الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بمكة؛ وكان المشركون قالوا: [ما يغني عنا اتباعك، وقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأتينا الفواحش، فنزلت: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾ الآية [[أخرجه ابن جرير 19/ 42.]]. وقال السدي: قال المشركون]: [[ما بين المعقوفين، في (ج).]] كيف نتبعك يا محمد وأنت تقول: من أشرك أو زنا أو قتل فهو في النار؟ فأنزل الله: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ﴾. وذكر ابن عباس: أن هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: 93] وقال: التي في هذه السورة لمن كان مشركًا ثم تاب وآمن، فأما من دخل في الإسلام، وعقل ثم قتل فلا توبة له [[أخرجه ابن جرير 9/ 65، تح: محمود شاكر. وأخرجه أيضًا في 19/ 42، وفيه: قال سعيد بن جبير: فذكرته لمجاهد، فقال: إلا من ندم.]]. وقال: هذه مكية، نسختها آية مدنية وهي التي في سورة النساء [[أخرجه البخاري، كتاب التفسير، رقم: 4762، "الفتح" 8/ 492، ومسلم 4/ 2318، كتاب التفسير، رقم: 2023. وابن جرير 19/ 44.]]. ونحو هذا قال زيد بن ثابت: نزلت الغليظة، بعد اللينة بستة أشهر، فنسخت الغليظة اللينة [[أخرج ابن جرير 9/ 68، تح: محمود شاكر. قال ابن عطية 11/ 75: ولا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني، واختلفوا في القاتل من المسلمين.]]. وقوله: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعم الذي الإسلام؛ بالشرك إيمانًا، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانًا. قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي، والضحاك، وابن زيد، وسعيد بن جبير [[أخرج ابن جرير 19/ 46، عن ابن عباس، من ثلاثة طرق، وأخرجه كذلك عن الضحاك، وسعيد بن جبير، وابن زيد، ومجاهد. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2733، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من طريقين، وعن سعيد، من طريقين، والحسن، وعطاء، وقتادة وذكره الثعلبي عن جميع من ذكر الواحدي. قال مقاتل 47 أ: والتبديل من العمل السيئ إلى العمل الصالح. واختار هذا القول ورجحه ابن جرير 19/ 46. قال الزجاج 4/ 76: ليس أن السيئة بعينها تصير حسنة، ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة، وتكتب الحسنة مع التربة. فيكون التبديل على هذا القول في الدنيا. "تفسير البغوي" 6/ 97.]]. وذهب قوم إلى أن الله تعالى يمحو السئية عن العبد، ويثبت له بدلها الحسنة بحكم هذه الآية. ويحتجون بما روى أبو هريرة أن النبي -ﷺ- قال: "ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات! قيل: من هم؟ قال: الذين بدل الله سيئاتهم حسنات" [[أخرجه الحاكم 4/ 281، كتاب التوبة والإنابة، رقم: 7643. وقال: إسناده صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الثعلبي 8/ 104 أ، مرفوعاً للنبي -ﷺ-. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2733، موقوفاً على أبي هريرة، كلهم من طريق أبي العنبس عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- لكن متن ابن أبي حاتم مختلف، ولفظه: "ليأتين الله بأناس يوم القيامة رأوا أنهم قد استكثروا من السيئات، قيل: من هم يا أبا هريرة؟ قال: الذين يبدل الله بسيئاتهم حسنات". وأبو العنبس، هو: سعيد بن كثير. الحاكم 4/ 281. وحسن إسناده الألباني، في "السلسة الصحيحة" 5/ 209، رقم: 2177.]]. وهذا مذهب سعيد بن المسيب، ومكحول، وعمرو بن ميمون، قال سعيد: صيَّر سيئاتهم حسنات لهم يوم القيامة [[أخرجه ابن جرير 19/ 47، وابن أبي حاتم 8/ 2733، بنحوه. وساقا بإسنادهما حديثاً مرفوعاً، من رواية أبي ذر -رضي الله عنه- وفيه "فيقول: يا رب لقد عملت أشياء ما أراها هاهنا، قال: فضحك رسول الله -ﷺ- حتى بدت نواجذه، قال: فيقال له: لك مكان كل سيئة حسنة". وأخرجه مسلم 1/ 177، كتاب الإيمان، رقم: 190، من الطريق نفسه، وأخرجه الثعلبي 8/ 104 أ، والواحدي في "الوسيط" 3/ 347، وصححه. وذكر خبراً ثالثاً يدل على ذلك. ولم يرجح الواحدي -رحمه الله- أحد هذين القولين، وكذا السمرقندي، في تفسيره 2/ 467، مع ذكرهم لهذا الحديث، وهو ظاهر مع الذي قبله في أن التبديل حقيقي، ولا عبرة بقول من أنكره، وأما القول بأن المراد تغير أعمالهم في الدنيا من الفساد إلى الصلاح فلا ينافي هذا القول فإن هذا في الدنيا، والتبديل في الآخرة، كما هو ظاهر من سياق الحديث. والله أعلم. والعجب من الواحدي الذي أورد هذا الحديث، هنا، وفي "الوسيط" مع غيره مما يؤيد معناه، ومع ذلك فقد اقتصر في "الوجيز" ص 784، على القول الأول، ولم يذكر القول الثاني. ومثله == أبو السعود 6/ 230. وذكر القولين العز، في تفسيره 2/ 432. ومال القرطبي 13/ 78، إلى القول بان التبديل حقيقي. واقتصر عليه البرسوي 6/ 247. واختاره ابن عاشور 19/ 76. وقد تكلم ابن القيم، على هذه المسألة بتوسع، وذكر حجج الفريقين، ثم خلص إلى الجمع بينهما؛ فقال: وعلى هذا فقد زال بحمد الله الإشكال، واتضح الصواب، وظهر أن كل واحدة من الطائفتين ما خرجت عن موجب العلم والحجة. "طريق الهجرتين" ص 450.]]. وقال مكحول: يغفرها الله لهم فيجعلها حسنات [[أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2735.]]. وقال عمرو بن ميمون: يتمنى العبد أن سيئاته أكثر مما هي [[والقول بأن التبديل حقيقي، ذكره ابن أبي حاتم، عن سلمان -رضي الله عنه- وعلي بن الحسين. وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2733، عن أبي العالية، أنه قيل له: إن ناساً يقولون: ودوا أنهم استكثروا من الذنوب؟ فقال أبو العالية: ولمَ يقولون ذلك؟ قيل: يتأولون هذه الآية: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تلا هذه الآية: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران:30]. فهذا القول منه استنكار لقولهم هذا في الدنيا، فإنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى أن يكون قد أكثر من المعصية بهذه الحجة، بل الواجب أن يكون حاله الشفقة، والخوف، فأنكر عليهم أبو العالية ذلك، والآية التي ذكرها في من مات ولم يتب من سيئاته. والله أعلم. وذكر النحاس قولاً آخر في التبديل، وحسنه؛ فقال: ومن حسن ما قيل فيه: أنه يكتب موضح كافر: مؤمن، وموضع عاصٍ: مطيع. إعراب القرآن 3/ 169. وهو مخالف لظاهر الآية. والله أعلم.]]. وقوله: ﴿وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا﴾ قال ابن عباس ومقاتل: ﴿غَفُورًا﴾ لما صنعوا في الشرك ﴿رَحِيمًا﴾ بهم في الإسلام [["تفسير مقاتل" ص 47 أ.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب