الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما تَغِيضُ الأرْحامُ وما تَزْدادُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ: " وما تَنْقُصُ مِنَ الأشْهُرِ التِّسْعَةِ وما تَزْدادُ، فَإنَّ الوَلَدَ يُولَدُ لِسِتَّةِ أشْهُرٍ فَيَعِيشُ ويُولَدُ لِسَنَتَيْنِ فَيَعِيشُ " . وقالَ الحَسَنُ: " وما تَنْقُصُ بِالسَّقْطِ وما تَزْدادُ بِالتَّمامِ " . وقالَ الفَرّاءُ: " الغَيْضُ النُّقْصانُ، ألا تَراهم يَقُولُونَ غاضَتِ المِياهُ إذا نَقَصَتْ ؟ " . وقالَ عِكْرِمَةُ: " إذا غاضَتْ " وقالَ: " ما غاضَتِ الرَّحِمُ بِالدَّمِ يَوْمًا إلّا زادَ في الحَمْلِ " . وقالَ مُجاهِدٌ: " الغَيْضُ ما رَأتِ الحامِلُ مِنَ الدَّمِ في حَمْلِها وهو نُقْصانٌ مِنَ الوَلَدِ، والزِّيادَةُ ما زادَ عَلى تِسْعَةِ أشْهُرٍ وهو تَمامُ النُّقْصانِ وهو الزِّيادَةُ " .
وزَعَمَ إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ: أنَّ التَّفْسِيرَ إنْ كانَ عَلى ما رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ وعِكْرِمَةَ فَهو حُجَّةٌ مِنهُ في أنَّ الحامِلَ تَحِيضُ، قالَ: " لِأنَّ كُلَّ دَمٍ يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ فَلَيْسَ يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ حَيْضًا أوْ نِفاسًا وأمّا دَمُ الِاسْتِحاضَةِ فَهو مِن عَرَقٍ " . وهَذا الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأنَّ الدَّمَ الخارِجَ مِنَ الرَّحِمِ قَدْ يَكُونُ حَيْضًا ونِفاسًا وقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُما، وقَوْلُهُ ﷺ في (p-٣٩٨)دَمِ الِاسْتِحاضَةِ: «إنَّهُ دَمُ عِرْقٍ» غَيْرُ مانِعٍ أنْ يَكُونَ بَعْضُ ما يَخْرُجُ مِنَ الرَّحِمِ مِنَ الدَّمِ قَدْ يَكُونُ دَمُ اسْتِحاضَةٍ؛ لِأنَّهُ ﷺ قالَ: «إنَّما هو دَمُ عِرْقٍ انْقَطَعَ أوْ داءٌ عَرَضَ» فَأخْبَرَ أنَّ دَمَ الِاسْتِحاضَةِ قَدْ يَكُونُ مِن داءٍ عَرَضَ وإنْ لَمْ يَكُنْ مِن عِرْقٍ وأيْضًا فَما الَّذِي يُحِيلُ أنْ يَكُونَ دَمُ العِرْقِ خارِجًا مِنَ الرَّحِمِ بِأنْ يَنْقَطِعَ العِرْقُ فَيَسِيلُ الدَّمُ إلَيْها ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يَكُونُ حَيْضًا ولا نِفاسًا ؟ ثُمَّ قالَ: " فَلا يُقالُ إنَّ الحامِلَ لا تَحِيضُ إلّا بِخَبَرٍ عَنِ اللَّهِ أوْ عَنْ رَسُولِهِ؛ لِأنَّهُ حِكايَةٌ عَنْ غَيْبٍ " . ونَسِيَ أنَّ قَضِيَّتَهُ تُوجِبُ أنْ لا يُقالَ: إنَّها تَحِيضُ إلّا بِخَبَرٍ عَنِ اللَّهِ وعَنِ الرَّسُولِ؛ لِأنَّهُ حِكايَةٌ عَنْ غَيْبٍ عَلى حَسَبِ مَوْضُوعِهِ وقاعِدَتِهِ، بَلْ قَدْ يَسُوغُ لِمَن نَفى الحَيْضَ عَنِ الحامِلِ ما لا يَسُوغُ لِمَن أثْبَتَهُ؛ لِأنّا قَدْ عَلِمْنا أنَّها كانَتْ غَيْرَ حائِضٍ فَإذا رَأتِ الدَّمَ واخْتَلَفُوا أنَّهُ حَيْضٌ أوْ غَيْرُ حَيْضٍ وفي إثْباتِ الحَيْضِ إثْباتُ أحْكامٍ، فَغَيْرُ جائِزٍ إثْباتُهُ حَيْضًا إلّا بِتَوْقِيفٍ.
وواجِبٌ أنْ تَكُونَ باقِيَةً عَلى ما كانَتْ عَلَيْهِ مِن عَدَمِ الحَيْضِ حَتّى يَثْبُتَ الحَيْضُ بِتَوْقِيفٍ أوِ اتِّفاقٍ؛ إذْ كانَ في إثْباتِ الدَّمِ حَيْضًا إثْباتُ حُكْمٍ لا سَبِيلَ إلى عِلْمِهِ إلّا مِن طَرِيقِ التَّوْقِيفِ. وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَنا حَيْضٌ " هو حُكْمُ الدَّمِ خارِجٌ مِنَ الرَّحِمِ، وقَدْ يُوجَدُ الدَّمُ خارِجًا مِنَ الرَّحِمِ عَلى هَيْئَةٍ واحِدَةٍ فَيُحْكَمُ لِما رَأتْهُ في أيّامِها بِحُكْمِ الحَيْضِ ولِما رَأتْهُ في غَيْرِ أيّامِها بِحُكْمِ الِاسْتِحاضَةِ وكَذَلِكَ النِّفاسُ. فَإذا كانَ الحَيْضُ لَيْسَ بِأكْثَرَ مِن إثْباتِ أحْكامِ الدَّمِ يُوجَدُ في أوْقاتٍ ولَمْ يَكُنِ الحَيْضُ عِبارَةً عَنِ الدَّمِ فَحَسْبُ دُونَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الحُكْمِ وإثْباتِ الحُكْمِ بِخُرُوجِ دَمٍ لا يُعْلَمُ إلّا مِن طَرِيقِ التَّوْقِيفِ، فَلَمْ يَجُزْ أنْ يُجْعَلَ هَذا الحُكْمُ ثابِتًا لِدَمِ الحامِلِ؛ إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ تَوْقِيفٌ ولا حَصَلَ عَلَيْهِ اتِّفاقٌ. ثُمَّ قالَ إسْماعِيلُ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ لا يُقالُ إنَّ الحامِلَ لا تَحِيضُ إلّا بِخَبَرٍ عَنِ اللَّهِ أوْ عَنْ رَسُولِهِ؛ لِأنَّهُ حِكايَةٌ عَنْ غَيْبٍ: " ولا يَلْزَمُ ذَلِكَ مَن قالَ: إنَّها تَحِيضُ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ قالَ: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هو أذًى فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَلَمّا قِيلَ: " النِّساءَ " لَزِمَ في ذَلِكَ العُمُومُ؛ لِأنَّ الدَّمَ إذا خَرَجَ مِن فَرْجِها فالحَيْضُ أوْلى بِهِ حَتّى يُعْلَمَ غَيْرُهُ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] لَيْسَ فِيهِ بَيانُ صِفَةِ الحَيْضِ بِمَعْنى يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هو أذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] إنَّما هو إخْبارٌ عَمّا يَتَعَلَّقُ بِالمَحِيضِ مِن تَرْكِ الصَّلاةِ والصَّوْمِ واجْتِنابِ الرَّجُلِ جِماعَها وإخْبارٌ عَنْ نَجاسَةِ دَمِ الحَيْضِ ولُزُومِ اجْتِنابِهِ، ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى وُجُودِهِ في حالِ الحَمْلِ وعَدَمِهِ وقَوْلُهُ: " لَمّا قِيلَ النِّساءَ لَزِمَ في ذَلِكَ العُمُومُ " لا مَعْنى لَهُ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿فاعْتَزِلُوا النِّساءَ في المَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] (p-٣٩٩)وقَوْلُهُ: ﴿فِي المَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] لَيْسَ فِيهِ بَيانٌ أنَّ الحَيْضَ ما هو، ومَتى ثَبَتَ المَحِيضُ وجَبَ الِاعْتِزالُ، وإنَّما اخْتَلَفا في أنَّ الدَّمَ الخارِجَ في وقْتِ الحَمْلِ هَلْ هو حَيْضٌ أمْ لا، وقَوْلُ الخَصْمِ لا يَكُونُ حُجَّةً لِنَفْسِهِ وقَوْلُهُ: " إنَّ الدَّمَ إذا خَرَجَ مِن فَرْجِها فالحَيْضُ أوْلى بِهِ " دَعْوى مُجَرَّدَةٌ مِنَ البُرْهانِ، ولِخَصْمِهِ أنْ يَقُولَ: إنَّ الدَّمَ إذا خَرَجَ مِن فَرْجِها فَغَيْرُ الحَيْضِ أوْلى بِهِ حَتّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ حَيْضٌ لِوُجُودِنا دَمًا خارِجًا مِنَ الرَّحِمِ غَيْرَ حَيْضٍ، فَلَمْ يَحْصُلْ مِن جَمِيعِ هَذا الكَلامِ إلّا دَعاوى مَبْنِيَّةٌ بَعْضُها عَلى بَعْضٍ وجَمِيعُها مُفْتَقِرٌ إلى دَلِيلٍ يُعَضِّدُها. وقَدْ رَوى مَطَرٌ الوَرّاقُ عَنْ عَطاءٍ عَنْ عائِشَةَ أنَّها قالَتْ في الحامِلِ تَرى الدَّمَ: " إنَّها لا تَدَعُ الصَّلاةَ " .
ورَوى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ قالَ: لا يُخْتَلَفُ فِيهِ عِنْدَنا عَنْ عائِشَةَ أنَّها كانَتْ تَقُولُ في الحامِلِ تَرى الدَّمَ أنَّها تُمْسِكُ عَنِ الصَّلاةِ حَتّى تَطْهُرَ، وهَذا يَحْتَمِلُ أنْ تُرِيدَ بِهِ الحامِلَ الَّتِي في بَطْنِها ولَدانِ فَوَلَدَتْ أحَدَهُما أنَّ النِّفاسَ مِنَ الأوَّلِ وأنَّها تَدَعُ الصَّلاةَ حَتّى تَطْهُرَ، عَلى ما يَقُولُ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ في ذَلِكَ، حَتّى يُصَحِّحَ الخَبَرَيْنِ جَمِيعًا عَنْها. وعِنْدَ أصْحابِنا أنَّ الحامِلَ لا تَحِيضُ، وأنَّ ما رَأتْهُ مِن دَمٍ فَهو اسْتِحاضَةٌ، وعِنْدَ مالِكٍ والشّافِعِيِّ تَحِيضُ. فالحُجَّةُ لِقَوْلِنا ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في سَبايا أرْطاسٍ: «لا تُوطَأُ حامِلٌ حَتّى تَضَعَ ولا حائِلٌ حَتّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ» والِاسْتِبْراءُ هو مَعْرِفَةُ بَراءَةِ الرَّحِمِ فَلَمّا جَعَلَ الشّارِعُ وُجُودَ الحَيْضِ عَلَمًا لِبَراءَةِ الرَّحِمِ لَمْ يَجُزْ وُجُودُهُ مَعَ الحَبَلِ؛ لِأنَّهُ لَوْ جازَ وُجُودُهُ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الحَيْضِ عَلَمًا لِبَراءَةِ الرَّحِمِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا «قَوْلُهُ ﷺ في طَلاقِ السُّنَّةِ: فَلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن غَيْرِ جِماعٍ أوْ حامِلًا قَدِ اسْتَبانَ حَمْلُها» فَلَوْ كانَتِ الحامِلُ تَحِيضُ لَفُصِلَ بَيْنَ جِماعِها وطَلاقِها بِحَيْضَةٍ كَغَيْرِ الحامِلِ، وفي إباحَتِهِ ﷺ إيقافَ الطَّلاقِ عَلى الحامِلِ بَعْدَ الجِماعِ مِن غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ الطَّلاقِ بِحَيْضَةٍ دَلالَةٌ عَلى أنَّها لا تَحِيضُ. آخِرُ سُورَةِ الرَّعْدِ.
{"ayah":"ٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِیضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَیۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق