قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى﴾ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، سَوِيَّ الْخَلْقِ أَوْ نَاقِصَ الْخَلْقِ، وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾ أَيْ مَا تَنْقُصُ ﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾ .
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ [[انظر في هذه الأقوال وتخريجها: الدر المنثور: ٤ / ٦٠٨-٦١٠، تفسير الطبري: ١٦ / ٣٥٩-٣٦٥. واقرأ كتاب "خلق الإنسان بين الطب والقرآن" للدكتور محمد علي البار، فصل دورة الأرحام ص (٦٩-٨٢) .]] غَيْضُ الْأَرْحَامِ: الْحَيْضُ عَلَى الْحَمْلِ؛ فَإِذَا حَاضَتِ الْحَامِلُ كَانَ نُقْصَانًا فِي الْوَلَدِ، لِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ غِذَاءُ الْوَلَدِ فِي الرَّحِمِ، فَإِذَا أَهْرَقَتِ الدَّمَ يَنْقُصُ الْغِذَاءُ فَيَنْتَقِصُ الْوَلَدُ، وَإِذَا لَمْ تَحِضْ يَزْدَادُ الْوَلَدُ وَيَتِمُّ، فَالنُّقْصَانُ نُقْصَانُ خِلْقَةِ الْوَلَدِ بِخُرُوجِ الدَّمِ، وَالزِّيَادَةُ تَمَامُ خِلْقَتِهِ بِاسْتِمْسَاكِ الدَّمِ.
وَقِيلَ: إِذَا حَاضَتْ يَنْتَقِصُ [[في "ب": ينقص.]] الْغِذَاءُ وَتَزْدَادُ مُدَّةُ الْحَمْلِ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ تِسْعَةَ [[في "ب": بسبعة.]] أَشْهُرٍ ظَاهِرًا، فَإِنْ رَأَتْ [[في "ب": زادت.]] خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَضَعَتْ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَالنُّقْصَانُ فِي الْغِذَاءِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُدَّةِ [[هذه الأقوال في تفسير الآية بناء على أن الحامل تحيض، وهو مذهب مالك والشافعي في أحد قوليه. وقال عطاء والشعبي وغيرهما: لا تحيض. وبه قال أبو حنيفة، ودليله الآية. قال ابن عباس في تأويل الآية: إنه حيض الحبالى، وكذلك روي عن عكرمة ومجاهد، وهو قول عائشة، وأنها كانت تفتي النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة؛ والصحابة إذ ذاك متوافرون، ولم ينكر منهم أحد عليها، فصار كالإجماع. وقال أبو حنيفة: لو كانت الحامل تحيض، وكان ما تراه المرأة من الدم حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض، وهو إجماع. وروي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض. انظر: تفسير القرطبي: ٩ / ٢٨٦. أحكام القرآن للجصاص: ٤ / ٣٩٧-٣٩٩، تفسير ابن عطية: ٨ / ١٣٠-١٣١، أحكام القرآن لابن العربي: ٣ / ١١١٠.]] .
وَقَالَ الْحَسَنُ: غَيْضُهَا: نُقْصَانُهَا مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَالزِّيَادَةُ، زِيَادَتُهَا عَلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ النُّقْصَانُ: السَّقْطُ، وَالزِّيَادَةُ: تَمَامُ الْخَلْقِ. وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَقَدْ يُولَدُ الْمَوْلُودُ لِهَذِهِ الْمُدَّةِ وَيَعِيشُ [[وذلك منتزع من قوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" [الأحقاف: ١٥] مع قوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" (البقرة ٢٣٣) فبقي عن مدة الفصال من الثلاثين شهرا لمدة الحمل ستة أشهر. وكلام الأطباء يتفق مع هذا، فالطب يقرر أن أقل الحمل الذي يمكنه العيش بعده ستة أشهر، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: "وأما أقل مدة الحمل: فقد تظاهرت الشريعة والطبيعة على أنها ستة أشهر". انظر: تفسير القرطبي: ٩ / ٢٨٨، التبيان في إقسام القرآن لابن القيم ص (٣٣٩) ، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د. محمد علي البار ص (٤٥١-٤٥٢) .]] .
وَاخْتَلَفُوا فِي أَكْثَرِهَا: فَقَالَ قَوْمٌ: أَكْثَرُهَا سَنَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. إِنَّمَا سُمِّيَ هَرَمُ بْنُ حَيَّانَ هَرَمًا لِأَنَّهُ بَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعَ سِنِينَ [[وقد أنكر بعض المالكية وابن حزم أن يكون هناك حمل أكثر من تسعة أشهر، فقال ابن حزم: " ... ولا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر ولا أقل من ستة أشهر ... فمن ادعى أن حملا وفصالا يكون في أكثر من ثلاثين شهرا، فقد قال بالباطل والمحال ورد كلام الله عز وجل جهارا". وبعد أن ذكر جملة أخبار وقصص تشير إلى أنه قد يكون أكثر من تسعة أشهر، قال: "وكل هذه أخبار مكذوبة راجعة إلى من لا يصدق ولا يعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا. وممن روي عنه مثل قولنا: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، فهو يقول: أيما رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين ثم قعدت فلتجلس تسعة أشهر حتى تستبين حملها، فإن لم يستبن حملها في تسعة أشهر فلتعتد بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر عدة التي قعدت عن المحيض. فهذا عمر لا يرى الحمل أكثر من تسعة أشهر، وهو قول محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبي سليمان، وأصحابنا. قال علي -ابن حزم-: إلا أن الولد قد يموت في بطن أمه فيتمادى بلا غاية حتى تلقيه متقطعا في سنين. فإن صح هذا فإنه حمل صحيح لا تنقضي عدتها إلا بوضعه كله ... ". وهذا الذي انتصر له ابن حزم هو الذي عليه الأطباء فلا يزيد الحمل عندهم عن شهر بعد موعده، وإلا لمات الجنين في بطن أمه. ويعتبرون ما زاد عن ذلك نتيجة خطأ في الحساب، وأما ما يحكى عن مولودين لسنوات بعد الحمل، أو أن الحمل عند امرأة استمر لسنوات ... فهو ما يسمونه "الحمل الكاذب" وهي حالة تصيب النساء اللاتي يبحثن عن الإنجاب دون أن ينجبن فينتفخ البطن بالغازات وتتوقف العادة الشهرية، وتعتقد المرأة بأنها حامل رغم تأكيد جميع الفحوصات المخبرية والطبية بأنها غير حامل. والله أعلم. انظر في هذا كله: تفسير القرطبي: ٩ / ٢٨٨-٢٨٩، أحكام القرآن لابن العربي: ٣ / ١١٠٩، الدر المنثور: ٤ / ٦٠٩. وقارن بـ: المحلى لابن حزم: ١٠ / ٣١٦-٣١٨، خلق الإنسان بين الطب والقرآن للدكتور محمد علي البار، ص (٤٥٢-٤٥٤) .]] .
﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ أَيْ: بِتَقْدِيرٍ وَحَدٍّ لَا يُجَاوِزُهُ وَلَا يُقَصِّرُ عَنْهُ.
{"ayah":"ٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِیضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَیۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ"}