قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى﴾ قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 308، والقرطبي 9/ 285، والبغوي 3/ 297، والرازي 19/ 13.]]: يريد: ذكر أم أنثى، أم واحد أم اثنين أم أكثر [[كذا في النسخ والوسيط والمطبوع 3/ 7، وفي "الوسيط" النسخة المحققة 265: يريد ذكراً أم أنثى واحداً أم اثنين أم أكثر، وهو الصواب، والله أعلم.]]. وقال غيره [["زاد المسير" 4/ 308.]]: الله يعلم في بطن كل حامل، من علقة أو مضغة أو ناقص أو زائد، على اختلافه في جميع أحواله.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾ الغيض النقصان لازمًا وواقعًا، ذكرنا ذلك عند قوله: ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ [هود: 44]، وضده الازدياد، وهو أيضًا لازم وواقع، وهما واقعان في الآية، ومفعولهما محذوف؛ لأنهما من صلة (ما) والراجع إلى الموصول يحذف كثيراً.
واختلفوا في الذي تغيضه الأرحام وتزداده؛ فقال مجاهد [[الطبري 13/ 109 - 111، وابن أبي حاتم 7/ 2246.]]: هو خروج الدم واستمساكه، فإذا خرج الدم خس الولد، وإذا استمسك الدم تم الولد، وهذا يدل على أن [الحامل] [[في (أ)، (ج): (الجامع مل).]] تحيض فعلى هذا الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم، والزيادة ما تزداده منه، وقال عكرمة [[الطبري 13/ 111.]]: ما رأت من دم على حملها زاد ذلك في حلمها، ونحو هذا رواه عطاء عن ابن عباس [[الطبري 13/ 109، وابن أبي حاتم 7/ 2226.]]، فقال: وما تغيض الأرحام، يريد: من الدم عند الحمل، كما ذكرنا من قول مجاهد، والزيادة أن يزيد على تسعة أشهر.
قال المفسرون [[الثعلبي 7/ 123 أ.]] وأهل العلم: إذا حاضت المرأة على الحبل كان نقصانًا في غذاء الولد، وزيادة في مدة الحمل، حتى إن لها بكل يوم حاضته على حملها يومًا تزداده في طهرها، حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرًا، فإن رأت الدم خمسة أيام وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام، وقال أكثر المفسرين: الغيض والزيادة يعودان إلى مدة الحمل، وتلخيصه: ويعلم الوقت الذي تغيضه الأرحام من المدة التي هي تسعة أشهر، وما تزداد على ذلك، قاله ابن الأنباري، وهو معنى قول أكثر المفسرين.
قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 358، والقرطبي 9/ 286، وابن أبي حاتم 7/ 2226، 2227، عن الضحاك.]] في رواية الضحاك: وما ينقص من التسعة الأشهر وما يزداد على ذلك، وهو قول عطية [[الطبري 13/ 112.]]، والحسن [[الطبري 13/ 111، و"زاد المسير" 4/ 308، و"تفسير القرآن العزيز" 2/ 295.]]، والضحاك [[الطبري 13/ 111 - 112، و"زاد المسير" 4/ 308.]]، قال: الغيض: النقصان من الأجل، والزيادة: ما تزداد على الأجل، وذلك أن النساء لا يلدن لعدة واحدة، ونحو هذا القول روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 156، وانظر: الطبري 13/ 109، وابن أبي حاتم 7/ 2226]].
وقوله تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ ق ال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 308.]]: يريد علم كل شيء فقدره تقديرًا بما يكون قبل أن يكون، وكل ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وأما معنى المقدار في اللغة [["تهذيب اللغة" (قدر) 3/ 2897، و"اللسان" (قدر) 6/ 3548.]] قال الليث: المقدار القدر، وأنشد [[البيت بلا نسبة في "اللسان" (قدر) 6/ 3548، و"تاج العروس" (قدر) 7/ 375.]].
لو كانَ خَلْفَكَ أو أمَامَكَ هَائِبًا ... بَشَرًا سِوَاكَ لَهَابَكَ المِقْدَارُ
يعني الموت، وقال: المقدار أيضًا الهنداز [[الهنداز: معرب، وأصله بالفارسية أنْدازاه، يقال: أعطاه بلا حساب ولا هنْداز، ومنه: المُهَندزِ: الذي يقدر مجاري القُني والأبنية، إلا أنهم صيروا الزاي سينًا؛ لأنه ليس في كلام العرب زاي قبلها دال. "اللسان" (هندز) 8/ 4710.]]، وهو ما يقدر به الشيء، فمن الأوّل يقال: الأشياء مقادير، ومن الثاني: يقال: الأشياء بمقادير، يقال: المطر ينزل بمقدار، أي بقدرَ وقدْر، والمقدار بالمعنيين يجوز في الآية؛ لأن كل شيء بقضاء عند الله وقدر، وكل شيء أيضًا عنده معلوم مقدر بمقدار لا يعلمه غيره.
{"ayah":"ٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِیضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَیۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ"}