(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) أي إيصاء حسناً على المبالغة قاله الكواشي، أو ذا حسن، وهذا مذهب البصريين، أو أن يفعل حسناً قاله الكوفيون قال الزجاج: إن يفعل بوالديه ما يحسن وقيل: وصيناه أمراً ذا حسن؛ وقيل: ألزمناه حسناً، وقيل: وصيناه بحسن، وقيل: يحسن حسناً ومعنى الآية: التوصية للإنسان بوالديه؛ بالبر لهما والعطف عليهما والإحسان إليهما بكل ما يمكنه من وجوه الإحسان فيشمل ذلك إعطاء المال والخدمة ولين القول، وعدم المخالفة لهما وغير ذلك، قرئ حسناً بضم الحاء وإسكان السين، وبفتحهما، وقرئ إحساناً وكذا في مضحف أبيّ.
(وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم) أي: إن طلبا منك وألزماك أن تشرك بي إلهاً ليس لك علم بكونه إلهاً، وفي سورة لقمان (على أن تشرك بي) لأن ما هنا وافق ما قبله لفظاً وهو: (من جاهد فإنما يجاهد لنفسه) وما هناك محمول على المعنى لأن التقدير: وإن حملاك على أن تشرك، قاله الكرماني.
(فلا تطعهما) في الإشراك وعبر بنفي العلم عن نفي الإله لأن ما لم يعلم صحته لا يجوز اتباعه فكيف بما علم بطلانه، وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه. فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله، كما صح ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: قالت أمي: لا آكل طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى تكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا، فنزلت هذه الآية إلى قوله: فلا تطعهما، وأخرجه أيضاً الترمذي من حديثه، وقال نزلت في أربع آيات، وذكر نحو هذه القصة، وقال: حسن صحيح، وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم، وأبو داود والنسائي أيضاً قال القرطبي: فلم يطعها سعد وقال لها: والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت قال الكرخي: هذا وما في لقمان والأحقاف نزل في سعد بن أبي وقاص.
(إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها، فأجازي كُلاًّ منكم بما يستحقه، وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك، وحث على الثبات والاستقامة في الإيمان.
{"ayah":"وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِی مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلَا تُطِعۡهُمَاۤۚ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}