﴿لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ﴾ أَشَدُّ، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ أَيْ: صِفَةُ الْجَنَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠] أَيْ: الصِّفَةُ الْعُلْيَا، ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أَيْ: صِفَةُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أَنَّ الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا.
وَقِيلَ: "مَثَلُ" صِلَةٌ مَجَازُهَا "الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ".
﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾ أَيْ: لَا يَنْقَطِعُ ثَمَرُهَا وَنَعِيمُهَا، ﴿وَظِلُّهَا﴾ أَيْ: ظِلُّهَا ظَلِيلٌ، لَا يَزُولُ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا إِنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ يَفْنَى [[قال شارح الطحاوية عند قول الطحاوي: "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ... " قال: ص (٤٩١-٤٩٣) . "فأما أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول ﷺ أخبر به، قال تعالى: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) أي غير مقطوع. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) [الدخان: ٥٦] . والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيرة، كقوله: "من يدخل الجنة ينعم ولا ييئس، ويخلد ولا يموت" (رواه مسلم) ، وقوله: "ينادي مناد: يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وأن تحيوا فلا تموتوا أبدا" (رواه مسلم) .]] .
﴿تِلْكَ عُقْبَى﴾ أَيْ: عَاقِبَةُ ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ يَعْنِي: الْجَنَّةَ، ﴿وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾ .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ مِنَ الْقُرْآنِ، ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ﴾ يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، ﴿مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ [[انظر: الطبري: ١٦ / ٤٧٣، الدر المنثور: ٤ / ٦٥٨.]] .
وَقَالَ الْآخَرُونَ: كَانَ ذِكْرُ الرَّحْمَنِ قَلِيلًا فِي الْقُرْآنِ فِي الِابْتِدَاءِ فلما أسلم ١٩١/ب عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ سَاءَهُمْ قِلَّةُ ذَكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ مَعَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِي التَّوْرَاةِ، فَلَمَّا كَرَّرَ اللَّهُ ذِكْرَهُ فِي الْقُرْآنِ فَرِحُوا بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [[ذكره الماوردي واختاره الزمخشري. انظر: البحر المحيط: ٥ / ٣٩٦، المحرر الوجيز: ٨ / ١٧٩.]] يَعْنِي: مُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالُوا: مَا نَعْرِفُ الرحمن إلا رحمن الْيَمَامَةِ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [[انظر فيما سبق تفسير الآية (٣٠) من السورة ص (٣١٨) .]] ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٦] ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ [الرعد: ٣٠] . وَإِنَّمَا قَالَ "بَعْضَهُ" لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُنْكِرُونَ ذِكْرَ اللَّهِ وَيُنْكِرُونَ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ.
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ، ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ أَيْ: مَرْجِعِي.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["لَّهُمۡ عَذَابࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَشَقُّۖ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقࣲ","۞ مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِی وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۖ أُكُلُهَا دَاۤىِٕمࣱ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوا۟ۚ وَّعُقۡبَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ ٱلنَّارُ","وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَۖ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن یُنكِرُ بَعۡضَهُۥۚ قُلۡ إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَلَاۤ أُشۡرِكَ بِهِۦۤۚ إِلَیۡهِ أَدۡعُوا۟ وَإِلَیۡهِ مَـَٔابِ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَۖ وَمِنَ ٱلۡأَحۡزَابِ مَن یُنكِرُ بَعۡضَهُۥۚ قُلۡ إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَلَاۤ أُشۡرِكَ بِهِۦۤۚ إِلَیۡهِ أَدۡعُوا۟ وَإِلَیۡهِ مَـَٔابِ"}