الباحث القرآني

﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ هُمُ المُسْلِمُونَ مِن أهْلِ الكِتابِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وكَعْبٍ، وأضْرابِهِما، ومَن آمَنَ مِنَ النَّصارى. وهم ثَمانُونَ رَجُلًا، أرْبَعُونَ بِنَجْرانَ، وثَمانِيَةٌ بِاليَمَنِ، واثِنانَ وثَلاثُونَ بِالحَبَشَةِ. ﴿يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ إذْ هو الكِتابُ المَوْعُودُ في التَّوْراةِ، والإنْجِيلِ. ﴿وَمِنَ الأحْزابِ﴾ أيْ: مِن أحْزابِهِمْ، وهم كَفَرَتُهُمُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالعَداوَةِ، نَحْوُ: كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ، والسَّيِّدِ والعاقِبِ أُسْقُفَيْ نَجْرانَ، وأتْباعِهِما. ﴿مَن يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ وهو الشَّرائِعُ الحادِثَةُ إنْشاءً، أوْ نَسْخًا، لا ما يُوافِقُ ما حَرَّفُوهُ. وإلّا لَنُعِيَ عَلَيْهِمْ مِن أوَّلِ الأمْرِ أنَّ مَدارَ ذَلِكَ إنَّما هو جِناياتُ أيْدِيهِمْ، وأمّا ما يُوافِقُ كُتُبَهم فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، وإنْ لَمْ يَفْرَحُوا بِهِ. وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالمَوْصُولِ الأوَّلِ عامَّتُهُمْ، فَإنَّهم أيْضًا يَفْرَحُونَ بِهِ لِكَوْنِهِ مِصْداقًا لِكُتُبِهِمْ في الجُمْلَةِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: "وَمِنَ الأحْزابِ ..." إلَخْ. تَتِمَّةً بِمَنزِلَةِ أنْ يُقالَ: ومِنهم مَن يُنْكِرُ بَعْضَهُ ﴿قُلْ﴾ إلْزامًا لَهُمْ، ورَدًّا لِإنْكارِهِمْ. ﴿إنَّما أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ ولا أُشْرِكَ بِهِ﴾ أيْ: شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ، أوْ لا أفْعَلُ الإشْراكَ بِهِ، والمُرادُ: قَصْرُ الأمْرِ بِالعِبادَةِ عَلى اللَّهِ تَعالى، لا قَصْرُ الأمْرِ مُطْلَقًا عَلى عِبادَتِهِ تَعالى خاصَّةً، أيْ: قُلْ إنَّما أُمِرْتُ فِيما أُنْزِلَ إلَيَّ بِعِبادَةِ اللَّهِ وتَوْحِيدِهِ، وظاهِرٌ أنْ لا سَبِيلَ (p-26)لَكم إلى إنْكارِهِ لِإطْباقِ جَمِيعِ الأنْبِياءِ، والكُتُبِ عَلى ذَلِكَ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكم ألا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ فَما لَكم تُشْرِكُونَ بِهِ عُزَيْرًا، أوِ المَسِيحَ. وقُرِئَ: ولا أُشْرِكُ بِهِ بِالرَّفْعِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، أيْ: وأنا لا أُشْرِكُ بِهِ ﴿إلَيْهِ﴾ إلى اللَّهِ تَعالى، خاصَّةً عَلى النَّهْجِ المَذْكُورِ مِنَ التَّوْحِيدِ، أوْ إلى ما أُمِرْتُ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ. ﴿أدْعُو﴾ النّاسَ لا إلى غَيْرِهِ أوْ لا إلى شَيْءٍ آخَرَ، مِمّا لَمْ يُطْبِقُ عَلَيْهِ الكُتُبُ الإلَهِيَّةُ، والأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ. فَما وجْهُ إنْكارِكم ﴿وَإلَيْهِ﴾ إلى اللَّهِ تَعالى وحْدَهُ، ﴿مَآبِ﴾ مَرْجِعِي لِلْجَزاءِ، وحَيْثُ كانَتْ هَذِهِ الحُجَّةُ الباهِرَةُ لازِمَةً لَهم لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصًا. أُمِرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأنْ يُخاطِبَهم بِذَلِكَ إلْزامًا، وتَبْكِيتًا لَهم. ثُمَّ شَرَعَ في رَدِّ إنْكارِهِمْ لِفُرُوعِ الشَّرائِعِ الوارِدَةِ ابْتِداءً، أوْ بَدَلًا مِنَ الشَّرائِعِ المَنسُوخَةِ بِبَيانِ الحِكْمَةِ في ذَلِكَ فَقِيلَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب