الباحث القرآني

. اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في تَفْسِيرِ الكِتابِ المَذْكُورِ فَقِيلَ: هو التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، والَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أنْزِلُ إلى رَسُولِ اللَّهِ هم مَن أسْلَمَ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى. وقِيلَ: الَّذِينَ يَفْرَحُونَ هم أهْلُ الكِتابَيْنِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مُوافِقًا لِما في كُتُبِهِمْ مُصَدِّقًا لَهُ، فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الأحْزابِ مَن يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ مَن لَمْ يُسْلِمْ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى، وعَلى الثّانِي يَكُونُ المُرادُ بِهِ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ ومَن يُماثِلُهم، أوْ يَكُونُ المُرادُ بِهِ البَعْضَ مِن أهْلِ الكِتابَيْنِ، أيْ: مِن أحْزابِهِما، فَإنَّهم أنْكَرُوهُ لِما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِن كَوْنِهِ ناسِخًا لِشَرائِعِهِمْ فَيَتَوَجَّهُ فَرَحُ مَن فَرِحَ بِهِ مِنهم إلى ما هو مُوافِقٌ لِما في الكِتابَيْنِ، وإنْكارُ مَن أنْكَرَ مِنهم إلى ما خالَفَهُما، وقِيلَ: المُرادُ بِالكِتابِ القُرْآنُ، والمُرادُ بِمَن يَفْرَحُ بِهِ المُسْلِمُونَ، والمُرادُ بِالأحْزابِ المُتَحَزِّبُونَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِنَ المُشْرِكِينَ واليَهُودِ والنَّصارى، والمُرادُ بِالبَعْضِ الَّذِي أنْكَرُوهُ مَن خالَفَ ما يَعْتَقِدُونَهُ عَلى اخْتِلافِ اعْتِقادِهِمْ. واعْتُرِضَ عَلى هَذا بِأنَّ فَرَحَ المُسْلِمِينَ بِنُزُولِ القُرْآنِ مَعْلُومٌ فَلا فائِدَةَ في ذِكْرِهِ. وأُجِيبَ عَنْهُ بِأنَّ المُرادَ زِيادَةُ الفَرَحِ والِاسْتِبْشارِ. وقالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مِن أهْلِ الكِتابِ ساءَهم قِلَّةُ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ في القُرْآنِ مَعَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ في التَّوْراةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ [الإسراء: ١١٠]، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ، ثُمَّ لَمّا بَيَّنَ ما يَحْصُلُ بِنُزُولِ القُرْآنِ مِنَ الفَرَحِ لِلْبَعْضِ والإنْكارِ لِلْبَعْضِ صَرَّحَ بِما عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وأمَرَهُ أنْ يَقُولَ لَهم ذَلِكَ، فَقالَ ﴿قُلْ إنَّما أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ ولا أُشْرِكَ بِهِ﴾ أيْ لا أُشْرِكُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، أيْ: قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ إلْزامًا لِلْحُجَّةِ ورَدًّا لِلْإنْكارِ إنَّما أُمِرْتُ فِيما أُنْزِلَ إلَيَّ بِعِبادَةِ اللَّهِ وتَوْحِيدِهِ، وهَذا أمْرٌ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الشَّرائِعُ وتَطابَقَتْ عَلى عَدَمِ إنْكارِهِ جَمِيعُ المِلَلِ المُقْتَدِيَةِ بِالرُّسُلِ، وقَدِ اتَّفَقَ القُرّاءُ عَلى نَصْبِ ولا أُشْرِكَ بِهِ عَطْفًا عَلى أعْبُدَ. وقَرَأ أبُو خُلَيْدٍ بِالرَّفْعِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، ورَوى هَذِهِ القِراءَةَ عَنْ نافِعٍ إلَيْهِ أدْعُو أيْ إلى اللَّهِ لا إلى غَيْرِهِ أوْ إلى ما أُمِرْتُ بِهِ، وهو عِبادَةُ اللَّهِ وحْدَهُ، والأوَّلُ أوْلى لِقَوْلِهِ وإلَيْهِ مَآبِ فَإنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ، أيْ: إلَيْهِ وحْدَهُ: لا إلى غَيْرِهِ مَرْجِعِي. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ فَضائِلِ القُرْآنِ، وأوْعَدَ عَلى الإعْراضِ عَنِ اتِّباعِهِ مَعَ التَّعَرُّضِ لِرَدِّ ما أنْكَرُوهُ مِنِ اشْتِمالِهِ عَلى نَسْخِ بَعْضِ شَرائِعِهِمْ فَقالَ ﴿وكَذَلِكَ أنْزَلْناهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الإنْزالِ البَدِيعِ أنْزَلْنا القُرْآنَ مُشْتَمِلًا عَلى أُصُولِ الشَّرائِعِ وفُرُوعِها، وقِيلَ: المَعْنى: وكَما أنْزَلْنا الكُتُبَ عَلى الرُّسُلِ بِلُغاتِهِمْ كَذَلِكَ أنْزَلْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ بِلِسانِ العَرَبِ، ونُرِيدُ بِالحُكْمِ ما فِيهِ مِنَ الأحْكامِ أوْ حِكْمَةٌ عَرَبِيَّةٌ مُتَرْجَمَةٌ بِلِسانِ العَرَبِ، وانْتِصابُ حُكْمًا عَلى الحالِ ﴿ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهُمْ﴾ الَّتِي يَطْلُبُونَ مِنكَ مُوافَقَتَهم عَلَيْها كالِاسْتِمْرارِ مِنكَ عَلى التَّوَجُّهِ إلى قِبْلَتِهِمْ وعَدَمِ مُخالَفَتِكَ لِشَيْءٍ مِمّا يَعْتَقِدُونَهُ ﴿أهْواءَهم بَعْدَما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ﴾ الَّذِي عَلَّمَكَ اللَّهُ إيّاهُ ﴿ما لَكَ مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ مِن جَنابِهِ مِن ولِيٍّ يَلِي أمْرَكَ ويَنْصُرُكَ ﴿ولا واقٍ﴾ يَقِيكَ مِن عَذابِهِ، والخِطابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تَعْرِيضٌ لِأُمَّتِهِ، واللّامُ في ولَئِنِ اتَّبَعَتْ هي المُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ. و( ما لَكَ ) سادٌّ مَسَدَّ جَوابِ القَسَمِ والشَّرْطِ. ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلًا مِن قَبْلِكَ وجَعَلْنا لَهم أزْواجًا وذُرِّيَّةً﴾ أيْ إنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ أرْسَلْناهم قَبْلَكَ هم مِن جِنْسِ البَشَرِ، لَهم أزْواجٌ مِنَ النِّساءِ ولَهم ذُرِّيَّةٌ تَوالَدُوا مِنهم ومِن أزْواجِهِمْ، ولَمْ نُرْسِلِ الرُّسُلَ مِنَ المَلائِكَةِ الَّذِينَ لا يَتَزَوَّجُونَ ولا يَكُونُ لَهم ذُرِّيَّةٌ. وفِي هَذا رَدٌّ عَلى مَن كانَ يُنْكِرُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تَزَوُّجَهُ بِالنِّساءِ، أيْ: أنَّ هَذا شَأْنُ رُسُلِ اللَّهِ المُرْسَلِينَ قَبْلَ هَذا الرَّسُولِ فَما بالُكم تُنْكِرُونَ عَلَيْهِ ما كانُوا عَلَيْهِ ﴿وما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ أيْ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ أنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ مِنَ الآياتِ، ومِن جُمْلَتِها ما اقْتَرَحَهُ عَلَيْهِ الكُفّارُ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ سُبْحانَهُ. وفِيهِ رَدٌّ عَلى الكُفّارِ حَيْثُ اقْتَرَحُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِنَ الآياتِ ما اقْتَرَحُوا بِما سَبَقَ ذِكْرُهُ ﴿لِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ﴾ أيْ لِكُلِّ أمْرٍ مِمّا قَضاهُ اللَّهُ، أوْ لِكُلِّ وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ الَّتِي قَضى اللَّهُ بِوُقُوعِ أمْرٍ فِيها كِتابٌ عِنْدَ اللَّهِ يَكْتُبُهُ عَلى عِبادِهِ ويَحْكُمُ بِهِ فِيهِمْ. وقالَ الفَرّاءُ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ. والمَعْنى: لِكُلِّ كِتابٍ أجَلٌ، أيْ: لِكُلِّ أمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ أجْلٌ مُؤَجَّلٌ ووَقْتٌ مَعْلُومٌ كَقَوْلِهِ (p-٧٣٥)سُبْحانَهُ: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾ [الأنعام: ٦٧]، ولَيْسَ الأمْرُ عَلى حَسَبِ إرادَةِ الكُفّارِ واقْتِراحاتِهِمْ: بَلْ عَلى حَسَبِ ما يَشاؤُهُ ويَخْتارُهُ. ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ﴾ أيْ يَمْحُو مِن ذَلِكَ الكِتابِ ويُثْبِتُ ما يَشاءُ مِنهُ، يُقالُ مَحَوْتُ الكِتابَ مَحْوًا إذا أذْهَبْتَ أثَرَهُ. قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ ويُثَبِّتَ بِالتَّخْفِيفِ. وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو حاتِمٍ وأبُو عُبَيْدٍ. وظاهِرُ النَّظْمِ القُرْآنِيِّ العُمُومُ في كُلِّ شَيْءٍ مِمّا في الكِتابِ فَيَمْحُو ما يَشاءُ مَحْوَهُ مِن شَقاوَةٍ أوْ سَعادَةٍ أوْ رِزْقٍ أوْ عُمُرٍ أوْ خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، ويُبْدِلُ هَذا بِهَذا، ويَجْعَلُ هَذا مَكانَ هَذا ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]، وإلى هَذا ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ وأبُو وائِلٍ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ وابْنُ جُرَيْجٍ وغَيْرُهم، وقِيلَ: الآيَةُ خاصَّةٌ بِالسَّعادَةِ والشَّقاوَةِ، وقِيلَ: يَمْحُو ما يَشاءُ مِن دِيوانِ الحَفَظَةِ، وهو ما لَيْسَ فِيهِ ثَوابٌ ولا عِقابٌ ويُثْبِتُ ما فِيهِ الثَّوابُ والعِقابُ، وقِيلَ: يَمْحُو ما يَشاءُ مِنَ الرِّزْقِ، وقِيلَ: يَمْحُو مِنَ الأجَلِ، وقِيلَ: يَمْحُو ما يَشاءُ مِنَ الشَّرائِعِ فَيَنْسَخُهُ ويُثْبِتُ ما يَشاءُ فَلا يَنْسَخُهُ، وقِيلَ: يَمْحُو ما يَشاءُ مِن ذُنُوبِ عِبادِهِ ويَتْرُكُ ما يَشاءُ، وقِيلَ: يَمْحُو ما يَشاءُ مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ ويَتْرُكُ ما يَشاءُ مِنها مَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ، وقِيلَ: يَمْحُو الآباءَ ويُثْبِتُ الأبْناءُ، وقِيلَ: يَمْحُو القَمَرَ ويُثْبِتُ الشَّمْسَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ١٢]، وقِيلَ: يَمْحُو ما يَشاءُ مِنَ الأرْواحِ الَّتِي يَقْبِضُها حالَ النَّوْمِ فَيُمِيتُ صاحِبَهُ ويُثْبِتُ ما يَشاءُ فَيَرُدُّهُ إلى صاحِبِهِ، وقِيلَ: يَمْحُو ما يَشاءُ مِنَ القُرُونِ ويُثْبِتُ ما يَشاءُ مِنها، وقِيلَ: يَمْحُو الدُّنْيا ويُثْبِتُ الآخِرَةَ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمّا لا حاجَةَ إلى ذِكْرِهِ، والأوَّلُ أوْلى كَما تُفِيدُهُ ( ما ) في قَوْلِهِ: ما يَشاءُ مِنَ العُمُومِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الكِتابِ في قَوْلِهِ ﴿لِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ﴾ ومَعَ قَوْلِهِ ﴿وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾ أيْ أصْلُهُ، وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، فالمُرادُ مِنَ الآيَةِ أنَّهُ يَمْحُو ما يَشاءُ مِمّا في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ فَيَكُونُ كالعَدَمِ، ويُثْبِتُ ما يَشاءُ مِمّا فِيهِ فَيَجْرِي فِيهِ قَضاؤُهُ وقَدَرُهُ عَلى حَسَبِ ما تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ، وهَذا لا يُنافِي ما ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِن قَوْلِهِ: «جَفَّ القَلَمُ» وذَلِكَ لِأنَّ المَحْوَ والإثْباتَ هو مِن جُمْلَةِ ما قَضاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: إنَّ أُمَّ الكِتابِ هو عِلْمُ اللَّهِ تَعالى بِما خَلَقَ وما هو خالِقٌ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ قالَ: أُولَئِكَ أصْحابُ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَرِحُوا بِكِتابِ اللَّهِ وبِرَسُولِهِ وصَدَّقُوا بِهِ ﴿ومِنَ الأحْزابِ مَن يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ يَعْنِي اليَهُودَ والنَّصارى والمَجُوسَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في الآيَةِ: قالَ هَؤُلاءِ مَن آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِن أهْلِ الكِتابِ يَفْرَحُونَ بِذَلِكَ، ومِنهم مَن يُؤْمِنُ بِهِ، ومِنهم مَن لا يُؤْمِنُ بِهِ ﴿ومِنَ الأحْزابِ مَن يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ قالَ: الأحْزابُ الأُمَمُ اليَهُودُ والنَّصارى والمَجُوسُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وإلَيْهِ مَآبِ﴾ قالَ: إلَيْهِ مَصِيرُ كُلِّ عَبْدٍ. وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ قَتادَةَ عَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عَنِ التَّبَتُّلِ» . وقَرَأ قَتادَةُ ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلًا مِن قَبْلِكَ﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشامٍ قالَ: دَخَلْتُ عَلى عائِشَةَ فَقُلْتُ: إنِّي أُرِيدُ أنْ أتَبَتَّلَ ؟ قالَتْ: لا تَفْعَلْ، أما سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلًا مِن قَبْلِكَ وجَعَلْنا لَهم أزْواجًا وذُرِّيَّةً﴾ وقَدْ ورَدَ في النَّهْيِ عَنِ التَّبَتُّلِ والتَّرْغِيبِ في النِّكاحِ ما هو مَعْرُوفٌ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: قالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أُنْزِلَ ﴿وما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ ما نَراكَ يا مُحَمَّدُ تَمْلِكُ مِن شَيْءٍ، ولَقَدْ فُرِغَ مِنَ الأمْرِ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَخْوِيفًا لَهم ووَعِيدًا لَهم ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ﴾ إنّا إنْ شِئْنا أحْدَثْنا لَهُ مِن أمْرِنا شَيْئًا، ويُحْدِثُ اللَّهُ في كُلِّ رَمَضانَ فَيَمْحُو ما يَشاءُ ويُثْبِتُ مِن أرْزاقِ النّاسِ ومَصائِبِهِمْ وما يُعْطِيهِمْ وما يَقْسِمُ لَهم. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والفِرْيابِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ نَصْرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ﴾ قالَ: يَنْزِلُ اللَّهُ في كُلِّ شَهْرِ رَمَضانَ إلى سَماءِ الدُّنْيا، فَيُدَبِّرُ أمْرَ السَّنَةِ إلى السَّنَةِ فَيَمْحُو ما يَشاءُ ويُثْبِتُ إلّا الشَّقاوَةَ والسَّعادَةَ والحَياةَ والمَوْتَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: هو الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمانَ بِطاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ عَلى ضَلالَةٍ، فَهو الَّذِي يَمْحُو، والَّذِي يُثْبِتُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وقَدْ سَبَقَ لَهُ خَيْرٌ حَتّى يَمُوتَ عَلى طاعَةِ اللَّهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ ومُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: هُما كِتابانِ يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ مِن أحَدِهِما ويُثْبِتُ، ﴿وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾، أيْ: جُمْلَةُ الكِتابِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ " إنَّ لِلَّهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عامٍ مِن دُرَّةٍ بَيْضاءَ لَهُ دَفَّتانِ مِن ياقُوتٍ، والدَّفَّتانِ لَوْحانِ لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاثٌ وسِتُّونَ لَحْظَةً ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾ " . وإسْنادُهُ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ: هَكَذا حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ شَهْرِ بْنِ عَسْكَرٍ حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطاءٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فَذَكَرَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ في ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ فَيَفْتَحُ الذِّكْرَ في السّاعَةِ الأُولى مِنها يَنْظُرُ في الذِّكْرِ الَّذِي لا يَنْظُرُ فِيهِ أحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ» الحَدِيثَ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِإسْنادٍ. قالَ السُّيُوطِيُّ: ضَعِيفٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ إلّا الشَّقاوَةَ والسَّعادَةَ والحَياةَ والمَماتَ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ. وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ «لا يَنْفَعُ الحَذَرُ مِنَ القَدَرِ، ولَكِنَّ اللَّهَ يَمْحُو بِالدُّعاءِ ما يَشاءُ مِنَ القَدَرِ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ (p-٧٣٦)قَيْسِ بْنِ عَبّادٍ قالَ العاشِرُ مِن رَجَبٍ وهو يَوْمٌ يَمْحُو اللَّهُ فِيهِ ما يَشاءُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ نَحْوَهُ بِأطْوَلَ مِنهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ قالَ وهو يَطُوفُ بِالبَيْتِ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ شِقْوَةً أوْ ذَنْبًا فامْحُهُ، فَإنَّكَ تَمْحُو ما تَشاءُ وتُثْبِتُ، وعِنْدَكَ أُمُّ الكِتابِ، فاجْعَلْهُ سَعادَةً ومَغْفِرَةً. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في المَدْخَلِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ﴾ قالَ: يُبَدِّلُ اللَّهُ ما يَشاءُ مِنَ القُرْآنِ فَيَنْسَخُهُ، ويُثْبِتُ ما يَشاءُ فَلا يُبَدِّلُهُ ﴿وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾ يَقُولُ: وجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ في أُمِّ الكِتابِ: النّاسِخُ والمَنسُوخُ، ما يُبَدِّلُ، وما يُثْبِتُ - كُلُّ ذَلِكَ في كِتابٍ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾ قالَ: الذِّكْرُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَسارٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ سَألَ كَعْبًا عَنْ أُمِّ الكِتابِ ؟ فَقالَ: عَلِمَ اللَّهُ ما هو خالِقٌ، وما خَلْقُهُ عالِمُونَ، فَقالَ لِعِلْمِهِ كُنْ كِتابًا، فَكانَ كِتابًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب