الباحث القرآني
قالَ القُرْطُبِيُّ: مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجَمِيعِ. وأخْرَجَ النَّحّاسُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ طه بِمَكَّةَ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ الدّارِمِيُّ وابْنُ خُزَيْمَةَ في التَّوْحِيدِ، والعُقَيْلِيُّ في الضُّعَفاءِ، والطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ، وابْنُ عَدِيٍّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى قَرَأ طه ويس قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِألْفَيْ عامٍ، فَلَمّا سَمِعَتِ المَلائِكَةُ القُرْآنَ قالَتْ: طُوبى لِأُمَّةٍ يَنْزِلُ عَلَيْها هَذا، وطُوبى لِأجْوافٍ تَحْمِلُ هَذا، وطُوبى لِألْسِنَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَذا» .
قالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ بَعْدَ إخْراجِهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وفِيهِ نَكارَةٌ، وإبْراهِيمُ بْنُ مُهاجِرٍ وشَيْخُهُ تُكُلِّمَ فِيهِما، يَعْنِي إبْراهِيمَ بْنَ مُهاجِرِ بْنِ سُمّارٍ وشَيْخَهُ عُمَرَ بْنَ حَفْصِ بْنِ ذَكْوانَ وهُما مِن رِجالِ إسْنادِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «أُعْطِيتُ السُّورَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيها الأنْعامُ مِنَ الذِّكْرِ الأوَّلِ، وأُعْطِيتُ سُورَةَ طه والطَّواسِينَ مِن ألْواحِ مُوسى، وأُعْطِيتُ فَواتِحَ القُرْآنِ وخَواتِيمَ البَقَرَةِ مِن تَحْتِ العَرْشِ، وأُعْطِيتُ المُفَصَّلَ نافِلَةً» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي أُمامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «كُلُّ قُرْآنٍ يُوضَعُ عَنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَلا يَقْرَءُونَ مِنهُ شَيْئًا إلّا سُورَةَ طَه ويَس، فَإنَّهم يَقْرَءُونَ بِهِما في الجَنَّةِ» . وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، فَذَكَرَ قِصَّةَ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ مَعَ أُخْتِهِ وخَبّابٌ وقِراءَتُهُما طه، وكانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ إسْلامِ عُمَرَ، والقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ في كُتُبِ السِّيَرِ.
(p-٩٠٣)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
﴿طه﴾ ﴿ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ ﴿إلّا تَذْكِرَةً لِمَن يَخْشى﴾ ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ والسَّماواتِ العُلا﴾ ﴿الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى﴾ ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وما بَيْنَهُما وما تَحْتَ الثَّرى﴾ ﴿وإنْ تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفى﴾ ﴿اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى﴾ ﴿وهَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى﴾ ﴿إذْ رَأى نارًا فَقالَ لِأهْلِهِ امْكُثُوا إنِّي آنَسْتُ نارًا لَعَلِّي آتِيكم مِنها بِقَبَسٍ أوْ أجِدُ عَلى النّارِ هُدًى﴾ ﴿فَلَمّا أتاها نُودِيَ يامُوسى﴾ ﴿إنِّي أنا رَبُّكَ فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنَّكَ بِالوادِي المُقَدَّسِ طُوًى﴾ ﴿وأنا اخْتَرْتُكَ فاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾ ﴿إنَّنِي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدْنِي وأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ ﴿إنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى﴾ ﴿فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَن لا يُؤْمِنُ بِها واتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى﴾ .
قَوْلُهُ: طه قَرَأ بِإمالَةِ الهاءِ وفَتْحِ الطّاءِ أبُو عَمْرٍو وابْنُ أبِي إسْحاقَ، وأمالَهُما جَمِيعًا أبُو بَكْرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ والأعْمَشُ. وقَرَأهُما أبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ ونافِعٌ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عُبَيْدٍ. وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّفْخِيمِ. قالَ الثَّعْلَبِيُّ: وهي كُلُّها لُغاتٌ صَحِيحَةٌ فَصِيحَةٌ. وقالَ النَّحّاسُ: لا وجْهَ لِلْإمالَةِ عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ العَرَبِيَّةِ لِعِلَّتَيْنِ: الأُولى أنَّهُ لَيْسَ هاهُنا ياءٌ ولا كَسْرَةٌ حَتّى تَكُونَ الإمالَةُ، والعِلَّةُ الثّانِيَةُ أنَّ الطّاءَ مِن مَوانِعِ الإمالَةِ.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في مَعْنى هَذِهِ الكَلِمَةِ عَلى أقْوالٍ: الأوَّلُ أنَّها مِنَ المُتَشابَهِ الَّذِي لا يُفْهَمُ المُرادُ بِهِ، والثّانِي أنَّها بِمَعْنى يا رَجُلُ في لُغَةِ عُكْلٍ، وفي لُغَةِ عَكٍّ. قالَ الكَلْبِيُّ: لَوْ قُلْتُ لِرَجُلٍ مِن عَكٍّ يا رَجُلُ لَمْ يُجِبْ حَتّى تَقُولَ طه، وأنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ في ذَلِكَ:
؎دَعَوْتُ بِطه في القِتالِ فَلَمْ يُجِبْ فَخِفْتُ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ مُوائِلًا
ويُرْوى مُزايِلًا، وقِيلَ: إنَّها في لُغَةِ عَكٍّ بِمَعْنى يا حَبِيبِي. وقالَ قُطْرُبٌ: هي كَذَلِكَ في لُغَةِ طَيٍّ: أيْ بِمَعْنى يا رَجُلُ، وكَذَلِكَ قالَ الحَسَنُ وعِكْرِمَةُ. وقِيلَ: هي كَذَلِكَ في اللُّغَةِ السُّرْيانِيَّةِ، حَكاهُ المَهْدَوِيُّ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ أنَّها كَذَلِكَ في اللُّغَةِ النَّبَطِيَّةِ، وبِهِ قالَ السُّدِّيُّ وسَعِيدُ بْنُ حُبَيْنٍ. وحَكى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ أنَّها كَذَلِكَ في لُغَةِ الحَبَشَةِ، ورَواهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، ولا مانِعَ مِن أنْ تَكُونَ هَذِهِ الكَلِمَةُ مَوْضُوعَةً لِذَلِكَ المَعْنى في تِلْكَ اللُّغاتِ كُلِّها إذا صَحَّ النَّقْلُ. القَوْلُ الثّالِثُ: أنَّها اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ سُبْحانَهُ. والقَوْلُ الرّابِعُ أنَّها اسْمٌ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - . القَوْلُ الخامِسُ أنَّها اسْمٌ لِلسُّورَةِ. القَوْلُ السّادِسُ أنَّها حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ يَدُلُّ كُلُّ واحِدٍ مِنها عَلى مَعْنًى. ثُمَّ اخْتَلَفُوا في هَذِهِ المَعانِي الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْها هَذِهِ الحُرُوفُ عَلى أقْوالٍ كُلُّها مُتَكَلَّفَةٌ مُتَعَسَّفَةٌ. القَوْلُ السّابِعُ أنَّ مَعْناها طُوبى لِمَنِ اهْتَدى. القَوْلُ الثّامِنُ أنَّ مَعْناها: طَإ الأرْضَ يا مُحَمَّدُ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وذَلِكَ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كانَ يَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الصَّلاةِ حَتّى كادَتْ قَدَماهُ تَتَوَرَّمُ ويَحْتاجُ إلى التَّرَوُّحِ، فَقِيلَ لَهُ طَإ الأرْضَ: أيْ لا تَتْعَبْ حَتّى تَحْتاجَ إلى التَّرَوُّحِ.
وحَكى القاضِي عِياضٌ في الشِّفاءِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: «كانَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إذا صَلّى قامَ عَلى رِجْلٍ ورَفَعَ الأُخْرى،» فَأنْزَلَ اللَّهُ طَه يَعْنِي طَإ الأرْضَ يا مُحَمَّدُ، وحُكِيَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ قَرَأ طَهْ عَلى وزْنِ دَعْ أمْرٌ بِالوَطْءِ، والأصْلُ طَأْ فَقُلِبَتِ الهَمْزَةُ هاءً.
وقَدْ حَكى الواحِدِيُّ عَنْ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ أنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ مَعْناها: يا رَجُلُ، يُرِيدُ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: وهو قَوْلُ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ والضَّحّاكِ وقَتادَةَ ومُجاهِدٍ وابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ عَطاءٍ والكَلْبِيِّ غَيْرَ أنَّ بَعْضَهم يَقُولُ: هي بِلِسانِ الحَبَشَةِ والنَّبَطِيَّةِ والسُّرْيانِيَّةِ، ويَقُولُ الكَلْبِيُّ: هي بِلُغَةِ عَكٍّ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ولُغَةُ قُرَيْشٍ وافَقَتْ تِلْكَ اللُّغَةَ في هَذا المَعْنى، لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ يُخاطِبْ نَبِيَّهُ بِلِسانِ غَيْرِ قُرَيْشٍ انْتَهى.
وإذا تَقَرَّرَ أنَّها لِهَذا المَعْنى في لُغَةٍ مِن لُغاتِ العَرَبِ كانَتْ ظاهِرَةَ المَعْنى واضِحَةَ الدَّلالَةِ خارِجَةً عَنْ فَواتِحِ السُّوَرِ الَّتِي قَدَّمْنا بَيانَ كَوْنِها مِنَ المُتَشابِهِ في فاتِحَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ، وهَكَذا إذا كانَتْ لِهَذا المَعْنى في لُغَةٍ مِن لُغاتِ العَجَمِ واسْتَعْمَلَها العَرَبُ في كَلامِها في ذَلِكَ المَعْنى كَسائِرِ الكَلِماتِ العَجَمِيَّةِ الَّتِي اسْتَعْمَلَتْها العَرَبُ المَوْجُودَةِ في الكِتابِ العَزِيزِ، فَإنَّها صارَتْ بِذَلِكَ الِاسْتِعْمالِ مِن لُغَةِ العَرَبِ.
وجُمْلَةُ ما ﴿أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَسْلِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَمّا كانَ يَعْتَرِيهِ مِن جِهَةِ المُشْرِكِينَ مِنَ التَّعَبِ، والشَّقاءُ يَجِيءُ في مَعْنى التَّعَبِ. قالَ ابْنُ كَيْسانَ: وأصْلُ الشَّقاءِ في اللُّغَةِ العَناءُ والتَّعَبُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎ذُو العَقْلِ يَشْقى في النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ ∗∗∗ وأخُو الجَهالَةِ في الشَّقاوَةِ يَنْعَمُ
والمَعْنى: ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَتْعَبَ بِفَرْطِ تَأسُّفِكَ عَلَيْهِمْ وعَلى كُفْرِهِمْ، وتَحَسُّرِكَ عَلى أنْ يُؤْمِنُوا، فَهو كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ [الكهف: ٦] قالَ النَّحّاسُ: بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ يَقُولُ: هَذِهِ اللّامُ في لِتَشْقى لامُ النَّفْيِ، وبَعْضُهم يَقُولُ لامُ الجُحُودِ. وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: هي لامُ الخَفْضِ، وهَذا التَّفْسِيرُ لِلْآيَةِ هو عَلى قَوْلِ مَن قالَ إنَّ طه كَسائِرِ فَواتِحِ السُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَتْ تَعْدِيدًا لِأسْماءِ الحُرُوفِ، وإنْ جُعِلَتِ اسْمًا لِلسُّورَةِ كانَ قَوْلُهُ: ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى خَبَرًا عَنْها، وهي في مَوْضِعِ المُبْتَدَأِ، وأمّا عَلى قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ مَعْناها يا رَجُلُ، أوْ بِمَعْنى الأمْرِ بِوَطْءِ الأرْضِ فَتَكُونُ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً لِصَرْفِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَمّا كانَ عَلَيْهِ مِنَ المُبالَغَةِ في العِبادَةِ. وانْتِصابُ إلّا تَذْكِرَةً عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ لِ أنْزَلْنا كَقَوْلِكَ: ما ضَرَبْتُكَ لِلتَّأْدِيبِ إلّا إشْفاقًا عَلَيْكَ. وقالَ الزَّجّاجُ: هو بَدَلٌ مِن لِتَشْقى: أيْ ما أنْزَلْناهُ إلّا تَذْكِرَةً. وأنْكَرَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ مِن جِهَةِ أنَّ التَّذْكِرَةَ لَيْسَتْ بِشَقاءٍ، قالَ: وإنَّما هو مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ: أيْ أنْزَلْناهُ لِتُذَكِّرَ بِهِ تَذْكِرَةً، أوْ عَلى المَفْعُولِ مِن أجْلِهِ: أيْ ﴿ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ بِهِ، ما أنْزَلْناهُ إلّا لِلتَّذْكِرَةِ. وانْتِصابُ ﴿تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأرْضَ والسَّماواتِ العُلا﴾ عَلى المَصْدَرِيَّةِ: أيْ أنْزَلْناهُ تَنْزِيلًا، وقِيلَ: بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ تَذْكِرَةً، وقِيلَ: هو مَنصُوبٌ عَلى المَدْحِ، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِـ يَخْشى: أيْ يَخْشى تَنْزِيلًا مِنَ اللَّهِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وقِيلَ: مَنصُوبٌ عَلى الحالِ بِتَأوُّلِهِ بِاسْمِ الفاعِلِ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ الشّامِيُّ ( تَنْزِيلٌ ) بِالرَّفْعِ عَلى مَعْنى هَذا تَنْزِيلٌ، ومِمَّنْ خَلَقَ (p-٩٠٤)مُتَعَلِّقٌ بِتَنْزِيلًا، أوْ بِمَحْذُوفٍ هو صِفَةٌ لَهُ، وتَخْصِيصُ خَلَقَ الأرْضَ والسَّماواتِ لِكَوْنِهِما أعْظَمَ ما يُشاهِدُهُ العِبادُ مِن مَخْلُوقاتِهِ عَزَّ وجَلَّ، والعُلى: جَمَعُ العُلْيا: أيِ المُرْتَفِعَةُ كَجَمْعِ كُبْرى وصُغْرى عَلى كُبَرٍ وصُغَرٍ. ومَعْنى الآيَةِ إخْبارُ العِبادِ عَنْ كَمالِ عَظَمَتِهِ سُبْحانَهُ وعَظِيمِ جَلالِهِ. وارْتِفاعُ الرَّحْمَنِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَما قالَ الأخْفَشُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَلى المَدْحِ أوْ عَلى الِابْتِداءِ. وقُرِئَ بِالجَرِّ، قالَ الزَّجّاجُ عَلى البَدَلِ مِمَّنْ، وجَوَّزَ النَّحّاسُ أنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَلى البَدَلِ مِنَ المُضْمَرِ في خَلَقَ، وجُمْلَةُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى أنَّها خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أوْ عَلى أنَّها خَبَرُ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مَن جَعَلَهُ مُبْتَدَأً. قالَ أحْمَدُ بْنُ يَحْيى: قالَ ثَعْلَبٌ: الِاسْتِواءُ الإقْبالُ عَلى الشَّيْءِ، وكَذا قالَ الزَّجّاجُ والفَرّاءُ. وقِيلَ: هو كِنايَةٌ عَنِ المُلْكِ والسُّلْطانِ، والبَحْثِ في تَحْقِيقِ هَذا يَطُولُ، وقَدْ تَقَدَّمَ البَحْثُ عَنْهُ في الأعْرافِ. والَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أبُو الحَسَنِ الأشْعَرِيُّ أنَّهُ سُبْحانَهُ مُسْتَوٍ عَلى عَرْشِهِ بِغَيْرِ حَدٍّ ولا كَيْفٍ، وإلى هَذا القَوْلِ سَبَقَهُ الجَماهِيرُ مِنَ السَّلَفِ الصّالِحِ الَّذِي يَرْوُونَ الصِّفاتِ كَما ورَدَتْ مِن دُونِ تَحْرِيفٍ ولا تَأْوِيلٍ. ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ أيْ أنَّهُ مالِكُ كُلِّ شَيْءٍ ومُدَبِّرُهُ وما بَيْنَهُما مِنَ المَوْجُوداتِ وما تَحْتَ الثَّرى الثَّرى في اللُّغَةِ التُّرابُ النَّدِيُّ: أيْ ما تَحْتَ التُّرابِ مِن شَيْءٍ. قالَ الواحِدِيُّ: والمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ إنَّهُ سُبْحانَهُ أرادَ الثَّرى الَّذِي تَحْتَ الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْها الثَّوْرُ الَّذِي تَحْتَ الأرْضِ ولا يَعْلَمُ ما تَحْتَ الثَّرى إلّا اللَّهُ سُبْحانَهُ.
﴿وإنْ تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفى﴾ الجَهْرُ بِالقَوْلِ هو رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ والسِّرُّ ما حَدَّثَ بِهِ الإنْسانُ غَيْرَهُ وأسَرَّهُ إلَيْهِ، والأخْفى مِنَ السِّرِّ هو ما حَدَّثَ بِهِ الإنْسانُ نَفْسَهُ وأخْطَرَهُ بِبالِهِ.
والمَعْنى: إنْ تَجْهَرْ بِذِكْرِ اللَّهِ ودُعائِهِ فاعْلَمْ أنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ ذَلِكَ، فَإنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وما هو أخْفى مِنَ السِّرِّ، فَلا حاجَةَ لَكَ إلى الجَهْرِ بِالقَوْلِ، وفي هَذا مَعْنى النَّهْيِ عَنِ الجَهْرِ كَقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفَةً [الأعراف: ٢٠٥] وقِيلَ: السِّرُّ ما أسَرَّ الإنْسانُ في نَفْسِهِ، والأخْفى مِنهُ هو ما خَفِيَ عَلى ابْنِ آدَمَ مِمّا هو فاعِلُهُ وهو لا يَعْلَمُهُ، وقِيلَ: السِّرُّ ما أضْمَرَهُ الإنْسانُ في نَفْسِهِ، والأخْفى مِنهُ ما لَمْ يَكُنْ ولا أضْمَرَهُ أحَدٌ، وقِيلَ: السِّرُّ سِرُّ الخَلائِقِ، والأخْفى مِنهُ سِرُّ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وأنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ وقالَ: إنَّ الأخْفى ما لَيْسَ في سِرِّ الإنْسانِ وسَيَكُونُ في نَفْسِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ المَوْصُوفَ بِالعِبادَةِ عَلى الوَجْهِ المَذْكُورِ هو اللَّهُ سُبْحانَهُ المُنَزَّهُ عَنِ الشَّرِيكِ المُسْتَحِقِّ لِتَسْمِيَتِهِ بِالأسْماءِ الحُسْنى فَقالَ: اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى فاللَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيِ المَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفاتِ الكَمالِيَّةِ اللَّهُ، وجُمْلَةُ ( لا إلَهَ إلّا هو ) مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيانِ اخْتِصاصِ الإلَهِيَّةِ بِهِ سُبْحانَهُ: أيْ: لا إلَهَ في الوُجُودِ إلّا هو، وهَكَذا جُمْلَةُ ( لَهُ الأسْماءُ الحُسْنى ) مُبَيِّنَةٌ لِاسْتِحْقاقِهِ تَعالى لِلْأسْماءِ الحُسْنى، وهي التِّسْعَةُ والتِّسْعُونَ الَّتِي ورَدَ بِها الحَدِيثُ الصَّحِيحُ.
وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُها في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى﴾ [الأعراف: ١٨٠] مِن سُورَةِ الأعْرافِ، والحُسْنى تَأْنِيثُ الأحْسَنِ، والأسْماءُ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُها الحُسْنى، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ مُبْتَدَأً وخَبَرُهُ الجُمْلَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ في يَعْلَمُ.
ثُمَّ قَرَّرَ سُبْحانَهُ أمْرَ التَّوْحِيدِ بِذِكْرِ قِصَّةِ مُوسى المُشْتَمِلَةِ عَلى القُدْرَةِ الباهِرَةِ، والخَبَرِ الغَرِيبِ، فَقالَ: وهَلْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى الِاسْتِفْهامُ لِلتَّقْرِيرِ، ومَعْناهُ: ألَيْسَ قَدْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وقِيلَ: مَعْناهُ: قَدْ أتاكَ حَدِيثُ مُوسى، وقالَ الكَلْبِيُّ: لَمْ يَكُنْ قَدْ أتاهُ حَدِيثُ مُوسى إذْ ذاكَ.
وفِي سِياقِ هَذِهِ القِصَّةِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - لِما يُلاقِيهِ مِن مَشاقِّ أحْكامِ النُّبُوَّةِ، وتَحَمُّلِ أثْقالِها ومُقاساةِ خُطُوبِها، وأنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الأنْبِياءِ قَبْلَهُ. والمُرادُ بِالحَدِيثِ القِصَّةُ الواقِعَةُ لِمُوسى. وإذْ رَأى نارًا ظَرْفٌ لِلْحَدِيثِ، وقِيلَ: العامِلُ فِيهِ مُقَدَّرٌ: أيِ اذْكُرْ، وقِيلَ: يُقَدَّرُ مُؤَخَرًا: أيْ حِينَ رَأى نارًا كانَ كَيْتَ وكَيْتَ، وكانَتْ رُؤْيَتُهُ لِلنّارِ في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ لَمّا خَرَجَ مُسافِرًا إلى أُمِّهِ بَعْدَ اسْتِئْذانِهِ لِشُعَيْبٍ فَ لَمّا رَآها قالَ لِأهْلِهِ امْكُثُوا والمُرادُ بِالأهْلِ هُنا امْرَأتُهُ، والجَمْعُ لِظاهِرِ لَفْظِ الأهْلِ أوْ لِلتَّفْخِيمِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِمُ المَرْأةُ والوَلَدُ والخادِمُ، ومَعْنى امْكُثُوا أقِيمُوا مَكانَكم، وعَبَّرَ بِالمُكْثِ دُونَ الإقامَةِ، لِأنَّ الإقامَةَ تَقْتَضِي الدَّوامَ، والمُكْثَ لَيْسَ كَذَلِكَ. وقَرَأ حَمْزَةُ ( لِأهُلِهِ ) بِضَمِّ الهاءِ، وكَذا في القَصَصِ. قالَ النَّحّاسُ وهَذا عَلى لُغَةِ مَن قالَ: مَرَرْتُ بِهو يا رَجُلُ فَجاءَ بِهِ عَلى الأصْلِ وهو جائِزٌ إلّا أنَّ حَمْزَةَ خالَفَ أصْلَهُ في هَذَيْنِ المَوْضِعَيْنِ خاصَّةً إنِّي آنَسْتُ نارًا أيْ أبْصَرْتُ، يُقالُ آنَسْتُ الصَّوْتَ سَمِعْتُهُ، وآنَسْتُ الرَّجُلَ أبْصَرْتُهُ. وقِيلَ: الإيناسُ الإبْصارُ البَيِّنُ، وقِيلَ: الإيناسُ مُخْتَصٌّ بِإبْصارِ ما يُؤْنِسُ، والجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِالمُكْثِ، ولَمّا كانَ الإتْيانُ بِالقَبَسِ، ووُجُودُ الهُدى مُتَوَقَّعَيْنِ بَيْنَ الأمْرِ عَلى الرَّجاءِ فَقالَ: لَعَلِّي آتِيكم مِنها بِقَبَسٍ أيْ أجِيئُكم مِنَ النّارِ بِقَبَسٍ، والقَبَسُ شُعْلَةٌ مِنَ النّارِ، وكَذا المِقْباسُ، يُقالُ قَبَسْتُ مِنهُ نارًا أقْبِسُ قَبْسًا فَأقْبَسَنِي: أيْ أعْطانِي وكَذا اقْتَبَسْتُ.
قالَ اليَزِيدِيُّ: أقْبَسْتُ الرَّجُلَ عِلْمًا وقَبَسْتُهُ نارًا، فَإنْ كُنْتَ طَلَبْتَها لَهُ قُلْتَ أقَبَسْتُهُ. وقالَ الكِسائِيُّ: أقَبَسْتُهُ نارًا وعِلْمًا سَواءً، قالَ: وقَبَسْتُهُ أيْضًا فِيهِما أوْ أجِدُ عَلى النّارِ هُدًى أيْ هادِيًا يَهْدِينِي إلى الطَّرِيقِ ويَدُلَّنِي عَلَيْها. قالَ الفَرّاءُ: أرادَ هادِيًا، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ المَصْدَرِ، أوْ عَبَّرَ بِالمَصْدَرِ لِقَصْدِ المُبالَغَةِ عَلى حَذْفِ المُضافِ: أيْ ذا هُدًى، وكَلِمَةُ أوْ: في المَوْضِعَيْنِ لِمَنعِ الخُلُوِّ دُونَ الجَمْعِ، وحَرْفُ الِاسْتِعْلاءِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ أهْلَ النّارِ مُسْتَعْلُونَ عَلى أقْرَبِ مَكانٍ إلَيْها.
﴿فَلَمّا أتاها نُودِيَ﴾ أيْ فَلَمّا أتى النّارَ الَّتِي آنَسَها نُودِيَ مِنَ الشَّجَرَةِ، كَما هو مُصَرَّحٌ بِذَلِكَ في سُورَةِ القَصَصِ: أيْ مِن جِهَتِها. ومِن ناحِيَتِها يا مُوسى إنِّي أنا رَبُّكَ أيْ نُودِيَ فَقِيلَ يا مُوسى. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو جَعْفَرٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وحُمَيْدٌ واليَزِيدِيُّ ( أنِّي ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ. وقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِها: أيْ بِأنِّي فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أمَرَهُ اللَّهُ (p-٩٠٥)سُبْحانَهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ، لِأنَّ ذَلِكَ أبْلَغُ في التَّواضُعِ، وأقْرَبُ إلى التَّشْرِيفِ والتَّكْرِيمِ وحُسْنِ التَّأدُّبِ. وقِيلَ: إنَّهُما كانا مِن جِلْدِ حِمارٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، وقِيلَ: مَعْنى الخَلْعِ لِلنَّعْلَيْنِ: تَفْرِيغُ القَلْبِ مِنَ الأهْلِ والمالِ، وهو مِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ.
ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحانَهُ الأمْرَ بِالخَلْعِ فَقالَ: ﴿إنَّكَ بِالوادِي المُقَدَّسِ طُوًى﴾ المُقَدَّسُ المُطَهَّرُ، والقُدْسُ الطَّهارَةُ، والأرْضُ المُقَدَّسَةُ المُطَهَّرَةُ، سُمِيَتْ بِذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ أخْرَجَ مِنها الكافِرِينَ وعَمَّرَها بِالمُؤْمِنِينَ، وطُوًى اسْمٌ لِلْوادِي. قالَ الجَوْهَرِيُّ: وطُوًى اسْمُ مَوْضِعٍ بِالشّامِ بِكَسْرِ طائِهِ ويُضَمُّ، يُصْرَفُ ولا يُصْرَفُ، فَمَن صَرَفَهُ جَعَلَهُ اسْمَ وادٍ ومَكانٍ وجَعَلَهُ نَكِرَةً ومَن لَمْ يَصْرِفْهُ جَعْلَهُ بَلْدَةً، وبُقْعَةً وجَعَلَهُ مَعْرِفَةً، وقَرَأ عِكْرِمَةُ ( طِوًى ) بِكَسْرِ الطّاءِ، وقَرَأ الباقُونَ بِضَمِّها. وقِيلَ: إنَّ طُوًى كَثُنًى مِنَ الطَّيِّ مَصْدَرٌ لَنُودِيَ، أوْ لِلْمُقَدَّسِ: أيْ نُودِيَ نِداءَيْنِ، أوْ قُدِّسَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى. وأنا اخْتَرْتُكَ قَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ، وأهْلُ مَكَّةَ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ والكِسائِيُّ وأنا اخْتَرْتُكَ بِالإفْرادِ. وقَرَأ حَمْزَةُ ( وإنّا اخْتَرْناكَ ) بِالجَمْعِ. قالَ النَّحّاسُ: والقِراءَةُ الأُولى أوْلى مِن جِهَتَيْنِ: إحْداهُما أنَّها أشْبَهُ بِالخَطِّ، والثّانِيَةُ أنَّها أوْلى بِنَسَقِ الكَلامِ لِقَوْلِهِ: يا مُوسى إنِّي أنا رَبُّكَ، ومَعْنى اخْتَرْتُكَ اصْطَفَيْتُكَ لِلنُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ، والفاءُ في قَوْلِهِ: ﴿فاسْتَمِعْ لِما يُوحى﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها وما مَوْصُولَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ أيْ فاسْتَمِعْ لِلَّذِي يُوحى إلَيْكَ، أوْ لِلْوَحْيِ. وجُمْلَةُ إنَّنِي أنا اللَّهُ بَدَلٌ مِن ما في لِما يُوحى.
ثُمَّ أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِالعِبادَةِ فَقالَ: فاعْبُدْنِي والفاءُ هُنا كالفاءِ الَّتِي قَبْلَها لِأنَّ اخْتِصاصَ الإلَهِيَّةِ بِهِ سُبْحانَهُ مُوجِبٌ لِتَخْصِيصِهِ بِالعِبادَةِ ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ خَصَّ الصَّلاةَ بِالذِّكْرِ مَعَ كَوْنِها داخِلَةً تَحْتَ الأمْرِ بِالعِبادَةِ، لِكَوْنِها أشْرَفَ طاعَةٍ وأفْضَل عِبادَةٍ، وعَلَّلَ الأمْرَ بِإقامَةِ الصَّلاةِ بِقَوْلِهِ لِذِكْرِي: أيْ لِتَذْكُرَنِي فَإنَّ الذِّكْرَ الكامِلَ لا يَتَحَقَّقُ إلّا في ضِمْنِ العِبادَةِ والصَّلاةِ، أوِ المَعْنى لِتَذْكُرَنِي فِيهِما لِاشْتِمالِهِما عَلى الأذْكارِ، أوِ المَعْنى: أقِمِ الصَّلاةَ مَتى ذَكَرْتَ أنَّ عَلَيْكَ صَلاةً. وقِيلَ: المَعْنى: لِأذْكُرَكَ بِالمَدْحِ في عِلِّيِّينَ، فالمَصْدَرُ عَلى هَذا يَحْتَمِلُ الإضافَةَ إلى الفاعِلِ أوْ إلى المَفْعُولِ.
وجُمْلَةُ إنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَها مِنَ الأمْرِ: أيْ إنَّ السّاعَةَ الَّتِي هي وقْتُ الحِسابِ والعِقابِ آتِيَةٌ، فاعْمَلِ الخَيْرَ مِن عِبادَةِ اللَّهِ والصَّلاةِ. ومَعْنى أكادُ أُخْفِيها مُخْتَلَفٌ فِيهِ. قالَ الواحِدِيُّ: قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: أُخْفِيها مِن نَفْسِي، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ. وقالَ المُبَرِّدُ وقُطْرُبٌ: هَذا عَلى عادَةِ مُخاطَبَةِ العَرَبِ يَقُولُونَ إذا بالَغُوا في كِتْمانِ الشَّيْءِ كَتَمْتُهُ حَتّى مِن نَفْسِي: أيْ لَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ أحَدًا، ومَعْنى الآيَةِ أنَّ اللَّهَ بالَغَ في إخْفاءِ السّاعَةِ، فَذَكَرَهُ بِأبْلَغِ ما تَعْرِفُهُ العَرَبُ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ قَرَأ ( أخْفِيها ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ ومَعْناهُ أُظْهِرُها، وكَذا رَوى أبُو عُبَيْدَةَ عَنِ الكِسائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ وفاءِ بْنِ إياسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قالَ النَّحّاسُ: ولَيْسَ لِهَذِهِ الرِّوايَةُ طَرِيقٌ غَيْرُ هَذا. قالَ القُرْطُبِيُّ: وكَذا رَواهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ في كِتابِ الرَّدِّ قالَ: حَدَّثَنِي أبِي حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الجَهْمِ، حَدَّثَنا الفَرّاءُ حَدَّثَنا الكِسائِيُّ فَذَكَرَهُ. قالَ النَّحّاسُ: وأجْوَدُ مِن هَذا الإسْنادِ ما رَواهُ يَحْيى القَطّانُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ قَرَأ ( أُخْفِيها ) بِضَمِّ الهَمْزَةِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: قالَ الفَرّاءُ: ومَعْنى قِراءَةِ الفَتْحِ أكادُ أُظْهِرُها، مِن خَفَيْتُ الشَّيْءِ إذا أظْهَرْتُهُ أُخْفِيهِ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وقَدْ قالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ أُخْفِيها بِضَمِّ الألِفِ مَعْناهُ أُظْهِرُها، لِأنَّهُ يُقالُ خَفَيْتُ الشَّيْءَ وأخْفَيْتُهُ مِن حُرُوفِ الأضْدادِ يَقِلُّ عَلى السَّتْرِ والإظْهارِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: خَفَيْتُ وأخْفَيْتُ بِمَعْنًى واحِدٍ.
قالَ النَّحّاسُ: وهَذا حَسَنٌ، وقَدْ أنْشَدَ الفَرّاءُ وسِيبَوَيْهِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ مَعْنى أخْفاهُ أظْهَرَهُ، وذَلِكَ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎فَإنْ تَكْتُمُوا الدّاءَ لا نُخْفِهِ ∗∗∗ وإنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدُ
أيْ: وإنْ تَكْتُمُوا الدّاءَ لا نُظْهِرُهُ. وقَدْ حَكى أبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي الخَطّابِ أنَّهُ بِضَمِّ النُّونِ مَن نُخْفِهِ، وقالَ: امْرُؤ القَيْسِ:
؎خَفاهُنَّ مِن أنِفاقِهِنَّ كَأنَّما ∗∗∗ خَفاهُنَّ ودَقٌ مِن غَشْيِ مُخَلَّبٍ
أيْ: أظْهَرَهُنَّ. وقَدْ زَيَّفَ النَّحّاسُ هَذا القَوْلَ وقالَ: لَيْسَ المَعْنى عَلى أُظْهِرُها، ولا سِيَّما وأُخْفِيها قِراءَةٌ شاذَّةٌ، فَكَيْفَ تَرِدُ القِراءَةُ الصَّحِيحَةُ الشّائِعَةُ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: في الآيَةِ تَفْسِيرٌ آخَرُ، وهو أنَّ الكَلامَ يَنْقَطِعُ عَلى أكادُ، وبَعْدَهُ مُضْمَرٌ: أيْ أكادُ آتِي بِها، ووَقَعَ الِابْتِداءُ بِأُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى، ومِثْلُهُ قَوْلُ عُمَيْرِ بْنِ ضابِئٍ البُرْجُمِيِّ:
؎هَمَمْتُ ولَمْ أفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي ∗∗∗ تَرَكْتُ عَلى عُثْمانَ تَبْكِي حَلائِلُهُ
أيْ وكِدْتُ أفْعَلُ، واخْتارَ هَذا النَّحّاسُ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: هو مِن بابِ السَّلْبِ ولَيْسَ الأضْدادَ، ومَعْنى أُخْفِيها: أُزِيلُ عَنْها خَفاءَها، وهو سَتْرُها، ومِن هَذا قَوْلُهم أشْكَيْتُهُ: أيْ أزَلْتُ شَكْواهُ. وحَكى أبُو حاتِمٍ عَنِ الأخْفَشِ أنَّ أكادُ زائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، قالَ: ومِثْلُهُ - إذا أخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها [النور: ٤٠] . ومِثْلُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎سَرِيعٌ إلى الهَيْجاءِ شاكٍ سِلاحَهُ ∗∗∗ فَما أنْ يَكادَ قَرْنُهُ يَتَنَفَّسُ
قالَ: والمَعْنى أكادُ أُخْفِيها: أيْ أُقارِبُ ذَلِكَ، لِأنَّكَ إذا قُلْتَ: كادَ زَيْدٌ يَقُومُ جازَ أنْ يَكُونَ قامَ وأنْ يَكُونَ لَمْ يَقُمْ، ودَلَّ عَلى أنَّهُ أخْفاها بِدَلالَةٍ غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى هَذا، وقَوْلُهُ: ﴿لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى﴾ مُتَعَلِّقٌ بِآتِيَةٌ، أوْ بِأُخْفِيها، وما مَصْدَرِيَّةٌ: أيْ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِسَعْيِها، والسَّعْيُ وإنْ كانَ ظاهِرًا في الأفْعالِ، فَهو هُنا يَعُمُّ الأفْعالَ والتُّرُوكَ، لِلْقَطْعِ بِأنَّ تارِكَ ما يَجِبُ عَلَيْهِ مُعاقَبٌ بِتَرْكِهِ مَأْخُوذٌ بِهِ.
فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها أيْ لا يَصْرِفَنَّكَ عَنِ الإيمانِ بِالسّاعَةِ، والتَّصْدِيقِ بِها، أوْ عَنْ ذِكْرِها ومُراقَبَتِها مَن لا يُؤْمِنُ بِها مِنَ الكَفَرَةِ، وهَذا النَّهْيُ وإنْ كانَ لِلْكافِرِ بِحَسَبِ الظّاهِرِ، فَهو في الحَقِيقَةِ نَهْيٌ لَهُ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنِ الِانْصِدادَ، أوْ عَنْ إظْهارِ اللِّينِ لِلْكافِرِينَ فَهو مِن بابِ: لا أرَيَنَّكَ هاهُنا، كَما هو مَعْرُوفٌ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ في عَنْها لِلصَّلاةِ وهو بَعِيدٌ، وقَوْلُهُ: واتَّبَعَ هَواهُ مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ: أيْ مَن لا يُؤْمِنُ، ومَن اتَّبَعَ هَواهُ: أيْ هَوى نَفْسِهِ بِالِانْهِماكِ في اللَّذّاتِ الحِسِّيَّةِ الفانِيَةِ (p-٩٠٦)فَتَرْدى أيْ فَتَهْلِكُ لِأنَّ انْصِدادَكَ عَنْها بِصَدِّ الكّافِرِينَ لَكَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْهَلاكِ ومُسْتَتْبِعٌ لَهُ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - «وأوَّلُ ما نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ كانَ يَقُومُ عَلى صَدْرِ قَدَمَيْهِ إذا صَلّى، فَأنْزَلَ اللَّهُ» ﴿طه﴾ ﴿ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ: قالُوا لَقَدْ شَقِيَ هَذا الرَّجُلُ بِرَبِّهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْهُ أيْضًا قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - إذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَرْبِطُ نَفْسَهُ بِحَبْلٍ لِئَلّا يَنامَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ» . وأخْرَجَ البَزّارُ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: «كانَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يُراوِحُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ يَقُومُ عَلى كُلِّ رِجْلٍ حَتّى نَزَلَتْ:» ﴿ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ وحَسَّنَ السُّيُوطِيُّ إسْنادَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا بِأطْوَلَ مِنهُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - رُبَّما قَرَأ القُرْآنَ إذا صَلّى، فَقامَ عَلى رِجْلٍ واحِدَةٍ، فَأنْزَلَ اللَّهُ» طه بِرِجْلَيْكَ فَما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ في قَوْلِهِ: طه قالَ: يا رَجُلُ. وأخْرَجَ الحارِثُ بْنُ أبِي أُسامَةَ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: طه بِالنَّبَطِيَّةِ. أيْ طَأْ يا رَجُلُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: هو كَقَوْلِ اقْعُدْ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قالَ: طَه بِالنَّبَطِيَّةِ يا رَجُلُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ طه يا رَجُلُ بِالسُّرْيانِيَّةِ. وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنْهُ أيْضًا قالَ: طه هو كَقَوْلِكَ يا مُحَمَّدُ بِلِسانِ الحَبَشِ. وفي هَذِهِ الرِّواياتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ اخْتِلافٌ وتَدافُعٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: إنَّ لِي عِنْدَ رَبِّي عَشَرَةَ أسْماءٍ، قالَ أبُو الطُّفَيْلِ: حَفِظْتُ مِنها ثَمانِيَةً: مُحَمَّدٌ، وأحْمَدُ، وأبُو القاسِمِ، والفاتِحُ، والخاتَمُ، والماحِي، والعاقِبُ، والحاشِرُ وزَعَمَ سَيْفٌ أنَّ أبا جَعْفَرٍ قالَ لَهُ: الِاسْمانِ الباقِيانِ طه ويس. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿طه﴾ ﴿ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى﴾ قالَ: يا رَجُلُ ما أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى، وكانَ يَقُومُ اللَّيْلَ عَلى رِجْلَيْهِ فَهي لُغَةٌ لِعَكٍّ إنْ قُلْتَ لِعَكِّيٍّ يا رَجُلُ لَمْ يَلْتَفِتْ، وإذا قُلْتَ طه التَفَتَ إلَيْكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: طه قَسَمٌ أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وهو مِن أسْمائِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: وما تَحْتَ الثَّرى قالَ: الثَّرى كُلُّ شَيْءٍ مُبْتَلٍّ. وأخْرَجَ أبُو يَعْلى عَنْ جابِرٍ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - سُئِلَ ما تَحْتَ هَذِهِ الأرْضِ ؟ قالَ: الماءُ، قِيلَ: فَما تَحْتَ الماءِ ؟ قالَ: ظُلَمَةٌ، قِيلَ: فَما تَحْتَ الظُّلْمَةِ ؟ قالَ: الهَواءُ قِيلَ: فَما تَحْتَ الهَواءِ ؟ قالَ: الثَّرى، قِيلَ: فَما تَحْتَ الثَّرى ؟ قالَ: انْقَطَعَ عِلْمُ المَخْلُوقِينَ عِنْدَ عِلْمِ الخالِقِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ نَحْوَهُ بِأطْوَلَ مِنهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفى﴾ قالَ: السِّرُّ ما أسَرَّهُ ابْنُ آدَمَ في نَفْسِهِ وأخْفى ما خَفِيَ عَنِ ابْنِ آدَمَ مِمّا هو فاعِلُهُ قَبْلَ أنْ يَعْلَمَهُ، فَإنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيما مَضى مِن ذَلِكَ وما بَقِيَ عِلْمٌ واحِدٌ وجَمِيعُ الخَلائِقِ عِنْدَهُ في ذَلِكَ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ وهو كَقَوْلِهِ: ما خَلْقُكم ولا بَعْثُكم إلّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان: ٢٨] وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: السِّرُّ ما عَلِمْتَهُ أنْتَ، وأخْفى ما قَذَفَ اللَّهُ في قَلْبِكَ مِمّا لَمْ تَعْلَمْهُ. وأخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ والبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ يَعْلَمُ ما تُسِرُّ في نَفْسِكَ ويَعْلَمُ ما تَعْمَلُ غَدًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: أوْ أجِدُ عَلى النّارِ هُدًى يَقُولُ: مَن يَدُلُّ عَلى الطَّرِيقِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَلِيٍّ في قَوْلِهِ: فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قالَ: كانَتا مِن جِلْدِ حِمارٍ مَيِّتٍ فَقِيلَ لَهُ اخْلَعْهُما. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ إنَّكَ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى قالَ المُبارَكُ، طُوًى قالَ اسْمُ الوادِي. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى يَعْنِي الأرْضَ المُقَدَّسَةَ، وذَلِكَ أنَّهُ مَرَّ بِوادِيها لَيْلًا فَطَوى: يُقالُ طَوَيْتُ وادِي كَذا وكَذا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: طُوًى قالَ: طَأِ الوادِيَ.
وفِي الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما مِن حَدِيثِ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: إذا رَقَدَ أحَدُكم عَنِ الصَّلاةِ أوْ غَفَلَ عَنْها فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها، فَإنَّ اللَّهَ قالَ: أقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ حِبّانَ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «مَن نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها، فَإنَّ اللَّهَ قالَ أقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» . وكانَ ابْنُ شِهابٍ يَقْرَؤُها لِلذِّكْرى. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أكادُ أُخْفِيها﴾ قالَ: لا أُظْهِرُ عَلَيْها أحَدًا غَيْرِي. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أكادُ أُخْفِيها مِن نَفْسِي.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["طه","مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ","إِلَّا تَذۡكِرَةࣰ لِّمَن یَخۡشَىٰ","تَنزِیلࣰا مِّمَّنۡ خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ وَٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ ٱلۡعُلَى","ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ","لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَا وَمَا تَحۡتَ ٱلثَّرَىٰ","وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى","ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ","وَهَلۡ أَتَىٰكَ حَدِیثُ مُوسَىٰۤ","إِذۡ رَءَا نَارࣰا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوۤا۟ إِنِّیۤ ءَانَسۡتُ نَارࣰا لَّعَلِّیۤ ءَاتِیكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدࣰى","فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ یَـٰمُوسَىٰۤ","إِنِّیۤ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَیۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوࣰى","وَأَنَا ٱخۡتَرۡتُكَ فَٱسۡتَمِعۡ لِمَا یُوحَىٰۤ","إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ","إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِیَةٌ أَكَادُ أُخۡفِیهَا لِتُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا تَسۡعَىٰ","فَلَا یَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا یُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ"],"ayah":"إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق