الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا وإنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إلَيَّ مَرْجِعُكم فَأُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
الأُولى: ما وجْهُ تَعَلُّقِ الآيَةِ بِما قَبْلَها ؟ نَقُولُ: لَمّا بَيَّنَ اللَّهُ حُسْنَ التَّكالِيفِ ووُقُوعِها، وبَيَّنَ ثَوابَ مَن حَقَّقَ التَّكالِيفَ أُصُولَها وفُرُوعَها تَحْرِيضًا لِلْمُكَلَّفِ عَلى الطّاعَةِ، ذَكَرَ المانِعَ، ومَنَعَهُ مِن أنْ يَخْتارَ اتِّباعَهُ، فَقالَ: الإنْسانُ إنِ انْقادَ لِأحَدٍ يَنْبَغِي أنْ يَنْقادَ لِأبَوَيْهِ، ومَعَ هَذا لَوْ أمَراهُ بِالمَعْصِيَةِ لا يَجُوزُ اتِّباعُهُما فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِما، فَلا يَمْنَعَنَّ أحَدَكم شَيْءٌ مِن طاعَةِ اللَّهِ ولا يَتَّبِعَنَّ أحَدٌ مَن يَأْمُرُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في القِراءَةِ قُرِئَ حُسْنًا وإحْسانًا، وحُسْنًا أظْهَرُ هَهُنا، ومَن قَرَأ إحْسانًا فَمِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ (الإسْراءِ: ٢٣) والتَّفْسِيرُ عَلى القِراءَةِ المَشْهُورَةِ هو أنَّ اللَّهَ تَعالى وصّى الإنْسانَ بِأنْ يَفْعَلَ مَعَ والِدَيْهِ حُسْنَ التَّأبِّي بِالفِعْلِ والقَوْلِ، ونُكِّرَ حُسْنًا لِيَدُلَّ عَلى الكَمالِ، كَما يُقالُ إنَّ لِزَيْدٍ مالًا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: في قَوْلِهِ: ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ دَلِيلٌ عَلى أنَّ مُتابَعَتَهم في الكُفْرِ لا يَجُوزُ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الإحْسانَ بِالوالِدَيْنِ وجَبَ بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى، فَلَوْ تَرَكَ العَبْدُ عِبادَةَ اللَّهِ تَعالى بِقَوْلِ الوالِدَيْنِ لَتَرَكَ طاعَةِ اللَّهِ تَعالى فَلا يَنْقادُ لِما وصّاهُ بِهِ فَلا يُحْسِنُ إلى الوالِدَيْنِ، فاتِّباعُ العَبْدِ أبَوَيْهِ لِأجْلِ الإحْسانِ إلَيْهِمْ يُفْضِي إلى تَرْكِ الإحْسانِ إلَيْهِما، وما يُفْضِي وُجُودُهُ إلى عَدَمِهِ باطِلٌ فالِاتِّباعُ باطِلٌ، وأمّا إذا امْتَنَعَ مِنَ الشِّرْكِ بَقِيَ عَلى الطّاعَةِ، والإحْسانُ إلَيْهِما مِنَ الطّاعَةِ فَيَأْتِي بِهِ فَتَرْكُ هَذا الإحْسانِ صُورَةً يُفْضِي إلى الإحْسانِ حَقِيقَةً.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: الإحْسانُ بِالوالِدَيْنِ مَأْمُورٌ بِهِ، لِأنَّهُما سَبَبُ وُجُودِ الوَلَدِ بِالوِلادَةِ، وسَبَبُ بَقائِهِ بِالتَّرْبِيَةِ (p-٣٣)المُعْتادَةِ فَهُما سَبَبٌ مَجازًا، واللَّهُ تَعالى سَبَبٌ لَهُ في الحَقِيقَةِ بِالإرادَةِ، وسَبَبُ بَقائِهِ بِالإعادَةِ لِلسَّعادَةِ، فَهو أوْلى بِأنْ يُحْسِنَ العَبْدُ حالَهُ مَعَهُ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما﴾ فَقَوْلُهُ: ﴿ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ يَعْنِي التَّقْلِيدَ في الإيمانِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَضْلًا عَنِ التَّقْلِيدِ في الكُفْرِ، فَإذا امْتَنَعَ الإنْسانُ مِنَ التَّقْلِيدِ فِيهِ ولا يُطِيعُ بِغَيْرِ العِلْمِ لا يُطِيعُهُما أصْلًا؛ لِأنَّ العِلْمَ بِصِحَّةِ قَوْلِهِما مُحالُ الحُصُولِ، فَإذا لَمْ يُشْرِكْ تَقْلِيدًا ويَسْتَحِيلُ الشِّرْكُ مَعَ العِلْمِ، فالشِّرْكُ لا يَحْصُلُ مِنهُ قَطُّ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إلَيَّ مَرْجِعُكم فَأُنَبِّئُكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يَعْنِي: عاقِبَتُكم ومَآلُكم إلَيَّ، وإنْ كانَ اليَوْمَ مُخالَطَتُكم ومُجالَسَتُكم مَعَ الآباءِ والأوْلادِ والأقارِبِ والعَشائِرِ، ولا شَكَّ أنَّ مَن يَعْلَمُ أنَّ مُجالَسَتَهُ مَعَ واحِدٍ خالِيَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وحُضُورَهُ بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِهِ دائِمٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، لا يَتْرُكُ مَرْضِيَ مَن تَدُومُ مَعَهُ صُحْبَتُهُ لِرِضا مَن يَتْرُكُهُ في زَمانٍ آخَرَ.
ثُمَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُنَبِّئُكُمْ﴾ فِيهِ لَطِيفَةٌ، وهي أنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: لا تَظُنُّوا أنِّي غائِبٌ عَنْكم وآباؤُكم حاضِرُونَ فَتُوافِقُونَ الحاضِرِينَ في الحالِ اعْتِمادًا عَلى غَيْبَتِي وعَدَمِ عِلْمِي بِمُخالَفَتِكم إيّايَ؛ فَإنِّي حاضِرٌ مَعَكم أعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ولا أنْسى فَأُنَبِّئُكم بِجَمِيعِهِ.
{"ayah":"وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِی مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمࣱ فَلَا تُطِعۡهُمَاۤۚ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق