" بِالنَصْبِ، وذَلِكَ حُمِلَ عَلى الفِعْلِ كَأنَّهُ قالَ: لِيُوصُوا وصِيَّةً و"لِأزْواجِهِمْ" -عَلى هَذِهِ القِراءَةِ- صِفَةٌ أيْضًا. قالَهارُونُ: وفي حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "وَصِيَّةٌ لِأزْواجِهِمْ، مَتاعٌ" بِالرَفْعِ، وفي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "الوَصِيَّةُ لِأزْواجِهِمْ مَتاعًا". وحَكى الخِفافُ أنَّ في حَرْفٍ أُبَيٍّ "فَمَتاعٌ لِأزْواجِهِمْ" بَدَلُ "وَصِيَّةٍ". ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ: أنَّ الرَجُلَ إذا ماتَ، كانَ لِزَوْجَتِهِ أنْ تُقِيمَ في مَنزِلِهِ سَنَةً، ويُنْفِقَ عَلَيْها مِن مالِهِ، وذَلِكَ وصِيَّةٌ لَها.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ -مِمَّنْ هي هَذِهِ الوَصِيَّةُ؟- فَقالَتْ فِرْقَةٌ: كانَتْ وصِيَّةً مِنَ اللهِ تَعالى، تَجِبُ بَعْدَ وفاةِ الزَوْجِ. قالَقَتادَةُ: كانَتِ المَرْأةُ إذا تُوفِّيَ عنها زَوْجُها، فَلَها السُكْنى والنَفَقَةُ حَوْلًا في مالِ زَوْجِها، ما لَمْ تَخْرُجْ بِرَأْيِها، ثُمَّ نَسَخَ ما في هَذِهِ الآيَةِ مِنَ النَفَقَةِ بِالرُبْعِ أوِ الثَمَنِ الَّذِي في سُورَةِ النِساءِ، ونُسِخَ سُكْنى الحَوْلِ بِالأرْبَعَةِ الأشْهُرِ والعَشْرِ، وقالَ الرَبِيعُ، وابْنُ عَبّاسٍ، والضَحّاكُ، وعَطاءٌ، وابْنُ زَيْدٍ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ هي مِنَ الزَوْجِ، كانُوا نَدَبُوا إلى أنْ يُوصُوا لِلزَّوْجاتِ بِذَلِكَ، فـَ "يُتَوَفَّوْنَ" عَلى هَذا القَوْلِ مَعْناهُ: يُقارِبُونَ الوَفاةَ، ويَحْتَضِرُونَ، لِأنَّ المَيِّتَ لا يُوصِي. قالَ هَذا القَوْلَ قَتادَةُ أيْضًا، والسُدِّيُّ، وعَلَيْهِ حَمَلَ الآيَةَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ في الحُجَّةِ. قالَ السُدِّيُّ: "إلّا أنَّ العِدَّةِ كانَتْ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا، وكانَ الرِجالُ يُوَصُّونَ بِسُكْنى سَنَةٍ، ونَفَقَتِها، ما لَمْ تَخْرُجْ، فَلَوْ خَرَجَتْ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ -الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ والعَشْرِ- سَقَطَتِ الوَصِيَّةُ، ثُمَّ نَسَخَ اللهُ تَعالى ذَلِكَ بِنُزُولِ الفَرائِضِ فَأخَذَتْ رُبْعَها أو ثُمُنَها، ولَمْ يَكُنْ لَها سُكْنى ولا نَفَقَةَ، وصارَتِ الوَصايا لِمَن لا يَرِثُ. وقالَ الطَبَرِيُّ عن مُجاهِدٍ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُحْكَمَةٌ لا نَسْخَ فِيها، والعِدَّةُ كانَتْ قَدْ ثَبَتَتْ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ وصِيَّةً مِنهُ سُكْنى سَبْعَةَ أشْهُرٍ وعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَإنْ شاءَتِ المَرْأةُ سَكَنَتْ في وصِيَّتِها، وإنْ شاءَتْ خَرَجَتْ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وألْفاظُ مُجاهِدٍ رَحِمَهُ اللهُ الَّتِي حَكى عنها الطَبَرِيُّ، لا يَلْزَمُ مِنها أنَّ الآيَةَ مُحْكَمَةٌ، (p-٦٠٧)وَلا نَصَّ مُجاهِدٌ ذَلِكَ، بَلْ يُمْكِنُ أنَّهُ أرادَ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بَعْدُ بِالمِيراثِ.
و"مَتاعًا" نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ. وكانَ هَذا الأمْرُ إلى الحَوْلِ مِن حَيْثُ العامُّ مَعْلَمٌ مِن مَعالِمِ الزَمانِ، قَدْ أخَذَ بِحَظٍّ مِنَ الطَوْلِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿غَيْرَ إخْراجٍ﴾ مَعْناهُ: لَيْسَ لِأولِياءِ المَيِّتِ ووارِثِي المَنزِلِ إخْراجُها، و"غَيْرَ" نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ عِنْدَ الأخْفَشِ، كَأنَّهُ قالَ: لا إخْراجًا، وقِيلَ: نُصِبَ عَلى الحالِ مِنَ المُوصِينَ. وقِيلَ: هي صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: "مَتاعًا".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ خَرَجْنَ﴾ الآيَةُ، مَعْناهُ: أنَّ الخُرُوجَ إذا كانَ مِن قِبَلِ الزَوْجَةِ، فَلا جُناحَ عَلى أحَدٍ -وَلِيٌّ أو حاكِمٌ أو غَيْرُهُ- فِيما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنَّ، مِن تَزْوِيجٍ، وتَرْكِ حِدادٍ، وتَزَيُّنٍ، إذا كانَ ذَلِكَ مِنَ المَعْرُوفِ الَّذِي لا يُنْكَرُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللهُ عَزِيزٌ﴾ صِفَةٌ تَقْتَضِي الوَعِيدَ بِالنِقْمَةِ لِمَن خالَفَ الحَدَّ في هَذِهِ النازِلَةِ، فَأخْرَجَ المَرْأةَ، وهي لا تُرِيدُ الخُرُوجَ، "حَكِيمٌ"، أيْ مُحْكِمٌ لِما يَأْمُرُ بِهِ عِبادَهُ.
وهَذا كُلُّهُ قَدْ زالَ حُكْمُهُ بِالنَسْخِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، إلّا ما قَوَّلَهُ الطَبَرِيُّ مُجاهِدًا رَحِمَهُ اللهُ. وفي ذَلِكَ نَظَرٌ عَلى الطَبَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰجࣰا وَصِیَّةࣰ لِّأَزۡوَ ٰجِهِم مَّتَـٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَیۡرَ إِخۡرَاجࣲۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِی مَا فَعَلۡنَ فِیۤ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفࣲۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق