الباحث القرآني
﴿إلّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
الِاسْتِثْناءُ مِنَ العُمُومِ الَّذِي أفادَتْهُ (مَن) الشَّرْطِيَّةُ في قَوْلِهِ: (﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [الفرقان: ٦٨]) . والتَّقْدِيرُ: إلّا مَن تابَ فَلا يُضاعَفُ لَهُ العَذابُ ولا يَخْلُدُ فِيهِ، وهَذا تَطْمِينٌ لِنُفُوسِ فَرِيقٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَدْ كانُوا تَلَبَّسُوا بِخِصالِ أهْلِ الشِّرْكِ ثُمَّ تابُوا عَنْها بِسَبَبِ تَوْبَتِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ، وإلّا فَلَيْسَ في دَعْوَتِهِمْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ بَعْدَ العُنْوانِ عَنْهم بِأنَّهم عِبادُ الرَّحْمَنِ ثَناءٌ زائِدٌ.
وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ ناسًا مِن أهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأكْثَرُوا وزَنَوْا فَأكْثَرُوا، فَأتَوْا مُحَمَّدًا ﷺ فَقالُوا: إنَّ الَّذِي تَقُولُ وتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنا أنَّ لِما عَمِلْنا كَفّارَةً فَنَزَلَتْ: (﴿والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨]) الآيَةَ، والمَعْنى: أنَّهُ يُعْفى عَنْهُ مِن عَذابِ الذُّنُوبِ الَّتِي تابَ مِنها، ولا يَخْطُرُ بِالبالِ أنَّهُ (p-٧٦)يُعَذَّبُ عَذابًا غَيْرَ مُضاعَفٍ وغَيْرَ مُخَلَّدٍ فِيهِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن مَجارِي الِاسْتِعْمالِ العَرَبِيِّ بَلِ الأصْلُ في ارْتِفاعِ الشَّيْءِ المُقَيَّدِ أنْ يُقْصَدَ مِنهُ رَفْعُهُ بِأسْرِهِ لا رَفْعُ قُيُودِهِ، إلّا بِقَرِينَةٍ.
والتَّوْبَةُ: الإقْلاعُ عَنِ الذَّنْبِ، والنَّدَمُ عَلى ما فَرَّطَ، والعَزْمُ عَلى أنْ لا يَعُودَ إلى الذَّنْبِ، وإذْ كانَ فِيما سَبَقَ ذِكْرُ الشِّرْكِ فالتَّوْبَةُ هُنا التَّلَبُّسُ بِالإيمانِ، والإيمانُ بَعْدَ الكُفْرِ يُوجِبُ عَدَمَ المُؤاخَذَةِ كَما اقْتَرَفَهُ المُشْرِكُ في مُدَّةِ شَرَكِهِ كَما في الحَدِيثِ «الإسْلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ»، ولِذَلِكَ فَعُطِفَ (وآمَنَ) عَلى (مَن تابَ) لِلتَّنْوِيهِ بِالإيمانِ، ولِيُبْنى عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (﴿وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا﴾) وهو شَرائِعُ الإسْلامِ تَحْرِيضًا عَلى الصّالِحاتِ وإيماءً إلى أنَّها لا يُعْتَدُّ بِها إلّا مَعَ الإيمانِ كَما قالَ تَعالى في سُورَةِ البَلَدِ: (﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البلد: ١٧]) وقالَ في عَكْسِهِ: (﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهم كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: ٣٩]) .
وقَتْلُ النَّفْسِ الواقِعُ في مُدَّةِ الشِّرْكِ يَجُبُّهُ إيمانُ القاتِلِ لِأجْلِ مَزِيَّةِ الإيمانِ، والإسْلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ بِلا خِلافٍ، وإنَّما الخِلافُ الواقِعُ بَيْنَ السَّلَفِ في صِحَّةِ تَوْبَةِ القاتِلِ إنَّما هو في المُؤْمِنَ القاتِلِ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا. ولَمّا كانَ مِمّا تَشْمَلُهُ هَذِهِ الآيَةُ؛ لِأنَّ سِياقَها في الثَّناءِ عَلى المُؤْمِنِ فَقَدْ دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ التَّوْبَةَ تَمْحُو آثامَ كُلِّ ذَنْبٍ مِنَ الذُّنُوبِ المَعْدُودَةِ ومِنها قَتْلُ النَّفْسِ بِدُونِ حَقٍّ وهو المَعْرُوفُ مِن عُمُوماتِ الكِتابِ والسُّنَّةِ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا في سُورَةِ النِّساءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿ومَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣]) الآيَةَ.
وفُرِّعَ عَلى الِاسْتِثْناءِ الَّذِينَ تابُوا وآمَنُوا وعَمِلُوا عَمَلًا صالِحًا أنَّهم يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ، وهو كَلامٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ فَضْلِ التَّوْبَةِ المَذْكُورَةِ الَّتِي هي الإيمانُ بَعْدَ الشِّرْكِ؛ لِأنَّ (مَن تابَ) مُسْتَثْنًى مِن (مَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) فَتَعَيَّنَ أنَّ السَّيِّئاتِ المُضافَةَ إلَيْهِمْ هي السَّيِّئاتُ المَعْرُوفَةُ، أيِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُها الواقِعَةُ مِنهم في زَمَنِ شِرْكِهِمْ.
والتَّبْدِيلُ: جَعْلُ شَيْءٍ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (( ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥]) في سُورَةِ الأعْرافِ، أيْ: يَجْعَلُ اللَّهُ لَهم حَسَناتٍ كَثِيرَةً عِوَضًا عَنْ تِلْكَ السَّيِّئاتِ الَّتِي اقْتَرَفُوها قَبْلَ التَّوْبَةِ وهَذا التَّبْدِيلُ جاءَ مُجْمَلًا وهو (p-٧٧)تَبْدِيلٌ يَكُونُ لَهُ أثَرٌ في الآخِرَةِ بِأنْ يُعَوِّضَهم عَنْ جَزاءِ السَّيِّئاتِ ثَوابَ حَسَناتِ أضْدادِ تِلْكَ السَّيِّئاتِ، وهَذا لِفَضْلِ الإيمانِ بِالنِّسْبَةِ لِلشِّرْكِ ولِفَضْلِ التَّوْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْآثامِ الصّادِرَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ.
وبِهِ يَظْهَرُ مَوْقِعُ اسْمِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ: (فَأُولَئِكَ) المُفِيدِ التَّنْبِيهَ عَلى أنَّهم أحْرِياءُ بِما أخْبَرَ عَنْهم بِهِ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ لِأجْلِ ما ذُكِرَ مِنَ الأوْصافِ قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ، أيْ: فَأُولَئِكَ التّائِبُونَ المُؤْمِنُونَ العامِلُونَ الصّالِحاتِ في الإيمانِ يُبَدِّلُ اللَّهُ عِقابَ سَيِّئاتِهِمُ الَّتِي اقْتَرَفُوها مِنَ الشِّرْكِ والقَتْلِ والزِّنا بِثَوابٍ. ولَمْ تَتَعَرَّضِ الآيَةُ لِمِقْدارِ الثَّوابِ وهو مَوْكُولٌ إلى فَضْلِ اللَّهِ، ولِذَلِكَ عُقِّبَ هَذا بِقَوْلِهِ: (﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾) المُقْتَضِي أنَّهُ عَظِيمُ المَغْفِرَةِ.
{"ayah":"إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَـٰتࣲۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق